|
قراءة في ديوان جواد الحطاب: قبرها ام ربيئة وادي السلام
ياسين النصير
الحوار المتمدن-العدد: 5663 - 2017 / 10 / 8 - 10:56
المحور:
الادب والفن
تبني القصيدة بيتها الفنيٌّ على منظر جنازة الأم، لا شيء يسبق هذا المنظر، ولا شيء يلتحق به، ويعود ارتباط الرؤية بالأم الميتة يقظَّة للمخزون العاطفي تجاه صورة اختزنت حالات وعلاقات لا حدّ لها، وهنا يقترب منظر الأم المسجّاة والملفعّة بشيلة بيضاء "الكفن"، من كينونة الطبيعة، خصوصًا إذا كانت علاقة الإبن بأمه عميقة وذات جذور ميثولوجية: أزبدت صحراء النجف وتلاطم الرملُ وغاصت الشواهد وتنكر السهلُ حتى إذا شثن الماء ودُبغَ الهواء أطلقت صلواتك سهمها فانشطر الليل إلى قوسي قزح
.. وجاء من أقصى المقبرة قمر يسعى.
هذه بنية مكانية امتزجت فيها عناصر الطبيعة من ماء وهواء ورمل ونار وقوس القزح، وديمومة نشيد تمثّله الصلوات، وصياغة كونيَّة للأشياء حتى يحين حلول القمر فيضيء كل الموجودات. هنا يعيد الموت صياغة شعورنا بالطبيعة، من أنَّ الطبيعة غنيّة بصورها الأموميَّة أيضًا، خاصَّة عندما تقترن بموت من نحبّ، والقصيدة ليست إلّا سطورًا من الحبَّ للطبيعة من خلال الأمّ التي عادت بعد رحلة زمنية قصيرة للطبيعة ثانيَّة، أصل المشاعر كلّها، أنَّه الشعور البنوي. فكلّ الأشكال تتلقى واحدًا من مكوّنات حبُّ الأم، والطبيعة بالقياس إلى الإنسان الذي شبَّ، هي شعورنا، بـ "إسقاط للأم" (1) يعدّ هذا الإسقاط من أوائل المبادئ الفاعلة لقوّة الخيال الطبيعيّ كي يضعنا التصوّر للأم الميتة في منظور الأمومة الكونيَّة، "فزمنية القلب لا تهزم" حيث يعطينا حبُّ الأم استعارة لا نهائيَّة لحبِّ الطبيعة، ربما يعيدنا التصوّر الطبيعي للأم كما يقول باشلار، إلى أن هذا الحليب الذي تسقينا الأم به، حليب "لا يُمحى" فالرحلة إلى مقبرة دار السلام، سفرة في المعلوم الحياتي، سفرة غياب، لكنَّها في المجهول الرمزي تصبح سفرة حضور.
يشكّل الموت حذفًا لشيء "اكتمل" فالتعويض يتم بإعادة الحياة لأشياء الميت، وليس للميت نفسه، الطاقة المنتظرة لليقظَّة لا تنهض إلّا عندما تُحذف مؤسساتها، عندئذ تكون الطاقة تعويضًا بالشيء عن الكينونَّة المفقودة، وما إعادة الميت بطقوس وتنظيمات صورية كالكفن، والقبر، والندب، والتعزيَّة، والنواح، إلا إعادة الاعتبار لبقاياه غير المحذوفة. لقد حُذِف الكائن لتحيا أشياؤه. وبما أن الجسد ولد من الطبيعة، وسيعود للطبيعة، بينما النفس تنتمي إلى العالم المثالي، وستعود إلى ذلك العالم. وتشمل الوسائل البلاغية المستعملة لوصف هذه العلاقة صورة جسد في ضريح، وسجين في زنزانة، وفلاح في كوخ متداع، وطائر في قفص، وما أشبه، وصار ينظر إلى انفصال الجسد والنفس بوصفه إنفصالًا عموديًا، تذهب النفس فيه إلى "الأعلى" ويهبط الجسَّد إلى" الأسفل" (2) القصيدة مجموعة من الصور التي تتراوح بين جسد ذاهب إلى المقبرة "الضريح" ونفس، صاعدة إلى السماء، مصحوبة بإرث شيعي وتراث سومري، ومثيولوجيا الماء والأنهار، وطقوس الموتى الأحياء.
يا ابنة الآلهة والكواكب التسعة يا بنت أثني عشر وليّا
هذه الحذوفات، وسلسلة من: المرض، الأفول، التقدم بالسن، قلّة الحركة، محدودية التفكير، عدم القدرة على مواكبة ما يحدث، وقوفه عند مرحلة لا يستطيع بحكم اشتغاله الأن تقال، كل هذا الحذف تآكل في الذات، سيكون التعويض عنه بالنفس الصاعدة مع الأولياء، وبالأشياء المتعلقة بها، عندئذ يجري فحصها، قدرتها، فهي مهيّأة أن تأخذ دور المحذوف، كي تعود ثانيَّة لُّغة، المادة المحذوفة تستحدث عبر اللُّغة، ولذلك يمكن تنويع استعاراتها، كي تبقى حيَّة. ما تبقى من الأم، هي أشياؤها التي نهضت عبر لُّغة الإبن، كي يعاد ارتباطها ثانيَّة بالجسد الأمومي/ الطبيعي، ولكن هذه المرّة ستكون الإعادة عبر جسد الإبن، الذي أحلَّ جسد الأم فيه. في الملاحظات التي أرفقتها مع القصيدة قبل نشرها، قلت ما يشبه التأكيد أنَّ هذه القصيدة تصنع مثيولوجيتها الخاصَّة، ولكنَّ الشَّاعر يختزل موضوعة مهمة في بضع صفحات شعريَّة مكثفة، في حين أنَّ بنيتها الأسطورية الشعبيَّة تستلهم تراث المقابر منذ سومر وحتى اليوم، كما تستورث تراث مركزية الأم في اللبيديو، وكل ما يتبع ذلك من علاقة بين الإبن وأمه. سيكون هذا الدعاء الصوت، بداية الترابط بين الأمّ وابنها من خلال المشتركات الدينيَّة والمثيولوجيَّة.
قلتِ لي أمّن.. فأمّنتُ وبسملتُ... وحيعلتُ: حيّ عليك بدرية نعمة. ختم الله على أيامك المسكوكات: رضواني وعلّق في ذؤابة شيلتك الثريات.
