شورش إبراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 5679 - 2017 / 10 / 25 - 10:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
رافقت سقوط كركوك السهل بيد الحشد الشعبي والجيش العراقي , سقطة أخلاقية موازية , أبطالها ,هم المهزومين أنفسهم . "صناع القرار" في السُليمانية . حيثُ كانت كركوك هي وليمة قاسم سليماني الكبيرة ,التي أعدتها أسرة الرئيس العراقي الراحل المام جلال الطلباني له ,والتي لم تُدرك أربيل تفاصيلها إلا متأخرة , بعد سماعها من فووهات بنادق "الحشد الشعبي" و"الجيش العراقي ", وهي تجتاحُ كركوك ,في حضرة بيشمركة الإتحاد الوطني الكردستاني ومباركتهِ .
كأن قدر كركوك أن تُسقط أولاً من السُليمانية !
السقوط من هناك كان وقعهُ أشدُ ألماً من خسارةِ أربيل لكركوك , فقد سبقَ الجيش العراقي والحشد إليها "داعش" , دون أن تُشعر قادة كردستان العراق بكل هذا الإحباط , وتبقيهم وحيدين في هاوية أربيل الكبيرة , فصُناع القرار هناك, يُدركون أن الطريق إلى كركوك أصبح بعد سقوطها بهذا الشكل, سيمرُ حتماً بحربٍ أهلية كبيرة , ستُحرقُ أربيل والسُليمانية معاً , طالما بقيت إيران تطبخ القرار السياسي لساسة السليمانية هناك . فهذا يعني بالمطلق إن بيشمركة الإتحاد الوطني الكردستاني باتوا أقرب إلى خنادق الحشد الشعبي والجيش العراقي , منها إلى خنادق بيشمركة الديمقراطي الكردستاني .
من المثير للإنتباه أيضاً أن تحذير وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون لأطراف الصراع , بضرورة بقاء الوضع على ما هو عليه في المناطق المتنازعة عليها بعد اجتياح كركوك الأخير, وتشديده على عدم حدوث المزيد من الاشتباكات , جاء بمثابة طوق النجاة "للبارزاني" . رغم تعاطي حزبهُ مع التحذيربشكلٍ سلبي إعلامياً , وتسويقهُ بأنهُ يخدم المركز في بغداد على حساب أربيل , في إشارةٍ مبطنةٍ إلى قوة بيشمركة الديمقراطي الكردستاني ,وقدرتها على إلحاق الهزيمة بالحشد الشعبي المدعوم من الحرس الثوري الإيراني والجيش العراقي معاً في كركوك , وتأكيد قدرتها على استعادة زمام الأمور في المناطق المتنازعة عليها مع بغداد مجددا, ما أن يُصدر قائد البيشمركة ‘‘مسعود البارزاني‘‘ أوامره بالتقدم نحوها .
طبعا من المؤكد أن "البارزاني ", الذي ما كان سيقدمُ بأي شكل من الأشكال على محاولة استعادة كركوك, حيث الحشد والجيش العراقي المدعومتنان سياسيا من واشنطون حديثاً , والمتفوقتان عسكرياً على بيشمركة كردستان العراق, في ظل الشقاق بين أربيل والسُليمانية , بالإضافة إلى الأسلحة الأمريكية الثقيلة التي بحوزتها , كان سيخسر سياسيا أكثر بكثير مما خسره إلى الآن , لوبقي يُراقب حرائق كركوك دون التقيد بتحذير تيلرسون الصريح عوضا عن نجدة أبنائها ,الذين دعموه قبل أيام قليلة في استفتاء الاستقلال بأغلبية ساحقة , لذا أصبحت القادة في أربيل تستثمر هذا التصريح , وخيانة صناع قرار تسليم كركوك في السليمانية ,في الاكتفاء بالخسائر العسكرية والتقليل من خسارتهم سياسياً , وهم يُراقبون من على تخومِ كركوك دُخان حرائقها, وهي تبتلعُ شمس استقلال كردستان , وأكباد أكرادها في كركوك , حيثُ شُريانُ حياة دولة كُردستان المنشودة .
هذا الوضع الكارثي الذي حل بإقليم كردستان العراق , جعل من جلوس "البارزاني" على طاولة العبادي ,أقصى ما يمكنه فعله , بعد إن كان يلوح سابقا من بعيد للعبادي بورقة الاستفتاء وخريطة كردستان , وهي تضمُ كافة المناطق المتنازعة عليها مع حكومة بغداد , والتي سيطرت عليها البيشمركة مؤخرا في حربها المدعومة من قبل التحالف الدولي ضد داعش . .
