أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - درويش أبو عجره - عقيدة التبعية والتراتبية والثالوث! ج1















المزيد.....



عقيدة التبعية والتراتبية والثالوث! ج1


درويش أبو عجره

الحوار المتمدن-العدد: 5699 - 2017 / 11 / 15 - 01:14
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


عقيدة التبعية والتراتبية والثالوث! ج1
تذكر دائرة المعارف الكتابية الثالوث كالآتي:

"لم ترد كلمة "الثالوث" في الكتاب المقدس، حيث لا يذكر الكتاب المقدس هذا اللفظ بالذات تعبيراً عن مفهوم أنه ليس هناك سوى الله الواحد الحقيقي، وأن في وحدانية الله ثلاثة أقانيم هم واحد في الجوهر، ومتساوون في الأزلية والقدرة والمجد، لكنهم متمايزون في الشخصية."

وتعرّفها الموسوعة الكاثوليكية Catholic Encyclopedia تحت عنوان "الثالوث المبارك" (THE BLESSED TRINITY):

"الثالوث هو كلمة تستخدم لتشير إلى مركز معتقد الديانة المسيحية - والحقيقة هي أن وحدانية الألوهية فيها ثلاثة أشخاص: الآب والابن والروح القدس وهؤلاء الثلاثة أشخاص هم في الحقيقة مختلفون عن بعضهم البعض."
"The Trinity is the term employed to signify the central doctrine of the Christian religion – the truth that in the unity of the Godhead there are Three Persons, the Father, the Son, and the Holy Spirit, these Three Persons being truly distinct one from another."

والتثليث مما سبق عبارة عن الاعتقاد بأن الله إله واحد ولكنه عبارة عن ثلاثة أشخاص، وكل واحد من هؤلاء الثلاثة ليس الآخر، أي أن الابن ليس هو الآب، والآب ليس هو الروح القدس، والروح القدس ليس هو الابن، فهم شخصيات متمايزة مختلفة، وهنا نقف عند مجموعة نقاط:

1-أن كل واحد منهم هو إله كامل، ولاشك لمن عنده أدنى قدر من التفكير إله كامل وإله كامل وإله كامل ستعطينا ثلاثة آلهة وليس إلهاً واحداً!
2- وتجدهم يقولون بأنه مادام أنهم طبيعة واحدة (وهي الإلهية) فبذلك هم إله واحد، وهذا من أعجب الكلام، فلو كان عندنا بطرس ومتى ويوحنا على سبيل المثال والذين هم ثلاثة أشخاص من طبيعة واحدة (وهي البشرية) فلا يصح لأحد أن يقول بأنهم إنسان واحد أو رجل واحد وإنما هم ثلاثة بشر أو رجال، فوجود الشخصيات المتميزة هي التي تجعلهم ثلاثة رجال وليسوا رجلاً واحداً.
3- والأعجب أن يبرر بعضهم التثليث بمبررات غريبة كأن يقول أنت كشخص مكون من ثلاثة أشياء: جسم وعقل وروح، ومع ذلك أنت شخص واحد، وهذا كلام ضد قائله ويبين حالة التناقض في دعوى التثليث، فالجسم والعقل والروح أجزاء من الشخصية ولا يمثل كل واحد منهم شخصية كاملة، وإلا لو كان الجسم شخصا والعقل شخصا والروح شخصا لكانوا ثلاثة أشخاص وليس شخصاً واحداً، ولو كانوا بذلك ثلاثة شخصيات لكانوا ثلاثة رجال أو نساء.
4- فالزعم بأن وحدانية الله تعني وجود ثلاثة أشخاص إلهية إنما هي تخالف معتقدات الأنبياء السابقين وما توارثه اليهود منهم أن الله عبارة عن شخص واحد فقط لا غير؛ ومن ذلك نقرأ: "أَنَا اللَّهُ وَلَيْسَ آخَرَ." (أشعياء 45 : 22)، فبينما صرّح الآب بأنه هو الله وليس آخر نجد بأن المسيح أعلن بأنه آخر غير الآب: "الَّذِي يَشْهَدُ لِي هُوَ آخَرُ." (يوحنا 5 : 32)
5- بل وعقيدة التثليث تخالفها عدم علم المسيح بموعد يوم القيامة (مرقس 32 : 13) وخضوعه يوم القيامة لله (1 كورنثوس 15 : 28)

