|
مشهد من تاريخ المجازرالعربية/ العربية
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 5689 - 2017 / 11 / 5 - 14:00
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هل الصراعات العربية/ العربية فى الألفية الثالثة وليدة الحاضر؟ أم لها جذورفى البنية العقلية العربية؟ ومن بين تلك الجذورما حدث بعد وفاة نبى الإسلام. وقد تعاظم الصراع بين العرب والعرب بمقتل الخليفة عثمان بأسلوب يخلومن أية مشاعرإنسانية على النحوالوارد فى كل كتب التراث العربى/ الإسلامى، بغض النظرعن فساد الحكم والانحياز للأقارب إلخ، ثم كانت الحلقة الثانية المُطالبة بالثأرمن القتلة، وتكون قمة التراجيديا/ العبثية أنّ بعض من كفــّـروا عثمان طالبوا بالثأر، مثل عائشة. أما الحلقة الثالثة من هذا المسلسل الدموى فهى الصراع على السلطة، ومن هنا كان مغزى وهدف موقعة الجمل التى دارتْ بين طلحة والزبيروعائشة من جانب ضد على بن أبى طالب. ومع ملاحظة أنه عقب وفاة عثمان فإنّ طلحة والزبيربايعا على بن أبى طالب، وبعد المبايعة ((تلكأ طلحة)) ولكن أحد أتباع على (مالك الأشتر) سلّ سيفه وقال ((والله لتبايعنّ أولأضربنّ به ما بين عينيك)) فقال طلحة ((وأين المهرب عنه فبايعه وبايعه الزبير. وسأل طلحة والزبيرأنْ يؤمّرهما على الكوفة والبصرة فقال تكونان عندى فأتحمّل بكما فإنى وحش لفراقكما)) (تاريخ الأمم والملوك– للإمام أبى جعفرمحمد بن جرير الطبرى- مؤسسة الأعلمى للمطبوعات- بيروت- لبنان- ج3- من ص450- 452) أى أنّ (على) رفض طلبهما بأسلوب مهذب. فهل سيستسلمان للأمرالواقع، خاصة مع التهديد بالقتل كما فعل الأشترمع طلحة؟ ولذلك فإنّ مبايعتهما لعلى (كانت كــُـرهًا) كما قالافيما بعد خاصة طلحة الذى قال ((بايعتُ والسيف فوق رأسى)) مرّتْ خمسة أيام دون حسم الولاية لصالح على، ولأنّ العرب لايعرفون آلية الانتخاب الحرالمباشر، قال كثيرون من أهل المدينة ((فوالله لئن لم تفرغوا لنقتلنّ غدًا عليًا وطلحة والزبيروإناسًا كثيرًا)) وبعد المبايعة لعلى قال الزبير((بايعتُ واللج على عنقى)) (المصدرالسابق- ص456، 457) وبعد أنْ انتهتْ معركة الجمل انتقل العرب/ العرب/ المسلمون/ المسلمون إلى معركة صفين، ونظرًا لتتابع المعركتيْن، ونظرًا لأنّ (على) كان طرفـًا فى المعركتين، ونظرًا لما ترسّخ فى عقلى (منذ شبابى) من كراهية لشخصية معاوية بن أبى سفيان، وميل (ساذج ورومانسى) لعلى، ونظرًا للتشابهات العديدة فى المعركتيْن: 1- غياب أى آلية ديمقراطية لانتخاب الحاكم 2- الاحتكام إلى السيف لحسم أى خلاف 3- أطراف المعركة مسلمون موحدون يقتلون مسلمين موحدين مثلهم 4- القتال كان لأغراض دنيوية بحتة (فى الأولى رغبة طلحة الزبيرفى حكم الكوفة والبصرة وفى الثانية