أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمانة القروي - ضمأ














المزيد.....

ضمأ


جمانة القروي

الحوار المتمدن-العدد: 5677 - 2017 / 10 / 23 - 00:45
المحور: الادب والفن
    


أقبل موسم الاعاصير والامطار والسيول مبكرا، انقلب الجدول الرقراق الصافي الذي تخترق اعماقه العين وتبصر الوان غوره ، الى مارد هائج فاض بمياهه الطينية صافعاً ضفافه الخضراء بوحوله جارفاً بعنف ما يعترض طريقه دون رحمة.
تسلل شعاع الغروب الاحمر من خلف القمم بتيجانها البيضاء الى ذلك الوادي الضيق. لم يبقَ سواهم، عددهم لا يتجاوز اصابع اليدين، طوقوا بنصف دائرة وامطروا بالرصاص الذي لايعرفون كيف نجوا منه، غادروا المكان تاركين كل شئ، إلا ما استطاعوا حمله من الخبز وماء للشرب، قد يكفيهم يومين على اكثر تقدير! ساروا باتجاه ذلك الجدول الذي كان قبل بضعة ايام ينساب باناة وهو يخترق الوادي،حيث تدفقت مياهه فتحول الى نهر ثائر يضرب الصخور بقوته ويدحرجها الى اعماقه، لم يجدوا مكانا قريباً للعبور، واظبوا البحث حتى عثروا على زاوية تحدب عندها النهر وضاق واصبح القفز عليه نوعا ما سهلاً. عبروه متسلقين السفوح المواجهة والتي يجهلون مسالكها تحت ازيز الرصاص . تفرقوا الى مجاميع صغيرة انتشر بعضهم في شعاب الجبل ومواقع المقاومة واخرون احتموا بكهوفه، جامعهم الوحيد القلق والخوف اللذان تلاطما في نفوسهم مما تخبئ لهم الساعات القادمة.
في ذلك البيت المنقور في الصخور الذي لايتسع مدخله الا لقامة منحية واحدة، لكن تلك الفجوة الجبلية بأركانها المظلمة وزواياها المنخفضة الممتلئة بالتعرجات وسقفها الزاخر بنسيج العنكبوت تتسع ما ان تطأ الاقدام عتبتها . تلقف كل منهم مكانه بعيداً ومنزوياً عن الاخر. اتكأت على حافة الزمن الذي تشابك واختلط وتشابه. النضيض كاد يقتلها، مضى يثقب راسها، لم تستطع الحيلولة دون ان تضمح عيناها بالدمع، بعد ان غادرت وابتعدت بفكرها عن ذلك الجحر الرطب. اصطخبت في صدرها مشاعر مختلطة فوق احتمالها وفاضت روحها بذكريات انزوت من زمن بعيد في قبو ذاكرتها.
حاصرتها الانفاس الفزعة وقشعريرة الذعر والبرد معاً، وحدها مات احساسها بالمنية، ولم تعد تهابها، آلفت اذناها صدى طلقات الرصاص ودوي تهشيم الصخور، اضحى كل شئ سيان عندها، وحده النواح البعيد كدم روحها .
غيرت الشمس مكانها مرات عديدة، خلال ذلك عانقت اشعتها قطرات الماء فتلألأت ككرات من فضة. حينما مالت للأفول تسلقوا القطوع وسلكوا دروباً وعرة غير مطروقة . مجموعة لايعرفون سبيل الخلاص لكنهم سائرون على غير هدى.
ارتمت عند اول صخرة واحتمت بها من شمس نيسان التي صبت اوارها على رؤوسهم غير مبالية بعطشهم،منت نفسها بقطرة ماء تبلل شفتيها اللتين تيبستا.. اطاحت بهم الريح من مكان لاخر، تثاقل الوقت اصبحت الخطوات مرهقة، شح الماء ونضب، ليس سوى صوت تلاطم السيل واضطرابه يطرق سمعها من بعيد، تهطل كتفاها الى الاسفل جحظت عيناها ولم تعد تعي ما حولها كما لو انها في كابوس ستصحى منه.
زحف الموت نحوها حاول التهامها وسحقها ببطء،استسلمت له، مدت اليه يدها،عله ياخذها بعيدا الى اماكن قد تكون اقل قسوة مما تعيشه، لكنه ركلها مستهزئً بها ووقف بعيدا تخزرها عيناه تهكماً. لمحته مرات عديدة يتجول بينهم ومازال يسخر ويستخف بهم، تسربت رائحته من حولها وشرعت تخنق انفاسها،حمم من جنون عصفت بها،اكتظ ذهنها بسيل من الاسئلة جعلت تمور في داخلها، هل ستصبح مجرد رقم يضاف الى ارقام اخرى؟ هل سيطوقها حزام النسيان كغيرها؟ كظمت غيظها الذي تشجرفي غياهب ذاتها، استحال جسدها لمجرد كتلةً من عدم . متاهة من طرق وعرة ضآلوا بها، لا احد منهم يعرف الى اين تؤدي بهم، الى نبع ماء عذب ربما او الى كمين للعدو سينتصر عليهم بكبسة على الزناد.
