محمود الصباغ
كاتب ومترجم
(Mahmoud Al Sabbagh)
الحوار المتمدن-العدد: 5662 - 2017 / 10 / 7 - 20:41
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في الوقت الذي كانت تحتفل فيه إسرائيل في الذكرى الخمسين لاستقلالها (1997-1998)، كانت محكمة العدل العليا في البلاد تتصدى لالتماس تقدم به مواطن عربي فلسطيني فيما يعرف بقضية " قعدان ضد كاتزير" بدعوى منعه من استئجار أراضي الدولة في ضاحية كاتزير المبنية بالكامل على أراضي الدولة باعتباره ليس يهوديا (2). لم تبت المحكمة في القضية في حينه ,بل ماطلت بقدر ما تستطيع. وأشار رئيس المحكمة , القاضي أهارون باراك، المعروف لدى الجميع بأنه بطل الحقوق المدنية، إلى أن هذه القضية كانت من بين أكثر القضايا صعوبة في مسيرته القانونية، وضغط على الجانبين للحصول على تسوية ما .وفي آذار / مارس 2000 أصدرت المحكمة حكمها لصالح قعدان , ولاحظت [في حيثيات الحكم]أن سياسات إسرائيل تجاه الأقلية العربية هي سياسات تمييزية وغير قانونية. ومع ذلك، لم تصدر المحكمة أمرا إلى كاتزير بالسماح لقعدان باستئجار الأرض، كما كانت حذرة جدا في الحد من تداعيات قرارها في هذه الحالة المحددة حتى لا تتحول إلى سابقة ,وعلى صعيد آخر استمر المجتمع اليهودي المحلي[في ضاحية كاتزير] بوضع العقبات الإدارية والاجتماعية وإحباط خطط قعدان للقدوم للمنطقة. [وحتى منتصف العام 2005 لم تنتقل أسرة قعدان حتى الآن إلى كاتزير]. وما يشكل نقطة بداية واضحة لتحقيق أهداف هذه الورقة البحثية القول بأن أعلى سلطة قانونية في الدولة ,في الحقيقة, لا تزال تجد في السنوات الخمسين من عمرها صعوبة في حماية حق مدني أساسي مثل تساوي حق جميع المواطنين في الوصول إلى أراضي الدولة. سوف أقدم، أدناه، وجهة نظر مفاهيمية جديدة يمكن من خلالها تفسير الطريقة التي تشكل فيها النظام الإسرائيلي وعلاقاته الإثنية. ويقود تفحص النظام الإسرائيلي، نظريا وتجريبيا إلى القول بأنه ينبغي تصنيفه كنظام “إثنوقراطي".
وسنبدأ بوصف نظري للنظم الإثنوقراطية، التي هي لا استبدادية ولا ديمقراطية، بل نظم تعبر عن دول تحتفظ بحكومة منفتحة نسبيا لكنها تسهل عملية استيلاء غير ديمقراطي على البلد والحكم لصالح جماعة إثنية واحدة ,والتمييز المفاهيمي الرئيسي هنا, يكمن بين النظم الإثنوقراطية والنظم الديمقراطية. فالأنظمة الإثنوقراطية تفتقر إلى بنية ديمقراطية على الرغم من إظهارها للعديد من السمات الديمقراطية، وهي بذلك تميل لأن تخرق المبادئ الديمقراطية الرئيسية، كالمواطنة المتساوية [في الحقوق] ، ووجود مجتمع سياسي إقليمي (الديموس)، وحق الاقتراع العام، وتوفير الحماية ضد استبداد الأغلبية. وسوف نتبه هنا ، بعد المناقشة النظرية، طريقة تصنيع الإثنوقراطية الإسرائيلية، مع التركيز على المشروع الصهيوني الرئيسي لتهويد إسرائيل / فلسطين. وقد أدى هيمنة مشروع التهويد إلى إنشاء بنية سياسية ومؤسساتية من شأنها أن تقوض التصور العام الذي يرى بأن إسرائيل [دولة]يهودية وديمقراطية بآن معا (3). كما تعتبر عملية التهويد محورا رئيسيا ,من ضمن محاور عدة, يمكن من خلالها تفسير العلاقات بين مختلف الطبقات الإثنية اليهودية والعربية. وتتناول الأجزاء التجريبية من البحث [انعكاس]نتائج مشروع التهويد الإثنوقراطي بالتفصيل على ثلاثة تقسيمات اجتماعية إسرائيلية رئيسية: عرب- يهود، أشكناز-مزراحي (4)، وعلماني- أصولي. ويعتبر التحليل أن الخطاب والفضاء يشكلان بعضهما البعض في عملية مستمرة من البناء الاجتماعي (5 ) فيحصر تركيزه الخاص على الجغرافيا السياسية لإسرائيل,كما يلفت الانتباه إلى السياق المادي للتغير الجغرافي ,واستكمال التحليلات النقدية الأخرى للمجتمع الإسرائيلي نظرا لأنه غالبا ما يتم التسليم من قبل المحللين الإسرائيليين بالمنظور السياسي الجغرافي الهام والإشكالي إزاء بعض القضايا ، مثل الاستيطان والفصل، والحدود، والسيادة.
المفهوم النظري للإثنوقراطية
يتوجه التنظير لفحوى النظام الإثنوقراطي إلى القوى السياسية والتاريخية الرئيسية التي شكلت أرضية هذا النظام و سياسته, و يرتكز على ثلاث عمليات سياسية تاريخية رئيسية هي: (أ) تشكيل مجتمع مستوطنين (كولونيالي)استيطاني؛ (ب) استقطاب القوة الإثنو قومية ؛ و (ج) "المنطق الإثني" لرأس المال. و أدى اندماج هذه القوى الرئيسية الثلاث في إسرائيل / فلسطين إلى إنشاء الإثنوقراطية الإسرائيلية وتعيين سماتها الخاصة. غير أنه لا يعتبر تشكيل مثل هذه الإثنوقراطية نظاما فريدا في إسرائيل و لا يخصها وحدها حيث يتواجد في أماكن أخرى دولة إثنية واحدة تحاول أن تتمدد أو تحافظ على سيطرتها غير المتناسبة على الأراضي المتنازع عليها وعلى الأمة-الأمم المنافسة,وينتج مثل هذا النظام السياسي في العادة عند خلق طبقات إثنية متراصفة داخل كل دولة.-أمة ومن الحالات البارزة الأخرى ماليزيا وسري لانكا واستونيا ولاتفيا وإيرلندا الشمالية (قبل عام 1972) وصربيا.
(أ)-مجتمع المستوطنين
تعتمد مجتمعات المستوطنين، مثل الجالية اليهودية في إسرائيل / فلسطين، استراتيجية متعمدة للهجرة الإثنية والاستيطان بهدف تغيير البنية الإثنية للبلد. وقد ساهمت مجتمعات المستوطنين الاستعماريين تقليديا في تسهيل الهجرة الأوروبية إلى قارات أخرى، وأضفت شرعية على استغلال أراضي السكان الأصليين وعملهم ومواردهم الطبيعية. فيما خلقت مجتمعات استيطانية أخرى، معظمها غير أوروبية هجرة داخلية وإعادة توطين بهدف تغيير التوازن الديموغرافي في مناطق معينة. وتقوم "الثقافة الحدودية" في جميع أنواع مجتمعات المستوطنين بتطوير وتمجيد وتمدد المستوطنات وتوسيع سيطرة المجموعة المهيمنة على المناطق المجاورة (6). و تم وصف أحد الأنماط الشائعة للمجتمع الاستعماري الاستيطاني على أنه "مستعمرة استيطانية نقية "، التي ثبت أنها الأنسب للحالة الإسرائيلية الصهيونية (7) .كما أظهرت دراسات أخرى تمايز مجتمعات المستوطنين "النقية" بتقسيم طبقي واسع إلى ثلاث فئات إثنية رئيسية: (أ) جماعة امتياز التأسيس ، مثل الأنجلو -بروتستانت في أمريكا الشمالية وأستراليا؛ (ب) جماعة المهاجرين التاليين مثل الأوروبيين الجنوبيين في أمريكا الشمالية؛(ج) مجموعات السكان الأصليين المحرومين، مثل السكان الأصليين في أستراليا، والماوري في نيوزيلندا، والهنود الأمريكيين في أمريكا الشمالية، والفلسطينيين في إسرائيل / فلسطين (8). وتؤسس جماعة الامتياز الدولة وفق "رؤيتها الخاصة"، و تضفي الطابع المؤسساتي على سيطرتها، وتخلق نظاما يفصلها عن الطبقات الإثنية الأخرى. ولا يكون نمط السيطرة والفصل منتظما حيث يتم استيعاب المهاجرين تدريجيا في مجموعة امتياز التأسيس ضمن عملية وصفها سويسال بأنها عملية "دمج غير متساو" (9) .يقوم هذا النظام في العموم ,بإعادة إنتاج هيمنة مجموعة الامتياز على مدى أجيال قادمة. ويكون لإنشاء مجتمعات استيطانية "نقية" أهمية سياسية واقتصادية بارزة فيما يتعلق بالروابط الإثنية الحاسمة خارج الأقاليم بغية نجاح معظم المشاريع الاستعمارية. وعادة ما تتصل روابط مجتمع المستوطنين بدولة إثنية مركزية مشتركة أو بالشتات الإثني الداعم. .وكما سيظهر تكون الصلات الإثنية التي تتجاوز الحدود الإقليمية سمة مميزة للأنواع الإثنية. وتعتمد هذه النظم اعتمادا كبيرا على الدعم والهجرة من المصادر الإثنية الخارجية بوصفها آلية رئيسية للحفاظ على سيطرتها على جماعات الأقليات.
(ب)-النزعة الإثنو- قومية
تعد النزعة الإثنو قومية ، بوصفها مجموعة من الأفكار والممارسات، واحدة من أعظم القوى التي شكلت الجغرافيا السياسية في العالم بشكل عام، و جغرافيا إسرائيل / فلسطين على وجه الخصوص. فالنزعة الإثنو-قومية تعبر عن حركة سياسية تكافح من أجل تحقيق دولة إثنية أو الحفاظ عليها. [وفي سعيها لتحقيق ذلك ] تدمج مبدأين من مبادئ النظام السياسي: تقسيم العالم ما بعد الفيستفالي إلى دول ذات سيادة و تقرير المصير الإثني (10). و أدى التطبيق المشترك لهذين المبدأين السياسيين إلى خلق الدولة القومية بوصفها الركيزة الأساسية للنظام السياسي العالمي اليوم. على الرغم من أن مفهوم الدولة -القومية نادرا ما يقابله واقع سياسي (كما نادرا ما تتداخل الدول والأمم)، فقد أصبح نموذجا عالميا مهيمنا بسبب قواعد أخلاقية مزدوجة: قاعدة السيادة الشعبية (بعد قرون من حكم الأنظمة الاستبدادية و / أو الدينية) و قاعدة تقرير المصير الإثني .ومبدأ تقرير المصير أمر محوري في أغراضنا بحثنا هنا. ويتم التعبير عنه بأبسط أشكاله، كما ورد في ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945، "لكل شعب الحق في تقرير المصير". و شكل هذا المبدأ الأساس السياسي والأخلاقي لإرساء السيادة الشعبية والحكومة الديمقراطية. وعلى الرغم من هذه البساطة فما زال يكتنف الغموض تعريف "الشعب" و معنى "تقرير المصير" في معظم التصريحات والإعلانات الدولية، بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة، على الرغم من قبوله عموما في الثقافة السياسية المعاصرة باعتباره استقلال في دولة الوطن "الخاصة" بالجماعة .وبمجرد قيام مثل هذه الدولة، يتم إعادة النظر في المبدأ، كما أن وقضايا أخرى مثل الأرض والبقاء القومي تصبح غير قابلة للفصل عن التاريخ والثقافة الإثنو قومية.,الأمر الذي يحوز على آثار قوية تترتب على الجوانب الأخرى للحياة الاجتماعية، وأبرزها هيمنة الذكور، والعسكرة، والدور الاستراتيجي للأديان الإثنية .وتلعب التأويلات الانتقائية و التاريخية الاستراتيجية و الثقافية أو الدينية دورا مهيمنا ,على المفهوم الإثني-القومي الذي يولد أشكالا من الأقليات الإثنية التي ترى في السيطرة على الأرض والدفاع عنها عنصرا أساسيا لبقائها. و كان تطبيق هذا المبدأ محل خلاف عميق في الصراع بين اليهود و والفلسطينيين، وفي تشكيل الإثنوقراطية الإسرائيلية التي حاولت تهويد الأرض باسم حق تقرير المصير اليهودي. وأشار إلى ذلك مايكل بيليغ حين اعتبر أن الهويات القومية "هويات نهائية" (11) بسب الهيمنة العالمية للقومية الإثنية ونظام الدولة القومية . غير أنه مازالت الجغرافيا السياسية للدول القومية رغم هذه الهيمنة, جغرافية بعيدة عن الاستقرار، إذ أن الخطاب السائد لبناء الدولة والواقع المادي يعيد باستمرار تعريف الهوية الجماعية للأقليات الإثنية في الوطن . وغالبا ما تنمي هذه الأقليات وعيا قوميا خاصا بها من شأنه زعزعة استقرار البنى السياسية بحملات تسعى للاستقلال الذاتي أو الإقليمي أو السيادة (12)
(ج)-المنطق الإثني لرأس المال
وقد ارتبطت هذه القوة البنيوية الثالثة التي تشكل الجغرافيا السياسية لإسرائيل / فلسطين وطبيعة نظامها مع بداية الرأسمالية، وآثارها الإثنية والاجتماعية. وهنا يترافق إطار المجتمع الاستيطاني والقومية الإثنية لخلق منطق محدد لتدفق رؤوس الأموال، والتنمية وتشكيل الطبقة على مستويين رئيسيين:
- أولا، التجزؤ الإثني لسوق العمل و التنمية ، بما يخلق بنية إثنو قومية تميل إلى التماثل مع التسلسل الهرمي لجماعة التأسيس-الشعوب الأصلية المشار إليه أعلاه.وفي العادة، تحتل الجماعة التأسيسية مناصب متميزة في سوق العمل، في حين يتم تهميش المهاجرين، على الأقل في البداية، من مراكز القوة الاقتصادية، وبالتالي تشغل الطبقات البرجوازية الصغيرة و الطبقة العاملة . وعادة ما يتم استبعاد السكان الأصليين من الوصول إلى رأس المال أو التنقل داخل سوق العمل، وبالتالي فهم "محاصرين" كطبقات دنيا (13).