عقيدة التثليث القائلة بمساواة المسيح بالله الآب مع الإقرار بأنه ليس هو الله الآب لم تظهر إلا في القرن الرابع الميلادي، وإليك بعض المراجع العلمية التي توضح ذلك:

1- نقرأ في قاموس الكتاب المقدس (Dictionary of the Bible) للقس الشهير جون ماكينزي (John L. McKenzie) (وهذا القاموس كما تبين موسوعة الويكيبيديا تحت اسم القس بأنه أشهر قاموس للكتاب المقدس على الإطلاق للناطقين باللغة الإنجليزية) ص 899 (ط 1965):
"إن ثالوث الله تُعرِّفُه الكنيسة بأنه الاعتقاد بأن في الله ثلاثة أشخاص ذوو طبيعة واحدة، وهذا المعتقد وصل على هذا النحو فقط في القرنين الرابع والخامس الميلاديين، ومن هنا فإنها ليست تحديداً ورسمياً معتقداً إنجيلياً."
"The trinity of God is defined by the church as the belief that in God are three persons who subsist in one nature. The belief as so defined was reached only in the 4th and 5th centuries AD and hence is not explicitly and formally a biblical belief."

2- نفس هذا الاعتراف تقر به موسوعة أمريكيانا (Encyclopedia Americana) ص 294، ج 27 (ط 1959):
"إن تثليث القرن الرابع لا يعكس بدقة التعليم المسيحي المبكر فيما يتعلق بطبيعة الله بل هو انحراف عن هذا التعليم."
"Fourth century Trinitarianism did not reflect accurately early Christian teaching regarding the nature of God it was, on the contrary, a deviation from this teaching."

3- وقاموس الكتاب المقدس الجديد (The New Bible Dictionary) (الذي أحد محرريه F. F. Bruce وهو المؤلف الذي يحب البروتستانت الاقتباس من كلامه كثيراً) نقرأ في ص 1298 (ط 1962) تحت عنوان: "التثليث" (TRINITY):
". . . إنها [أي التثليث] لم تجد لها مكاناً رسمياً في لاهوت الكنيسة حتى القرن الرابع."
". . . it did not find a place formally in the theology of the Church till the 4th century."

4- ونقرأ في الموسوعة الكاثوليكية الحديثة (The New Catholic Encyclopedia) ص 295، ج 14 (ط 1965) هذا الاعتراف الخطير:
"وهناك أيضاً تشابه متقارب من الاعتراف من جهة مؤرخي العقيدة واللاهوتيين النظاميين أنه حينما يتحدث أحد ما عن [معتقد] التثليث غير المؤهل فإنه ينتقل من فترة أصول المسيحية إلى الربع الأخير من القرن الرابع الميلادي، فمنذ ذلك الوقت فقط ما يمكن تسميته بعقيدة التثليث المحدد "إله واحد في ثلاثة شخصيات" قد أصبح متمثلاً بشكل كلي في الحياة والفكر المسيحي ... إنها نتاج ثلاث قرون من التطور العقائدي."
"There is also the closely parallel recognition on the part of historians of dogma and systematic theologians that when one does speak of an unqualified Trinitarianism, one has moved from the period of Christian origins to, say, the last quadrant of the 4th century. It was only then that what might be called the definitive Trinitarian dogma One God in three Persons became thoroughly assimilated into Christian life and thought ... it was the product of 3 centuries of doctrinal development."