الصراع على الخلافة بين على ومعاوية) أى أنّ الصراع لم يكن لأية أهداف إنسانية نبيلة ولاحتى لصالح الجماهير 5- آلاف القتلى والمصابين وبحورالدم فى المعركتيْن 6- أنّ المعركتيْن لصالح العرب/ المسلمين ضد الشعوب التى تمّ غزوأراضيها واحتلالها (الشام والعراق) لكل تلك العوامل اختلط علىّ أمرالمعركتيْن فى مرحلة شبابى. وبالرغم من إدراكى (فى شبابى) لخطورة شخصية (معاوية الداهية) توقفتُ أمام أربعة حصلوا على تأشيرة ربانية/ محمدية بدخول الجنة: على وطلحة والزبير، أما عائشة فهى زوجة النبى فى الجنة كما كانت زوجته فى الدنيا، كما قال على بن أبى طالب بعد انتهاء معركة الجمل والصلح بينهما، ولايُعقل أنْ تدخل (الحميراء) الناربعد أنْ أوصى النبى المسلمين أنْ يأخذوا نصف دينهم عنها. كل هذا غاب عن الأصوليين المُـدافعين عن الإسلام، وكأنهم أجساد بلا عقول أوعقول محنـّـطة أوعقول فى قوالب ولذلك يرفضون أى نقد للتراث العربى/ الإسلامى حتى ولوكان العلاج ببول البعير. كان من بين أسباب الخلط الذى وقعتْ فيه قول ابن عباس لعلى ((تعلم أنّ معاوية وأصحابه أهل دنيا فمتى تــُـثبتهم لايُبالون بمن وُلىَ هذا الأمر. ومتى تعزلهم يقولوا (وردتْ هكذا) أخذ الأمربعيرشورى ويؤلبون عليك فينقض عليك أهل الشام وأهل العراق إلخ. ولأنّ ابن عباس أحد أبناء ذلك المجتمع الصحراوى أضاف ((أما عمال عثمان فوالله لا أولى منهم أحدًا أبدًا فإنْ أقبلوا فذلك خيرلهم وإنْ أدبروا بذلتَ لهم السيف)) فقال له على ((سرإلى الشام فقد وليتها لك)) فقال ابن عباس ((ما هذا برأى معاوية وهوابن عم عثمان وعامله على الشام ولستُ آمن أنْ يضرب عنقى لعثمان..خاصة وأنّ عمربن الخطاب قد ولى معاوية الشام كلها)) فقال على ((لاوالله لا أستعمل معاوية يوميْن أبدًا ولا أعطيه إلاّ السيف)) (الطبرى- من460، 462) وكان من أسباب الخلط الذى وقعتُ فيه أنّ معاوية بعد مقتل عثمان أعلن صراحة أنه ضد خلافة على (الطبرى- 548) وأكثرمن ذلك كما ذكرالطبرى ((خرج أميرالمؤمنين (على) إلى أهل الجمل فكان أثقل خلق الله على معاوية بن أبى سفيان لقربه من الشام أنْ يُقبل إليه على)) (551) وأنّ معاوية (الخليفة) اختلق كتابـًـا نسبه إلى قيس بن سعد مضمونه أنه بايع معاوية (وهذا لم يحدث والخطاب طويل ورد فى ص554) وكان من بين الخلط الذى وقعتُ فيه أنّ معاوية وهوفى الشام أتاه خبرمقتل طلحة والزبيرفى معركة الجمل وأنّ معاوية لايريد مبايعة على ويُعظم من شأن قتلة عثمان ويُحرّض على الطلب بدمه. وأنّ أهل الشام يحضون معاوية على الطلب بدم عثمان (559، 560) ويبدوأنّ كثرة الدم وأنّ السيف هوالحكم (فى المعركتيْن) أوقعنى فى هذا الخلط. وعند الطبرى وغيره يتردّ لفظ السيف كثيرًا من ذلك على سبيل المثال أنّ الناس سألوا زياد بن حنظلة التميمى وهويجرى: ما وراءك؟ قال ((السيف يا قوم)) (465) من المهم فى تلك التراجيديا تكثيف التقابل الذى حدث ما بين كلمات عائشة ورد على عليها، اتهمتْ عائشة ((الغوغاء من أهل الأمصاروعبيد أهل المدينة. وفسكوا الدم الحرام واستحلوا البلد الحرام والمال الحرام فى الشهرالحرام وأنّ إصبع عثمان خيرمن طباق الأرض..فاطلبوا دم عثمان تعزوا الإسلام)) (468، 469) فردّ عليها على بأسلوب مهذب فيه تعميم دون أنْ يذكر اسمها ((زعمتم إنما خرج السفهاء والغوغاء بينما كان بيننا العابد المجتهد ويعسوب القوم.. إلخ)) (يعسوب: رئيس القوم وأيضًا ملكة النحل) وعن فلان عن فلان قال عماربن ياسرلعائشة يا أم المؤمنين ما أبعد هذا المسيرمن العهد الذى عهد إليك . قالت أبويقظان قال نعم. قالت والله ما علمتُ قوال بالحق. قال الحمد لله الذى قضى على لسانك)) (542، 548) أما الزبير(أحد العشرة الذين نالوا تأشيرة دخول الجنة) فإنّ (يعلى بن أمية أعانه بأربعمائة ألف وحمل سبعين رجلا من قريش وحمل عائشة على جمل يُـقال له عسكربثمانين دينارًا)) وأنّ طلحة والزبيرظهرا فى مكة بعد مقتل عثمان بأربعة أشهر. وقدم يعلى بن أمية المال الكثير وزيادة على أربعمائة بعير، واجتمعوا فى بيت عائشة فأرادوا الرأى وقالوا نسيرإلى على لقتاله. فقال بعضهم ليس لكم طاقة بأهل المدينة ولكنا نسيرحتى ندخل البصرة والكوفة. ولطلحة بالكوفة شيعة وهوى وللزبيربالبصرة هوى ومعونة. وأعطاهم عبد الله بن عامرمالا كثيرًا وإبلا فخرجوا فى سبعمائة رجل من أهل المدينة ومكة ولحقهم الناس حتى كانوا ثلاثة آلاف رجل (470، 471) وقال على لابنه الحسن ((جئتَ تحن حنين الجارية. فقال أجل. قال أمّرتكَ فعصيتنى فأنت اليوم تـُـقتل بمصبعة (وردتْ هكذا) لاناصر لك. قال حدِثْ القوم بما أمرتنى به. قال أمرتك حين سارالناس إلى عثمان ألاّتـُـبسط يدك ببيعة حتى تجول جائلة العرب فإنهم لن يقطعوا أمرًا دونك فأبين علىّ. وأمرتك حين سارتْ هذه المرأة (عائشة) وصنع هؤلاء القوم ما صنعوا أنْ تلزم المدينة وتـُـرسل إلىّ من استجاب لك من شيعتك..والله يا بنى ما كنتُ لأكون كالضبع وتستمع للدم إنّ النبى قــُـبض وما أرى أحدًا أحق بهذا الأمرمنى، فبايع الناس أبا بكر، فبايعتُ كما بايعوا ثم إنّ أبا بكرهلك وما أرى أحدًا أحق بهذا الأمرمنى، فبايع الناس عمر، فبايعتُ كما بايعوا ثم إنّ عمرهلك وما أرى أحدًا أحق بهذا الأمرمنى، فجعلنى سهمًا من ستة أسهم فبايع الناس عثمان فبايعتُ كما بايعوا ثم سارالناس إلى عثمان فقتلوه ثم أتونى فبايعونى طائعين غيرمُــكرهين فأنا مُــقاتل من خالفنى)) (476) فهذا الحديث الطويل يدل دلالة قاطعة على أنّ على يشعربالغبن الذى وقع عليه عقب وفاة محمد، وأنّ الخلافة كانت يجب أنْ تؤول إليه وليس إلى إبى بكرولا إلى عمرولا إلى عثمان، وإذا كان هؤلاء الثلاثة نعموا بالاستقرارمنذ البداية (باستثناء عثمان فى أيامه الأخيرة) فإنّ على كان من سوء حظه عدم الاستقرار، خاصة مع معارضة معاوية ثم موقف طلحة والزيروعائشة التى قال عنها (امرأة) ولم يقل أم المؤمنين. والخلاصة أنّ هذا الحديث يدل على أنّ على– مثله مثل أى طامع فى السلطة- لم يكن يهتم بنشرالدعوة الإسلامية ولم يتحسّب لنتائج القتال (سواء فى معركة الجمل أوصفين) تلك النتائج اتى ترتــّـب عليها قتل الآلاف غيرالمصابين. وعلى الجانب الآخرفإنّ عائشة كانت مثل على تمامًا فلم تتحسّب لنتائج المعركة واشعال فتيل الخصومة خاصة عندما ردّدتْ ما قاله معاوية وكل أبناء بنى أمية الذين استفادوا من فترة حكم عثمان فقالت ((والله قـتــُـل عثمان مظلومًا..والله لأطلبنّ بدمه. فقال لها ابن أم كلاب ولمَ؟ فوالله إنّ أول من أمال حرفه لأنتِ ولقد كنتِ تقولين اقتلوا نعثلا فقد كفر. قالت إنهم استتابوه ثم قتلوه. وقد قلتُ وقالوا وقولى الأخيرخيرمن قولى الأول. فقال لها ابن أم كلاب ((منكِ البداءُ ومنكِ الغِـيَرْ/ ومنكِ الرياح ومنكَ المطر/ وأنتِ أمرتِ بقتل الإمام/ وقلتِ لنا إنه قد كفر)) (477) ومع ذلك أصرّتْ على رأيها فى ضرورة قتال على بحجة (أخذ دم عثمان) لذلك قال عثمان بن حنيف ((دارتْ رحى الإسلام ورب الكعبة فانظروا بأى زيفان تزيّف)) (480) أى أنّ الفريقيْن على ضلال وزيف ومعركتهما ليست لصالح الإسلام. وكان عثمان بن حنيف مع جيش على، لذلك فإنّ أتباعه انقسموا فريقيْن: فريق ظلّ معه وفريق انضم لعائشة. أما (جارية بن قدامة السعدى) فقال لعائشة ((يا أم المؤمنين والله لقتل عثمان بن عفان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح. إنه قد كان لك من الله ستروحرمة فهتكتِ سترك وأبحتِ حرمتكِ. إنّ من رأى قتالك فإنه قتلك)) ثم خرج غلام من بنى سعد وواجه طلحة والزبيروقال لهما ((أما أنت يا زبيرفحوارىّ الرسول. وأنت يا طلحة فوقيتَ الرسول بيدك وأرى أمكما معكما (يقصد عائشة) فهل جئتما بنسائكما؟ قالا لا. قال فما أنا منكما فى شيىء واعتزل)) وقال غلام آخرمن جهينة ((دم عثمان ثلاثة أثلاث: ثلث على صاحبة الهودج (عائشة) وثلث على صاحب الجمل الأحمريعنى طلحة. وثلث على ابن أبى طالب ثم أنشد شعرًا قال فيه ((سألتُ ابن طلحة عن هالك/ بجوف المدينة لم يقبر/ فقال ثلاثة رهط هُمُ/ أماتوا ابن عفان واستعبر/ فثلث على تلك فى خدرها/ وثلث على راكب الأحمر/ وثلث على ابن أبى طالب/ ونحن بدوية فرفر)) (من 480- 483) إذن كانت هناك بعض الأصوات العاقلة التى رفضتْ تلك المعركة المجنونة. وصل الجنون لدرجة أنْ دارقتال داخل أحد المساجد، وكان