-ثانيا، أدت العولمة المتسارعة للأسواق ورؤوس الأموال إلى إضعاف القوة الاقتصادية للدولة. ورافق ذلك اعتماد سياسات نيوليبرالية وما أعقب ذلك من إلغاء تنظيم الفعاليات الاقتصادية وخصخصة العديد من وظائف الدولة. وعموما، فقد وسعت هذه القوى الفجوات الاجتماعية الاقتصادية بين الفئات التأسيسية والمهاجرين والفئات الإثنية للسكان الأصليين. ومع ذلك، في ظل نشوء النزعة القومية الإثنية المسلحة، كما هو سائد في إسرائيل / فلسطين، فإن عولمة رأس المال، وما يرتبط بها من تأسيس منظمات تجارية فوق قومية، قد تخضع أيضا للقومية الإثنية والتوسعية، التي كان يغذيها في السابق التنافس الإثني الإقليمي. ومما له أهمية خاصة في هذه العملية عولمة الطبقات القيادية ضمن الأمة الإثنية المهيمنة، التي تبحث بشكل متزايد عن انتهاز الفرص و الحركية في إطار أكثر انفتاحا لاقتصاد إقليمي وعالمي يمكن الوصول إليه.
وعلى هذا النحو يطفو على السطح توتر واضح بين العالمية والمحلية ، مع إمكانية تكثيف التوترات في الداخل القومي ، ولكنه في الوقت ذاته أيضا يخفف من وطأة الصراعات بين الدول، كما اتضح مؤخرا في جنوب أفريقيا وإسبانيا و إيرلندا الشمالية (14)
الإثنوقراطية
يخلق دمج القوى الثلاث: - مجتمع المستوطنين، والقومية الإثنية ، والمنطق الإثني لرأس المال - نوعا من النظام دعيته بالنظام "الإثنوقراطي" (15). وهو نظام غير ديموقراطي يحاول أن يوسع أو يحافظ على سيطرة إثنية غير متناسبة على إقليم متنازع عليه متعدد الإثنيات .يتطور النظام بصورة رئيسية عندما يتم السيطرة على الأرض وعندما تكون مجموعة مهيمنة قوية بما فيه الكفاية تستطيع تعيين طبيعة الدولة من جانب واحد . وبالتالي تعد الإثنوقراطية نظاما غير مستقر، يتضمن قوى معارضة للتوسع والمقاومة تعيش صراعا مستمرا (16). ويميز النظام الإثنوقراطي عدة مبادئ رئيسية:
(أ) تقوم الإثنية (وليس المواطنة الإقليمية) بتعيين الحقوق و الامتيازات المخصصة ؛على الرغم من وجود العديد من السمات الديمقراطية. مما يخلق حالة ثابتة من التوتر الديمقراطي الإثنوقراطي تميز السياسة.
(ب) الغموض في الحدود السياسية و [الطبيعية] للدولة : فلا يوجد "شعب-ديموس" قابل للتعريف ، ويرجع ذلك أساسا إلى دور الدياسبورا الإثني داخل النظام السياسي وتدني مركز الأقليات الإثنية.
(ج) تحدد الجماعة الإثنية "التأسيسية "الإثنية التي استولت على جهاز الدولة معظم السياسات العامة، وتفصل نفسها عن الجماعات الأخرى.
(د) يحدث الفصل السياسي والسكني والاقتصادي والتقسيم الطبقي على مستويين رئيسيين: الدول الإثنية والطبقات الإثنية .
(ه) ينتشر المنطق التأسيسي للفصل الإثني - القومي، مما يعزز عملية الانتماء السياسي بين المجموعات الفرعية داخل كل قومية إثنية.
(و) توسيع نطاق الحقوق المدنية والسياسية -ولو جزئيا- لتشمل أعضاء الأقلية الإثنية، بما يميز النظم الإثنوقراطية عن النظم الذكورية Herrenvolk أو الأنظمة الاستبدادية.
وعادة ما يقوم جهاز ثقافي و إيديولوجي بدعم هذه الأنظمة الإثنوقراطية ,بحيث يشرع ويعزز الواقع غير المتكافئ. ويتحقق ذلك من خلال بناء السرد التاريخي الذي يعلن الأمة الإثنية المهيمنة كمالك شرعي للأرض موضع النزاع. وتسعى هذه السردية للحط من قيمة جميع المنافسين الآخرين باعتبارهم غير مخولين تاريخيا أو غير جديرين من الناحية الثقافية للسيطرة على الأرض أو تحقيق المساواة السياسية.
وثمة جهاز آخر لإضفاء الصبغة الشرعية هو الحفاظ على "الانفتاح الانتقائي". فمن الشائع إدخال المؤسسات الديمقراطية على الصعيد الداخلي، ولا سيما في مجتمعات الاستيطان ، إذ يشرعن ذلك المشروع الاستيطاني برمته، وعلى قيادة الطبقة الإثنية التأسيسية ، كما يؤدي إلى إدماج مجموعات المهاجرين اللاحقين. ولكن عادة ما تستبعد هذه المؤسسات الديمقراطية ,الأقليات الأصلية أو المتنافسة. ويتحقق ذلك إما رسميا، كما كان الحال في أستراليا حتى العام 1967، أو ترك هذه الجماعات خارج دوائر صنع القرار بمهارة فائقة كما هو الحال في سري لانكا (17)..أما على الصعيد الخارجي، يتكرس الانفتاح الانتقائي كمبدأ للعلاقات الخارجية والعضوية في المنظمات الدولية. وقد أصبح لهذا الأمر أهمية قصوى , لاسيما مع الانفتاح المتزايد للاقتصاد العالمي وإنشاء منظمات فوق قومية مثل الاتحاد الأوروبي واتفاق التجارة الحرة لأمريكا الشمالية NAFTA . وغالبا ما تتطلب عضوية مثل هذه المنظمات الظهور -على الاقل-بمظهر الأنظمة المنفتحة ، ومعظم الإثنوقراطيات تمتثل لهذا الشرط.
وبالنظر إلى هذه القوى المكتسبة للشرعية ، تتمتع المشاريع الإثنوقراطية عادة بوضعية الهيمنة التي تنشأ بين الجماعة التأسيسية ، وتنتشر بنجاح بين الجمهور. إن اللحظة المهيمنة -كما صاغها غرامشي بشكل مقنع - وبوصفها نظام تهيمن فيه بنية اجتماعية معينة ,تتميز باندماج مشوه ومقبول على نطاق واسع لمجموعة معينة من المبادئ والممارسات ،فاللحظة المهيمنة لها مفهومها الخاص للواقع الذي يحدد معظم الأذواق والأخلاق والعادات والمبادئ السياسية. وبالنظر إلى القوة الاقتصادية والسياسية والثقافية للنخب، فمن المرجح أن يتم إعادة إنتاج نظام الهيمنة ما لم تقم تناقضات شديدة تتعارض مع "الحقائق العنيدة" بتوليد حركات مناهضة للهيمنة (18).