5- وفي الموسوعة البريطانية الحديثة (The New Encyclopedia Britannica) (ط 1976) نقرأ تحت عنوان "التثليث" (TRINITY) عن تثليث القرن الرابع بشيء من التفصيل وأسماء من ساهموا في تشكيل تلك العقيدة المتأخرة:
"إن مجمع نيقية عام 325 أعلن عن صيغة حاسمة لتلك العقيدة والتي فيها يكون الاعتراف بأن الابن "له نفس جوهر [هومووسيوس] الآب"، وبالرغم من ذلك قيل القليل جداً عن الروح القدس، وبعد نصف قرن قام أثاناسيوس بالدفاع وصقل الصيغة النيقاوية، ومع نهاية القرن الرابع الميلادي تحت قيادة باسيليوس القيصري وغيريغوريوس النيصيّ وغريغوريوس النازينازي (الآباء الكبّادوكيّون) أخذت عقيدة التثليث بشكل جوهري الشكل الذي حُفظت عليه منذ ذلك الحين."
"In Christian doctrine, the unity of Father, Son, and Holy Spirit as three persons in one Godhead Neither the word Trinity nor the explicit doctrine appears in the New Testament, … The Council of Nicaea in 325 stated the crucial formula for that doctrine in its confession that the Son is of the same substance [homoousios] as the Father, even though it said very little about the Holy Spirit. Over the next half century, Athanasius defended and refined the Nicene formula, and, by the end of the 4th century, under the leadership of Basil of Caesarea, Gregory of Nyssa, and Gregory of Nazianzus (the Cappadocian Fathers), the doctrine of the Trinity took substantially the form it has maintained ever since."

شكل النهائي للتثليث صيغ في نهاية القرن الرابع الميلادي على يد الآباء الكبادوكيين (فهم طوروا معتقد أثناسيوس الاسكندري الذي عاش في نفس القرن)، والآباء الكبادوكيين هم كل من: باسيليوس القيصري (ويلقب بالكبير) (ت 379) وشقيقه الأصغر غريغوريوس النيصي (ت 394) وغريغوريوس النازينازي (ت 390) الذي كان زميل دراسة وصديقاً لباسيليوس (وقد لقبوا بالآباء الكبادوكيين نسبة إلى إقليم كبادوكية أو قبادوقية بآسيا الصغرى)، ومن هنا سمى بعضهم هذا التثليث العصري (Modern Trinitarianism) بالتثليث الكبّادوكي (Cappadocian Trinitarianism) (راجع http://encyclopedia.jrank.org/TAV_THE/THEISM.html).

وعن أهمية الآباء الكبادوكيين وتكوينهم للتثليث المعاصر صرحت أيضاً الموسوعة البريطانية (Encyclopedia Britannica) (على موقعها الرسمي 2014 http://global.britannica.com/EBcheck...rs#ref235462):

"لقد كانت المساهمة الحاسمة في الجدل التثليثي من قِبل مجموعة بارزة من اللاهوتيين الكبادوكيين ذوي العقلية الفلسفية – باسيليوس القيصري وأخوه الصغير غريغوريوس النيصي وصديق العمر غريغوريوس النازينازي."
"Although Athanasius prepared the ground, constructive agreement on the central doctrine of the Trinity was not reached in his lifetime, either between the divided parties in the East´-or-between East and West with their divergent traditions. The decisive contribution to the Trinitarian argument was made by a remarkable group of philosophically minded theologians from Cappadocia—Basil of Caesarea, his younger brother Gregory of Nyssa, and his lifelong friend Gregory of Nazianzus. Of aristocratic birth and consummate culture, all three were drawn to the monastic ideal, and Basil and Gregory of Nazianzus achieved literary distinction of the highest order. While their joint accomplishments in doctrinal definition were indeed outstanding, each made a noteworthy mark in other fields as well."

وفي كتاب "صناعة الأرذودوكسية" (ص 152، ط 2002) (The Making of Orthodoxy: Essays in Honour of Henry Chadwick) والذي شارك في تأليفه نخبة من علماء اللاهوت البريطانيين؛ نقرأ:

"إن الأشخاص الذين كانوا مسؤولين عن الوصول إلى المرحلة الأخيرة من تكوين عقيدة التثليث هم بالطبع الثلاثة العظماء اللاهوتيين الكبّادوكيين، باسيليوس القيصري وغريغوريوس النازينازي وغريغوريوس النيصي."
"The people who were responsible for achieving the final stage of the formation of the doctrine of the Trinity were, of course, the three great Cappadocian theologians, Basil of Caesarea, Gregory of Nazianzus and Gregory of Nyssa."

