|
هواجس أنثوية
بشرى ناصر
الحوار المتمدن-العدد: 1465 - 2006 / 2 / 18 - 10:29
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
تركت لي (مشطها الخشبي) كشاهد علي عصر؛ لا علي حياة قصيرة تبخرت في البحث عن (فردوسها المفقود)؛ وأي فردوس للمرأة أعظم من (بيت مرفّه) تكون سيدته وملكته؛ ولتقضي ولم تتجاوز الخمسين الا بسنوات قلائل؛ تلك المرأة التي هادنت واستكانت في كل لحظة من حياتها ؛ كانت مؤامرة الوقت والزمن وحدها شغلها الشاغل؛ وكنت أحير كيف تحل المعادلة بتلك السهولة؛ تؤمن بتحول الزمن وتقدم الساعة (عشر دقائق) عامدة ؛ ولا تقبل بأهمية وضرورات تغير اللحظة التاريخية؟
وجدتي ... نمط مختلف من النساء اختارت عامدة الاستسلام (للكاز والكبريت) لتشعل نيران الرفض كلها في جسدها البض الممتلئ بعد ما اكتشفت أنها بلا دور؛ (الرفض) و(الاستسلام) : صيغتان مختلفتان لامرأتين زرعتا بداخلي كل الحيرة والسخط والجنون والتمرد ؛ لم أكن قد عرفت بعد أن (الجغرافية) تصنع التاريخ .. كنت أتعجب من(أحواش) الجيران المفروشة (بالصبّان) فقد امتد البحر لداخل البيوت بأشياءه كما امتد ليصنع ثقافتنا وتراثنا وأشيائنا الأخري؛ ولم أكن أري والدتي الا وذراعاها مغموستان بالصابون أو تقف علي الغسالة تدير اسطوانتها لتعصر ثيابنا؛ ما كانت أمي (غير أم) ولم استطع رؤيتها طيلة حياتي الا كذلك؛ ربما تفر صورة (الأنثي) من أمهاتنا حتي تكتمل القداسة؛ فنحن نعتقد أننا سيطرنا علي الموضوع بتصورنا له تصورا معيناً ... في السادسة من عمري اكتشفت أنني (بنت خطيئة التفاح) أو أنني إحدي (الحواءات) و أنني أنتمي للإناث؛ حتي في الألف المقصورة في إسمي؛ وفي السادسة من عمري (باض) الشيطان بيضته في رأسي ؛ حين استولي جارنا علي جسد زوجته بالضرب (بسلك الكهرباء) هرعت نساء الحي وأمي لإنقاذ المرأة من براثن زوجها الذي تدفق الزبد من فمه وتطاير السباب؛ كنت أتفرج من بعيد مذعورة؛ شيئاً ما لم أر مثله في حياتي؛ أظن من وقتها قد زحفت الأشواك لروحي؛ فقد تملك المشهد عليّ حتي اللحظة؛ ورغم انكسار قلب أمي علي المرأة وحرقتها الا أنها دمدمت : (تستاهل ... فاجرة) فأصبح الفجور في عقلي قضية تستحق المقارنة؛ ماذا يمثل (الفجور) كانت المرأة جميلة بشكل يصعب وصفه إضافة لحبها للحياة مما يدعو لوصفها باللعوب والمغناج والطروب وما الي ذلك من صفات جاهزة تطلق علي النساء المستمتعات بإنوثتهن ؛ لقد حكمت أمي علي المرأة كما حكم المجتمع بأكمله عليها بالفجور؛ لأن الطرب والغنج والأنوثة تمثل (فتنة) ومجتمعاتنا تطارد الفتنة لخوفها منها فهي لا تعني ولا تمثل غير الفوضي؛ وهكذا فالفتنة فجور؛ ولكن لماذا يحكم المجتمع علي جميلة التي تسترق النظر لحبيبها من وراء(الوارش) تلك الفتاة البريئة الطاهرة ؟ فأجهز عليها بأيادي الوصاية الأبوية لتزف لرجل طاعن في السن دون علمها ولتكتشف أن عليها مد أيديها وأقدامها (لطاسة الحناء) كأي عروس دون علمها ؟ لقد خاف المجتمع من غنج وأنوثة جارتنا (جيهان)لانطوائه علي (الفتنة) وخاف من حب (جميلة) لأنه ينطوي علي( اختيار) المرأة لقدرها؛ فقد كان ولا زال زواج البنات شأناً عائلياً لا خاصا؛ فوجدتني مع كل مرحلة من مراحل عمري تفز لذاكرتي صورة تلك المرأتين بنفس الحيرة والأسئلة؛ في السابعة من عمري أسلمتني أمي التي تحمل صوت وضمير المجتمع لمنظومة العيب والشرف والحشمة والعرض فأطالت من أثوابي مما يخفي ركبتيّ وما عدت ألعب مع الأولاد؛ ولم يدر بخلدي وقتها أن أمي تهيئني لمستقبل سوف ينظر للنساء بمزيد من