تصنيع الإثنوقراطية : تهويد إسرائيل / فلسطين
تحليل النظام الإسرائيلي في هذه الورقة يغطي كامل الأراضي والسكان التي تحت الحكم الإسرائيلي. وكان الحكم الإسرائيلي - قبل العام 1967- يقتصر على المنطقة الواقعة ضمن الخط الأخضر (خطوط الهدنة لعام 1949)، ولكن بعد ذلك التاريخ أصبح النظام الإسرائيلي يغطي كل من إسرائيل / فلسطين، أو ما أسماه كيمرلينغ "منظومة السيطرة الإسرائيلية"(19) وفي حين أنه كثيرا ما كان يتم التعامل مع الأراضي المحتلة باعتبارها انحرافا خارجيا ومؤقتا، فإنها تعتبر هنا جزءا لا يتجزأ من النظام الإسرائيلي، لأن إسرائيل وحدها من يحكم هذه المناطق. ويبدو أن هذا هو الوضع حتى بعد اتفاق أوسلو للعام 1993، لأن المناطق الخاضعة للحكم الذاتي الفلسطيني المحدود لا تزال تحت السيطرة اليهودية الشاملة (20). ومن ثم فإن الإطار الجيوسياسي المناسب من الناحية السياسية لتحليل إسرائيل / فلسطين منذ العام 1967 هو: نظام إثنوقراطي واحد يجمع بين إثنيتين قوميتين و العديد من الطبقات الإثنية اليهودية والفلسطينية.
يشكل اليهود نحو 80 % من مواطني إسرائيل البالغ عددهم 5.9 مليون نسمة ويشكل العرب الفلسطينيين حوالي17 %(والباقي ليسوا يهودا ولا عربا). ويقيم 2،7 مليون فلسطيني إضافي في الأراضي المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة. وبالتالي، فإن عدد سكان "أرض إسرائيل" المتنازع عليها بالكامل (فلسطين) يبلغ حوالي 55 % يهود و 43 % فلسطينيين-عرب(21).كما يتم وضع تقسيم إثني وديني داخل كل مجتمع قومي. حوالي 41 % من اليهود هم من الأشكناز وحوالي 43 % من المزراحي. والباقون هم أساسا مهاجرون حديثون ناطقون بالروسية ، معظمهم من أصول أوروبية، يشكلون مجموعة عرقية وثقافية متميزة، على الأقل في الأجل القصير. من بين العرب الفلسطينيين في إسرائيل، 77 % من المسلمين (خمسهم من البدو)، و 13 % مسيحيون، و 10 %دروز. في الأراضي المحتلة، 95 % مسلمون و 4 % مسيحيون.وفي كل من المجتمعات اليهودية والمسلمة، ثمة تقسيم ثقافي كبير قد تطور ايضا بين الجماعات المتدينة و الجماعات العلمانية. وحوالي 20 % من اليهود من المتدينين المتطرفين , وكذلك حوالي 30 % من المسلمين على جانبي الخط الأخضر (22)
تعد الصهيونية حركة استيطانية، وإسرائيل دولة استيطانية، كانت أراضيها مسكونة سابقا من قبل الفلسطينيين العرب. وعلى الرغم من الاختلافات الملحوظة مع الحركات الاستعمارية الأخرى، فإن العملية الفعلية للاستيطان الأوروبي تصنف الصهيونية (قبل وبعد عام 1948) على أنها حركة استيطانية"صرفة".(23) .بعد [استقلال] إسرائيل في العام 1948 وبعد دخول اللاجئين و المهاجرين اليهود الجماعي ، ظهرت طبقية اجتماعية واضحة. وبصفة عامة، شكل الأشكناز الجماعة التأسيسية واحتلوا المناصب العليا في المجتمع في معظم المجالات، بما في ذلك السياسة والجيش وسوق العمل والثقافة. وشكل المزراحيم المجموعة الرئيسية التالية من المهاجرين ،وأخيرا أتت جماعة المتحدثين باللغة الروسية ومجموعة صغيرة من اليهود الاثيوبيين. وتوضع هذه الجماعات في موقف وسط، تقع خلف الأشكناز، ولكن فوق السكان الأصليين من العرب الفلسطينيين. ومن المثيرللدهشة، وعلى الرغم من إيديولوجية التكامل و المساواة الرسمية اتجاه المزراحيم، فقد ظلت الفجوة الاجتماعية والاقتصادية مستمرة بينهم وبين جماعة الأشكناز (24).وكما هو الحال في مجتمعات المستوطنين، احتلت الأقلية العربية للسكان الأصليين في إسرائيل منذ البداية أدنى الطبقات في معظم مجالات الحياة الإسرائيلية، واستبعدت فعليا من المراكز السياسية والثقافية والاقتصادية في المجتمع. وبعد غزو الضفة الغربية وقطاع غزة في العام 1967، أصبح الفلسطينيون سكان هذه المناطق جزءا من الاقتصاد الإسرائيلي، لا سيما العمال المياومون ، ولكنهم حرموا من الحقوق السياسية والمدنية (25).