الهدف الوصول إلى عثمان بن حنيف فلما قبضوا عليه توطؤوه (أى داسوا عليه) وما بقيتْ فى وجهه شعرة. ولما أرسلوا إلى عائشة يستشيرونها فى أمره قالت اقتلوه. فلما ناشدتها إحدى السيدات الرأفة به، قالت عائشة احبسوه ولاتقتلوه. فقام (مجاشع بن مسعود) وقال لرجاله: اضربوه وانتفوا شعررأسه ولحيته فضربوه أربعين سوطــًا ونتفوا شعرلحيته ورأسه وحاجبيه وأشفارعينيه وحبسوه (485) أى أننا إزاء مسلخة مثل التى كتب عنها المؤرخون عن معتقلات النازى. وعندما أنكرطلحة التحريض على قتل عثمان وقال ((إنما أردنا أنْ يستعب ولم نرد قتله)) فقال له الناس ((يا أبا محمد قد كانت كتبك تأتينا بغيرهذا)) أما عن غياب أدنى أشكال الديمقراطية فقد لخصها رجل آخرقال (يا معشرالمهاجرين أنتم أول من أجاب رسول الله فكان لكم بذلك فضل ثم دخل الناس فى الإسلام كما دخلتم فلما توفى الرسول بايعتم رجلا منكم والله ما استأمرتمونا فى شىء من ذلك فرضينا واتبعناكم فجعل الله للمسلمين فى إمارته بركة ثم مات واستخلف عليكم رجلا منكم فلم تشاورونا فى ذلك فرضينا وسلمنا فلما توفى الأميرجعل الأمرإلى ستة نفرفاخترتم عثمان وبايعتموه عن غيرمشورة منا ثم أنكرتم من ذلك الرجل شيئـًا فقتلتموه عن غير مشورة منا ثم بايعتم عليًا عن غيرمشورة منا فما الذى نقمتم عليه فنـُـقاتله؟ هل استأثربفيىء أوعمل بغيرالحق أوعمل شيئــًـا تنكرونه فنكون معكم عليه)) فكان مصيرهذا الرجل القتل (نتيجة صراحته) وقتلوا معه سبعين رجلامن عشيرته (486) وواضح من كلام الرجل أنه من الأنصاررغم أنّ الطبرى لم يذكرذلك صراحة واكتفى بأنّ حديثه كان موجهًا للمهاجرين. ووصل الأمرلدرجة أنْ اقترح بعض أتباع على أنْ يأخذوا عائشة رهينة، وإنْ كان الطبرى لم يذكرالتفاصيل (488) وعن الرجال الذين حاربوا فى جيش عائشة فإنّ الزبيرأراد أنْ يعطى الناس أرزافهم ويُقسّم ما فى بيت المال فقال عبد الله ابنه ((إنْ ارتزق الناس تفرّقوا)) (490) أى أننا إزاء (مرتزقة) بكل ما يحمله هذا المصطلح من دلالات، وعلى رأسها أنهم يُـحاربون بالأجر، وليس لهم رأى فى الصراع الناشب بين الفريقيْن. أما الإنسان صاحب الرأى فكان مثاله (زيد بن صوحان) إذْ أنّ عائشة كتبتْ إليه (((من عائشة بنت أبى بكرأم المؤمنين حبيبة رسول الله إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان. أما بعد فإذا أتاك كتابى هذا فاقدم وانصرنا على أمرنا هذا فإنْ لم تفعل فخذل الناس عن على)) فكتب إليها ((من زيد بن صوحان إلى عائشة ابنة أبى بكرحبيبة رسول الله. أما بعد فأنا ابنك الخالص إنْ اعتزلتِ هذا الأمرورجعتِ إلى بيتك وإلاّفأنا أول من نابذك)) (492) فهذا إنسان صاحب رأى ولم ينخدع بالكلمات المعسولة مثل (ابنى الخالص) ولأنّ العرب لديهم ولع