طلال الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 5686 - 2017 / 11 / 2 - 09:11
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
كتبت مقالا بعنوان
التأثير المتبادل والتضامن بين الاتحاد السوفيتي السابق وأمريكا اللاتينية
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=577086
وقد قام الزميل العزيز عبد الحسين سلمان بالتعليق على مقالتي. وبسبب طول تعقيبي على تعليقه الذي لا يستوعبه حجم التعليق في الحوار المتمدن, ارتأيت نشره كمقالة, ومن اجل توسيع دائرة النقاش ايضا.
------
تعليق الزميل عبد الحسين سلمان (تعليق رقم 11):
هذا ما كتبته عن : التأثير المتبادل والتضامن بين الاتحاد السوفيتي السابق وأمريكا اللاتينية
ولنا في العراق
التأثير المتبادل والتضامن بين الاتحاد السوفيتي السابق والعراق
فقد كانت تسمى مدينة الناصرية: موسكو العراق
وتقريباً جميع الشعراء الشعبيين في سبعينيات القرن الماضي خرجوا من تحت معطف موسكو
----
تعقيبي:
تقول المصادر التالي بخصوص علاقة الرفيق فهد, مؤسس الحزب الشيوعي العراقي, وعلاقته بمدينة الناصرية وعن مدينة الناصرية
وعراقتها في المجال السياسي والثقافي (1).
انتقل مؤسس الحزب الشيوعي العراقي, المولود في بغداد (او الموصل؟) في 8-7-1901, فهد, للناصرية واشتغل عاملا في معمل الثلج والطحين العائد لأخيه, وفتح مكتبة في الناصرية لبيع الكتب والصحف. تعرّف فهد على الأفكار الشيوعية خلال فترة عمله في الناصرية، حيث عمل ورفاقه الأوائل في تشكيل أولى الحلقات الشيوعية في الناصرية وغيرها من مدن العراق.
وتعتبر مدينة الناصرية (تأسست في منتصف القرن الثامن عشر) (محافظة ذي قار العراقية), المشيدة على ارض احتضنت حضارة سومر, مدينة عريقة بنهضتها الفكرية والثقافية, فهي المدينة التي شهدت الكثير من معالم هذه النهضة. ففيها نشأ اول مسرح وأول دار سينما وأول حزب سياسي وكانت معروفة بأنفتاحها الأجتماعي والفكري, وليس مصادفة ان اغلب الأحزاب السياسية الرئيسية نشأت فيها وأغلب قادتها عملوا فيها او ظهروا منها.
ومن الناصرية ظهر ما يزيد عن ألف شخصية سياسية وحزبية وعسكرية مرموقة في تأريخ العراق فهي عاصمة ( المنتفك) وقلعة عشائر المنتفق المناهضة للحكم العثماني ومن ثم البريطاني. كما شهدت الناصرية وسوق الشيوخ انتفاضات عديدة ضد الأستبداد, وتجدر الأشارة الى ان اغلب فناني الغناء والموسيقىى والفن التشكيلي والمسرح والتلفزيون العراقي ظهروا منها وأنتقل اغلبهم الى بغداد لكنهم في النهاية عادوا اليها. وتميزت الناصرية وضواحيها مثل سوق الشيوخ والشطرة وغيرها بنضالاتها الوطنية وبرجالها وشيوخها ومثقفيها ونسائها الوطنيات وما تزال تضم رغم تغيير الظروف أجيالا ناهضة من الأدباء والشعراء والمثقفين وصفوة المتعلمين فيها من اساتذة واطباء ومهندسين يجدون في تاريخ مدينتهم زادا تأريخيا ومدادا يعتزون به.