الدولة اليهودية
أعلنت إسرائيل نفسها, مع إعلان الاستقلال في العام 1948،أنها "دولة يهودية". وكان إعلان الاستقلال، في بعض النواحي، ليبراليا جدا، ووعد بالمواطنة الكاملة والمتساوية لغير اليهود، وحظر التمييز على أساس الدين أو الأصل الإثني أو الجنس أو العقيدة. وقد أنشئت المؤسسات السياسية المركزية للدولة الجديدة على أنها مؤسسات ديمقراطية، بما في ذلك برلمان تمثيلي(الكنيست)، وانتخابات دورية، وقضاء مستقل، ووسائل إعلام حرة نسبيا. غير أنه خلال السنوات التالية، كرست سلسلة من القوانين الإضافية الطابع اليهودي والديني جزئيا للدولة (وليس طابعها الإسرائيلي، كما كانت تتطلب المعايير الدولية المقبولة لتقرير المصير ). وكان من بين هذه القوانين قوانين الهجرة الخاصة بالدولة (قوانين العودة والمواطنة)، التي جعلت كل يهودي في العالم مواطنا محتملا، في الوقت الذي حرم فيه الكثير من الفلسطينيين المولودين في البلاد من هذه الإمكانية. كما ركزت قوانين أخرى على الطابع اليهودي للدولة ليس فقط في المجال الرمزي، بل أيضا عبر واقع ملموس و"متعمق"، يغطي مجالات متنوعة مثل المواطنة والتعليم والاتصال وملكية الأراضي.وقد أصبحت "يهودية إسرائيل معطى دستوري" کما أعلنت المحکمة العلیا الإسرائیلیة عن ذلك في العام 1964 - في ما أصبح یعرف بقضیة إیردور. وأضيف في العام 1985، نقیحات أدخلت علی القانون الأساسي للکنیست تنص بعدم السماح لأي حزب بدخول الكنيست في حال عدم قبوله تعريف إسرائيل كدولة للشعب اليهودي (27). وأدى الجمع بين هذه القوانين إلى تكوين بنية محصنة تقريبا ضد المحاولات الديمقراطية لتغيير طابعها الصهيوني.وأقر الكنيست في أوائل التسعينيات،قانونين أساسيين في الكنيست الدولة بأنها "يهودية وديمقراطية"، مما أدى إلى تكريس الطابع اليهودي للدولة، ولكن أيضا اقترانها بالتزام ديمقراطي. وكما هو مبين أدناه، فإن هذا الاقتران إشكاليا ليس كمبدأ مجرد فحسب، بل بوصفه ضد واقع التهويد المستمر، الذي أعاد هيكلة طبيعة الدولة من جانب واحد من خلال الهجرة والسياسات الإجرائية على الأرض. وكان هذا التحول مدعوما بأسلحة وحيدة الإثنية للدولة، بما في ذلك الجيش والشرطة والمحاكم والمؤسسات الاقتصادية ووكالات التطوير ومعظم منتديات صنع القرار. وبالتالي ، لا تكمن العقبة الرئيسية أمام الديمقراطية الإسرائيلية بالضرورة في إعلان إسرائيل على أنها "يهودية"، والتي قد تكون أقرب إلى الوضع القانوني لفنلندا باعتبارها "الدولة اللوثرية" أو إنجلترا باسم "الأنجليكانية". بل تكمن المشكلة الرئيسية في العمليات الجلية الخاصة بعمليات "التهويد" و"نزع الصبغة العربية"(أي تجريد العرب الفلسطينيين) عبر تسهيل و شرعنة إعلان "يهودية" إسرائيل ، ومن خلال الهياكل القانونية والسياسية الإثنوقراطية الناتجة عن هذا الإعلان(28)
تهويد الوطن
دخلت إسرائيل بعد الاستقلال، مرحلة جذرية لإعادة الهيكلة الإقليمية للأرض . وكانت بعض السياسات والمبادرات امتدادا للمقاربات اليهودية السابقة، ولكن البناء المتمركز إثنيا وتكتيكات واستراتيجيات "الييشوف" -المجتمع اليهودي في فلسطين قبل العام 1948- كان قد تكثفت بشكل ملحوظ ساعد في ذلك جهاز الدولة المكتسب حديثا ،فضلا عن القوات المسلحة، والشرعية الدولية المتعلقة بالسيادة القومية. وقد ركزت إعادة هيكلة الأراضي على برنامج توسيع "التهويد" و "نزع التعريب" اعتمدته الدولة الإسرائيلية الوليدة ابتدأ بترحيل حوالي 750،000 فلسطيني خلال حرب 1948. تحولوا إلى لاجئين نظرا لمنعهم من العودة إلى قراهم التي سرعان ما تم هدمها (29). وسارعت السلطات إلى سد "الثغرات" الناجمة عن هذا النزوح القسري بمستوطنات يسكنها المهاجرون واللاجئون اليهود الذين دخلوا البلد بشكل "جماعي" في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينات. وقام برنامج التهويد على أسطورة مهيمنة زرعت منذ ظهور الصهيونية، وهي أن "الأرض" (ها-إيرتس) ملك للشعب اليهودي، وللشعب اليهودي فقط . وأدت عملية "توطين" اليهود المهاجرين إلى تطوير شكل حصري من الاستيطان القومي الإثني ,وإخفاء الماضي الفلسطيني أو تهميشه أو شطبه .وأصبحت "الحدود" رمزا مركزيا، واعتبرت مستوطناتها واحدة من أعلى الإنجازات لأي صهيوني. وقدمت "الكيبوتسات "الحدودية (المستوطنات الريفية الجماعية) نموذجا على ذلك ، وتم ملء الصور الإيجابية عن طريق اللغة العبرية التي تم إحيائها مثل "عاليا لاكاراكا" (التي تعني حرفيا تعني "صعودا إلى الأرض"، أي الاستيطان)، و غيئولات كاركا (استرداد الأراضي)، و هيتياشفوت ، هيتناحالوت ( مصطلح كتابي إيجابي للمستوطنة اليهودية )، وكيبوش هاشمما (غزو الصحراء)، و هاغشما (حرفيا الوفاء ، ولكن تدل على استيطان الحدود). وبالتالي ساعد تمجيد الحدود في بناء الهوية القومية -اليهودية، وفي استيعاب الفضاء المادي الذي يمكن بناء الهوية فيه إقليميا.
وترجمت هذه المشاعر إلى برنامج واسع الانتشار للتنشئة الاجتماعية اليهودية الصهيونية، تجلى في المناهج الدراسية والأدب والخطاب السياسي والموسيقى الشعبية وغيرها من مجالات الخطاب العام. وهكذا ظل يشكل الاستيطان حجر الزاوية في بناء الدولة الصهيونية، حتى بعد قيام دولة يهودية ذات سيادة. ومن المؤكد أن "عودة" اليهود إلى أرض أسلافهم الأسطورية وتصور هذه الأرض كملاذ آمن بعد أجيال من الاضطهاد كان له معنى تحرري قوي. ومع ذلك، فإن الجوانب المظلمة من هذا المشروع كانت غائبة تماما على وجه التقريب عن بناء "عودة" غير مشكوك فيها لليهود إلى أرضهم الكتابية الموعودة ولم يتناهى للسمع سوى عدد ضئيل جدا من الأصوات المعرضة ضد الخطابات أو السياسات أو الممارسات التهويدية. كما لم تعدم النخب اليهودية القومية المتطرفة سبيلا لإيجاد طرقا فعالة , في حال ظهور مثل هذا الخلاف،, لتهميش أو استيعاب أو كبح معظم من يتحدى برنامجهم(30) .ولذلك، ينبغي اعتبار العام 1948 نقطة تحول سياسية رئيسية، ليس فقط بسبب إنشاء دولة تعلن نظاما ديمقراطيا، بل أيضا بداية لمشروع تهويد حكومي، وغير ديمقراطي في جوهره أساسا.وهكذا، فإن عمليتين متوازيتين تطورتا على الأرض عينها : التأسيس الظاهر لمؤسسات و إجراءات ديمقراطية ، وفي المقابل استيلاء جماعة إثنية مهيمنة على الأرض بشكل مخفي ولكن بصورة منهجية و قسرية . ويلقي التناقض بين هاتين العمليتين ظلالا من الشك على التصنيف السائد لإسرائيل في الأدبيات الأكاديمية كدولة ديمقراطية.