هذه القصيدة تؤشر في جانب منها ألى دراما السطح الإجتماعي الذي يستبطن أفعالنا وأحداثنا اليوميَّة من دون أن ننتبه إلى أن الدراما تسيّر أفعالنا، وتحدّد رؤيتنا لما يجري، فالقصيدة تخرج من موضوعها الخاص إلى الموضوع الإجتماعي العام. وتجعلنا ممثلين لحدث هو الموت غير كفوئين بالتمام لمنعه، فليس باستطاعتنا منع حدوث الموت، لأنَّ ما نمتلكه من وعي جمعي، محدود بعلاقة الإبن بإمه وعلاقتهما معًا بالموت/ الحياة، محدود، وما السفر الكونيَّ إلى الأعماق الذي يرافق الأم، وهي منحدرة بهدوء الى العالم السفلي، عالمها الذي وُعيَ به اجتماعيًا ونفسيًا، عبر تدرّج سنوات عمرها، إلّا خارطة مشوشة، يرسم للأبن معالمها عبر علاقة حميمية. هي، سائرة نحو مصير تراجيدي الى العالم السفلي، وهو سائر نحو مصير كوميدي الى عالمنا الواقعيَّ اليوميَّ، ويبقى ما يوّحد العالمين هو رمزيَّة الجسَّد. هذه الريبة لا تولد قناعة بأنَّ ما يحدث هو نهاية لما عاشه:
نومك مريب يا بدرية بت نعمة
لنبن بيتنا النقديّ على هذه العلاقة التي تشّد من طرفيها المأساة والكوميديا معًا، لتصنع منطقة ما بينيَّة هي منطقة الشعر، فالنص مكاني، فضاؤه يبتدئ بالقبر: ثم: " الربيئة"، ثم "وادي السلام"، ثم العودة ثانيَّة للأرض، فضاء من السعة إلى الضيق، ومن النافذة إلى العتمة، هذه الإتجاهات المكانية تفرض وجود شخصين يشتركان في صياغة هذه الأمكنة شعريًا. حينما نفكّر أنَّ الشعريَّة هي منتهى الجودة في اتقان لعبة التراجيديا والكوميديا، ينتابنا شعور أنَّ ما يتحقق منها هو نتاج سطح العلاقة بين الأم وابنها، أو الإبن وأمه، وتبقى بنيَّة التراجيديا والكوميديا العميقتان، يتراوحان الظهور والاختبار خلف اللسان الشعريّ، وتراكم الصور المتأرحجة بين العالمين. نحن إذًا في جدليَّة الحضور/الغياب، الشيلة السوداء/ الشيلة البيضاء، هذه التراجيديا الشعبيَّة المألوفة، واحدة من الثيمات الأسطورية التي تعيد تشكيل العالم الذاتي مرة ثانيَّة، ومن زاوية شخصيَّة جدًا، محاولة من الشاعر أن يجعلها زاوية منفرجة. والأمر لا يتكرّر، يحدث لمرّة واحدة، هي المرة الأولى والأخيرة، وما يبقى خارج جدليَّة الحياة، والإبن عبر السؤال المبهم "تذهب بزيارة مجهولة" مدار استعادة الزيارات التي كان معها.
أنا الآن من دون بدرية.؟!!!!
للمرة الأولى، يحدث هذا: أن تتركني بدرية نعمة وتذهب –لوحدها-بزيارة مجهولة!!
هذه البنية التراجيدية الكوميدية التي تبدو أنَّها مختلطة في القصيدة، هي الثيمة المركزية التي تجعل الإبن يعيد بناء العلاقة مع أمه حين يتصوّر موتها زيارة، تراجيديا يتناوب الشاعر وأمه الحديث عنها، هي بنية أسطورية بأثواب معاصرة، يمكنها أنْ تتسع وتتمدّد نحو الأعماق، لتكشف علاقة الإبن بإمّه، العلاقة التي درسها فرويد في أُوديب ملكا، وفي لوحة ميخائيل انجلو" موسى"، التي تحرس باب البابوية في روما، لنجد أنفسنا إزاء ظاهرة غائرة في تراكيب وعينا الواقعيَّ الذي لا يكشف هذا الوعي الا عن سطح الظاهرة، في حين أنَّ اللا وعي المعرفي للعلاقة بين الأم وابنها، سيكشف عن عمق الصلة بين الحياة والموت، المقبرة والحياة، الليل والنهار، العتمة والضوء، نثرية الحياة وشعريَّتها، أنْ يبقى الإبن حيًا يتذكّر وينشد ويقول، وأنْ تنقطع الأم بلسأنَّها دون وجودها، فيستحضرها الإبن الشاعر لُّغة وصورًا وندبًا واستحثاثًا لنا كي نشاركه مأساته. هذه المداورة المثيولوجيَّة بعضها معاش، والجزء الأعظم منها مستعار من المثيولوجيا الجنائزيَّة التي ركّز فرويد وماركس عليها باعتبارها مثيولوجيا الحضور والغياب، تحضر عند فرويد بوصفها أرضيَّة للاشعور، وتحضر عند ماركس بوصفها أرضيَّة للتمرّد والثورة، وفي الحالتين ثَمَّةَ إرادة تصنع اللغة، وليس من طريق غير ذلك لفهم العلاقة بين أوديب الشاعر المعاصر، والأم، تلك الثيمة الأرضيَّة التي توّلد ليس الأساطير بل كتّابها المدونين لرحلة الموت. فالمقطع الآتي يشير إلى كونية الأم، حيث تختلط ولادتها بمكوّنات السماء والأرض، وتحمل على جسدها علامات الأجداد والنجوم والخرائط المقبلة، وفي صميم التكوين ثَمَّةَ من يستدعي عشتار بصورة الأمّ الكونية. حاملة أختام سومر وبابل وخرائط العودة من جديد.
فيا ختمًا اسطوانيًا يا ابنة الآلهة، والكواكب التسعة يابنت اثني عشر وليًا..
في الفالة والنحري، في الزهرة ورفيقتها نقش الأجداد على جبينك، مواقع النجم وبالأثمد والنيل، بشحم الرماد رسموا خرائط عودتهم للارض على يديك
ومن العنوان نجد المفارقة قائمة: ربيئة دار السلام، شاهدة ومقبرة، والسلام هنا كناية عن مقبرة ظلمات، وموت أعمى، وكأنّ اللغة تمنحنا بعض السلوى لتطييب مرارتنا بالموت، خاصَّة موت الأمّ الذي يشكّل أهم ثيمة للعلاقة بين الأم والطبيعة، ثيمة في وجود الأنا متحررًا من قيود الأب، كمعظم حياتنا تشدّها الحميميَّة حتى لتصبح قيدًا، ما أنْ نتحرّر منه حتى نبدأ بالتعبير عن الحريَّة.