وهذه المعلومات القيمة تدلل بالضبط على عراقة مدينة الناصرية وعلى النشاط العارم الذي شهدته هذه المدينة في المجالات الثقافية والفنية والسياسية. ولذلك ليس مصادفة ان اغلب الأحزاب السياسية الرئيسية نشأت فيها وان اغلب قادتها عملوا فيها او ظهروا منها. ولكن, بالرغم من هذا, لا يكننا الاستدلال, على ضوء هذه المعلومات, على سبب تسمية الناصرية بموسكو العراق. قد يكون سبب التسمية, او احد الاسباب, هو كثرة عدد الشيوعيين فيها في وقت مضى, او ان نشاط فهد الحزبي ورفاقه فيها في اوائل الفترة التي شهدت نشوء الحركة الشيوعية في العراق قد يكون سببا آخرا. وعند استخدامي محرك غوغل للبحث اثناء كتابة هذه المقالة عن سر تسمية الناصرية بموسكو العراق لم اعثر حتى على مادة واحدة بهذا الصدد, بل ان الموصوع يتعدى هذا, فلم اعثر حتى على مادة تتضمن هذه الكلمات الثلاثة: الناصرية موسكو العراق. وهذا امر يسبب لي الدهشة والاستغراب الكبيرين, يصاحبهما شعور بالخيبة والمرارة. فاذا كانت الناصرية موسكو العراق, كما تزعم الرواية, فكيف يفشل محرك غوغل الجبار في الاشارة اليها حتى من طرف خفي, وهو المحرك الذي جاب عباب البحار واخترق السماوات السبع وما ورائها؟ انه القادر على كشف كل شيئ والعارف لكل الامور. انه الله نفسه بل حتى انه تفوق عليه! فكيف يمكن ان يخلو محرك غوغل حتى من مادة واحدة تتضمن هذه التسمية؟ ولا ادري هل يعود سبب هذا الاغفال, ليس بالطبع الى غوغل نفسه, بل الى كسل او لامبالاة المؤرخين العراقيين, وخصوصا المؤرخين الشيوعيين.
وهذا الاهمال يثير فعلا, ولا اكف عن التكرار, شعورا بالمرارة او حتى ىالسخط, فكيف يمكن فهم ذواتنا وشعوبنا ان لم ندرس تاريخها وخصوصا تاريخها الحديث؟ هل يتبنى الشيوعيون العراقيون فعلا الماركسية وخصوصا المادية التاريخية؟ وحتى لو تبنوا المادية التاريخية, ما فائدة هذا التبني اذا لم يقترن بدراسة وفهم التاريخ بالملوس وبالتوثيق والتمحيص؟ هل علينا ان نعتب, او نصب جام غضبنا, على اقسام التاريخ في كلياتنا وجامعاتنا, او ان نتسائل بالاحرى لماذا لا يولي الشيوعيون هم بدورهم اهتماما مناسبا الى تاريخهم من بحث وتوثيق ومن عرضه ونشره على اوسع نطاق؟ هل هناك شيوعية بدون تاريخ وبدون مادية تاريخية؟ اليست الشيوعية التي تقبر التاريخ هي صنوا للرأسمالية المعولمة و للشيوعية التي تقبل, فعلا وليس قولا, باحتلال العراق, بل ان افرادها يعملون مع المحتل ويقبلون تزعمه لهم! اي خذلان واي انكسار هذا؟ والطامة الاكبر هي عندما تُغلف الشيوعية اللاتاريخية, الشيوعية بلا مادية تاريخية, نفسها باغلفة مزورقة لتسوق نفسها وكأنها شيوعية العصر الحديث. والعصر الحديث عندهم لا يعني سوى انه عصر عولمة الرأسمالية وتوحشها وكما اثبت ذلك احتلالها للعراق وامور اخرى عديدة! وكأن الحديث و مهما بلغت مساوئه وشروره دائما افضل مما هو اقدم. انه فهم سطحي للحداثة. فالحداثة هي فلسفة وعلم وسياسة. ان الحداثة, الى حد كبير, هي تجسيد لمقولة رائد العلم الحديث, رينيه ديكارت, "اني افكر اني اذا موجود" انها تعلي الانسان الذي اعتبره ماركس اثمن رأسمال في الوجود, وهو الانسان الذي يسعى المتطفلون على الشيوعية الى احالته الى مادة والى جماد لا يفكر, فحتى اادماغ خارج جسمه الحي لا يفكر. ان شيوعية الفجاجة والبداوة, كنقيض للحداثة, هي احدى الافرازات القبيحة لعصرنا الذي يتعاطم فيه تشيئ كل شيئ, وبضمنه دماغ الانسان, وتحويله الى بضاعة, او بتجريده من كل اهمية في عملية الخلق والابداع! وهؤلاء هم النقيض الكامل للشيوعية وكما استشرفها ماركس بكونها اشباع الحاجات المادية والروحية للانسان. ان شيوعيتهم هي الشيوعية المبتذلة, هذا اذا كان اعتبارها شيوعية وليست نقيضها, وهي تحصر هدف الشيوعية بتوفير المنتجات المادية فقط. بالطبع ان توفير الاحتياجات الاساسية من مأكل وغذاء ومسكن مهم جدا, ولكنه مهم للانسان والحيوان على حد سواء. انهم يحيلون الانسان الى حيوان وينقضون مقولة ان الانسان اثمن رأسمال في الوجود. ومن جانب آخر, فشيوعية تنفي المادية التاريخية تتصالح ايضا مع النقييض. انها شيوعية تلغي ليس فقط ماديتها التاريخية, وانما تضحي بالديالكتيك! فكيف يمكن لاي تطور ان يحدث بدون نفي النفي؟ وشيوعية العولمة هي الشيوعية التي تقف بالضد من الوطنية والاممية على حد سواء.