وتذكر الموسوعة البريطانية في حديثها عن "تاريخ التفاعلات الفلسفية واللاهوتية" بأن تثليث الآباء الكبّادوكيين قد تأثرت بالفلسفة الأفلاطونية الوثنية؛ فتقول الموسوعة (2014 http://global.britannica.com/EBcheck...gy#ref301337):

"إن الأصل الأفلاطوني لهذه المفهومية واضحة في شرح الآباء الكبّادوكيين بأن الآب والابن والروح القدس يتشاركون في نفس الجوهر الإلهي مثلما أن بطرس ويعقوب ويوحنا يتشاركون في نفس البشرية."
"The Platonic origin of this conceptuality is clear in the explanation of the Cappadocian Fathers that the Father, Son, and Holy Spirit share the same divine ousia in the way Peter, James, and John shared the same humanity."

ونفس الكلام تصرح به موسوعة الويكيبيديا الإنجليزية (على الرابط التالي: http://en.wikipedia.org/wiki/Cappadocian_Fathers):

"إن الآباء الكبّادوكيين قاموا بتطوير اللاهوت المسيحي المبكر، مثل عقيدة التثليث، كما أن لهم احترام كبير كقديسين في الكنائس الغربية والشرقية . . . وفي كتاباتهم استخدموا بشكل مكثف الصيغة (التي الآن تعتبر أرثوذوكسية): "جوهر واحد في ثلاثة أشخاص"، فالعلاقة (عند باسيليوس القيصري) مفهومة بالمشابهة المأخوذة من الأفلاطونية: أن أي ثلاثة بشر كل واحد منهم شخص فردي، وأنهم يتشاركون في مشترك عام الذي هو إنسانيتهم."
"The Cappadocian Fathers advanced the development of early Christian theology, for example the doctrine of the Trinity, and are highly respected as saints in both Western and Eastern churches . . . In their writings they made extensive use of the (now orthodox) formula "one substance (ousia) in three persons (hypostaseis)". The relationship is understandable, argued Basil of Caesarea, in a parallel drawn from Platonism: any three human beings are each individual persons and all share a common universal, their humanity."

ونقرأ في قاموس الكتاب المقدس (Dictionary of the Bible) للقس اللاهوتي جون ماكينزي (John L. McKenzie) ص 899 (ط 1965):

"إن تثليث الشخصيات داخل وحدة الطبيعة قد تمّ تعريفه بمصطلحات "الشخص" و"الطبيعة"، وهي التي أُخِذت عن مصطلحات الفلسفة اليونانية، وهي في الحقيقة مصطلحات لا تظهر في الكتاب المقدس، فالتعاريف التثليثية ظهرت بعد مناقشات طويلة والتي بها ظهرت هذه المصطلحات وغيرها مثل "الجوهر" و"العنصر" والتي أضيفت بشكل خاطئ إلى الله عن طريق بعض اللاهوتيين."
"The trinity of persons within the unity of nature is defined in terms of "person" and "nature: which are G[ree]k philosophical terms actually the terms do not appear in the Bible. The Trinitarian definitions arose as the result of long controversies in which these terms and others such as "essence" and "substance" were erroneously applied to God by some theologians."

وتصرح الموسوعة الكاثوليكية الجديدة (The New Catholic Encyclopedia) ج 10، ص 335 بقولها:

"ومع ذلك من منتصف القرن الرابع فما بعد كان الفكر المسيحي متأثر بقوة بالفلسفة الأفلاطونية الحديثة وبالروحانية الباطنية."
"From the middle of the 4th century onward, however, Christian thought was strongly influenced by Neo-platonic philosophy and mysticism."

مأزق الثلاثة آلهة بالنسبة للآباء الكبّادوكيين!

بما أن الآباء الكبّادوكيين قد اخترعوا عقيدة جديدة من تساوي ثلاثة أشخاص في الألوهية (والتي بالطبع بدأها قبلهم أثاناسيوس ولكنهم طوروها وأعطوها الشكل النهائي وبشكل مستقى من الفلسفة اليونانية)، وحاولوا إيهام الناس أنهم بذلك لا يعبدون ثلاثة آلهة وقعوا في إجابات تنقض دعواهم.