إن تصور الأرض كوعد لليهود فقط إنما كان قائما على خطاب قومي مشوه يستند على "السبي القسري" و "العودة" اللاحقة (31). وكرد فعل على الصراع العربي [اليهودي] (و الرفض العربي) ظهر خطاب مواز ، مما رفع من مقتضيات الأمن القومي كحقيقة مجردة غير قابلة للنقاش . و عمدت هذه الخطابات إلى إعاقة معظم اليهود عن رؤية مجموعة السياسات التمييزية المفروضة على مواطني الدولة من الفلسطينيين ، بما في ذلك فرض الحكم العسكري، وغياب تنمية اقتصادية واجتماعية، وإشراف سياسي ، والتمثيل الناقص، والأهم من ذلك -بالنسبة لهذه المقالة - مصادرة واسعة النطاق للأراضي الفلسطينية(32).فقبل العام 1948، كان حوالي 7 إلى 8 % فقط من البلد في أيدي يهودية، وخصص حوالي 10 % لممثل الانتداب البريطاني. ومع ذلك، وسعت الدولة الإسرائيلية بسرعة حيازتها من الأراضي، وهي تملك أو تسيطر حاليا على 93 % من المساحة الواقعة داخل الخط الأخضر. وكانت حصة الأسد في انتقال حيازة الأرض تتمثل في مصادرة ممتلكات اللاجئين الفلسطينيين، ليس هذا فحسب ,فقد صودرت حوالي ثلثين أراضي الفلسطينيين الذين بقوا وأصبحوا مواطنين إسرائيليين . وفي الوقت الراهن، لا يملك العرب الفلسطينيون، الذين يشكلون حوالي 17 % من سكان إسرائيل، سوى نحو 3 %من الأرض، في حين تغطي مناطق تواجدهم المحلي 2.5 % من مساحة البلد .وأحد الجوانب الرئيسية لنقل ملكية الأراضي هو اتجاهها القانوني "أحادي الاتجاه". فقد أنشأت إسرائيل نظاما مؤسسيا وقانونيا للأراضي لا يمكن بموجبه بيع الأراضي المصادرة.وعلاوة على ذلك، فإن هذه الأراضي لم تصبح مجرد أرض دولة، وإنما حيازة مشتركة للدولة والشعب اليهودي كله. وقد تحقق هذا من خلال منح منظمات خارج حدود الإقليم، مثل الصندوق الوطني اليهودي والوكالة اليهودية والاتحاد الصهيوني، حصة من سلطات الدولة ذات السيادة وسلطة كبيرة في مجالات الأرض والتنمية والاستيطان. إن نقل الأراضي إلى أيدي جهات غير خاضعة للمساءلة تمثل "الشعب اليهودي" يمكن أن يشبه "ثقب أسود" تدخل فيه الأراضي العربية بطريقة لا يمكن استرجاعها قط. وتضمن هذه البنية الطابع الأحادي الاتجاه لجميع عمليات نقل الأراضي: من الفلسطينيين إلى أيدي اليهود، وليس العكس , والتعبير الصارخ عن هذا الوضع القانوني والمؤسسي هو منع المواطنين العرب في إسرائيل من شراء أو استئجار أو استخدام حوالي 80 % الأراضي في البلد (33). ويمكن الافتراض منطقيا أن أي إجراء مثل هذا في دساتير معظم البلدان الديمقراطية الذي يمثل انتهاكا صارخا للمساواة في الحقوق المدنية سيكون إجراء غير قانوني. لكن طابع إسرائيل كدولة تهويدية منعت حتى الآن من سن دستور يضمن هذه الحقوق.وخلال الخمسينات والستينات، وبعد انتقال الأرض للدولة، تم بناء أكثر من 600 مستوطنة يهودية في جميع أنحاء البلاد. وأدى هذا إلى إنشاء البنية التحتية لإيواء اللاجئين والمهاجرين اليهود الذين واصلوا التهاطل على البلد . وكانت النتيجة تغلغل اليهود في معظم المناطق العربية، وتطويق معظم القرى العربية بالمستوطنات اليهودية حصرا - حيث لا يسمح لغير اليهود بشراء المساكن- وتحويل العرب إلى منعزلات غيتوية افتراضية للأقلية العربية .
الاستيطان والفصل الداخلي ما بين اليهودي
بعيدا عن العواقب الواضحة للمشروع الاستيطان اليهودي على المستوى الإثني - القومي، فقد تسبب هذا المشروع أيضا في عمليات الفصل والتقسيم الطبقي بين الطبقات الإثنية اليهودية ,وهذا الجانب من الأهمية بمكان لفهم العلاقات بين مختلف الطبقات الإثنية اليهودية، وخاصة الأشكناز والمزراحي. ومن الجدير بالذكر أنه لا جدال في أن العلاقات بين الجماعات اليهودية الإثنية هي علاقات غير ديمقراطية، بل أن الطبيعة الاستيطانية الإثنية للعلاقات اليهودية الفلسطينية أثرت سلبا على العلاقات بين اليهود. ولتوضيح جغرافية هذه العمليات، علينا أن نحدد بمزيد من التفصيل الطبيعة الاجتماعية والإثنية لمشروع الاستيطان اليهودي، الذي تقدم في ثلاثة موجات رئيسية: فقد تم خلال الموجة الأولى، ما بين عامي 1949 و 1952، بناء حوالي 240 قرية محلية (كيبوتس و موشاف)، على طول الخط الأخضر بشكل رئيسي. وخلال الموجة الثانية، من أوائل الخمسينيات وحتى منتصف الستينيات، تم بناء 27 "مدينة تطوير" و 56 قرية أخرى. وكانت هذه المناطق مأهولة بالسكان - عادة بالإكراه - من قبل المهاجرين اليهود واللاجئين من شمال أفريقيا. وخلال نفس الفترة، كانت هناك أيضا مجموعات كبيرة من المزراحي في أحياء حضرية "حدودية" كانت إما فلسطينية أو مجاورة لمناطق فلسطينية. وتميزت مدن التطوير و "الأحياء" -وظلت حتى الآن-كتجمعات سكانية مزراحية فقيرة ومحرومة (34) نظرا لتدني الموارد الاجتماعية والاقتصادية لمعظمهم ، ولثقافتهم العربية أساسا - المرتبطة الآن بالعدو – وافتقارهم إلى علاقات مع النخب الإسرائيلية . و تطور العلاقات الأشكنازية - المزراحية يكمن في جغرافية التبعية هذه التي تحققت باسم تهويد البلد حتى يومنا هذا .شهدت الموجة الثالثة، خلال العقدين الماضيين، إنشاء أكثر من 150 مستوطنة صغيرة غير حضرية تعرف باسم المستوطنات "المجتمعية" أو "الخاصة" (يشوفيم كيهيلاتيم). هذه الأحياء صغيرة مثل الضواحي، تقع في قلب المناطق على جانبي الخط الأخضر . و تم تقديمها إلى الجمهور كجهد متجدد لتهويد حدود إسرائيل العدائية باستخدام الخطاب النموذجي للأمن القومي أو التهديد العربي لأراضي الدولة أو احتمال ظهور انفصال عربي. وفي الأراضي المحتلة، أشارت مبررات إضافية للاستيطان اليهودي إلى عودة اليهود إلى المواقع الكتابية القديمة، وإلى خلق "عمق استراتيجي". ولكن على الرغم من استمرار الخطاب الصهيوني المألوف، إلا أن هناك فرقا كبيرا يميز هذه المستوطنات، فقد مزقت هذه المستوطنات للمرة الأولى حدود إسرائيل المعترف بها دوليا.ومن منظور اجتماعي، كان السكان الذين يهاجرون إلى معظم هذه المناطق السكنية ذات الجودة العالية هم في المقام الأول من سكان الضواحي الأشكناز الذين ينتمون للطبقة المتوسطة، و الذين يسعون إلى تحسين مساكنهم ووضعهم الاجتماعي ,ورافق الاستيطان الصهيوني العمراني في الضفة الغربية في الآونة الأخيرة بناء وتوسيع هذه الممستوطنات الصغيرة. وقد استوعبت هذه المدن بصورة متزايدة اليهود المتدينين والدينيين المتطرفين (35)