اني لا استطيع ان اشكك في صحة المعلومات المقتبسة اعلاه بخصوص عراقة مدينة الناصرية وتاريخها الثقافي والسياسي المتميز. ولكني بالطبع علي ان اتسائل, من جديد, كيف نفسر عدم وجود مادة في محرك غوغل بخصوص الناصرية موسكو العراق؟ هل ان هذا الاغفال المريع قد يكون عَرَضا لمشاكل اعمق تعاني منها الحركة الشيوعية العراقية؟ فيبدو ان الحركة الشيوعية في العراق, طوال تاريخها لما يقرب من قرن تقريبا, قد اهتمت اكثر بتاريخ دول اخرى, وعلى رأسها الاتحاد السوفيتي (طوال وجوده) وشيوعيته اكثر من اهتمامها بتاريخ العراق وشيوعيته. وشيوعيو الناصرية موسكو العراق, بالرغم من هذا, يهتمون بالتاريخ اكثر من اهتمامهم بالجغرافية, ويبدو انهم حتى لم يسمعوا باكبر ماركسي في عصرنا الحالي و المتخصص في الجغرافية (الراديكالية) ديفيد هارفي. فالجغرافية بعرفهم هي موضوع يدرس الجماد من جبال وسهول وانهار! انها الجغرافية التي تفصل فصلا ميكانيكيا بين الانسان والطبيعة. وهكذا يتهاوى عندهم ديالكتيك الانسان والطبيعة. وهؤلاء الشيوعيون, وفي نهاية المطاف, يثبتون ان ماركسيتهم ليست فقط لا تتضمن المادية التاريخية, وانما انها ايضا تجرد الماركسية من ماديتها الديالكتيكية, بل وحتى ان ماديتهم تغوص في اعماق مستنقعات المثالية ولا يمكن تبينها مهما حاولنا. والديالكتيك يتحول عندهم الى ميكانيك. وهكذا تفقد الماركسية كل معنى عندهم وتتحول الى كلمات جوفاء يمكن للرياح ان تذرها في اي وقت, وخصوصا اذا كانت الرياح عاتية وحصيلة لاحتلال غاشم كارثي دمر الاخضر واليابس كاحتلال العراق في عام 2003 وما تلاه من اهوال وكوارث, او انهيار الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية من قبل.
واني اتذكر ان منهج الدراسة المتوسطة في العراق كان يدرّس كتابا كاملا حول جغرافية الولايات المتحدة لسنة دراسية كاملة. وكان الكتاب يفصّل بشكل ممل ومقزز, ويتناول صناعة وزراعة وتربة وطقس كل ولاية من الولايات المتحدة تقريبا. لم افهم وقتها مغزى دراستنا كطلاب متوسطة لكتاب كامل عن جغرافية الولايات المتحدة ولمَ لمْ بستبدل الكتاب بكتاب آخر يدرَََس جغرافية العراق بمقدار تدريسه جغرافية الولايات المتحدة او حتى بمقدار النصف مثلا؟ فقد غزت جغرافية الولايات المتحدة جغرافية العراق فازاحتها عن الوجود او قزمتها كما قزم الاحتلال العراق لاحقا. هل كان تدريس جغرافية الولايات المتحدة بهذه الشاكلة نذير شؤم؟ نعم, اعتقد هذا؟ هل استطيع ان اثبت هذا؟ كلا وكيف يمكن اثبات امور كهذه؟ ولكن هذا لا يمنعنا, ولا يجب ان يمنعنا, من التمعن واستفراء سردية معينة بحجة ان المنهج الوضعي لا يستطيع اثبات هكذا فرضية او ان او نهج بوبرفي العلم لا يسطيع تكذيبها. ونحن نقول ان كلا المنهجين عقيمان هنا, فنحن بحاجة الى منهجية سردية وليس الى منهجية وضعية اثباتية او بوبرية تكذيبية لتقرير صحة هذه الامور او اثبات فرضياتها. وشيوعيوالعراق, في اغلبيتهم الساحقة هم اعداء لدودون للسرديات المشككة ومنهحيتها. انهم يقينيون حتميون, ويقينيتهم هي احدى تجليات مثاليتهم, لا ماديتهم, هذا رغم جهلهم حتى بفحوى هذه المنهجية, فهم يرفضونها باستخفاف وعنجهية ويعتبرونها مجرد حكايات او سوالف (عجائز!). وهناك بعض الاستثناءات ولكنها لازالت لا تشكل جزءا مميزا من منهجية شيوعي العراق, او لربما, على ان اقول, لامنهجيتهم!