فباسيليوس القيصري (والذي يعد أبرز الآباء الكبادوكيين) حاول الاستدلال بتساوي الثلاثة شخصيات في التثليث وحاول نقض كلام الخضوعيين (الذين يقولون بعدم مساواة المسيح بالله)؛ حيث قال باسيليوس في كتابه "عن الروح القدس" (الفصل 17، النص رقم 41 ، ص 69، طبعة St Vladimir s Seminary Press، ط 1980):

"يمكننا أن نتعلم من خبراء القواعد بأن بعض الأسماء مشتركة، وهي تستخدم لتصف عدداً كبيراً من الأشياء، بينما [أسماء] أخرى تكون أكثر خصوصية، وقوة [أسماء] أخرى تجعلها مناسبة لشخص أو شيء واحد. فالجوهر على سبيل المثال هو اسم مشترك، والذي يمكن أن يستخدم ليصف جميع الأشياء، سواء أكانت متحركة أم ساكنة، والحي أكثر خصوصية، فهو يصف مواداً أقل من الجوهر، ولكن لأنه يشتمل على كلا الحياتين العاقلة وغير العاقلة فإن هناك أسماء كثيرة أكثر خصوصية منها، فالإنسان أخص من الحي، والرجل أخص من الإنسان، بينما أسماء الأفراد بطرس ويعقوب ويوحنا أكثر خصوصية من الكل. فهل يُعرّفها الخضوعيون على أنها تقسيم الكل إلى أعضاء أقل؟"
"We can learn from experts in grammar that some nouns are common, used to describe a great number of things, while others are more specific, and the force of others is proper to one person´-or-thing. Essence, for example, is a common noun it can be used to describe all things, whether animate´-or-inanimate. Living is more specific it describes fewer subjects than essence, but since it includes both rational and irrational life, there are many more specific nouns: human is more specific than living, and man is more specific than human, while the individual names Peter, James, and John are the most specific of all. Do they define subordination as the division of the whole into lesser parts?"

يريد باسيليوس القول بأن بطرس ويعقوب ويوحنا بما أنهم من نفس الطبيعة البشرية والجنس الرجولي فهذا يجعلهم متساوون، وبالتالي الآب والابن والروح القدس هم من نفس الطبيعة فلا تفاضل بينهم، ولكن هذه النظرية تصطدم بالنصوص الكتابية أيما تصادم، فبولس يصرح بأن الرجل هو رأس المرأة (أي رئيساً عليها بمعنى مرتبة أعلى منها)، وبالتالي سيجيب المسيحي نعم لأن الجنس الرجولي يختلف عن الجنس الأنثوي، وبالتالي يمكن التفاضل بينهم، ولكن في نفس مقارنة بولس هذه يقوم بمقارنة بين الله والمسيح فيجعل الله هو رأس المسيح؛ يقول بولس:

"وَلَكِنْ أُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَأْسَ كُلِّ رَجُلٍ هُوَ الْمَسِيحُ. وَأَمَّا رَأْسُ الْمَرْأَةِ فَهُوَ الرَّجُلُ. وَرَأْسُ الْمَسِيحِ هُوَ اللهُ." (1 كورنثوس 11 : 3)

وعلو الله على المسيح هو علو أبدي ليس مختصاً بالحياة الدنيوية؛ قال بولس عن يوم القيامة:

"وَمَتَى أُخْضِعَ لَهُ الْكُلُّ فَحِينَئِذٍ الِابْنُ نَفْسُهُ أَيْضاً سَيَخْضَعُ لِلَّذِي أَخْضَعَ لَهُ الْكُلَّ كَيْ يَكُونَ اللهُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ." (1 كورنثوس 15 : 28)

ونظرية باسيليوس هذه هي لا تتصادم مع تصريحات الكتاب المقدس فحسب وإنما تصطدم مع نفسها أيضا، وذلك حينما نسأل أليس بطرس ويعقوب ويوحنا ذوي الجنس الرجولي يشكلون ثلاثة رجال وليس رجلاً واحداً؟ وبالتالي أليس الآب والابن والروح القدس يشكلون ثلاثة آلهة وليس إلهاً واحداً؟

