|
الصفقة الكبرى بين التهويل والتهوين
ابراهيم ابراش
الحوار المتمدن-العدد: 5691 - 2017 / 11 / 7 - 15:14
المحور:
القضية الفلسطينية
صفقة القرن ،الصفقة التاريخية ، الصفقة الكبرى ، الحل الإقليمي الخ ، كلها مسميات لمشروع تهيئ له الإدارة الأمريكية لتسوية الصراعات في الشرق الأوسط ومن بينها الصراع الفلسطيني الإسرائيلي .مع أنه مشروع ما زال قيد الإعداد ولا توجد نصوص أو معلومات كاملة حوله ، إلا أنه أثار كثيرا من الجدال والنقاش والتخوفات عند كل الأطراف في الشرق الأوسط ، ومبعث القلق ليس فقط مما سيتضمنه المشروع من تصورات وحلول بل من شخصية الرئيس ترامب ومواقفه المثيرة للجدل وغير المستقرة فيما يتعلق بكل سياساته الخارجية . من حيث المبدأ فإن الحديث عن مشروع تسوية سياسية يتم الإعداد له من طرف الإدارة الامريكية ،وبغض النظر عن مسماه ، ليس بالأمر الجديد ،فمنذ إطلاق عملية التسوية السياسية في مؤتمر مدريد للسلام 1991 وكل رئيس أمريكي جديد يطرح مشروع تسوية جديد متجاهلا مشاريع الإدارات السابقة أو يُدخل عليها تعديلات بما يتوافق مع شخصيته ومع المتغيرات الدولية والإقليمية ومع أولويات الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط . في جميع هذه المشاريع التسووية كانت الإدارات الأمريكية منحازة لإسرائيل وكلها مشاريع ليست جادة في حل الصراع بل تهدف للإمساك بمفاتيح إدارته والحيلولة دون انفجاره ومنع أية جهة دولية من التدخل بهذا الملف ،والصفقة الكبرى أو مشروع ترامب لن تخرج عن هذا السياق . بالرغم من البعد الزماني وما طرأ من تغيرات إقليمية ودولية فإن هناك ما يستحق المقارنة بين ما تسمى صفقة القرن للرئيس ترامب ورؤية بوش الأب للتسوية السياسية والتي كانت أساس مؤتمر مدريد للسلام 1991 واتفاقية أوسلو 1993 ،حتى يمكن القول بأن ما يجري اليوم محاولة إنجاح ما فشل في مدريد 1991 أو نسخة محدثة عنه (مدريد2 ) ،ولكنها نسخة مطبوعة بطابع شخصية ترامب الاستعراضية وتعامله مع السياسة كما يتعامل مع الاقتصاد أي بلغة الصفقات ، فكما خلد اسمه من خلال برج ترامب الشهير في مانهاتن في نيويورك يريد تخليد اسمه من خلال صفقة سياسية في الشرق الأوسط . أوجه الشبه تكمن في التعامل مع الصراع كصفقة شاملة بحيث تتداخل القضية الفلسطينية مع الصراع العربي الإسرائيلي والرغبة في التطبيع بين إسرائيل والعرب ،مع ملف الإرهاب ونبذ العنف والتحريض ، أيضا من خلال تحريك الملف الفلسطيني ليس بهدف حل القضية الفلسطينية بل لتسكين حدة الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين حتى لا ينفجر الصراع بينهم بما يؤثر سلبا على المساعي الأمريكية لإعادة رسم سياساتها وتكريس هيمنتها دوليا وفي منطقة الشرق الأوسط . وعلى هذا الأساس نعتقد أن تهويلا في الحديث عن الصفقة الكبرى وكأنها أمر جديد غير مسبوق في نهج تعامل الإدارة الامريكية مع صراعات المنطقة ، فما هو مطروح أو سيتم طرحه هو (مشروع تسوية) مفتوح على كل الاحتمالات ،وكما أن مشروع التسوية الذي دشنه مؤتمر مدريد أستمر لأكثر من ربع قرن دون حل الصراع بل وظفته إسرائيل بما يعزز احتلالها وسياساتها الاستيطانية فإن الخشية من أن مشروع الصفقة الكبرى سيجر الفلسطينيين لمفاوضات أكثر عبثية من مفاوضات أوسلو وعلى أرضية ومن مرجعية أكثر سوءا من مرجعية مدريد وأوسلو . مع أننا لا نعتقد أنه يبدو في المدى القريب واعتمادا على موازين القوى الراهنة ومواقف وسياسات الحكومة الإسرائيلية إمكانية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي حلا يلبي الحد الأدنى من الحقوق السياسية للفلسطينيين حتى في إطار قرارات الشرعية الدولية وذلك بسبب الرفض الإسرائيلي لهكذا حل ، إلا أن تخوفاتنا مما تسمى صفقة القرن تتأتى من خلال التالي :- 1- كل تصريحات ومواقف رموز الإدارة الأمريكية تؤكد انحيازا غير مسبوق لإسرائيل ،سواء تعلق الامر بالتراجع عن حل الدولتين أو الموقف من الاستيطان أو من نقل السفارة الامريكية للقدس ، كذا تجاهل قرارات الشرعية الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية : قرار التقسيم 181 وقرار عودة اللاجئين 194 ، وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره السياسي على أرضه . 