واني اعتقد ان المنهجية المناسبة هنا, او احدى المنهجيات, هي تلك المشتقة من اسهامات عالم الانثروبولوجيا الامريكي من اصل سعودي طلال اسد (2). فقد قدم أسد مساهمات هامة في النظريات ما بعد الكولونيالية، المسيحية، الإسلام، دراسات الطقوس، والأنثروبولوجيا العلمانية, وذلك باستخدام طريقة الأنساب التي وضعها فريدريش نيتشه والتي طورها مؤرخ الفكر ميشيل فوكو. يهدف أسد الى "تعقيد" المصطلحات او المفاهيم التي يستخدمها العديد من علماء الأنثروبولوجيا واللاهوتيين والفلاسفة والعلماء السياسيين والمستمدة من خلفية غير مفحوصة unexamined بخصوص التفكير والاحكام والعمل. وبذلك يوضح اسد مغزى المفاهيم ويفتح إمكانيات جديدة للتواصل والترابط والاختراع الإبداع وذلك حينما تكون المعارضة واللامبالاة المدروسة سيدة الموقف.
واني اتسائل بكل مباشرة:هل نحن, العراقيون, شعب يكرس جهله بنفسه؟ او هل ان شيوعيي العراق, يكرسون بقصد او بدونه في الاعم الغالب, الجهل بتاربخهم وجغرافيتهم؟ فماركسية بدون تاريخ او جغرافية هي تهويمات في مملكة السماوات. والجهل يبلغ اقصى مداه عندما يرددون اصداء اكثر الماركسيات ابتذالا وفجاجة ويزعمون, بصوت خافت او ليس خافتا, ان التحليل النفسي علم برجوازي ويستبدلونه بكل فظاظة, حالهم حال اسلافهم من الستالينيين, بانعكاسية شرطية او لا شرطية لعالم الفسيولوجيا العصبية بافلوف, رغم ان بافلوف اجرى تجاربه على الكلاب وليس على البشر ومن ثم جرى تعميمها على البشر. وهم بذلك يرتكبون خطيئيتين علميتين- فلسفيتين على الاقل. الاولى, انهم يختزلون الانسان الى حيوان, وهذا امر منسجم مع ماركسية مبتذلة تبضّع الانسان وتحيله الى جماد كما اشرت اليه اعلاه. والثانية انهم يختزلون علم النفس الى علم البيولوجي. ولكن, علاوة على ذلك, فبيولوجيتهم هي بيولوجية حتمية ومنسجمة مع فيزياء نيوتن, وليست البيولوجية السردية Narrative Biology´-or-biology of the story, التي على عكس البيولوجية التقليدية, كما في فسلجة بافلوف العصبية, تستخدم الانظمة اللاخطية والتفاعلية (المزيد في 3).
وهم ايضا لا يفسرون لنا كيف يكون العلم برجوازيا او بروليتاريا. التحليل النفسي ليس علما برجوازيا او بروليتاريا. انه علم ثوري بعرف Beystehner وآخرين (4). وهو علم لكل البشر, حاله هو حال الماركسية التي هي علم لكل الانسانية, باعتبار ان رسالة البروليتاريا هي رسالة الانسانية جمعاء. ان تبني فسيولوجية بافلوف العصبية, او بيولوجيته الميكانيكية, يحيل الماركسية الى جثة هامدة والى نظرية ميتة او شبه ميتة معلوماتيا, فالفعل لا يستدعيه سوى رد فعل انعكاسي, وبذلك تنعدم امكانية التغيير والابتكار والثورة. وبلغ الشطط بالستالينين مداه, ليس من قبل ستالينيي الاتحاد السوفيتي فقط ولكن ايضا ستالينيي دول اخرى ومن اهمها فرنسا وحزبها الشيوعي في حوالي خمسينيات القرن الماضي, بحيث انهم سعوا قصارى جهدهم الى تقديم تفسير لفيزياء الكم يناقض لايقينية عالم فيزياء الكم هايزنبرغ (5), وذلك بالرغم من ان جون ايكلز, الحائز على جائزة نوبل في الفسلجة العصبية, والذي هو ايضا احد فرسان فيلسوف العلم كارل بوبر, قدم تفسيرا لعمل الدماغ ينسجم مع لايقينية هايزنبرغ ويوفر ارضية دماغية-عصبية للارادة الحرة للانسان (6), والتي تتناقض مع الماركسية الستالينية الحتمية.