قصيدة جواد الحطَّاب هي تحرّر من قيد الأب، ولكنَّه تحرّر يكشف عن مأساة عميقة للعلاقة الأموميَّة بالأرض، بالإنتاج، بتوليد الصورة، باستحضار أشياء شعبيَّة كرموز، لعمق الصلة بالأرض والوجود، هذه الكينونة المتأرحجة شعريًا بين أن تكون صورا أو أنْ تكون لغة، يتماهى الرمز فيها بين أمّ هي كلّ الأمهات، وأمٌ هي مفردة خاصَّة بجواد الحطَّاب. ما كان بإمكانه أنْ يكتب القصيدة وهي تحتضر، حيث المقبرة تحضر في ذاكرة كل المعزّين ولا تحضر في ذاكرة الموشك على الموت إلّا الحياة، هذه المفارقة بين أنْ يرى الأبناء صورة المقبرة في الأم، وأن ترى الأم صورة الحياة في الإبناء، عندئذ يصبح الموت حالًا وسطى، تتكشف فيه التناقضات، لذلك لم يكتب جواد القصيدة إلّا بعد مغادرتها. في هذه الحال لم يبق منها غير الأمومة، وتضيع كل التفاصيل في دائرة النسيان التي تستحدث الأشياء وتصهرها في بوتقة الصورة الكلية للأمّ، عندئذ تصبح الأشياء: الشيلة، العباءة كفنًا، كان قد وُظّفها الشاعر دالة على الحياة، ولما غادرت بثوبها الأبيض، وأُنتُزعت منها كَّل الأشياء الخاصَّة بها، تنهض الأشياء ثانيَّة لتكوين الأمّ الرمز، كي تتجسّد مادة للرؤية. جواد لا يكتب القصيدة إلّا وهو عائد من المقبرة، أما قبل ذلك فلا حاجة للقصيدة، لأن الأمّ هي القصيدة، حيَّة ناطقة بالوجود، وكينونة تتراءى للموجود، أنَّها حيَّة إلى الأبد. تصبح الشعريَّة تعويضًا مشحونًا بالرموز والاِستعارة، ومادة خِصّبة لأن تمتدّ في تاريخ المأساة الفرديَّة ليُنهضَ الشاعر منها رؤية غير ملتبسة بين الإبن وأمه، على العكس من أوديب، كانت العلاقة مبتدئة من الأم باتجاه إبنها الغائب في سحنات الرجال التي تتأملهم، حينما لا يكون لها غير ولد تتباهى بذكورته معوّضة عن أُنوثتها. هنا يكون الأمر معكوسًا، نمت القصيدة في حراشف الألم العائد من المقبرة، فتكون الأمومة الجزء المختبئ في الابن، ذلك الذي لا يمكن تعويضه حتى لو كتب الإبن عنها القصائد، فحضور الأم في مثيولوجيا الحياة المعاصرة أغنى بكثير من حضورها في المثيولوجيا المغادرة. تتشبّع حالة الغياب/ الحضور بالفقدان، وأكثر جوانب الفقدان هي في الشعريَّة التي تبقى ناقصة، ما دامت الأم لم تغب من بين سطورها، هذه الإطلالة الخفيّة لصورها وحياتها، هي اطلالات على تجاعيد حياة الإبن وهو يفتقد تشكيل أيّامه بعدها، بعدما كانت هي من يلظم خيط زمنه اليوميَّ، ويشدّه إلى الذكريات. مادة تعمّق وجوده قبل وجودها، ها هو يفكّ هذا الخيط فاليد اللاظمة أمست يابسة، مكفّنة، والعين الرائية مغمضةً، وما تبقى غير أن يواجهها في القبر وهو عائد، يسير إلى الوراء، وعيناه مصوّبتان باتجاه المقبرة. أيَّة معادلة توفّرها قضيّة موت الأمّ؟ بعدما كانت لا يمكن أن تكون أبًا أو أختا أو زوجة أو عشيقة، فالمساحة التي تحتلها الأمّ في حياتنا، تجعل من كلّ المتعلقات مجرّد أشياء باهتة، هذا الليل الذي يرافق الحلم ويلتصق به ينبئنا إنَّ حياة الأحلام ليل، وأن حياة الوجود نهار. هذه الميثولوجيا تهيمن عندما يرتبط القبر بالليل، عندئذ تبقى القصيدة عائمة في النهار. بإمكان الشاعر أنْ يضيف إليها وأنْ يُديمها، فلا مجال لإلغائها أو نسيانها، وها هو يؤثثها بالانتشار، والطبعة، والتوثيق، والقراءة من قبل الأصدقاء.
أستنسخ اليقين لأزوّر المقبرةَ * ستنامين ..
وأنا... تحت مَلّلٍ ناعم انتظرُ تصحيح مسوّدة الحياة
عندما يصبح الفعل مشهدًا، يجعلنا نعرفة بدقة، أما الفعل المؤجّل وغير المكتمل، لا يمكنه أنْ يتشكّل كمشهد، كان موت الأمّ خلاصة لتشكّيل مشهد المقبرة، وكأنَّ المقبرة واحدة من آخر الملاحم التي تحيا فيها الذكريات. نستطيع أنْ نسمع أنين القصيدة، وهي تعيد تركيب الفعل، فعل الفقدان، ومن ثمَّ الإختباء وراءه كقضية نهضت من موتها، أعني موت الذاكرة عند الشاعر.
الموت كتاب بلاغته: الجثث
تنزلق القصيدة بين فعلين: فعل الذات، ذاتُها عبر ذات الإبن، وفعل الطبيعة عبر كينونّة الجسد الغائب، فعندما تبني القصيدة بيتها على هذه الأبعاد الزمانيَّة المتمثلة بالذات، والمكانيَّة المتمثلة بالطبيعة، يكثفها الشاعر بـ ” الربيئة” هذا التكثيف الفضائيّ إذ يوحي بأنَّه مختص بالجسد، لكنَّه في حقيقته أبعد من أنْ يكون ذاتيًا، هو الاندماج الكونيَّ بالطبيعة، وهي الرموز التي أشتغلت عليها المثولوجيا في طقوس الحياة بعد الموت. القصيدة لا تميت الأم ولا تكتب عن موتها، إنَّما تكتب عن الحياة المستمرة بالموت، الشاعر لا يريد أنْ يقتنع بأنَّ أمّه قد غادرته، بقدر ما يريد إقناعنا أنَّها ما زالت عبر الشعر حيّة، وأنَّ باستطاعتها مخاطبته والعودة إليه عن طريق الحلم في الليل، أو اليقظَّة الاسترجاعيَّة في القصيدة. هذا الانزلاق الشعريّ لا يوقف جريان العاطفة المستمر، لذلك تبقى الشعريَّة نافذة لهذا الجريان المتدفّق، وحافزًا لاستمرارية قراءة القصيدة، كما لو أن التعزية تنشد الحياة عبر التراتيل.
لم تأت إلى النبع لم تحمل جرّة... ولم تشهر كفيها بوجه الغيم...
لذلك يعمد الشاعر الى نوع اللعب بالكلمات الراسخة، أو التي تُرسّخ وجوده بعد الموت، لذلك سعى الشاعر الى أن يؤكّد حضور الاثنين: ذاته وذاتها، في العالم، العالم الذي يعاش، والعالم الذي انقطع. هذه التراجيديا الذاتيَّة تحمل كوميديا سوداء لا نستطيع إلا ممارستها والاقتناع بها، وهي أن الموت يضحك على حياتنا، مهما كانت الحياة وكيفما تكون، لا فرار لنا من قبضته، هذه الكوميديا الساخرة المريرية، هي ما يجعل القلب مدمّى لأننا نعرف أنَّنا نعيش من أجلها، والتعزية الوحيدة هي أنْ نكتب عنها مراثي، لا تُضحك إلا شيطان الموت، الذي سخرَ من الآلهة قبل البشر. هذا التناوب بين الموت والحياة، الليل والنهار، العتمة والنور، السطح والقبر، هو تناوب لاستعارة البئر كزمن في ذاكرتنا كلما شحبت الرؤية الواقعيَّة، أو صدمت بالقسوة؛ عدنا الى بئر الذكريات، لندفن فيه يقظتنا من جديد، ثم يختزنها البئر الزمني كجزء من تنفيس العقدة من أننا ننسى دائمًا أنَّ الحياة مجرّد لعبة كونيَّة تُمارسها الآلهة بطريقة كوميديَّة لتصنع تراجيديتنا. هل نستطيع أنْ نذهب إلى أبعد من ذلك، يستحيل على الذاكرة أنْ تفكّر بغير ما مرَّ عليها من تجارب، والعبث الذي يمارسه البشر في استحضار الموتى الشهود مجدّدا عن طريق الطقوس والتعاويذ، هو لعبة الحياة، وليس لعبة الموت، هذه اللعبة التي نمارسها لاستحضار الشهداء والأئمة والمفكرين، هي بقاياهم في ذاكرتنا، وحاجتنا الدائمة لحضورهم معنا في يومياتنا وطعامنا. ولذلك يفقد الكثير منا موتاه باستحضار ما كانوا يحبّونه من أطعمة ومن كلمات. هذه التراجيديا وحدها كان بإمكانها أن تحول شعريَّة الحياة اليوميَّة الى أساطير حيَّة ومستعارة، ويمكن توسيع أثوابها لتشمل كل الكائنات والطقوس المتعلقة بالموت.
