|
رحل عطا الحلو وذكراه باقية
جميل السلحوت
روائي
(Jamil Salhut)
الحوار المتمدن-العدد: 5685 - 2017 / 11 / 1 - 14:36
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
جميل السلحوت رحل عطا الحلو وذكراه باقية غيّب الموت مساء السبت 28 أكتوبر 2017 ابن قرية حزما قضاء القدس الشريف، المرحوم عطا ذياب الحلو "أبو أحمد"، عن عمر يناهز الثانية والثمانين عاما. ومع أنّ الموت حقّ، وكلّ الأحياء مصيرهم الموت، إلا أن فقدان رجل بحجم الراحل عطا الحلو، يستدعي التوقّف عنده، فالرّجل لم يكن رجلا عاديّا، بل كان شخصيّة تربويّة واجتماعيّة بارزة، افتقده وسيفتقده كثيرون، وسيبقى اسمه خالدا لأجيال قادمة، مع أنّه لم يسعَ في حياته يوما للشّهرة. عمل الرّاحل مدرّسا، وتتلمذ على يديه آلاف الطلبة الذين تأثّروا به كثيرا، ولا يذكرونه إلا بالخير، لكنّ الوجه الآخر لأبي أحمد هو الأبرز والأكثر تأثيرا، فالرّجل كان من وجوه الخير، والاصلاح بين المتخاصمين، وحلّ المشاكل والخصومات، وهذا نابع من أصالته وتربيته وطيب معدنه، فالمرحوم ولد وعاش في قريته حزما، إحدى قرى شمال شرق القدس، وهي قرية وادعة، معروفة بطيبة وأصالة أبنائها، وهي واحدة من ثلاث قرى "حزما، السّواحرة ومخماس" في محافظة القدس التي يُشهد لأبنائها بمعرفة الأعراف والعادات العشائريّة، وما ينطوي تحت جناحيها من قضاء عشائري، ونصرة المظلوم وحماية المستجير. ورغم أن قرية حزما قرية عريقة، ونسبة التعليم فيها مرتفعة، إلا أنّ عادات أهلها لا تزال قريبة لعادات البادية، لما يتحلّون به من شهامة ونخوة وكرم ومعرفة بالأعراف. هذه هي البيئة الحاضنة للرّاحل عطا الحلو، التي تعلّم فيها الأعراف العشائريّة، وكيفيّة حلّ الخصومات مهما كانت. لكنّ الرّاحل تميّز عن غيره بالاصلاح بين النّاس، فرغم انشغاله بالتّعليم، إلا أنّه لم يتخلّ يوما عن دوره الاجتماعيّ، فأصبح ملاذا لمن يطرق بابه طالبا المساعدة في حلّ صراعات عائليّة أو شخصيّة، وكلّ ذلك على حساب وقته وأسرته، لكنّ الرّجل تميّز على أقران كثيرين من الوجاهات العشائريّة، وتميّزه تمثّل بالزّهد والتّقوى ونظافة اليد واللسان، وقول كلمة الحقّ لفضّ الخصومات بين المتخاصمين، فلم تكن له مآرب أو أطماع شخصيّة، وإن كان يطمع بالثّواب من ربّ العباد، لإيمانه "بأهميّة الصلح والاصلاح بين المتخاصمين" وكان يردّد دائما الآية الكريمة :"لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاة اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرا عَظِيما." كما كان يردّد الحديث النّبويّ الشّريف:" ألا أخبركم على أفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: صلاح ذات البين؛ فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول: إنها تحلق الشعر، ولكنها تحلق الدّين." والرّاحل عطا الحلو كان يدرك تماما مدى أهميّة "اصلاح ذات البين" بين المتخاصمين، لا حبّا في الأعراف العشائريّة، وإنّما لحبّه لشعبه الذي وقع تحت احتلال كريه أهلك البشر والشّجر والحجر، هذا الشّعب الذي كان ولا يزال يرفض اللجوء إلى شرطة الاحتلال ومحاكمه لفض النّزاعات بين النّاس. وممّا تميّز به الرّاحل أنّه لم يسع يوما إلى الشّهرة من خلال وسائل الاعلام، أو الالتصاق بمسمّيات ابتدعها البعض لنفسه، حتّى أنّه كان يرفض أن يكتب اسمه في الصّحافة من خلال اعلانات "العطوات والصّلحات العشائريّة" التي كان ولا يزال البعض يفاخر بها! ولهذه الصّفات الحميدة وغيرها كثير فقد فاز بمحبّة النّاس، وذاع صيته بينهم، حتّى كان يلجأ إليه كثيرون من مناطق بعيدة لحلّ خصوماتهم، مع أنّهم لا يعرفونه شخصيّا، وما خاب ظنّهم به يوما من حياته، مع التّنويه بأنّه لم يكن بحاجة إلى من يدعوه لحلّ الخصومات الكبيرة التي