محمود شقير
الحوار المتمدن-العدد: 5671 - 2017 / 10 / 16 - 16:45
المحور:
الادب والفن
يتناثر شعرها فوق الوسادة والقط يغفو على حجر الشباك، يترامى جسدها على السرير، وفي يدها كتاب أثير تقرأ فيه كلّ ليلة بضع صفحات قبل أن تنام، فهي مولعة بالقصص التي يتحقق فيها بين المحبين الوئام، غير أنها تقرأ الآن دون تركيز، لأن بطل القصة يتصرف مع حبيبته ببرود تام، ولأن جارها السكّير الساكن في الشقة المجاورة لم يأت حتى هذه اللحظة، وهي تخشى مفاجآته الكثيرة. مرّة دقّ على بابها متذرّعاً بأوهى الحجج، فصرفته بالحسنى. ومرّة ادّعى أنه أخطأ المرام، فبدلاً من التوجه إلى بيته حيث تنام زوجته، وجد نفسه يدق على باب جارته الحسناء، وعلّل ذلك بانقطاع الضوء في الممر، فصرفته بالحسنى مرّة أخرى، ثم صارت لا تتقن النوم إلا بعد أن تتأكد من جلبته الصاخبة وغنائه المتخلع على مدخل البناية ثم انصرافه إلى داخل بيته، يتشاجر مع زوجته حيناً أو يغازلها بصوت عالٍ في بعض الأحيان.
ها هي ذي خطواته تعلن عن حضوره الثقيل، والقط يصحو من إغفاءته لحظة ثم ينام، وها هو ذا يغني دون أن يأبه لأحد، تصغي في وجل، تقترب خطواته أكثر، يدق قلبها خوفاً من مشاكسة غير محسوبة، غير أنه يقرع باب بيته ويغيب.
تتنفس المرأة الصعداء، تلقي الكتاب إلى جوارها على السرير، ترفع ساقها في اتجاه الحائط، ينحسر قميص النوم عن الفخذ الرشيق، ترنو إلى الشباك، ترى القط في كامل يقظته، يقفز القط نحو السرير، يمعن في تأمل البياض البهيج كأنه مرمر وسط إحدى الساحات، ترتبك المرأة، تخفض ساقها، تحجبه عن القط الذي انهمك في التثاؤب بعد لحظات، ثم تصرفه عن السرير، وتعود إلى الكتاب لعلها تعثر على موقف جدير بالاهتمام بين الرجل وحبيبته. يعتريها الضجر مرّة أخرى، ترفع ساقها دون قصد مثلما فعلت من قبل، تتأمل البياض الكثيف في حياد، تفطن من جديد إلى فضاء الشباك.
يا للمفاجأة! ثمة أحد عشر قطاً تحدّق كلّها في بياض الساق، وخلفها تماماً، من الزاوية القصيّة للشبّاك، تلمح المرأة وجه إنسان كانت قد رأته من قبل، فلم تنفر منه آنذاك، فلم تخفض ساقها ولم تغلق الشباك.
#محمود_شقير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