ومن الجدير بالملاحظة أن موجات الاستيطان المختلفة تميزت بـ "الفصل" الاجتماعي والمؤسسي الذي تفرضه وتعززه سياسات الدولة . وقد تم وضع وتنفيذ مجموعة كاملة من الآليات ليس فقط للحفاظ على أنماط الفصل بين العرب واليهود، ولكن أيضا لإقامة خطوط فصل صارمة إلى حد ما بين مختلف الطبقات الإثنية اليهودية. وتضمنت آليات الفصل ترسيم حدود الحكومة المحلية والتعليم، وتوفير خدمات حكومية منفصلة وغير متكافئة (وخاصة التعليم والإسكان)، وتطوير اقتصاديات منفصلة إلى حد كبير، وتنظيم أنواع مختلفة من المحليات في مختلف "حركات الاستيطان" ، والتوزيع غير المتساوي للأراضي على أساس قطاعي (36) .ونتيجة لذلك، تم خلق "طبقات" وفضاءات يهودية متمايزة ، تتمتع بمستويات منخفضة من الاتصال بين مختلف الطبقات الإثنية ,الأمر الذي عمل على إعادة إنتاج مظاهر عدم المساواة والهويات الجماعية المتنافسة. وتم تقييد الحركة عبر الحدود لأن معظم المستوطنات اليهودية الجديدة (التي بنيت على أراضي الدولة!) سمح لها بغربلة المقيمين فيها من خلال اختبارات "جدارة المقيمين". وأدت هذه الممارسة كما هو متوقع منها إلى إنتاج تجمعات تهيمن عليها الطبقة المتوسطة الأشكنازية. ومن ثم فإن جزءا على الأقل من تجزؤ الطبقة الإثنية والعداء الذي يتجلى حاليا في المجتمع الإسرائيلي يمكن أن يعزى إلى نظام الاستيطان اليهودي وفصله المؤسساتي. ويمكن أن نلحظ في هذه العملية عمل المنطق الإثني لرأس المال كقوة رئيسية في تشكيل العلاقات الاجتماعية في الأنظمة الإثنوقراطية. وتتبع التنمية بشكل وثيق نمط الطبقة الإثنية السائدة في المجتمع الإسرائيلي, وهذا ما خلق ظروف مكانية لـ"إعادة إنتاج "الفجوة الإثنية" بين الأشكناز و المزراحي، من خلال آليات قائمة على الموقع مثل التعليم ومراقبة الأراضي والإسكان والشبكات الاجتماعية ومميزات محلية وإمكانية الوصول إلى المرافق والفرص.
ديمقراطية أم إثنوقراطية؟
كما رأينا سابقا ، يسلط التحليل السياسي -الجغرافي للأراضي اليهودية وسياسات الاستيطان الضوء على ثلاثة عوامل رئيسية في المجتمع الإسرائيلي غالبا ما تهمل مقابل التفسيرات الأخري:
(أ) سهّل النظام الإسرائيلي عملية توسيع مستمرة للسيطرة اليهودية على أراضي إسرائيل /فلسطين
(ب) إسرائيل دولة وكيان سياسي بلا حدود واضحة
(ج) يستند تنظيم الفضاء الاجتماعي للبلد على الفصل الإثني السائد وغير المتكافئ.
ويؤدي بنا التأكيد على هذه العوامل إلى التساؤل عن الفكرة التي تم الاعتراف بموجبها بأن إسرائيل دولة ديمقراطية(37) .وبدلا من ذلك، أود القول بأن النظام السياسي يحكمه نظام إثنوقراطي، كما هو محدد سابقا. إنه حكم جماعة إثنية موسعة و لها ، داخل الدولة وخارجها، وهي ليست ديمقراطية ولا استبدادية(38).
فالديمقراطية من جهة , نظام يتبع عدة مبادئ رئيسية، بما في ذلك حقوق مدنية متساوية وناجزة ، والمواطنة الشاملة، والانتخابات الدورية والحرة، والاقتراع العام، والفصل بين الجيش و الحكومة، وحماية الأفراد والأقليات ضد الأغلبية، و مستوى مناسب من الانفتاح الحكومي والأخلاقيات العامة (39). وثمة عامل يؤخذ كمسلمة من قبل المحللين- ولكنه غير واضح إلى حد ما في الحالة الإسرائيلية - هو وجود حدود واضحة لأراضي الدولة ومجتمعها السياسي. إن إقامة دولة ككيان إقليمي - قانوني يستند إلى وجود هذه الحدود، التي لا يمكن بدونها فرض قانون الأرض ونشاط المؤسسات الديمقراطية على الصعيد العالمي، مما يقوض عملية الإجراءات الديمقراطية الشاملة والمتكافئة. وهذا يعيدنا إلى مسألة التخوم والحدود الإسرائيلية، فالمنظومة اليهودية لملكية الأراضي وتطويرها، فضلا عن جغرافية المستوطنات الحدودية، قوضت الطبيعة الإقليمية القانونية للدولة. وتمتلك المنظمات الموجودة في الشتات اليهودي صلاحيات قانونية داخل إسرائيل / فلسطين, كما ويشارك اليهود العالميون أيضا في السياسة الإسرائيلية بطرق أخرى هامة، بما في ذلك التبرعات الكبرى للأحزاب والسياسيين اليهود، والتأثير المفتوح والعامة على صنع السياسات ووضع الأجندات، فضلا عن الضغط لصالح السياسيين الإسرائيليين في المنتديات الدولية، وخاصة في الولايات المتحدة(40). وهكذا امتلكت الجماعات اليهودية (غير المواطنة) سلطة سياسية في إسرائيل بطريقة لا مثيل لها من قبل أي دولة ديمقراطية. وهذا عامل بنيوي غير ديموقراطي يتسق مع خصائص الأنظمة الإثنوقراطية. و كما ذكر آنفا، أدى الاستيطان اليهودي في الأراضي المحتلة أيضا إلى تمزيق الخط الأخضر (حدود إسرائيل المعترف بها دوليا قبل 1967) كحدود مجدية. وحتى كتابة هذه الدراسة ثمة هناك نحو 340 ألف يهودي إسرائيلي يقيمون في الأراضي "بما فيها القدس الشرقية" وتم توسيع نطاق القانون الإسرائيلي من جانب واحد ليشمل هذه المستوطنات.(41)و تحول الخط الأخضر إلى آلية جغرافية للفصل بين "المواطنين من غير المواطنين" الفلسطينيين، ولكن ليس اليهود (42). .