هاهي ظلمة جديدة تغطيهم بوشاحها الاسود. تعثروا، تدحرجوا، نهضوا، قاوموا، اوشكوا على الانهيار،ساعات طويلة ما بين صحو وغيبوبة ، لم تعد ارجلهم ملكاً لهم . فجأة تسرب اليهم من بعيد رذاذ نور فتبعوه، تناهت اليهم اصوات قصية، عرفوها فحثوا الخطى، ألتأم شملهم جميعا مرة اخرى في قمة ذلك الجبل الاجرد الخالٍ حتى من النباتات البرية، لم يكن سوى بقع متفرقة هنا وهناك من بقايا ثلج الشتاء اختبأت من الشمس .
اخفض الليل جناحه البارد وخفق على تلك الاجساد التي تكورت كما لو انها اجنة في بطون امهاتهم، يترقبون الغد الذي قد يحمل بين ثناياه بصيص الامل بانقاذهم . طال الانتظار غربت الشمس وشرقت لايام عدة ،محاصرون في تلك العلياء، نفذ الخبز انعدم حتى الفتات نهش الجوع بطونهم الخاوية،مضغوا بعض الاعشاب التي نمت، جمعوا فتات الثلج في علب صدئة وتركوها تذوب لتنقلب الى ماء آسن يبللون به شفاهم التي ازرقت وتشققت. مكثوا يشربون تلك الاوحال التي هي الاخرى انتهت. بات النزول الى الجدول لجلب الماء انتحارا، لقد كمن الاعداء عنده، تلاشت ذرات الامل بالنجاة، وامست مجرد كلمة ليس لها معنى.
تفحصهم الموت مرات عديدة مارا عليهم بعينيه الحمراوتين، وبنظراته المفزعة وهو يبتسم لهم بتودد شديد، فقد شرع صبره ينفذ وهو ينتظر قبض ارواحهم والرحيل بهم الى عالمه، الا انهم طردوه من بينهم متشبثين بالحياة لحظة انسلال الروح .
اختلط الوهم بالحقيقة، تمدد الغد الذي لم يعد قادرا إلا على ان يدنيهم من اللحد. اثقل الهم صدورهم تلبستهم حالة من الحيرة والذهول فاقمت خيبتهم واحباطهم، جاهدوا لكبح انفسهم من اتخاذ القرار الاصعب .
حينما اعتصر الدجى الشمس وطواها في الافق البعيد، أبت انفسهم ان يموتوا عطشاً وتضحى اجسادهم المنهكة طعاما للكواسر . انحدروا هابطين، الطريق طويل ينعق الرعب والهلع فيه، خشخشة الحصى تحت اقدامهم تضاعف خوفهم مما يترصد بهم، قامات تمرغت في وجعها، يغور الالم فيها ويتدفق حمماً صامتة، يخبئون حسرتهم في جوفهم، ساعات قليلة فاصلة ما بين الهلاك والخلاص. علا واشتد صوت هدير الجدول، اسرعوا راكضين اليه، وصلوه واهنيين مرهقين، غابت الخطوات وانطمرت الافواه تعب من ذلك الماء دون ان تبالي بشئ سوى الارتواء منه .



#جمانة_القروي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ابريق الشاي
- اكفان خضراء
- الفقدان
- الخباز
- قصة قصيرة بعنوان الكنز
- قصة قصيرة عناقيد العنب
- قمقم الذكريات
- الاقحوان الحزين
- شبح الغربة
- الضرس
- الغول الاحمق
- من لايعرف ماذا يريد ( رؤيا نقدية حول رواية سميرة المانع الاخ ...
- قصة قصيرة بعنوان الزنابق البيضاء
- قصة قصيرة - القرار..
- مبدعون عراقيون في المنافي ( 5 ) [ الدكتور رشيد الخيون ]
- الفنانة ناهدة الرماح - حب الناس هو النور لعيونها .. وبذاك تل ...
- السمفونية الأخيرة
- مبدعون عراقيون في المنافي الدكتور صلاح نيازي
- مبدعون عراقيون في المنافي ...الحلقة 2
- مبدعون عراقيون في المنافي


المزيد.....




- -هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمانة القروي - ضمأ