لربما نفسر تدريس جغرافية الولايات المتحدة بكل هذا الاطناب والتفصيل الوارد اعلاه كتعبير عن استعمار ثقافي اوعن هيمنة كولونيالية (جديدة), مستترة او ظاهرة, للولايات المتحدة على عقول اختصاصي التربية والتعليم في العراق اثناء الحرب الباردة. ولا وادري هل تغّير الوضع الآن في مدارس العراق بعد نهابة الحرب الباردة. ويتملكني هاجس ان تدريس الجغرافية بهذه الشاكلة كان احدى المقدمات الفكرية لاحتلال العراق لاحقا من قبل الولايات المتحدة في عام 2003 . وهاجسي هذا يقترن بهاجس آخر لا يقل عنه فزاعة Dreadfulness ان لم يتفوق عليه. والهاجس الآخر قد يدفعنا ان نفَغَرَ افواهنا وان نحاول جاهدين ان لا نصدقه. والهاجس يعبر عن نفسه كتساؤول: هل ان خلو محرك غوغل للبحث من اية اشارة الى الناصرية موسكو العراق كان هو ايضا مقدمة اخرى للاحتلال؟ كيف ولماذا قد يتسائل البعض بحق. واني لا استطيع او اطمح في هذه العجالة الى تقديم جواب وافي. كل ما استطيع قوله هو ان جهلنا بتاريخنا وجغرافيتنا يجعل الناس مفصولين عن بيئتهم وثقافتهم وتاريخهم ويمكن عندها اعتبارهم كزوار لبيئتهم او كضيوف عليها (سواح!) وليسوا من سكانها الاصليين. الساكن الاصلي, او الذي يشعر هكذا, سيرفض قطعا الاحتلال, ولا, ولن, يحاول تبريره ضمن سياقات تاريخية او فلسفية او سياسية مستوحاة من ثقافة الضيف-السائح , وليس من خلال ثقافة الساكن الاصلي. والتاريخ والجغرافية هما بالطبع من مقومات الاصالة. شيوعيو العراق اغمطوا حق تاريخ عراقهم وجغرافيته. وفي الحقيقة ليس هناك من تاريخ بدون جغرافية او بالعكس, فالمنطق السليم يقتضي ذلك وبدون حتى اقتباس نسبية آينشتاين والترابط الوشيج بين الزمن والمكان. ولذلك ان ماركسية تفصل التاريخ عن الجغرافيا وتغمط حقهما لا تمت باية صلة الى عصرنا الحالي. ويبدو ان ذلك الاغماط يعود الى اسباب منها انبهارهم بتجربة الاتحاد السوفيتي وقتها ولربما حتى تقديسها على حساب اصالتهم كعراقيين. السبب الآخر هو نتاج تفكير مفاده ان الاممية تعلو على الوطنية, وخصوصا اذا فُهمت الوطنية كصنو للشوفينية. واممية كهذه قد تكون صنوا للعولمة التي تسطح الافراد والمجتمعات من اجل جعلهم ادوات طيعة يسهل التأثير عليها والتلاعب بمقدراتها. انه امر محزن الخروج بهكذا استنتاج. وقد يكون استنتاجا يعاني من مشاكل لا استطيع التكهن بها, الا اني لا استطيع ايضا نفي وجودها لاسباب نظرية على الاقل.ولكن غوغل لا يخدعنا. وللتذكير, من جديد, ليس هنالك من مادة واحدة بخصوص الناصرية موسكو العراق. ونحن نصاب باالخيبة تلو الخيبة كلما حاولنا اثبات العكس.