تعسف واعتبارهن مصدر الشرور طالما ترافقهن الجاذبية أو بالأحري (الفتنة) ذلك الوحش المرعب الذي خوفتني منه وخوفها مجتمعها منه من قبل؛ إعتقدت أنني نسيت ذلك في مراهقتي ؛ وتكيفت مع متطلبات المجتمع وشروطه؛ وأصبحت أكثر قدرة علي مهادنة مجتمع لا يكتفي بتهميش وإقصاء ما يسمي (بنصف المجتمع) باعتباره عورة؛ بل يصر علي التنكيل بهن وتخويفهن من الإشارة والتحدث عن كل جروحاتهن وعذاباتهن؛ وجعلهن يعشن تحت وطأة (التأثيم)؛ لكن منطقة ما من رأسي تبحث عن (الحرية)بكل معطياتها؛ فأقبلت علي (الوجودية) بروح متعطشة قادتني لحمي قراءة سارتر؛ وبقدر جعلني أدير ظهري وقتها لكتاب الجنس الثاني (لسيمون دو بوفوار) (الذي أحزن اليوم لفقدانه) إذ لم أكن معنية بخطاب المرأة المغلف بالخوف والكبت؛وما كنت أعي أن الجسد الإنثوي هو المرآة التي تعكس مؤثرات المجتمع ؛ أتذكر الآن كيف كنت منشغلة ببناء مدني الوهمية الفاضلة؛ بينما بنات جيلي يبحثن بشكل انتحاري عن الحب وعن (سوبرمانهن) الخاص وقتما كنت أنبش في (البرمجة الاجتماعية) لحضورنا نحن النساء أو حضور أجسادنا
بين الحجب والكشف تبعاً لمتطلبات التقاليد الاجتماعية ؛ واليوم وبعد مزيد من القراءات أكتشف أن (الخلفيات التاريخية) قد أفضت الي اعتبار النساء مجرد أجساد ؛ وأن خطابنا النسائي مهما تجاوز يظل مغلفاً بالخوف ؛ لا يطال (الثوابت) ولا يجرؤ علي الاقتراب من (المحظورات)وأن أغلب نسائنا يحملن أفكاراً وتصورات ليست من اختيارهن بل من تصورات (المجتمع) يتبنينها ويدافعن عنها بشراسة ؛ فقط حتي لا يعتبرن منبوذات مطرودات من رضا المجتمع ووصايته ...ولأنني مشبعة برفض وثورة جدتي ومشبعة بمهادنة أمي واستسلامها وخضوعها ؛ فلست أعرف حتي اللحظة من ستنتصر في داخلي في النهاية .
#بشرى_ناصر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تمجيد النحن وغياب الآخر
-
أما آن لأقدم أوجاعنا أن تثمر......؟
-
توريط النساء بالإرهاب
-
الاعتصام بحبل الله ....
-
المثلية -أو الشذوذ الجنسي ...
-
نساء رهن البيع ...
-
كلاّ....أنا لست حرة
-
جسد الأنثى المعذب ..جسدها المسجون
-
أيها السادة:انتبهوا للصدمة والترويع...
-
هل تتحمل المؤسسة التعليمية عبء ومسؤولية صياغة الخطاب المتطرف
...
-
تغرير بالمواطن العربي أم تغريبه ؟
-
نحن النساء : برتقالة وقديسة ..
-
زواج الدمى لا ينجب أطفالاً حقيقيين ..
-
المثقفون العرب .. أي خطاب لأي واقع ؟
-
الصحافة النسائية : أي خطاب ولمن يوجه ......... ؟
-
شؤون حميمة لا يعرفها الرجال
-
ايتها السلطة ... كيف أعاودك وهذي آثار فأسك ؟
-
إبداع المرأة بين محاصرة وهم الثابت وطموح القادم
-
صمت الروح ... ام وجعها
المزيد.....
-
الوكالة الوطنية للتشغيل anem.dz: حقيقة زيادة منحة المرأة الم
...
-
عندي بسكليتة ما بعرف سوقا ركبنا عليها.. حدث تردد قناة وناسه
...
-
الرفيقة سومية منصف حجي عضوة المكتب السياسي للحزب في قراءة في
...
-
الرفيقة لبنى الصغيري عضوة المكتب السياسي : البلاغ كان محط ان
...
-
الرفيقة نادية تهامي عضوة المكتب السياسي : مراجعة مدونة الأسر
...
-
الرفيقة سومية منصف حجي عضوة المكتب السياسي للحزب : بناء مجتم
...
-
مصر.. تأييد حكم الإعدام لـ سفاح التجمع -قاتل النساء-
-
ينتظرها نقاش في البرلمان.. مدونة الأسرة بالمغرب تدخل مرحلة ا
...
-
التعدد والإرث.. تعديل مدونة الأسرة في المغرب يثير جدلا
-
آلام الساق عند النساء قد تشير إلى حالة صحية خطيرة
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|