أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - مروة التجاني - الضحك في السجن














المزيد.....

الضحك في السجن


مروة التجاني

الحوار المتمدن-العدد: 5695 - 2017 / 11 / 11 - 16:46
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


الطريق إلى السجن قصير إذا ما قيس بالمسافات والزمن العادي لرجل الشارع ، لو لم يكن مؤدي إلى السجن فبالكاد أن يشعر به أحد ، لكن حين يقود إليه يكون طويلاً حيث تستحث جميع حواسك في محاولة لسرقة مشاهد أخيرة من الحرية ، الطريق إلى السجن في حال لم تكن معصوب العينين يعني النظر في الشوارع ، المارة ، الوجوه العابرة ، الروائح .. كأن الداخل للسجن يحاول أن يسرق من كل شئ القليل والصور الأخيرة . لكن هو ليس مسافراً ليحزم أمتعته ويوضب الذكريات ، الطريق إلى السجن يعني تسمر الوجه في حالة واحدة وهي الخلو من التعابير .. هنا لايتم سرقة هواء الحرية أثناء الطريق وإنما التضحية بكل شئ . تسقط المشاعر في الطريق وكأن السجين يلقي بقطع لحمه ودمه ليروي ضمأ أرض لا تعرف الشبع أو الأمتنان ، هي تضحية فردية وقربان يقدم دون مناسبة أو احتفاء .

اللحظات الأولى دائماً هي الأقسى .. عند بوابات السجون يتلاشى الإحساس حين تمتد أيادي الحراس للتفتيش ، لا يمكن أن ترتسم ابتسامة ولو باهتة والأيادي الغريبة تمتد لتلامس كل اجزاء الجسد في وحشية ، أما مشاعر الداخل فتكون في قمة سموها فلو سئل سجين هل راودته رغبة في أن يرى يد حارس مقطوعة فستكون اجابته بالنفي ، هكذا هم الضحايا يتضامون مع بعضهم وأن كان السؤال متخيلاً . لا يملك السجين عادة كنوز ليحزن حين تنتزع منه وأن كان يعرف إنها ستعود إليه حين خروجه لكن فكرة الفقد مؤلمة . . معنى أن تفقد سيجارة ، قلم ، بضع نقود ، حزام هو أن تتجرد من كل ما يكمل المظهر الإنساني ، هو لحظة فقدان الصلة مع العالم الخارجي ، هو بدايات المواجهة مع العدو المتربص في الداخل " الوقت " مجرداً من كل فعل أو تعبير ، سيتكفل الوقت برسم ملامح الوجه العاري من كل انفعال .

في أوقات الحرب والأزمات الكبرى تكون السجون منطقة غائبة عن العالم ، ممحية من الوجود ، الطريق إليها في هذه الأثناء يعنى الموت المسبق .. السجين نقطة مكتوبة في ورقة ستمحو الكلمات الطويلة كل أثر لها . حدث أن عذب أحدهم في ظروف مماثلة ولم يمت بل قطعت يده عند منطقة الكف ، كان يفكر لحظتها " ماذا سأفعل بالأخرى ؟ " ويعزي نفسه " إنها اليد اليسرى " . في السجن يمكن أن تفقد كل شئ وجميع اجزاء الجسد ، فلا عزاء سوى البقاء على قيد الحياة .. يخيم الموت على السجن أولاً ثم ينتقل إلى بقية البلاد ، كلما اظلمت السجون ماتت البلد وشاخت ، هي مقابر الأحياء وشواهد الإنسانية المحتضرة .

حدث أن ضحك ذات مرة السجين مقطوع اليد ، حدث أن ضحك السجين الذي اخضع لتفتيش دقيق ، وضحك آخر في زمن الحرب .. الضحك في السجن يعني أن الدماء لا تزال تسري في العروق وأن الطبيعة الإنسانية لاتزال قادرة على الانتصار والبقاء ، سيبدو الطريق إلى السجن كمشهد سينمائي جميل بعد أن تأخذ السجون الانفعالات وتسرقها ، تتكسر الضحكات وتجئ ذابلة .. الجيد في الأمر أنها لن تختفي لكن سيكون فيها مذاق الموت والكراهية .. سم يلذع . الطريق للسجن يعني العدوى بالسموم ، امتلاء الوجه بالوقت والضحك المكتوم .



#مروة_التجاني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ريمون كينو كاتباً الهيغلية
- وداعاً ماياكوفسكي
- في اعتزال العالم
- فكر مدام دو ستايل الأدبي
- أيام في الزنزانة
- ديستوفسكي في عيادة فرويد - تشريح المثلية المكبوتة
- كفاح المثلية الجنسية .. شكراً دافنشي
- The Coat
- اختراع العزلة
- كفاح المثلية الجنسية .. شكراً اندرية جيد
- سيمون فايل - فيلسوفة التجذر 2
- سيمون فايل - فيلسوفة التجذر 1
- المثلية الجنسية ليست جريمة
- الغرفة المزدوجة
- مع باستر كيتون - 1922
- الصور الجميلة
- تأملات ماركوس أوريليوس
- هواجس جسد فتاة مثلية جنسياً - 2
- هواجس جسد فتاة مثلية - 1
- في حبي


المزيد.....




- كفاءتها متدنية وخلفيتها نازية.. زاخاروفا تستغرب نية بيربوك ا ...
- الأمم المتحدة: إغلاق المخابز في غزة مأساة تنذر بأزمة جوع هائ ...
- محدث:: الاحتلال يرتكب مجزرة بقصفه عيادة -الأونروا- شمال قطاع ...
- اغلاق المخابز في غزة ودخول القطاع مرحلة جديدة من المجاعة
- مجزرة جديدة.. أكثر من 15 شهيداً بينهم أطفال في قصف استهدف عي ...
- لوبان تطرق باب المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان
- ليبيا: إطلاق سراح -المصري- يبدد آمال المهاجرين غير الشرعيين ...
- تعليق إسرائيلي لـCNN على الهجوم الذي أدى إلى مقتل 15 عامل إغ ...
- تصعيد عسكري إسرائيلي في الضفة الغربية وسط اعتقالات وإصابات و ...
- الأمم المتحدة ترد على إسرائيل: ادعاء مخزون الغذاء في غزة -سخ ...


المزيد.....

- ١-;-٢-;- سنة أسيرا في ايران / جعفر الشمري
- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - مروة التجاني - الضحك في السجن