في الحقيقة هذا السؤال الأخير قد وُجِّه إلى الآباء الكبّادوكيين أنفسهم، وقد اعترفوا بصعوبته البالغة عليهم، ففي رسالة بعث بها أحد المسيحيين إلى غوريغوريوس النيصي (والمفارقة هي أن النيصي هو أخو باسيليوس القيصري!) يسأله عن نفس السؤال فنجد غوريغوريوس يجيبه بالتالي معترفاً بصعوبة السؤال (ويمكنك قراءة هذه الرسالة بالإنجليزية على هذه الصفحة: http://www.newadvent.org/fathers/2905.htm):

"في الحقيقة إن السؤال الذي اقترحته لنا ليس سهلاً، وهو ليس بذاك إلا أنه سيتبعه أذى بسيطاً إن قوبل بعلاج غير كاف . . . إن النقاش الذي طرحته هو شيء مثل هذا: بطرس ويعقوب ويوحنا الذين هم في طبيعة إنسانية واحدة يُسمون ثلاثة بشر، فليس هناك أي سخف من وصف أولئك المتحدون بالطبيعة إن كانوا أكثر من واحد بعدد جمع للاسم المشتق من طبيعتهم. ثم إن كانت هكذا هي الحالة التي في الأعلى فإن العادة تقره، وليس هناك من يمنعنا من أن نتحدث عن أولئك الذين هم اثنان أنهم اثنان أو أولئك الذين هم أكثر من اثنين كثلاثة، فكيف في حالة إقرارنا بأسرار الإيمان بالاعتراف بالثلاثة أشخاص مع تصريحنا بأنه لا يوجد اختلاف في الطبيعة بينهم، فنكون بوجه ما مختلفين مع اعترافنا حينما نقول بأن ألوهية الآب والابن والروح القدس هي واحدة ومع ذلك نمنع الناس من أن يقولوا بأن هناك ثلاثة آلهة؟ إن السؤال كما قلت ذو صعوبة بالغة في التعامل معه، ومع ذلك إن كان علينا أن نتمكن من إيجاد أي شيء يمكن أن يثبت لنا عدم مصداقية عقولنا، وبذلك يمكننا ألا نعود فنتأرجح ونضطرب في هذه المعضلة الضخمة، فمن الجيد من جهة أخرى بأنه حتى وإن كانت حججنا غير مكافئة للمشكلة فإن علينا أن نبقى إلى الأبد ثابتين وراسخين بالتقليد الذي استلمناه من خلافة الآباء، وأن نسأل الرب أن يعطينا الحجة التي تدافع عن إيماننا، فإن وجدنا هذا من أي من أولئك الذين وُهبوا النعمة فعلينا إعطاء الشكر له الذي وهبنا النعمة، ولكن إن لم نجدها فعلينا مع ذلك البقاء على تلك النقاط المحددة متمسكين بإيماننا ثابتين."
"In truth, the question you propound to us is no small one, nor such that but small harm will follow if it meets with insufficient treatment . . . The argument which you state is something like this:— Peter, James, and John, being in one human nature, are called three men: and there is no absurdity in describing those who are united in nature, if they are more than one, by the plural number of the name derived from their nature. If, then, in the above case, custom admits this, and no one forbids us to speak of those who are two as two,´-or-those who are more than two as three, how is it that in the case of our statements of the mysteries of the Faith, though confessing the Three Persons, and acknowledging no difference of nature between them, we are in some sense at variance with our confession, when we say that the Godhead of the Father and of the Son and of the Holy Ghost is one, and yet forbid men to say there are three Gods? The question is, as I said, very difficult to deal with: yet, if we should be able to find anything that may give support to the uncertainty of our mind, so that it may no longer totter and waver in this monstrous dilemma, it would be well: on the other hand, even if our reasoning be found unequal to the problem, we must keep for ever, firm and unmoved, the tradition which we received by succession from the fathers, and seek from the Lord the reason which is the advocate of our faith: and if this be found by any of those endowed with grace, we must give thanks to Him who bestowed the grace but if not, we shall none the less, on those points which have been determined, hold our faith unchangeably."