ولكن ماذا عن الاصالة وليس التقليد؟ ماذا عن موسكو الاتحاد السوفيتي نفسها؟
فنحن نعلم ان بوريس يلتسن كان مسؤولا للحزب الشيوعي لمدينة موسكو في اواخر سنوات العهد السوفيتي وانه اصبح لاحقا اول رئيس لجمهورية روسيا الاتحادية عقب انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991. وقد نال وسام لينين في عام 1981. وهو اعلى وسام كان الاتحاد السوفيتي يمنحه لمواطنيه او لأجانب. فسكرتير الحزب الشيوعي العراقي الاسبق عزيز محمد تم تقليده ايضا بهذا الوسام.
وكانت فترة حكم يلتسن من الفترات المظلمة في التاريخ الروسي، فلم يشهد مثلها حتى في أثناء الاحتلال النازي خلال الحرب العالمية الثانية، أو قبل الثورة البلشفية، إلا أن يلتسن ظل في السلطة حتى استقال في 31 ديسمبر عام 1999، وفي خطاب رسمي اعتذر فيه عن فشله في تحقيق أحلام الشعب الروسي.
قام يلتسن بتحويل الاقتصاد الاشتراكي السوفيتي إلى اقتصاد سوق رأسمالي وذلك بعلاج البلاد بالصدمة الاقتصادية وتحرير الأسعار والخصخصة في جميع أنحاء البلاد. ووقعت غالبية الممتلكات الوطنية والثروة في أيدي قلة بسبب هذا التحول الكلي المفاجئ في الاقتصاد. وشبّه المليونيرية والمليارديرية الجدد أنفسهم بالبارونات اللصوص في القرن التاسع عشر. وأدت "ديمقراطية!" يلتسن إلى تمكين الاحتكارات الدولية من الهيمنة على الأسواق السوفيتية السابقة، مستفيدة من الفرق الكبير بين الأسعار المحلية للسلع القديمة الروسية والأسعار السائدة في السوق العالمية.
وقد اتسم جزء كبير من عصر يلتسن بانتشار الفساد (7)، وعانت روسيا من التضخم والانهيار الاقتصادي ومشاكل سياسية واجتماعية هائلة نتيجة لاستمرار انخفاض أسعار النفط والسلع الأساسية خلال التسعينيات، وهو ما أثر على روسيا والدول الأخرى في الاتحاد السوفييتي السابق. وفي غضون سنوات قليلة من رئاسته، بدأ العديد من مؤيديه بانتقاد قيادته، وندد نائب الرئيس الكسندر روتسكوي بالإصلاحات واصفا إياها بأنها "إبادة اقتصادية". وقد قام يلتسن بحظر الحزب الشيوعي الروسي. ولم يخرج فرد واحد من شيوعيي مدينة موسكو او اهاليها احتجاجا على هذا القرار لمقاومته او التصدي له.
فهل هي صدفة ان هذين الشخصيين الذين مُنحا وسام لينين, بوريس يلتسن وعزيز محمد, قاما لاحقا بالانقلاب ضد الشيوعية في حالة الاول وضد اللينينية في حالة الثاني. وعزيز محمد هو بطل بيريسترويكا الشيوعية في العراق. فقد كان سكرتيرا للحزب في عام 1993 الذي شهد تخلي الحزب عن اللينينية في مؤتمره المسمى مؤتمر الديمقراطية والتجديد. حيث فسره البعض من المؤتمرين ان "التجديد هو الذي ساعد على إنقاذ الحزب من مآزق كثيرة كان يمكن ان تمنعه من المشاركة في العملية السياسية" (8), والتي ادت الى جلوس حزبهم في احضان بريمر وموافقته على المائة قرار التي اصدرها الاخير لبيع العراق في سوق النخاسة الرأسمالية.
و الحزب الشيوعي العراقي قد اتبع خطى موسكو بحذافيرها حتى بعد نهاية الاتحاد السوفيتي في عام 1991 في اعقاب سياسة التجديد والانفتاح, البريسترويكا, التي اتبعها غورباشوف فاحالته هو وحزبه الى امعات ذليلة للغرب ورأسماليتها. فكما انبطح غورباتشوف لساسة الغرب, اذعن الحزب الشيوعي العراقي للرأسمالية العالمية والاسلام السياسي كتعبير محلي للرأسمالية الكومبرادورية في العراق. والحزب الشيوعي العراقي بتخليه عن اللينينية انكمش اكثر وضعف تأثيره واصبح اكثر ستالينية من ذي قبل, وانضم الى جموع اللطامين والمطبرين واصبح الحسين هو بطلهم الذي يتجسد في عصرنا الحالي في شخص بول بريمر او العم سام. ونحن نعلم ان كاتب الدستورالعراقي هو القانوني الامريكي NOAH FELDMAN الذي اكد ان الهدف هو انشاء نظام ديمقراطي بلباس اسلامي (9). ولذا تضمن الدستور ان الاسلام دين الدولة ومصدر للتشريع. والاسلام بطبيعة الحال هو اسلام فيلدمان وبريمر. ونحن نبحث عن الديمقراطية فلا نجدها حتى لو استخدمنا اقوى الميكروسكوبات, الميكروسكوب الالكتروني.
