|
رحلات مغربية : طنجة في سطور
عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .
الحوار المتمدن-العدد: 5698 - 2017 / 11 / 14 - 22:38
المحور:
الادب والفن
وصلنا إلى طنجة في السادسة صباحا من 13 من نونبر 2017، شعرنا ببرد شديد بفعل التيارات الهوائية المتوسطية والاطلنتية التي تنساب على مدينة طنجة، خرجنا من محطة القطار، وعرجنا ناحية البحر، هناك تركنا الشاطىء البلدي على يميننا وسرنا عبر شارع محمد السادس حتى وصلنا إلى الميناء، بعد ذلك وجدنا شارعا عبارة عن عقبة اسمه شارع الشاطىء الذي قادنا إلى ساحة 9 من أبريل 1947، تلك الساحة التي وجه فيها الملك المغربي الراحل محمد الخامس خطابه إلى الشعب المغربي في ذلك التاريخ حيث انتقد الاستعمار الفرنسي، تتكون الساحة المذكورة من عدة كراسي متناثرة وتحاذيها سنيما الريف والمقبرة اليهودية، كما تعرف حضورا كثيفا للعابرين، إن للمكان زمنيته، فوقت الظهيرة ليس هو منتصف الليل، غالبا في وقت الظهيرة ترى كل الأجناس والأعمار، لكن حين ينتصف الليل لا ترى إلا أصوات الكائنات الليلية التي تحدث عنها محمد شكري في رواية الخبز الحافي، توجد الساحة على مدخل المدينة القديمة، كان السؤال الذي ينتابني في هذه اللحظة: ماذا تعني طنجة ؟ كيف يتمثل السكان المحليون مدينتهم ؟ تقول الأسطورة الشفوية المحلية أن سفينة النبي نوح خلال الطوفان ظلت طريقها في سبيل البحث عن اليابسة، وذات يوم حطت حمامة على السفينة وفي رجليها الوحل، فصاح الركاب : " الطين جا، الطين جا" أي : اقتربت اليابسة، ثم سميت المنطقة بطنجة، أما الأسطورة الاغريقية، فتقول أن إنتي ابن إله البحر بوسيدون كان يهاجم المسافرين و من جماجم هؤلاء أسس معبدا لوالده وكانت له مملكة تمتد من سبتة الى مصب وادي الليكوس سماها بطنجة تيمنا بحبيبته التي كانت تحمل اسم طنجة، لكن هرقل استطاع أن ينتزع من انتي طنجة وتزوجها وولدت له سوفوكوس الذي أنشأ مستعمرة طنجيس، استوطنت طنجة عبر التاريخ حضارات متعددة من اليهود و الأمازيغ والفينيقيين و الوندال والرومان والعرب والبرتغاليين والاسبان والانجليز، ففي المدينة القديمة يرى المرء هذا الكوكتيل الهائل لمدينة طنجة، إن أول ما انتابنا ونحن ندخل الى المدينة القديمة من خلال شارع إيطاليا هو شكل العمارة، إذ تتميز منازلها بأبوابها الصغيرة ونوافذها الضيقة على مستوى الداخل حيث تغلب العمارة الإسبانية، لكن في الخارج لاحظنا النوافذ الواسعة المطلة على الخارج والشرفات، والملاحظ أن الحضور الاسباني اللافت في طنجة مرده إلى ظهور الاستعمار والمجاعات الهائلة التي ضربت أسبانيا خلال الحرب الأهلية التي جرت بين سنتي 1936- 1939، فإذا رجعنا إلى التاريخ نجد أن الاسبان كانوا يشكلون 20 في المئة من مجموع سكان المدينة خلال هذه الفترة، هذا الحضور اللافت والذي يوحي بالتعددية التي تعتري مدينة طنجة يتجلى في أسماء الشوارع، إذ نجد زنقة المسيحيين وعقبة فرانسيس، كما لا يبتعد المسجد عن الكنيسة، إضافة إلى الشوارع الضيقة حيث الشرفات تقترب من بعضها البعض، لا ننسى كذلك المقهى سنترال ونزل فوينتيس ونزل ميامي، إن لغات كثيرة في طنجة والمبنى الواحد قد حمل أكثر من ديانة عبر تاريخ المدينة، فالمسجد الأعظم بطنجة يقال أنه تأسس في مكان معبد روماني، فصار كنيسة إبان وجود البرتغاليين، ثم رجع مسجدا بعد استرداد المدينة في سنة 1684، هناك خمسة أحياء للمدينة القديمة لطنجة وهي القصبة، دار البارود، وجنان القبطان، وبني ايدر، ووادي اهرضان، إن عصب الحياة داخل المدينة القديمة هو السوق الداخلي الذي كان يضم عبر التاريخ عدة مكاتب للبريد، أما أبواب المدينة، فيرجح انها 13 بابا أهمها باب المرسى وباب البحر ...