بالرغم من أن تجربة الشاعر في كتابة قصائد الرثاء، كالتماثيل، والنَّصب، والسجن، والشواهد، هي جزء من مرثيات الأفول، كل هذه النصب صناعة كوميديَّة عندما تتجمع الثانويات والمهملات من كلاب وقاذورات وبوّالة الليل حولها، لتستأنس بهم بعد أنْ التحمت جذريًا بالليل. في هذه القصيدة يُعيد الحطّاب تشكّيل الدراما بطريقة مختلفة، هو لا يقيم النصب في الساحات، ففي خروجها من القبر إلى النور تموت عبر حياتها وتحيا عبر موتها، واليقظَّة الكونيَّة لها تصبح مجرّد مشاهد في ذاكرة المشاهدين. جواد في "ربيئة وادي السلام"، إبتعد عن هذا الندب التموزيِّ، ليعيد تشكيل النصب بطريقة التمثال المسجّى، الذي يتجه صوب تماثلات العبادة، القُبلة المحدّدة باتجاه القدس، ليستحضر كل النبؤات الصغيرة التي تعيد للأمّ رموزها التي فقدتها عندما استوطنت الإبناء عوضًا عنها. هذه الإستعاضة لا يمكن محاكمتها إلّا بأن يكون ثَمَّةَ شكّل فنيٌّ آخر يُنهضها من جماليّتها الساكنة إلى جماليَّة متحركة، فكانت اللُّغة الشعريَّة هي التعويض الأكثر ثراء للعزاء، والقصيدة عبارة عن سؤال موجّه للوجود، عبر الأمّ، وكأنّ الشاعر يعيد تاريخ السكون بالحياة عبر الموت، وإلا كيف يمكنّه أنْ يكون شاهدًا ومشاركًا، لو لم ينفصل عنها، ومن ثم يندمج فيها، وكأنَّه سيّاب أخر يستجيب لنداء الأم "قصيدة في الليل"، وهي في قبرها، منادية له بالعودة إلى رحمية الأرض/ الأم، ومن هناك تبدأ الولادة من جديد. ثَمَّةَ أنثروبولوجية تولدها العلاقة الأسريَّة حتى بعد الحياة، وهذا ما معمول به في طقوس الدفن في مقابرنا، حيث تعيد الأسرة تشكيلها من جديد، عندما يدفنون في بقعة واحدة، تكون قبورهم متقاربة، هذه البنيَّة للقرابة في الآخرة، إعادة تكوين لبنية القرابة في الحياة، مع ممارسة مأساويَّة لتلاوة الطقوس. أنا الأمّ لا توجد خارج أنا الشاعر، الإبن الذي بالصدفة أن يكون شاعرا يوظّف علاقة الأمّ به عبر استعارة الشعر للقول، بدلًا من البكاء، طقوس معاصرة تستنفد طاقة اللغة كي تقول ما يعيد للموت حياته. لا يذكر الشاعر الأب، ولا بكلمة، بينما يذكر نفسه، هذا القرب بين الإبن والأم ليس هو القرب بين الأب وزوجته، تلفظّه للاثنين” الأم والابن” هي كينونة عبر الألفاظ ذاتها. فجواد في “اناه” يحقق حضور “الهو” الذي هو أمه، ويغيِّب بقصديَّة حضور “الهو” الأب، لأن الارتفاع إلى الأنا العليا، الكوجيتو، حسب فرويد لا يمكنّه أنْ يتمّ بحضور الأب، بل بغيابه، وهو، (هناك) تجتمع فصائل الدماء لتنتج الإبن، أما (هنا) فالحصيلة واحدة، يولدها الرحم الكونيِّ للأمومة. وهنا يحاول الشاعر أنْ يكون الأب والإبن، معًا، بالرغم من غيابه، كما لو الشاعر تعمّد قتله بالغياب، فلا أحد يتحسّس كينونة الأم غيرالإبن، مما يعطي لمثيولوجيا القرابة حضورًا جسديًا، يمكنه من أن يغيّب الأب بفاعلية الإبن، الذي كان الأب بمواجه أبيه "جد الشَّاعر"، فالأنا العليا للذات-ذات الابن-لا تتحقّق إلا إذا أزاح الإبن أباه، وربمَّا أنَّ الأب كان متوفى منذ زمن، فكانت الأم هي الإثنين، ومع ذلك لايستحضر الشاعر أيَّة صورة للأب. هذا الغيّاب المتعمّد للأب، أضفى على القصديدة طقوسيّة عشتارية متعلّقة بالنماء والخصب والديمومة، حيث الحضور يعني إخصاب الأرض، والغياب تمرّد على سلطة الآباء.
في جانب أخر، يكتب الشاعر قصيدةً، وليس مقالة، أو سردًا نثريًا قصصيًا، أو حكائيًا، القصيدة تمتلك شحنّة الاِختزال والتكثيف اللغوي، والاِستعارة، ليس فيها مباشرة أو تلقائيَّة عفويَّة، أنَّها مصنوعة بطريقة تؤكّد حضور الذات الفاعلة في صياغة مشهد الموت، مشهد الغياب، لتكون القصيدة بمثابة القبر الذي تُقرأ حروفه وتُعاش ذكرياته، وليس مكانًا للاختباء، الشعر أكثر الفنّون وعائيَّة، لأنَّه يُخفي أكثر من نَّص في لغته، نص الأب الملغي، نص الأم المتوفاة، نص الابن الذي يحضر، ونص القصيدة الرثاء، وثَمَّةَ نَّصوص أخرى تتبع نوع الخطاب الثقافي الذي يريد الشاعر توصيله لنا، نحن الذين استثرنا بموت إمهاتنا، عبر القراءة. فثَمَّةَ جدليَّة نفسيَّة تستبطن رغبة الشاعر في أن يكون هو الأم، وثقافة الموت عندما تتحوّل إلى استثمار للاستعارة من أنَّ الموت ثروة، استعارة موت الأم ثروة نفسيَّة، يعيد تشكيل صورة الفقد الذي كان عليه الشاعر بوجود الأب، لذا فالشاعر حذف الأب لبناء اقتصاد الصورة على "أناه" فقط، وهي ثقافة أوديبيّة معاكسة لرغبات أوديب الجنسيَّة، هنا ثقافة نرجسية، عندما تصطف رغبة القصيدة برغبة حضور الإبن الدائم في الذاكرة. يؤكد افلاطون أنَّ تراتبيَّة الحبَّ، تضاعف تراتبيَّة الأفكار، ولا يوجد حبٌّ أكبر من الأمّ، خاصَّة إذا ما توفيت، أو غابت، عندئذ تنهض كل قوى الاِستعارة لتعيدها إلى الحضور ثانيَّة، كي تبقى شاخصًا من شواخص الحبَّ الأبديَّة، ليس ثَمَّةَ نزوع لاصطناع الكره للأب، إنَّما هو سبيل بالتأكيد كمحاولة أخرى للوجود بدونه، لذلك نجد ضمير الراوي لا يختلف باختلاف موقعه أو الشخصيَّة التي ينطق بلسانها، الشاعر هنا هو وأمه في ضمير مخاطب واحد، حقيقة لا يريد الشاعر أنْ يخلق أسطورة معاصرة، وحقيقة أكثر نصاعة لا يمكن للشعريَّة أنْ تكون بلا أسطورة، حتى لو كانت مُضمرة بالأفعال، فالبنيَّة الأسطوريَّة أساسها "الماء، واليم، والأم"، ولذلك ثَمَّةَ تقارب صوتي بين الأثنين "الماء والأم “ يمهد لقيامة طبيعيَّة ثقافيَّة:
ما زال نهر الكحلاء يأمُل ان يستحمّ بك لعلّ شيباتك تعلو بأمواجه لمراتب الفضّة
لم تتحدث القصيدة عن المرض، فألامّ لا تمرض بعرف الأبناء، لأنَّها طبيعة، والطبيعة قادرة على أن تحيي نفسها من دون علاج خارجي، هذه الكينونة مهّدت للشعائر الطقوسية لأن تتحّول من الترنيمات إلى أدوية علاجية، ما يفعله العامَّة والشعراء يقف على خط واحد، في تحويل الشعر والطقوس إلى أدوية شفاهيَّة للعلاج، لذلك كان الشاعر حاضرًا في كل مفاصل القصيدة، وكان غيابه يشكّل خطرًا على عدم اكتمال الموت، أو أنَّ غيابه يشكّل هروبًا منظمًا، ممتلئا بالمخاوف، من أنَّه سيُفقد بفقدانها نفسَه. مشكلة اللا وعي المعرفي عند جواد هو أنْ يتعامل مع الطبيعة، ومع اللا وعي بالموت، فالموت لا يكشف ما حدث للأمّ، بل ما يحدث للأبن، وما يحدث للإبن يبقى مستمرًا لأنَّه جزء من الثقافة، بينما ما حدث للأمّ جزء من الطبيعة، الشعريَّة تجمع بين الأثنين، ويحوّل اللا وعي المعرفي عبر استعارة جسد الأم الملفوف بالكفن الأبيض، ليكشف سواد الليل الذاهبة إليه، هكذا توظّف الطبيعة قواها في قهر الإنسان، معلنة مهما كانت أفعاله نهارية، فمصيرها العتمة الليليَّة، وتبقى القصيدة الحافز الوحيد الذي لا يقبل أن تكون العتمة والظلام، هما المصير النهائي لقوى الطبيعة. إنَّ استبطان الشاعر لحادثة موت أمَّه، هو النهوض باللا شعور ليتجرّد من انتمائيته للامّ فيستعيره الإبن كما لو أنَّه هو الميت، هذه المبادلة واحدة من استرجاع اللا وعي المعرفي بأنَّ الموت هو الحقيقة الوحيدة التي تخرج عن إطار النسبيَّة، فالصدق فيها يوضح انَّ الطبيعة ما تزال مهيمنة على الجسد. ومحصلة الأمر ليس الإنسان بعامَّة، إلا نتيجة للصراع بين الطبيعة والثقافة. وهذا يعني ثَمَّةَ رؤية ماركسيَّة تستبطن الرؤية الفرويديَّة، وبالتالي يصبح التحليل أكثر إجتماعيَّة عندما تكون الأمّ رمزًا للخصوبّة ولاقتصاد المجتمع. من هنا، تحوّلت الأمّ الى رمزيَّة خصبة، توّلد صورًا لا متناهية عن تماهيها مع العطاء والولادة، كتناقض مقاوم للطبيعة الإيجاب، القصيدة بحثت في الطبيعة السلب، أي الطبيعة المُدركة والمُتجدّدة، فأبعدت الموت واقتصرته على الجسد، فالإبن يُعيد إنتاج أمّه ويجعل منها رمزًا للخصوبة الشعريَّة. هذا التناقض والخلاص من الموت كرمزيَّة للفناء، هو ما يجعل الشعريَّة متجدّدة وخصبة ومتعالية على ما يلغي وجودها بالموت:
قسّطوها علي لن أقدر على غيابها دفعة واحدة
يتحوّل الجسد، جسد الأم هنا، إلى أيقونة مشبّعة بوهم الحياة، كمضاد لحقيقة الموت، ويسعى الشاعر إلى أن يستبدلها بالرمز كي تصبح جزءًا من التناقض القائم بين الطبيعة والثقافة، هذه المحاولة الواعية، بحثت في تكوينات الجسد الحيّ/ الميت، بوصفها طاقة على منح التأويل قدرة على تجاوز معارفنا العاديّة عن الفقدان، فالطبيعة تتفوّق باستمرار على قدرات الإنسان في البقاء حيًا، هذه الثيمّة هي موضع الصراع الدائم بين الطبيعة والمجتمع، ولكنَّه صراع يتجدّد عبر الفنّ، فالفنّ، وهو يعيد تشخيص الكيانات، بحجر، أو باللون، إنَّما يشكّل التحدي المستمر ضد هيمنة الطبيعة، هكذا قرأت الرسوم على جدران الكهوف مأساتنا بالفقدان، والرسوم التي عُلقّت في سقوف الكنائس، والرسوم التي وضعت كحرّاس على باب البابوية في روما، كلّها تشكّل تمثيلًا للآلهة التي يتمنّى الإنسان عبر الخيال أن يوقفها عند حدودها، كي لا تُمعن في الاصطفاف مع قوى الطبيعة ضده. لم يقتل جواد الحطَّاب أمّه، فهي ليست أبًا ليقتله كما في المثيولوجيا، إنَّما انتمى إليها، وتلاشى في رمزيتها الطبيعيَّة، ومن داخل ندائها الكونيِّ، تماهى معها، ليحيّ نفسه عبر موتها، وليجعلها حيَّة من خلاله. قد تخالف هذه الأطروحة رؤية فرويد في قتل الأب، لكنَّ الأب البدائيّ كان متسلطًا على أبنائه، حيث يمتلك كل نساء العشيرة، ويمنع أيَّا من أبنائه أن يكون مثيلًا له، لذلك يقتل الإبناء الأب، ليصبحوا أُمراء، بالصيغة نفسها التي كان عليها الأب عندما كان إبنا، هذه الدارة الميثيولوجية المستمرة، تحوّلت إلى سلطة في المجتمعات الحديثة، ممثلة بالاقتصاد الرأسمالي، والتنافس الطبقي، والإستعمار، وقضم حقوق الشعوب، والهيمنة عليهم وتهجيرهم، وطردهم، وتخريب البنى التحتية والحضارية لهم. تحوّلت هيمنة الأب، وقتله من قبل الإبناء، الى حروب تحرريّة من ربقة التسلط والهيمنة، أما الأم ففي طبيعتها مستلبة، لكونها ولودة، ومنتجة، ولأنَّها لا تفكر بالهيمنة إلّا عن طريق رفض التسلط. وعندما تموت، يكون إحياؤها طقوسًا وتعاويذ، لذلك يشكّل حضور النساء في الميثولوجيا بارزًا، حيت تربط الحضور بين الخصب، والشعر، والغناء، وإعادة الأسطورة، وصنع الحكاية. فالقصيدة تتمحور على ثيمة "الأنا والهي"،"الأبن والأم" وليس على الأنا والهو،"الأبن والأب" فالإبن وهو يحذف الأب في داخلة، يستعير “هو” الأب، بينما تحاول الأم أن تنتصر على الأب بوجود الإبن، الذي يعوّضها عن أنوثتها الأنثروبولوجية المستلبة، وبذلك تكون ثَمَّةَ معادلة، تتوازن فيها طروحات فرويد وطروحات ماركس.