ويبدو ان شيوعيي الناصرية حالهم حال شيوعيو موسكو. فاين هم شيوعيو الناصرية الآن في المعادلة السياسية؟ هل احتجوا على تحويل حزبهم الى اداة طيعة لتحقيق لمشروع الامبريالي البريمري في العراق الذي قالت عنه مجلة الرأسمالية العريقة, الايكونومست, انه الحلم الرأسمالي (10). تقول المجلة:
"ويشير برنامج الصدمة (في عراق الاحتلال) للإصلاحات الاقتصادية إلى احداث تغييرات جذرية في العراق. ويمكن لهذه التغييرات، التي أعلنتها السلطة الموقتة (سلطة الاحتلال) اثناء المؤتمر السنوي للبنك الدولي/ صندوق النقد الدولي في دبي، أن تضمن تحول اقتصادها المضطرب (اقتصاد العراق) فجأة إلى منطقة تجارة حرة بالكامل. وقد اعلن وزير المالية العراقي كامل الكَيلاني ذو المنصب الشكلي لائحة التغييرات هذه ، لكن هذه التغييرات تحمل ختم بول بريمر الذي يرأس سلطة الائتلاف المؤقتة التي تديرها الولايات المتحدة وبتوصية المستشارين الامريكيين الذين عينهم بريمر لوضع السياسات الاقتصادية".
ولم اسمع ان شيوعيي موسكو العراق قد احتجوا على قرارات بريمر. ويبدو انهم, حالهم حال شيوعيي موسكو روسيا, قد ذابوا في جموع القطيع كما في حرافيش نجيب محفوظ. فلم يحتجوا على سياسة الصدمة الاقتصادية التي اتبعها بريمر في العراق فصمتوا, وصمتهم دلالة بالغة على موافقتهم على صفقة بيع العراق وفق وصفة بريمر. وهي صفقة مماثلة لسياسة الصدمة لبوريس يلتسين وخلفائه في روسيا الاتحادية.
ونحن لا نحتاج الى شيوعيين يكررون تجربة الاتحاد السوفيتي وقتها او لاحقا, او يسمون مدنهم نسبة اليها. نحن لا نريد شيوعية تقلد شيوعية الاتحاد السوفيتي, مع احترامنا العظيم لتجربة الاتحاد السوفيتي التي تزودنا بالكثير من الدروس الثمينة والتي يمكن ان نتعلم منها الكثير. فنحن نريد شيوعية على غرار شيوعية البيرواني خوسيه كارلوس مارياتيغوي الذي رفض ان تكون شيوعية بيرو نسخة كاربونية لشيوعية الاتحاد السوفيتي (11).
اما الشعراء الشعبيون الذين يشير لهم تعليق الزميل عبد الحسين سلمان. فمع احترامي للشعر الشعبي وشعراءه, الا اني اعتقد ان الشعر الشعبي في العراق في اغلبه هو شعر تملق وزيف ويبدل العقل بمناشدات عاطفية فجة ومبتذلة تقتل التفكير الحر وتحل محله فكر القطيع وعاطفته الفجة. وهذه موضوهات كلها, و حسب اطلاعي, لم تدرس عن كثب وبشكل منهجي من قبل اختصاصيين في الادب وعلم النفس الاجتماعي او خلافهما, وعدم دراستها قد تكون هي دليلا آخرا على سطحية الثقافة في منطقتنا وتصحرها رغم تجلببها بجلباب الشيوعية او خلافها.