هل لاحظت أيها القارئ كيف كرر غريغوريوس النيصي ذكر شعوره بصعوبة المسألة، ثم إدراكاً منه أن إجابته لن تكون كافية لحل "المعضلة الضخمة" وبالتالي دعا إلى التمسك بتلك المعتقدات المحددة بشكل ثابت وراسخ، وما أشبه هذه المحاولة بصاحب أي دين لا يجد مبرراً لمعتقداته الرئيسية الأساسية، فالهندوسي الذي يعبد البقرة مثلاً لو سأل كاهنه كيف نعبد البقرة وهي حيوان؟ فإن إجابة الكاهن من دون شك ستكون بالدعوة إلى التمسك بالمعتقدات المحددة بشكل ثابت وراسخ! وبالتالي لا عقل ولا تفكير.

ثم تخيل معي أيها القارئ ما هي إجابة غريغوريوس النيصي على السؤال؟ وهي الإجابات التي هو بنفسه أحس بأنها لن تكون كافية، أجاب بإجابتين كل واحدة منهما تبين أن الآباء الكبادوكيين في الواقع كانوا يدركون بأنهم يؤمنون بثلاثة آلهة مثلما أن يوحنا وبطرس ويعقوب ثلاثة رجال وليسوا رجلاً واحداً؛ فالإجابتان هما:

الإجابة الأولى: مجرد المخالفة للوثنيين!: فيصرح النيصي بأن عدم تصريح المسيحيين بأن الثلاثة عبارة عن ثلاثة آلهة إنما هو من أجل مخالفة الوثنيين؛ فبعد أن ذكر السؤال: كيف يمكن أن نسمي أصحاب الطبيعة البشرية حينما تتعدد شخصياتهم بأنهم "أناس كثيرون" بدلاً من أن نسميهم إنساناً واحداً بينما نسمي أصحاب الطبيعة الإلهية مع الإقرار بتعدد الشخصيات بأنهم إلهاً واحداً وليسوا آلهة؟ فيجيب بقوله:

"ربما يمكن لأحدنا كما يبدو أنه يرد على النقطة إن قال (بكلام مرتجل ومباشر للناس) بأن التعريف يرفض الاعتراف بآلهة في أي عدد للابتعاد عن أي تشابه مع الشرك الوثني، وذلك خوفاً من أننا إذا كنا أيضاً نعدد الإله ليس كفرد بل كجمع كما تعودوا هم على ذلك، فإنه يمكن أن يكون بذلك بعض التماثل في المعتقد."
"Perhaps one might seem to touch the point if he were to say (speaking offhand to straightforward people), that the definition refused to reckon Gods in any number to avoid any resemblance to the polytheism of the heathen, lest, if we too were to enumerate the Deity, not in the singular, but in the plural, as they are accustomed to do, there might be supposed to be also some community of doctrine."

وكلام غريغوريوس هنا خطير جداً فهو يقرّ بالمشابهة الوثنية العقائدية، ولكنه كأنه يرى وجوب التلاعب بالألفاظ من أجل تشتيت الوثني وإبعاده من إدراك هذه التشابهات! ثم يصرح غريغوريوس النيصي بأن هذه الإجابة يمكن أن يكون لها وزن لدى البسطاء من الناس، وأما الذين يبحثون عن بدائل (يقصد أنهم يبحثون عن إجابات منطقية) فإن "هذه الإجابة لن تقدم أي حل للمشكلة." (this answer is not such as to furnish any solution of the difficulty. )، وبالتالي ذهب النيصي ليبحث عن إجابة ثانية، وهي في الواقع إجابة زادت الطينة بلة.

الإجابة الثانية: أن الاستخدام اللغوي في وصف تعدد الأشخاص ذوي الطبيعة الإنسانية بأنهم "أناس كثيرون" يعتبر خطأ لغوياً! ولذلك لا يمكن الاستمرار على هذا الخطأ في وصف تعدد الأشخاص ذوي الطبيعة الإلهية بأنهم آلهة، فعلى عكس باسيليوس القيصري الذي رأينا إجابته مسبقاً حاول الاستدلال بالقواعد على أن اتحاد الجنس أو النوع يؤدي إلى التساوي في المراتب (وهي نظرية قد رددت عليها من الكتاب المقدس) يحاول أخوه غريغوريوس النيصي تخطئة اللغة حينما تقف اللغة ضده! فيقول:

"نبدأ إجابتنا بقولنا أن ممارسة مناداة أولئك الذين هم غير منقسمون [أي غير مختلفون] في الطبيعة بالاسم الخاص بطبيعتهم المشتركة بالجمع، وقولنا أنهم أناس كثيرون تعتبر عادة خاطئة للغة، فذلك مثله مثل القول أن هناك طبائع بشرية كثيرة."
"We say, then, to begin with, that the practice of calling those who are not divided in nature by the very name of their common nature in the plural, and saying they are many men, is a customary abuse of language, and that it would be much the same thing to say they are many human natures."

ولأن الكتاب المقدس نفسه يقر استخدام كلمة "رجال كثيرون" أو "أناس" (أي بالجمع) حينما يكون هناك عدد أكثر من رجل واحد كما في العبرانيين 6 : 16 رد النيصي بأن الكتاب المقدس يستخدم هذا التعبير لمجاراة المعتاد في اللغة وإن كان خطأ، وذلك لأن هذا الخطأ المعتاد لن يؤدي إلى إفساد المعتقد، وأما في الحديث عن الله فإن الكتاب المقدس (من وجهة نظره) عمد إلى تصحيح هذا الخطأ لأنه يتعلق بالمعتقد! ولاشك بأن إجابة غريغوريوس إجابة ركيكة وغريبة بل هي مغالطة، ليست فقط مغالطة لمن يقرأ رسالته بل هي مغالطة لنفسه! فهو بذلك يخادع نفسه قبل أن يخادع غيره! فما هو الأسلوب الصحيح للغة؟ هل نَصِف البشر المتعددون على أنهم أناس كثيرون أم على أنهم إنسان واحد؟ كلام فارغ يدل على اللف والدوران والتهرب من أن عقيدته تقر بأن تعدد الأشخاص في طبيعة واحدة تجعلهم متعددي العدد، فثلاثة أشخاص بطبيعة بشرية تجعلهم ثلاثة بشر، وثلاثة أشخاص بطبيعة إلهية تجعلهم ثلاثة آلهة، فلا يمكن التهرب بالتلاعب بالألفاظ لتشتيت الوثنيين ولا يمكن التهرب بادعاء خطأ اللغة لتبرير مالا يبرر، وهذه التبريرات الركيكة تدلنا على عقلية أولئك الذين ابتدعوا واخترعوا عقيدة التثليث.

إن غريغوريوس النيصي (الذي يعد أحد الآباء الكبادوكيين مؤسسي عقيدة التثليث ومنظريه) يعترف في بداية رسالته هذه أن السؤال صعب جداً، وقد جعل لنفسه مهرباً مسبقاً بسبب إحساسه بقصور إجابته، وذلك المهرب هو أن هذا هو التقليد المستلم من الآباء السابقين حيث قال:

"فإن علينا أن نبقى إلى الأبد ثابتين وراسخين بالتقليد الذي استلمناه من خلافة الآباء."
"we must keep for ever, firm and unmoved, the tradition which we received by succession from the fathers."



#درويش_أبو_عجره (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- واسعة وقوووية بالحيل يا نصير الأديب العلي!
- أَدْرُسُ لَحْمَكُمْ مَعَ أَشْوَاكِ الْبَرِّيَّةِ بِالنَّوَار ...
- تقديس الخرافة والبابا متاؤس الأول والضبعة نموذجا!
- التَّعَرِّي المُقدَّسُ آيَةٌ وأُعْجوبَةٌ !!
- نبي عارٍ وأسقف عاقل محتشم !!
- قال الرب سيف حدد وصقل ليذبح ذبحا !
- حكمة بابل والتوراة والحكيم الأشوري أحيقار نموذجا !
- الآثار وداعش ووهابية إله الكتاب المقدس!
- سقوط الدولة السعودية الثانية ما أشبه اليوم بالبارحة!
- هاتوا الفلوس اللي عليكو يا ابن سلمان!


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - درويش أبو عجره - عقيدة التبعية والتراتبية والثالوث! ج1