في رمزيَّة الحياة والموت، الإبن والأب، الحضور والغياب، تتبلور ثلاث مسائل تشكّل الأرضيَّة التي أقام عليها جواد الحطَّاب قصيدته، وقد تبدو هذه الأرضية غير مقصودة، أو أنَّها من بنى اللا وعي المعرفي، هي في الحقيقة كذلك، فالشاعر يمتلك اختزالات عديدة لتجربته اللغويَّة مع الأشياء، والأفكار، والمثيولوجيا، وهي الثلاثية، التي تشكّل الأرضيَّة التي فرش الشاعر عليها قصيدته. في القراءة المتفحصة للقصيدة نجد الأشياء تأخذ دورًا شخصانيًا، تتحرّك، تقول، تتفاعل، تؤثر، تتأثر، مما يعني أنَّ الشاعر أنسنها أولًا، ثم أنهض ذاتها الكامنة في وجودها، ثانيًا، ثم جرّدها من أسمائها ووظائفها القديمة، وأدخلها القصيدة بأسماء ووظائف جديدة، ثالثًا، فوقعت كلها تحت هيمنة اللغة، والأشياء التي لا نجد بيتًا شعريًا، نثريًا، إلّا واعتمد عليها، أو إستعارها، تصبحُ قوّة معرفيَّة، قادت القصيدة إلى الإختزال والتركيز، لا بل، كثفتها، إلى الحدِّ أنَّها شذَّبت امتداداتها المثيولوجيَّة، حين أقتصر وجودها بين انتمائيتها للأم، ومن ثم بقائها منعزلة تندب غياب صاحبتها، كما لو كانت الأشياء أبناء للأمّ، فقدوا حضورهم، كإبنها، فتاهوا في غياهب اللغة والصور. أما الأفكار، فهي الميدان الذي تتناوب القصيدة توضيحه بين أن تكون بأرضيَّة استقصائيَّة قديمة، تحكي حياة الأم وتأثيرها ووجودها في تكوين الإبن، وبين أن تكون ميدانا للتأويل، حين نجدها لا تمثل الأمّ العجوز المتوفية، إنَّما كل النساء اللواتي مررن بتجربة الحياة الحاضرة المختزلة بالتصورات والأحداث المختزلة للتجارب مع الإبن، بحيث شكّلت الأفكار تصورات مبنيَّة على علاقة جذرية بين جسد الأم والقبر، وكان جسد الإبن احتوى الجسدين من خلال ادامة أفكارها وحضور شخصيتها، وبالتالي عدم موتها، سواء بالشاهدة أو بالقصيدة فكلتاهما صورة لتثبيت الأفكار القديمة كي تقرأ مستقبلا. وتبقى المثيولوجيا مركز الدائرة الكونيَّة التي تولّدت عبر اندماج الإبن بالإم، المستقبل بالماضي، النهار بالليل، الحضور بالغياب، وهذا الاندماج يؤلف حالة رمزيَّة هي الديمومة، بكل ما تعنيه من مقومات الحضور والفاعلية. فالمثيولوجيا ليست قوى طبيعيَّة رمزيَّة وجدت لإقناع الإنسان أنَّه مسيّر بقدرَّة محكوم بها منذ الولادة، إنَّما هي تدوين لأفعال الطبيعية في الإنسان، هذا الجانب اللا علمي، البدائيّ الذي لا يقرأ، إنَّما يعاش، هو المثيولوجيا، ويحدث أن تتوافق مثيولوجيا الكائن الحيّ عبر أفعال جسده بمثيولوجيا الطبيعة، عندئذ يصير الإنسان بدائيًا حتى لو كان في مرحلة متقدمة من الوعي بالعلم. فالميثولوجيا لا تغيب لأنَّها جزء من بنية الحكاية الكبرى لوجود الإنسان. لا توجد الأم في القصيدة، إلا عبر الإسترجاع، أو بطريقة حذف إمكاناتها الخاصَّة، مما يعني أنَّ موتها يشكّل فاصلة بين وجودها وفكرة استرجاعها للوجود ثانيَّة. ففي وجودها الفيزياوي كانت كائنًا حيًا، وجودها متحقّق “هنا”، لكن وجودها بعد موتها اختفى وراء جسدها، القصيدة تحاول استرجاع وجودها الذاتيَّ يوم كانت حيَّة عبر اللغة، ومع ذلك بقيت الأم مختبئة تحت جسدها الميت، ما يحيي وجودها هو أشياؤها، وحميمية العلاقة مع إبنها، واللّغة الخاصَّة بهما الإثنين. فالأم حُذفت بفعل المحو الطبيعي، وتعطلت إمكاناتها الجسديَّة لأن الطبيعة لم تمنحها طاقة العبور الزمني، فقد توقّف كل شيء. على مستوى الحضور، كانت الأم متماهيَّة في اقتصاد “الأمومة” الطبيعي، التكوين البايلوجي الشامل لكلّ الأمهات، وانتجت ابنًا ضمن منطق الأنتاج، أما الأم الخاصة بالشاعر، فقد أصبحت طبيعيَّة منسية، أي أن حجم حضورها أصبح عبر ذات الأبن، َّأما ككيان فقد نسي، فالأمومة الكيونيَّة، لا تسمح بأنْ تتأكد من خلال أفراد، إنَّما تكوين فلسفي كائن في الوجود، ولا يمكن إلغاؤه أو تبديله، أنَّ محمول الأمومة، وهو هنا الأهم، أكبر من محمول الأمّ المفردة، فقد أصبح من وظيفة الشاعر أن يحييها عبر أشيائها وعلاقاتها الفرديَّة مع بيئتها، ومحيطها، وأمثولاتها، الشاعر يعيد عبر القصيدة لها كينونة الأمومة الشاملة، لكنَّه يواجه بعنف الطبيعة في الأجساد، ولذلك عوّل على أنْ تكون حاضرة عبر أشيائهما، المشتركة. عندئذ بإمكان الشعريَّة أنْ تتغلب على المحو الوجودي، من خلال تثبيت التمثيل الخيَّالي والمفترض والمقترن بأشياء الغائب للحضور. فالأم وهي حيّة “أنشأت” علاقاتٍ، وحضورًا، ووجودًا، ملفتًا، وإلّا ما كانت لتحضر في القصيدة بهذا الثقل، لو لم يكن لها تاريخ. وحاولت أن “تحتفظ” بما انشأته، فشكّل المحفوظ عنفًا على الرائي، كأنّ الجسد الغائب يعيد حضور الكائن من خلال ما يحتفظ به. فسلطة الحضور الفاعل تأتي من قوة الأشياء التي يُحتفظّ بها، وتصبح الأشياء مؤثرة في مسار الشعريَّة، كما لو أنَّ المحفوظ منها، هو الرأسمال، الذي يُعيد بنية الإبناء بعد موت الأبوين. هذه السلطة الآتية من اللا وعي المعرفي في إمكانيَّة الكائن المحذوف أن يُسترجع، وأن يُعاد ثانية بقوة ما يمتلك من محفوظات، هذه الثيمة واحدة من التكوينات البدائية والمثيولوجيَّة في الفكر البدائي، عندما كان الميت يستدعي حضوره الدائم من خلال ما يدفن من أشيائه معه، سيكون القبر، هو الزمن المستمر لحضوره في الذاكرة. هنا حاول الشاعر أن يقرن وجود الأم في مقبرة وادي السلام ربيئة دائمة الحضور في الذاكرة، وقد دفن معها كل ذكرياتها وحقيقة وجودها كجسد، محاولة من الشاعر أن يبقيها حيَّة بالرغم من اختفاء الجسد واتحاده بالكون الطبيعي. إنَّ الجسد هو الفضاء الذي يلتقي فيه ما هو طبيعي بما هو ثقافي،
في الروزخونيات بتراثاتها انشغل الفقهاء بدفع الرأي القائل إنك ميّتة أو انّك تعيشين –الآن-حياة سلبية فحياتك –المسكوت عنها-في وادي السلام هي ما يشتغل العلماء على تبيّنه النوم من دون تأويل أو شروحات غير مستوفية مع ذكر الشيء بما يناسبه لصعود بدرية نعمة الى حوليات النجف الكبرى.