داخل المدينة القديمة نجد أقدم سفارة وهي سفارة أمريكا التي تأسست في سنة 1821 في عهد السلطان سليمان، يبقى ابن بطوطة هو شخصيتها التاريخية، ذلك المفكر والرحالة و الاناسي الكبير الذي سرد حياة الشعوب والثقافات التي زارها، وسيظل هذا العلامة نموذجنا الذي نقتدي به على الدوام، ومن المقاهي التي أثارت فضولنا مقهى الحافة المطل على شاطىء البحر، حيث تلوح مدينة طريفة الإسبانية على بعد 12 كلم، ففي المكان بالضبط كان يجلس الأديب المغربي محمد شكري، وفيه جلست مع صديقي حميد الذي درس معي في الثانوية منذ 12 عاما في مدينة بنسليمان ولم ألتقيه منذ مدة طويلة، تناولنا شايا منعنعا، وجلسنا برهة من الزمان نستحضر ما فات من الذكريات على مقاعد الدراسة، يشتغل حميد منذ أربع سنوات بالمدينة، لازلت أذكره أيام الدراسة، لقد كان مجدا على الرغم من كل الظروف التي كانت تحيط به، قبل أن نفترق كنا قد زرنا المقابر البونية والرومانية، وقبل حلول المغرب توادعنا والتقيت مع صديقي أحمد كريم الذي ظل يتجول طيلة اليوم بين دروب المدينة الحديثة، التقيته، والملفت في المدينة العصرية أنه من النادر أن تسمع لاغاني جبلية، ففي مقاهيهها وحاناتها فقط تستمع لاغاني حريزية وشاوية، فثقل الرباط والدار البيضاء والشاوية عموما حاضر في عروس الشمال. لكن الملاحظ أيضا أن بعض المقاهي تتزين بصور لتاريخ المدينة وببعض اللوحات الفنية التي تحتفي بقدم المدينة، تمنيت أن استمع لاغاني جبلية في أحد المقاهي، لكن لم أسمعها، في الحانات والمقاهي يلاحظ أن التحرش كمفهوم سوسيولوجي ليس سمة ذكورية، فمن خلال لعبة الجسد وفن الاغواء، يظهر أن التحرش سمة أنثوية خالصة، ديمغرافيا بلغ عدد سكان طنجة أكثر من مليون نسمة في إحصائيات 2014، مناخها معتدل في الشتاء وحار في الصيف، تصل التساقطات المطرية سنويا إلى 736 ملم، وعلى المستوى الديني توجد عدة زوايا متناثرة في المدينة من قبيل الزاوية الدرقاوية والبوتشيشية والعجيبية والكتانية وغيرها، كما تعرف طنجة حضورا لاقلية شيعية تنتمي للمذهب الشيعي الجعفري، إذ في عاشوراء يعبرون عن حزنهم من خلال ارتداء السواد دون الخروج من المنازل . لقد ظلت طنجة تلك المدينة الكوسموبوليتية الحاوية لكل الثقافات والأديان والجامعة لقيم التعدد والاختلاف. وسوف أزورها مهما حييت وتوفرت الإمكانيات .
#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رحلات مغربية : من الدار البيضاء إلى طنجة : الأم هي الجذر الذ
...
-
لن يتمكنوا من إقبارنا !!
-
اسم في الخلود وفعل في الشجاعة
-
مشاهد من الشيخوخة
-
مشاهد من المراهقة المتأخرة
-
مشاهد من المراهقة
-
مشاهد من الطفولة
-
قد أنبعث من رمادي
-
الينابيع الأولى لحب القراءة: الشمعة والكتاب
-
في انتظار الأمل الذي قد يأتي
-
اتيان دولا بويسي مؤولا: العبودية طوعية والحرية بيد الشعب
-
بين الحب الدنجواني والحب العذري: تمرد على شريعة الزواج . قرا
...
-
من مراكش إلى قلعة السراغنة : حرارة البحث عن التاريخ العميق !
-
من امنتانوت إلى مراكش : الأرض القاحلة
-
من أكادير إلى امنتانوت : حين تجتمع الحرارة المفرطة بالطريق ا
...
-
من كلميم إلى تيزنيت : شدة المناخ
-
كلميم : باب الصحراء
-
من افني إلى كلميم : بين اكجكال واجكال : لبس في المعنى
-
إفني : عروس تجلس على هضبة ساحرة
-
من مير اللفت إلى ايفني : الطبيعة الجميلة / المهمشة
المزيد.....
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|