.لذا لم يكن ترحيب أربيل بدعوة العبادي للتفاوض بالشيئ المفاجئ للمراقبين . رغم أنه من المتوقع أن تطيل أربيل موعد الجلوس على طاولة المفاوضات مع بغداد , محاولةً تحقيق انتصارات عسكرية ولو صغيرة في محور مخمور, بعيدا عن كركوك , في محاولة منها لاستعادة شيئ من هيبة بيشمركتها , بالتوازي مع محاولة الحصول على الدعم السياسي الغربي , والسعي وراء تغيير موقف واشنطون المتفرج على الأحداث لدعمها . خاصة بعد تلبية أكراد المهجر والداخل لنداء مسعود البارزاني بشكل كبير في التظاهر دعما لكركوك وأهله , وتنديدا بعودتها لحضن بغداد ,وبالتالي تجنب الجلوس على طاولة العبادي خالية الوفاض, كما هو حال قادة أربيل الآن , خاصة وأن العبادي لا يزال منتشيا بالتفوق العسكري والسياسي , الذي حققهُ في كركوك قبل أيام قليلة , فجلوس "البارزاني" معه في هذا التوقيت يعني انتحارا سياسيا .
فأربيل تُدركُ جيدا أن الانتصارات العسكرية على الأرض ,ستكون أداة التفاوض السلمية المطروحة والأكثر أهمية على طاولة الحوار مع العبادي , في ظل نكبة كركوك , وتقمص أمريكا لشخصية شرطي المرور المنظم لسير دبابات الحشد والجيش العراقي , في المناطق المتنازعة عليها بين الإقليم وبغداد . وباتت على يقين أن الولايات المتحدة الأمريكية تنظر إليها كشركة بلاك ووتر مجانية لا أكثر , توفرُ لها ملايين الدولارات التي كانت تصرفها سابقا على الشركات الأمنية العاملة في العراق ,والتي كان حاكم العراق العسكري بريمر يستخدمها إبان سقوط صدام حسين , في الحرب ضد أنصاره آنذاك , فبعد المشاكل القانونية التي طالت مؤسسها إيريك برينس وتحول شركته العالمية إلى قضية رأي عام تُلاحقها المنظمات الحقوقية العالمية في كلِ مكان , سخرت أمريكا بيشمركة إقليم كردستان العراق و الحشد الشعبي بالإضافة للجيش العراقي في الحرب ضد داعش في العراق . وأصبحت تدرك إنها ليست حجر أساس المشروع الأمريكي في المنطقة , كما روج الإعلام العربي والغربي لها على حدٍ سواء, والتي دفعت "البارزاني" إلى الاستعجال في تنظيم الاستفتاء على استقلال كردستان عن العراق . على الأقل في الفترة الراهنة .
وفي ظلِ ابتعاد أمريكا عن المزيد من التوتر مع طهران , استجابة لشركائها الأوربيين , الذين وجهوا النقد لحديث ترامب علانية , عندما انتقد صراحة اتفاق سلفه أوباما ومن خلفه الدول الخمس الدائمة العضوية مع طهران في الملف النووي , وإعلانه عن رغبته في تعديل الاتفاق مع إيران ,على الرغم من أن الاتفاق لا يحمل أي بند يُتيحُ له ذلك . أصبحت خيارات أربيل شحيحة في استعادة هيبة بيشمركتها عسكريا وأمجاد السياسيين فيها, بعدا عن الدور الأمريكي الداعم لها , حيثُ كان "البارزاني" يُستقبل مع علمه كرئيس دولة في العواصم الأوربية , وكانت أربيل أقرب لخُطى القادة في الغرب وتركيا منها إلى بغداد حتى وقتٍ قريب .
ومن فوارق السياسة أيضا, أن نشهد أربيل تستعين بالدب الروسي قريبا , , والمتلهف لإبرام عقود نفطية طويلة الأمد مع أربيل, في ظلِ خياراتها القليلة بعد صدمة كركوك ,ليكتمل مسرح التناقضات السياسية منذُ سقوط المناطق المتنازعة عليها في يد بغداد , في محاولة منها لملئ الفراغ الكبير الذي خلفته أمريكا وراءها , أو ربما يكونُ خيارا آخر لاستعادة أمريكا مجددا ,كونها لن يروق لها تمدد الدب الروسي في شمال العراق كما تفعلُ في سوريا الآن. على الرغم من أن خطة كهذه , قد تكون وقعها كارثيا على حكومة الإقليم , بأن تدفع واشنطون للوقوف بشكل علني في صف بغداد وضد أربيل , وبالتالي سيتسببُ في خسارة جديدة "للبرزاني ", قد تفقدهُ مكانته في أربيل أيضا , إلا إنها تبقى إحدى الخيارات الممكنة بيده , وقد يُراهن عليه قريبا كما راهن على الاستفتاء من قبل .
خسارة "البرزاني" لرهانه الخارجي بالحصول لاحقاً على دعم أمريكا والغرب لمشروعه الاستقلالي , رغم عدم وجود ضمانات له من قبلهم , بل في ظل معارضتهم للاستفتاء علناً , إضافة لخذلانه من قبل "صُناع القرار" في السليمانية , جعلته يُدرك أن نجاحه في لف نعش المام جلال بالعلم الكوردي , لم يكن يعني إنه كان قد كسب ود المنقلبون عليه في السُليمانية , وإن الطريق كان مفروشا أمامه بالورود لإعلان دولته, بل كان المنقلبون يُحضرون آنذاك فخاخ قاسم سُليماني لاصطياد حلم الاستقلال الكردي في كركوك, ليصبح نعش المام جلال ,نعش علم كردستان الأخير .
#شورش_إبراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