فضاء مشحون بالزمن، بمثل ما يكون ثَمَّةَ تدرّج للزمن، يكون للجسد التدرّج نفسه، ويبقى سؤال أبو الهول عن الإنسان قائما لدى أوديب. في حين أنَّ قضية هملت عمّقت وجود الجسد في الطبيعة من خلال ذوبان "أوفيلا" في الماء، الذي يحوّل إلى ذوبان الطين بالنار. هذه المثيولوجيات جزء من ميتافيزيقيا الوجود، ولذلك يبقى الجسَّد مهما تثقف حاملًا لنوى تلك البدائية المشحونة بالطبيعة والميتافيزيقيا. يكشف نيتشه عن علاقة الحقيقة بالمرأة، ويعتبر” الجينولوجيا(3) موطن الحقيقة ومستودعها: (4). لأن المرأة هي العنصر المداور للجينيولوجيا، عبر نماذج، ليس هذا فقط، إنَّ المرأة هي المكان الوسطي بين الأب والأبناء، هذه المرونة والمداورة في الاستيعاب والتفكير، اعتبرت مستودعا للمقاصد البشريَّة كلِّها، لأنَّها مداورة زمنيّة. ويتضح هذا المعنى في القصيدة، من أنَّ الشاعر لم يخاطب أمَّا بمكان قديم، ولا هي تتوجّه في موتها لمكان جديد، الخطاب كان في كلا المكانين، مكانه الذي أنشأته وحفظت به تاريخها، والمكان الذي ستدفن فيه، المكانان، رحلة كسلسلة من الأدوار، تتبادل الأمّ بها مع إبنها مواصلة الحكاية. فالجينولوجيا لا تخص البنية الطبيعيَّة للكائن فقط، إنَّما تخص أعمالهن وتطورها، وتاكيدها، واستبدالها، مما يعني أنَّ الدائرة، دائرة الوجود، لم تنغلق. فالإبن سيواصل الحضور من خلال إعادة الحكي عمَّا اختزنته تجربة الأمّ، وستكون الأمّ موجودة من خلال أشيائها والذكريات. ثَمَّةَ سلسلة من الأمكنة يسجل الشاعر فيها العلاقات التي تؤكد حضور الاثنين في المشهد، فثَمَّةَ وعيٌّ يتدرّج به الشاعر لاستنباط لا وعي الأمّ، عندما كانت حيّة، ثَمَّةَ مداورة أخرى تلجأ إليها الشعريَّة، عندما لا تجد إلّا مسارًا واحدًا للاستعادة، هذه المدارات الجديدة تنطلق من ذات الشاعر، كما تنطلق من أشياء الأم، أو من المقبرة، أو من الموت نفسه، فيوسّع الشاعر من مدار الشعريَّة ويغذّي تفاصيل الصورة المشهديَّة بما يفرضه عليه من تصوّر، هو جزء من شخصيَّة وكينونَّة الأمّ. لا تنمو حاسّتنا بالأشياء إلا بعد أن تتغيّر أمكنتها، عندئذ يضيف المكان الجديد، زمنًا جديدًا، ويعيد أو يقلّب التصورات القديمة. لا يستطع الشاعر أن يتحدث عن الأم بعد موتها، لكنَّه يستطيع أنْ يتحدّث عنها وهي ميتة باستعادة صور واستعارات يوم كانت حيَّة، أي أنَّ الانتقالة في الأزمنة فرضتها الانتقالة في الأمكنة، مما يحتّم وجود أدوار جديدة للشعريَّة توسّع من دائرة كينونة القصيدة. لذلك لم تبتدع القصيدة حيثيات مفترضة لتتحدث عنها، أنَّها أعادة إنتاج الماضي، وأدخلته في الحاضر؛ حياة الأمّ في جسد القصيدة. وهذا يوفر لنا صدق ما استحضر من مخزون الحافظة التذكرية للأمّ وللشاعر معًا. لذلك كل العلامات التي وفرتها القصيدة من شاهدة، شيلة، مقبرة، كلام، هي علامات داخلية، وليست خارجية. الأمر الذي يوفر للشعريَّة أنْ تمتدّ خارج حدودها الداخليَّة لتشمل كل أم وكل أبن. هل نعتبر القصيدة كينونة تشمل الاثنين؟، أم أنَّها وسيط بين حالتين: الموت والحياة؟ ثَمَّةَ من يرجّح، كفرويد، أنْ يعيد بناء الشخصيَّة من أحلامها، وموروثها السيكولوجي المختبئ خلف ممارسات الحياة اليوميَّة، لذلك كان العلاج النفسي يتمّ، عبر الاسترجاع لكل ما مضى، ومن ثم غربلته، ليصار إلى ثيمة مخالفة لما يقوله المريض. ومن خلال المغايرة، يبني الشاعر الصورة التي تؤكّد حالة ما، القصيدة فيها ما هو مُسترحع: ذكريات الابن، وبقايا أقوال الأمّ، وفيها ما هو مستعار؛ شواهد متراكمة من أمكنة الأفول والزوال، شواهد عامَّة شكّلت اطارا للقصيدة، وفيها ما هو لا وعي معرفي، من قبل الشاعر في بنية صورة مجسّدة للعلاقة بين الأمّ وابنها. هذه الاسترجاعات ليس من شأنها أن تكون وثائق تقدّم لأية محكمة تبرئة أو إدانة، إنَّما هي مجموعة من الصور الثانويَّة المهملة، والتي لم يُنتبه إليها حياتيًا، لتنهض من جديد بعد غياب أحد طرفي منتجيها. الموت يقظَّة للأشياء المهملة، والحياة انغمار في النسيان، هواية الشعر من الثانويات في حضرة الموت، موت الأمّ على وجه الخصوص. ثَمَّةَ نداء سيّابي للمرة الثانية بطلب الأبن الالتحام الكونيّ بجسدها.
انا طفلٌ ضيّعه الشّعر فما ضرّك لو آويت...