بما يُسمى الشعر، لذلك خاطب على بن أبى طالب جيشه قائلا ((سيروا أبابيل وحثوا السيرا/ إذْ عزم السيروقولوا خيرا/ حتى يُلاقوا وتـُلاقوا خيرا/ نغزوبها طلحة والزبيرا)) ولأنّ عماربن ياسرذكــّـرعلى بحديث محمد عن الفتنة القادمة وأنّ القاعد فيها خيرمن القائم، قام رجل من بنى تميم وعيّره بالعبودية وقال ((اسكت أيها العبد أنت أمس مع الغوغاء واليوم تــُـسافه أميرنا)) فقال عمار((هذا ابن عم رسول الله يستنفركم إلى زوجة رسول الله. وإنى أشهد أنها زوجته فى الدنيا والآخرة فانظروا ثم انظروا فى الحق فقاتلوا معه)) فقال الحسن بن على (أكفف عنا يا عمارفإنّ للاصلاح أهلا)) (499) ويدخل الدين فى شئون الحرب والغدربعثمان ثم المطالبة بدمه. وأنّ من ((ترك الأمركان تاركــًا للقرآن. وإنْ عمل به كان احياءً للقرآن)) ووصل الأمرلدرجة أنّ كثيرين كرهوا عائشة عندما علموا بمشاركتها فى قتال على. بينما رأى آخرون قتل على ((ونـُـلحقه بعثمان)) والسبب أنّ أهالى البصرة يقولون أنّ على لوانتصرفى تلك المعركة فسوف ((يقتل رجالنا ويسبى نساءنا)) فقال على ((ما مثلى يخاف هذا وهل يحل هذا إلاّممن تولى وكفر)) ولأنّ التهمة السائدة كانت (التكفير) لذلك قال عبد الرحمن بن سليمان التميمى ((لم أركاليوم أخا إخوان/ أعجبُ من مُـكفــّـرالإيمان/ بالعتق فى معصية الرحمن)) وذكرالطبرى أنّ جيش على كان مكوّن من عشرين ألف رجل وأنّ أهل البصرة انقسموا فريقيْن: فريق مع على وفريق مع طلحة والزبير. وقال أهل الكوفة إنّ (على) سوف يسفك الدماء ويستحل الحرمة. بينما قال على ((علمتُ أنّ طلحة والزبيرغيرمنتهييْن حتى يسفكا الدماء ويستحلا الحرمة)) (من 505- 518) وكان من بين أسباب الخلط أنه تم استخدام المصحف فى معركة الجمل كما حدث فى معركة صفين، فبعد أنْ قال على للزبير((أتطلب منى دم عثمان وأنت قتلته. وبعد أنْ قال لطلحة ((أما بايعتنى)) فردّ عليه ((بايعتك واللج على عنقى)) فقال على لأصحابه أيكم يعرض عليهم هذا المصحف وما فيه. وطاف (على) على أصحابه يعرض ذلك عليهم فلم يقبله إلاّفتى وقال له على اعرض عليهم هذا وقل هوبيننا وبينكم. فحمل الفتى وفى يده المصحف فقــُـطعتْ يداه فأخذه بأسنانه حتى قــُـتل فقالت أم الفتى ((لاهُمّ إنّ مسلمًا دعاهم/ كتاب الله لايخشاهم/ وأمهم قائمة تراهم/ يأتمرون الغى لاتنهاهم/ قد خُـضّــبتْ من علق لحاهم)) (522) فقال على قد طاب لكم الضراب فقاتلوهم فقــُـتل يومها سبعون رجلا كلهم يأخذ بخطام الجمل فلما عقرالجمل وهزم الناس أصابتْ طلحة رمية فقتله مروان ابن عبد الحكم. ولما انهزم جيش عائشة قالت لعلى ((يا ابن ابى طالب ملكتَ فاسجع)) فسرحها على وأرسل معها جماعة من رجال ونساء وجهزها وأمرلها بإثنى عشرألفـًا من المال)) وهكذا كانت تــُـوزع الأموال المنهوبة من عرق فلاحى العراق والشام ومصر. ورغم أنّ الزبيرحارب على فإنّ قاتل الزبير(ابن جرموز) عندما طلب مقابلة على قال على لخادمه ((ائذن له وبشره بالنار)) (520) عقلية عجيبة: قاتل الزبيركان يعمل فى جيش على، والزبيريُحارب على، فلماذا قال على ما قال؟ هل لمجرد أنّ الزبيرأحد العشرة الذين فازوا بتأشيرة دخول الجنة؟ فتكون النتيجة أنّ قاتله يدخل النار؟ فيا لعجائب الميتافيزيقا!! وكما طلبتْ هند كبد حمزة بن عبد المطلب قال رجل من بنى ليث ((سائل بنا يوم لقينا الأزدا/ والخيل تعدوأشقرًا ووردا/ لما قطعنا كبدهم والزندا/ سُحقــًا لهم فى رأيهم وبُعدا)) وقال شاعرآخر((جرّدتُ سيفى فى رجال الأزد/ أضرب فى كهولهم والمُرْد)) وكما طلب على الاحتكام للقرآن كذلك فعلتْ عائشة. فكان مصيرالشخص الذى حمل المصحف أنْ ((رشقوه رشقــًا واحدًا فقتلوه ورموا عائشة فى هودجها. فعلا صوتها: الله. الله. العنوا قتلة عثمان وأشياعهم)) (523) وعندما قام رجل من عبد القيس وقال ((ندعوكم إلى كتاب الله. قالوا وكيف يدعونا إلى كتاب الله من لايُقيم حدود الله؟)) ونظرًا لكثرة الجرحى نقل الطبرى رأى من شهد تلك المذبحة فقال ((ما رأيتُ وقعة قط قبلها (رأيتُ) يدًا مقطوعة ورجلا مقطوعة لايدرى من صاحبها)) ورغم ذلك قال رجل يدّعى الشعر((نحن بنوضبة أصحاب الجمل/ ننعى ابن عفان بأطراف الأسل/ الموت أحلى عندما من العسل/ ردوا علينا شيخنا ثم بَجَلْ)) ولذلك ردّ عليه شاعرآخر((كيف نرد شيخكم وقد قحل/ نحن ضربنا صدره حتى انجفل)) (أى طلب المستحيل كما فعلت اليمامة بعد مقتل كليب) وقال (شاعر) آخر((نحن بنوضبة لانفر/ حتى نرى جماجمًا تخر)) وعندما فتح محمد بن أبى بكرأخوعائشة هودجها ليطمئن عليها قالت من أنت ويلك؟ فقال أبغض أهلك إليكِ قالت ابن الخثعمية قال نعم)) ويبدوأنّ الخثعمية اسم أمه. ورغم الدماء التى أريقتْ فى تلك المعركة إذا ((برجال من الأزد يأخذون بعرالجمل ويشمونه ويقولون بعرجمل أمنا ريحه ريح المسك)) ونظرًا لكثرة القتلى ((صرخ صارخ اعقروا الجمل فضربه بجيربن دجلة. فقيل له: لمَ عقرته؟ فقال: رأيتُ قومى يُقتلون فخفتُ أنْ يفنوا)) ورغم ذلك قال أحدهم ((شفى السيف من زيد وهند نفوسنا/ شفاءً ومن عينى عدى بن حاتم/ صبرنا لهم يومًا إلى الليل كله/ بُصمّ القنا والمرهقات الصوارم)) وعندما اقترب عماربن ياسرمن عائشة وقال لها ((كيف رأيتِ ضرب بنيك يا أم؟ قالت من أنت قال أنا ابنك البارعمار. قالت لستُ لك بأم. وقالت فخرتم إنْ ظفرتم)) وجاء (أعين بن ضبيعة المجاشعى) حتى اطلع على الهودج فقالت عائشة إليك لعنك الله. فقال والله ما أرى إلا حميراء. قالت هلك الله سترك وقطع يدك وأبدى عورتك)) وذكرالطبرى أنّ عدد قتلى معركة الجمل بلغ عشرة آلاف نصفهم من أصحاب على ونصفهم من أصحاب عائشة. وكانت فتاة اسمها صفية قد سبّتْ على واتهمته بقتل الأحبة، فسأله أحد الرجال: من أمضُ لك شتيمة من صفية؟ قال: ويحك لعلها عائشة. فقال الرجل ((جُزيتِ عنا أمنا عقوقــًا)) وقال آخر((يا أمنا توبى فقد خطئتِ)) فبعث القعقاع بن عمروإلى الباب فأقبل بمن كان عليه فأحالوا على الرجليْن فقال: اضرب أعناقهما ولكنه أمربضربهما ألف جلدة وأخرجهما من ثيابهما. وبعد انتهاء المعركة رجع على فنظرفى بيت المال فإذا به ستمائة ألف وزيادة فقسّمها على من شهد معه فأصاب كل رجل خمسمائة..إلخ أى (القتال بأجر) ورغم وقوف عائشة ضده فإنه خصّص لها أربعين امرأة لخدمتها (من العبيد) وقال عنها ((يا أيها الناس صدقتْ والله وبرتْ ما كان بينى وبينها إلاذلك وإنها لزوجة نبيكم فى الدنيا وفى الاخرة)) (من 523- 547) ذلك هوتاريخ معركة الجمل التى مات فيها عشرة آلاف إنسان كما ذكرالطبرى (غير الجرحى ومنزوعى الأطراف فى مشهد شبيه بما حدث بعد أكثرمن ألف سنة فى أفغانستان على يد طلبة الشريعة (طالبان) ثم فى سوريا والعراق على يد الدواعش. فهل يكون تركيزأعداء العقل المدافعين عن الإسلام على الخطأ بأنّ الحرب كانت بين جيش على ومعاوية بينما المعركة كانت بين عائشة وطلحة والزبيرمن جهة وعلى بن أبى طالب من جهة؟ ولماذا لايتم تدريس تلك المذبحة لتلاميذ المدارس وطلبة الجامعات للاستفادة من دروسها؟ وعلى رأس تلك الدروس أنّ مسلمين موحدين قتلوا مسلمين موحدين مثلهم، وأنّ أربعة من الذين أراقوا الدماء (من أجل السلطة) حصلوا (مسبقــًا) على تأشيرة ربانية/ محمدية بدخول الجنة؟!
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مفارقة التبشيربالهداية والتهديد بالسلاح
-
الأساس التوراتى لوعد بالفور
-
الدين وخصوصية الثقافة القومية
-
الغاء الخلافة وتحريرالشعوب من قبضتها
-
الشرق والغرب فى فكرإسماعيل أدهم
-
عاصم الدسوقى ومغزى تزويرالتاريخ
-
إلى متى يستمر دور الكهنوت الأزهرى؟
-
أليس النشيد الوطنى رمز للولاء
-
أدعياء الليبرالية تكشفهم مو
-
الفرق بين الفلاسفة والدعاة
-
أوهام تجديد الخطاب الدينى (1)
-
عصرالعقوبات البدنية وعصرحقوق الإنسان
-
هل يمكن كسرالحصارحول حق الاختلاف؟
-
المرأة المصرية وتحطيم القيود (1)
-
الغيطانى والبحث عن الجذور المصرية
-
هل يوجد فرق بين لواء شرطه متعصب ومفجرالكنائس؟
-
كيف انتصر الشعب الفيتنامى على أمريكا؟
-
الحداثة مع العلوم أم مع تراث التخلف؟
-
هل انتشر الإسلام بالقرآن أم بالسيف؟
-
التعليم الجامعى المصرى بُروّج للتكفير
المزيد.....
-
ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو
...
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|