2- محاولة تطويع كل الحالة الفلسطينية لمتطلبات التسوية السياسية من خلال المزج ما بين المصالحة الفلسطينية والتسوية السياسية وجر حركة حماس لمربع التسوية من خلال مطالبتها بالاعتراف بإسرائيل والتخلي عن سلاح المقاومة . 3- ما يتم الحديث عنه صفقة تتضمن مجرد مشروع تسوية من أهدافه تسكين الحالة الفلسطينية حتى تتفرغ واشنطن ودول المنطقة للقضايا الأخرى ، وعليه سيكون الفلسطينيون شاهد زور في هذه الصفقة . 4- تجاهل المبادرة العربية للسلام التي تضع مطلب إنهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية قبل التطبيع مع إسرائيل ، حيث تسعى إدارة ترامب لفرض التطبيع مع إسرائيل قبل حل القضية الفلسطينية وقيام الدولة . 5- يبدو أن الرئيس ترامب لا يؤمن بالشراكة في السياسة الدولية ، وفي ظل توتر علاقته بروسيا الاتحادية وعدم ثقته بالأمم المتحدة ، فمن المتوقع أن تكون صفقة القرن من حيث صياغتها والإشراف عليها أمريكية خالصة ، وهذا معناه تجاهل الاتفاقات الموقعة السابقة وخطة خارطة الطريق واللجنة الرباعية . 6- محاولة توظيف حالة عدم الاستقرار في المنطقة وضعف مواقف كل الدول العربية تجاه واشنطن لإعادة ترسيم حدود المنطقة بما فيها حدود دولة فلسطين المأمولة بما يلغي فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 . 7- جر المفاوض الفلسطيني للعودة إلى المفاوضات دون الأخذ بعين الاعتبار الشروط التي وضعتها القيادة الفلسطينية للعودة للمفاوضات وخصوصا : وقف الاستيطان أو تجميده خلال مرحلة المفاوضات ، تحديد مرجعية واضحة للمفاوضات ، إطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين ، وسقف زمني محدد .هذا يعني أن المفاوضات القادمة ستكون أكثر عبثية وتداعياتها أكثر خطورة من سابقاتها . وأخيرا وإلى حين تبلور الصفقة وطرحها رسميا فعلى الأطراف الفلسطينية عدم الإصابة بالهلع والتخبط أو التسابق على تقديم تنازلات لمهندسي ومقاولي هذه الصفقة ،فالأمر ما زال مجرد أفكار وعندما تنضج ستكون مجرد مشروع تسوية مفتوحا على كل الاحتمالات ،و احتمال فشله أكبر من احتمال نجاحه . [email protected]
#ابراهيم_ابراش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إشكالية الموضوعية في البحث والتحليل السياسي
-
وعد بلفور :افتئات على التاريخ وانتهاك للحقوق
-
السياسة بين الواقعية والمثالية
-
الإرهاب في سيناء : معادلة مختلفة
-
متغيرات السلطة والمعارضة في العالم العربي
-
مصالحة خارج سياق المصالحة الفلسطينية
-
ما يريده الشعب وما تستطيعه الحكومة
-
ما وراء التحول المفاجئ في ملف المصالحة الفلسطينية
-
بعد خطاب الرئيس أبو مازن : فراغ استراتيجي ومستقبل غامض
-
نحو مراجعة استراتيجية للفكر القومي العربي
-
وفد أمني إداري مصري في قطاع غزة لضمان تنفيذ اتفاق المصالحة
-
منظمة التحرير الفلسطينية :يتعنون بها ولا يريدونها
-
في ذكرى توقيعها : اتفاقية أوسلو وتداعياتها
-
هل تهيء مصر للصفقة الكبرى ؟
-
اختزال الوطن في السلطة والوظيفة
-
إسرائيل وسياسة تفكيك الصراع وتغيير طبيعته
-
التباس مفهوم المصالحة الفلسطينية وزيارة ابو مازن لتركيا
-
من سيملأ فراغ انحسار الإسلاموية السياسية ؟
-
العودة لمنظمة التحرير الفلسطينية بعد فشل كل البدائل
-
لماذا لم يتجهوا شمالا بدل الاتجاه جنوبا ؟
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|