في الإطار العام لمعنى الشعريَّة ثَمَّةَ وظيفة ما، تتجاوز موضوعها الآني لتطرح فكرة أو موضوعًا كلّيًا، لاشك أنَّ شخصيَّة الأم ليست عاديَّة، لا على مستوى الذات، ولا على مستوى المجموع، وهذا المستوى من العلاقة يبقى مهما كثر المعزّون باطاره الفردي بصيغة الجماعة، لكن رمزيَّة الأم المتحوّلة إلى علامة، هي كلّ الأمهات الغائبات والحاضرات، ممّا يصبح بإمكان الشعريَّة أنْ تجرّدها من أيَّة علاقة آنيَّة، فهي بنية أسطوريَّة ومثيولوجيَّة تستحضر فيها الأمومة بصيغها القريبة منها، وفي محيطها العلاماتي، أي موطنها، وعلاقاتها، تصبح الأم وطنًا، وقضيَّة، وأيقونة، وشعيرة طقسيَّة. هذه التركيبة المشتركة بين الأمّ وأبنها، المحمولة أبعادها ثقافة، تتحول من مستويات قول، إلى شواهد مختلفة. لن تكون ذا معنى إذا كانت القصيدة لم تهيّئ لها الأرضيَّة المثيولوجيَّة الخصبة، وإلّا أصبحت التركيبة مجرّد حال ذاتيَّة مؤلمة. الكثير من موت الرموز حياة، لا يحزن عليها، بل يفرح لأنَّها تستدعي على مر الأزمنَّة المتماثل لها. هكذا نقرأ استشهاد الحسين مثلًا، ومعنى أن تدفن الأم في مقبرة "وادي السلام" بالقرب من الأئمة، إذا لم تكن رمزيتها بالعمق الذي يُكتب عنه قصيدة لن تكون الأم رمزًا. شخصيًا انطلقت من هذه الزاوية، لأعمّق صلة الشعريَّة بالمثيولوجيا، وعدا ذلك، فالأمّ هي كل أمّ لها مالها من تأثير في حضورها وغيابها. البعد المثيولوجي يعمّق حضور الرمز العلامة، حتى لو لم يكن بالمستوى العام، فالشعريَّة الغنيَّة بالتاريخ الأسطوري، وحدها التي تجعل من هوامش الحياة، ونثارها، ومهملها، وثانويتها، مراكز توليد وانبثاق وقوّة. ما يثير اهتمامنا في أيَّة شعريَّة حديثة، هو الكشف عن واقعيَّة الشاعر، وهي تتجسّد بعلاقاته مع الآخر، وواقعيَّة اللغة التي تعبر عن هذه العلاقة. وبخصوص العلاقة مع الأمّ، نجد الواقعيَّتين متجسّدتين عبر استعارة الجسد المجسِّد للواقع، فالشاعر أبن الأم المتوفيَّة، وهذا يعني أنَّ واقعيَّة جسده جزء من واقعيَّة جسدها، وأن الصور المُجَسَّدة هي صورهما المشتركة: التربية، العلاقة، المخزون المعرفي، الذكريات، القرابة، الخصوصية وغيرها، وهذا التشابك بينهما يقرّب لنا فهم واقعيَّة الجسد، من أنَّه تكوين محسوس ومعاش، وليس تصورًا لغويًا عن حادث مؤثر. أما واقعيَّة اللغة الشعريَّة، فالمشكلة أعمق، الشاعر يبحث عن شعريَّة غير تقليديَّة، لا يمكنّه أنْ ينقل صور الواقع كما هي بحكم معرفته بها، عليه أنْ يعمل انزياحا لها، ولن ينزاح من واقعيَّة اللغة غير تلك الصور المشتركة واليوميَّة بينهما. لذلك، فهو يجعل من واقعيَّة الجسد أرضيَّة، ليبنى عليه واقعيَّة شعريَّة غير مألوفة. فالحياة اليوميَّة لا تتشكّل في الواقعيَّة الاعتيادية، إنَّما في غرائبيتها، وانزياحاتها، وما يغاير مسارها. لذلك يؤخذ اختزال الشعريَّة للسرد الحياتي اليوميَّ في الاعتبار؛ من أنَّ الشاعر ينتقل بالحدث من العلاقة الواقعيَّة إلى العلاقة الرمزيَّة. ولأن علاقات الواقع تتداخل في علاقات الشعريَّة، يجعل النص داخليًا حين يتحدث عن قضية مباشرة، وخارجيًا حين يشير إلى واقعة إنسانيَّة أشمل. مازلت أُعيد تركيبة رأي لي قلته قبل أن ينشر الشاعر قصيدته، أنَّها تمتلك رؤية أسطورية، مشبّعة بمحليَّة متفرّدة، لكن الشاعر، وإن قبِلَ بهذه الأطروحة، أبقى على تصوّره ضمن إمكانيَّة الرفض: إنَّ أي تغيير خارجي لبيت القصيدة الذي اكتمل، يعني بناءً مغايرًا لها، وهو كما يبدو معنيّ بأن يقول في الأم أكثر الأفكار خصوصية. فالعلاقة التي يريدها الشاعر لبنية قصيدته هي أن يتضافر فيها المعنى الظاهري بالمعنى الباطني، والشعريَّة وحدها تستطيع دمج العالمين، عبر الاستعارات المتداخلة، بين ما هو خارجي وما هو باطني. . . . الهوامش ........... 1- الماء والأحلام، باشلار، ترجمة د علي نجيب ابراهيم المنظمة العربية للترجمة لبنان –بيروت ط 12007 ص172، 2- المدونة الكبرى،نورثروب فراي، ترجمة سعيد الغانمي، منشورات الكلمة، بيروت- لبنان،الطبعة الأولى،2009،ص64. 3- الجينالوجيا.مصطلح معرفي أطلقه ميشيل فوكو للإشارة إلى دراسة أشكال التاريخ من أجل رصد التكوينات المعرفيَّة والثقافيَّة للظواهر، ثم تحليل أسباب سيطرة موضوعات معينة في تاريخ محدد، ويبدأ هذا المصطلح الذي يعني ( علم الأنساب ) من حيث انتهى مصطلح فوكو الأول وهو علم الآثار ـ الحفريات ( الاركيولوجيا ) . 4-الفلسفة الالمانية والفتوحات النَّقديّة مجموعة مؤلفين اشراف وتحرير سمير بلكفيف جداوال لبنان بيروت الطبعة الاولى 2014 ص 126. 5-الاستشهادات الشّعريَّة من ديوان "قبرها. ام ربيئة وادي السلام-بغداد 2016".
#ياسين_النصير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نداء لاستذكار مناضل
-
تعزية بوفاة صديقي وأستاذي الدكتور نصر حامد أبو زيد
-
صلاح حزين وداعا
-
النقد غير الهيّاب للحوار اليساري
-
مالذي على الحزب الشيوعي العراقي أن يفعله الآن؟
-
المالكي بين الخيار الوطني والخيار الطائفي
-
بناء الجملية الفنية في مسرح محيي الدين زه نكه نه
-
متى يصدر المالكي قانونا لمكافحة المفسدين؟
-
الأمية وقانون الإنتخابات
-
بسام فرج فنان كاركتير الفكاهة
-
الكلب الذي لم ينبح ليلاً
-
لنقرأ ماركس
-
اليأس الذي بدأ ينخر قوانا
-
شكد حلوة بغداد ..مو
-
الصورة مبهرة لكن الضوء يهتز
-
ملفات عن مبدعي المسرح العراقي
-
إنهم يغتالون المواهب الكبيرة
-
لا تتركوا المالكي وحده أيها العراقيون
-
أحزاب الإسلام السياسي ونغمة الوطنية النشاز
-
هل بدأ ت مرحلة الأحتواء العربي لإيران؟
المزيد.....
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|