يسمع بها كجرائم "الدّم والعرض". فقد كان يسارع إلى التّدخّل بها طواعية لحقن الدّماء بين أبناء شعبه. ولصدقه وجرأته في قول الحق، ولنزاهته ونظافة يده، أصبح له جاه كبير بين النّاس، منذ بداياته، وقد كان لي شرف معرفة الرّجل منذ سبعينات القرن الماضي، فقد كنت في "صُلحة" عشائريّة على جريمة خطيرة، وفي بيت المعتدى عليه جلس عشرات الرّجال تتقدّمهم وجاهات عشائريّة، وألحّوا رجاءعلى ذوي المعتدى عليه أن يرحموا ذوي الجاني بتخفيف المبلغ "خمسين ألف دينار"الذي طلبوه، ولم يقبلوا التّنازل عن شيء منه، إلا أنّهم رفضوا ذلك بإصرار شديد، وبعد ساعتين من الرّجاء المتواصل، توقّفت سيّارتا أجرة، -لم أعرف وقتها إن كان بترتيب بين راكبيها أم هي الصّدفة-، وترجّل من كلّ سيّارة رجل، فقال بعض كبار السّنّ من الوجاهات المتواجدة " جاء "الحزاومة"- نسبة إلى حزما- هذا عطا الحلو وعارف الحصيني، ووقف الجميع لاستقبالهما والتّرحيب بهما، وعندما جلسا في صدر المجلس، قال لهما أحد الوجهاء بعد أن كرّر التّرحيب بهما: تفضّلا بالحديث؟ وقبل أن يفتح أحد منهما فمه بالحديث، وقف كبير عائلة المعتدى عليه وقال لأحد شباب عائلته"صبّ القهوة للحزاومة" وأضاف:"هؤلاء لا نستطيع أن نردّ لهما طلبا"، وتنازل عن حقّه مشترطا أن يبقيا لإكارمهم بوليمة تليق بهما وبالحضور، لكنّهما رفضا ذلك بقوّة، وغادرا المكان شاكرين بالحفاوة نفسها التي استقبلا بها. والحديث يطول عن هذا الرّجل وما كان يحظى به من كرامات عند الآخرين. ومن شاهد جنازة الرّجل وآلاف الرّجال من مختلف الأراضي الفلسطينيّة الذين أمّوا بيت عزائه؛ سيدرك مدى الشّعبيّة وحبّ النّاس للرّجال الرّجال، أمثال عطا الحلو الذي ترك في مماته درسا حسنا للأحياء، لأنّه قدوة تقتدى. فلروحه الرّحمة ولاسمه المجد والخلود، فهو فقيد شعب وليس فقيد ذويه فحسب. 1 نوفمبر 2017
#جميل_السلحوت (هاشتاغ)
Jamil_Salhut#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بدون مؤاخذة- في حضرة دير مارسابا
-
بدون مؤاخذة-من بلفور إلى ترامب
-
بدون مؤاخذة- مفهوم التّطبيع والضّرورة
-
بدون مؤاخذة- انسحاب أمريكا من اليونسكو
-
رواية -الصوفي والقصر- في اليوم السابع
-
بدون مؤاخذة- للكورد حقهم في تقرير مصيرهم
-
بدون مؤاخذة- لا يوجد قانون يمنع التلاميذ من شراء الكتب
-
بدون مؤاخذة- التهديد بحل السلطة الفلسطينية
-
رواية -الصوفي والقصر- والعبرة من التاريخ
-
بدون مؤاخذة- ضد الجريمة والتطهير العرقي
-
بدون مؤاخذة- الكورد وحق تقرير المصير
-
مجموعة -ياسمين- القصصية وعصر السّرعة
-
بدون مؤاخذة-الانسان وثقافة الحياة
-
القدس في قلوب وعقول عشاقها
-
بدون مؤاخذة- الهرولة إلى مزابل التاريخ
-
بدون مؤاخذة- الأقصى والفرص الضائعة
-
بدون مؤاخذة- الفلسطينيون وجحا وحماره
-
تقديم د. خضر محجز لثقافة الهبل
-
صدور ثقافة الهبل وتقديس الجهل
-
بدون مؤاخذة-ارحمونا من المناكفات
المزيد.....
-
سقطت بعد ثوانِ من إقلاعها.. شاهد الفوضى بعد تحطم طائرة في في
...
-
تحليل بيانات يكشف ما فعله قائد طائرة الركاب -قبل ثانية- من ا
...
-
مدى الالتزام بتوجيه ولي العهد السعودي في المدارس بلبس الزي ا
...
-
السعودية.. فيديو احراق سيارة متوقفة بالطريق والداخلية ترد
-
-ديب سيك-: أسرار وراء روبوت الدردشة الصيني الجديد، فما هي؟
-
شرطة لوس أنجلوس تنقذ مسنة عمرها 100 عام من حريق في دار المسن
...
-
في دولة عربية.. أول عملية عسكرية للجيش الأمريكي ضد -داعش- في
...
-
صخب ترامب مؤشر على الحالة الأميركية
-
زوجة الضيف للجزيرة نت: لم يتنكر كما كان يشيع الاحتلال ولم يغ
...
-
قبل موتهم جميعا.. كشف آخر ما فعله مسافران قبل اصطدام طائرة ا
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|