وشيوعيو الناصرية موسكو العراق, ومن خلفهم من شيوعيي بريمر, يدّعون الماركسية, و لكن الماركسية نظرية علمية وبعد هؤلاء عن العلم او الماركسية هو بعد السماء عن الارض. والسؤال بصدد هل ان
الناصرية موسكو العراق هي احدى تفرعات الشعر الشعبي ومشتقاته قد يبقى سؤالا مفتوحا. ولكن انقاذ شيوعية العراق من مأزقها يقتضي منها الاجابة علي هذا السؤال باسرع وقت وبذل كل الجهد من اجلها. وقد يعتبرالبعض رأيي مبالغة العصر, الا اني اعتقد تماما ان مصير شيوعية العراق يتوقف, و الى حد كبير, على قدرتها على الاجابة على هذا السؤال, شرط ان تكون اجابة لا تتلبس قناعات الشخصية كما شرحها ماركس (12). فخلع هذه الاقنعة يحول (سيحول!) دون انحدار الشيوعية الى كرنفال او استعراض في سرك, و السرك هو العملية السياسية في العراق, وان كانت كوميدية السرك قد حلت محلها تراجيديا العملية السياسية.
ان عدم اجابة الشيوعيين العراقيين على هذا السؤال قد يحول بينهم وبين الاجابة على السؤال الاهم الذي طرحه الماركسي الكبير مؤلف كتاب الامبريالية الجديدة (يمكن تنزيله بالكامل في 13), ديفيد هارفي, حيث يقول في معرض استعراضه قرار غزو العراق قي اروقة الامم المتحدة:
"وعلى الرغم من هذه المعارضة (معارضة غزو العراق) من قبل الامم المتحدة ، بدأ العمل العسكري ضد العراق من قبل الولايات المتحدة، وأيدها على نحو أكثر وضوحا بريطانيا واسبانيا... و في وقت كتابة هذا الكتاب لا تزال نتيجة الحرب غير واضحة. هل ستكون في نهاية المطاف, او ستبدو, احتلالا كولونياليا وتنتهي بنظام يفرضه الاحتلال, ام انها ستكون تحريرا حقيقيا؟"
و الاجابة الآن على استفسار هارفي المستقبلي واضحة وضوح الشمس ولا تحتاج حتى الى سطر واحد من التنظير.
-------------
المصادر
1. يوسف سلمان يوسف "فهد"
http://nbraas.com/inp/view_--print--er.asp?ID=193&AUTHOR=%E4%C8%D1%C7%D3%20%C7%E1%D0%C7%DF%D1%C9%20%DC%20%C7%E1%C2%D1%D4%ED%DD
2. Review Essay: Talal Asad: Genealogies of Religion, and Formations of the Secular
https://uiowa.edu/ijcs/review-essay-talal-asad-genealogies-religion-and-formations-secular
3. Biology of Story explores the intersection of storytelling and Restorative Narrative
http://ivoh.org/biology-story-explores-intersection-storytelling-restorative-narrative-page/
4. Psychoanalysis: Freud s Revolutionary Approach to Human Personality
http://www.personalityresearch.org/papers/beystehner.html
5. The Crisis in Physics: Dialectical Materialism and Quantum Theory
Social Studies of Science
Vol. 21, No. 4 (Nov., 1991), pp. 735-759
6. Popper/Eccles
The Self and Its Brain
https://link.springer.com/content/pdf/bfm%3A978-3-642-61891-8%2F1.pdf
7. بوريس يلتسين.. عهد الفضائح والفساد في روسيا
http://www.dotmsr.com/details/301212/%D8%A8%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%B3-%D9%8A%D9%84%D8%AA%D8%B3%D9%86-%D8%B9%D9%87%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B6%D8%A7%D8%A6%D8%AD-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B3%D8%A7%D8%AF-%D9%81%D9%8A-%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7
8. جاسم الحلوائي يقدم "دراسات جديدة حول مسيرة الشيوعيين النضالية"
http://www.iraqicp.com/index.php/sections/objekt/41164-2016-03-31-14-57-49
9. Foundering? By NOAH FELDMAN
http://www.nytimes.com/2005/07/31/magazine/foundering.html
10. Iraq s economic liberalisation
Let s all go to the yard sale
If it all works out, Iraq will be a capitalist s dream
http://www.economist.com/node/2092719
11. José Carlos Mariá---tegui
https://www.britannica.com/biography/Jose-Carlos-Mariategui
12. Theses on the character masks of capital, the social classes, and what follows for anti-capitalist politics
http://www.ruthlesscriticism.com/thesesclass.htm
13. The New Imperialism
David Harvey
http://eatonak.org/IPE501/downloads/files/New%20Imperialism.pdf
P. vii
#طلال_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