إن الجمع بين هذين العاملين يعني أن "إسرائيل"، ككيان ديمقراطي سياسي محدد، لا وجود له. فالقوة القانونية والسياسية للهيئات (اليهودية) خارج الحدود الإقليمية وخرق حدود الدولة تفرغ مفهوم إسرائيل من المعنى المقبول على نطاق واسع للدولة كمؤسسة إقليمية قانونية.وبالتالي، فإن القبول غير المشكوك فيه لـ "إسرائيل المعترف بها " في معظم كتابات العلوم الاجتماعية (بما في ذلك بعض من أعمالي السابقة) وفي وسائل الإعلام العامة يستند إلى تسمية خاطئة (43). .وبالنظر إلى هذا الواقع، فإن إسرائيل لا تمتثل, ببساطة, للمتطلبات الأساسية للديمقراطية [أي]- وجود الديموس -.ويدل "الديموس" كما هو معروف من اليونان القديمة ,على مجموعة شاملة من المواطنين داخل حدود معينة. وهو مبدأ تنظيمي ينافس مبدأ "الإثنوس" ، مما يدل على الأصل المشترك. وبالتالي فإن مصطلح "الديمقراطية" يعني حكم "الديموس"، ويشير تطبيقه الحديث إلى التداخل بين الإقامة الدائمة في كيان سياسي والحقوق السياسية المتساوية كـ"شرط ديمقراطي ضروري". وكما رأينا، قامت البنية السياسية الإسرائيلية والنشاط الاستيطاني باستبعاد أهمية مثل هذه الحدود، وهو ما أدى في الواقع إلى تقويض حق الاقتراع العام (حيث يمكن للمستوطنين اليهود في الأراضي المحتلة أن يصوتوا للبرلمان الذي يحكمهم، ولكن لا يستطيع ذلك جيرانهم الفلسطينيين).وتظهر هذه الملاحظة بوضوح أكثر في انتخابات العام 1996: فبحسب النتائج في "إسرائيل المعترف بها " أعطت تفوقا لشمعون بيريز على بنيامين نتنياهو بهامش يتجاوز 5% فقط , ولكن فوز نتنياهو تحقق بفضل أصوات اليهود في الأراضي المحتلة ( أي خارج "إسرائيل المعترف بها") كما كان حال النجاحات السابقة لتحالف الليكود في انتخابات 1981 و 84 و 88 . إن مشاركة المستوطنين في السياسة الإسرائيلية أعمق بكثير من مجرد الانتخابات بطبيعة الحال. ويمثلهم (1998) 18 عضوا في الكنيست (من أصل 120)، وأربعة وزراء حكوميين، ويقبضون على مجموعة من المناصب الرئيسية في الأجهزة السياسة والقوات المسلحة والأوساط الأكاديمية. وبالتالي، يتمثل الشرط الأساسي لإضفاء الطابع الديمقراطي على النظام السياسي الإسرائيلي ليس فقط بتحويل إسرائيل إلى دولة لجميع مواطنيها (كما تتطلب معظم الجماعات غير الصهيونية)، بل إلى حالة دولة "لجميع مواطنيها المقيمين، ولهم فقط " وهذه هي الطريقة الوحيدة لضمان عدم قيام الهيئات غير الإقليمية وغير الخاضعة للمساءلة السياسية، مثل الوكالة اليهودية والصندوق القومي اليهودي والمستوطنين اليهود في الأراضي المحتلة، بالتأثير على نحو غير ملائم بسيادة الدولة على الأرض .وهذا هو المبدأ الوحيد الذي يمكن أن يرسي الأسس المناسبة للحكم الديمقراطي، ودولة "الديموس" السياسي .وبعيدا عن مسألة الحدود الحرجة، ثمة عدة عقبات رئيسية أخرى أمام إقامة نظام ديمقراطي سليم في مسار تاريخ إسرائيل السياسي .وتشمل هذه العقبات المستوى العالي جدا من مركزية النظام، والافتقار النسبي للمساءلة السياسية، وضعف السلطة القضائية، والعسكرة المتفشية، وهيمنة الذكور بما يرتبط من تمييز ضد المرأة في معظم مجالات الحياة، وعدم انفصال الدين والدولة. إن الافتقار إلى الفضاء يحول دون إجراء مناقشة بشأن جميع هذه المسائل.
إثنوقراطية أم ثيوقراطية؟
يزعم بعض الباحثين أن التأثير المتزايد للمجموعات اليهودية الأرثوذكسية على السياسة الإسرائيلية يقود إسرائيل نحو الحكم الثيوقراطي - وليس الإثنوقراطي(44). وفوق ذلك تبدو الأجندة الأرثوذكسية بأنها تتفق مع المشروع الإثنوقراطي اليهودي، حيث أن الجماعات الأرثوذكسية تأخذ دور "الإثنوس" اليهودي كنقطة انطلاق وتهدف أساسا إلى تعميق التدين. وعلى هذا النحو، فإن حملتها موجهة نحو تغيير طبيعة الإثنوقراطية الإسرائيلية دون تحدي وجودها ذاته أو الحدود الإثنية لأعضائها. ورغم ذلك تبدو الأجندة الأرثوذكسية هامة في السياسة الإسرائيلية بطريقة أخرى، لأنها تتحدى أيضا التصور السائد لإسرائيل بأنها "يهودية وديمقراطية". على الرغم من الاختلافات الهامة، فإن جميع الأحزاب الأرثوذكسية تدعم تزايد فرض الحكم الديني في إسرائيل "الشريعة"(هالاخا )، كما ذكر الزعيم السابق للحزب الوطني الديني(مفدال)، زفولون هامر [الذي يعتبر معتدلا] بقوله: "أتمنى حقا أن تتشكل إسرائيل من روح التوراة والهالاخاه ... النظام الديمقراطي ليس مقدسا بالنسبة لي"(45) ..ومثل ذلك ما أعلنه منذ وقت ليس بالبعيد أحد قادة شاس، الذي يعتبر في كثير من الأحيان حزب أرثوذكسي معتدل نسبيا" نحن نعمل من أجل إنشاء دولة الهالاخاه ... مثل هذه الدولة ستضمن الحرية الدينية، ولكن المحاكم ستنفذ القانون اليهودي ... لدينا التورة المقدسة التي تتضمن مجموعة أخلاقية من القوانين، لماذا علينا أن نقلق؟"(46) ورغم أن المبادرات التي اتخذتها هذه الهيئات في الآونة الأخيرة تحاول التأثير بشكل رئيسي على طابع المجالات العامة (وليس الخاصة)، فإن هناك تناقضا أساسيا بين الأجندة الأرثوذكسية والعديد من السمات الأساسية للديمقراطية، مثل سيادة القانون، والحرية الفردية، والحكم الذاتي، والمساواة المدنية، والسيادة الشعبية (47). إن هذا التحدي يحجبه إلى حد ما الازدواجية في تفسير اليهودية على أنها إثنية و / أو دينية. فالتفسير العلماني يعامل اليهودية على أنها إثنية أو ثقافية أساسا، في حين تفسرها الجماعات الأرثوذكسية والمتطرفة على أنها كلّ غير قابل للفصل (أي "كليهما"إثني و ديني ). هذه الازدواجية التي لم تحل تقع في قلب التوتر بين معسكر العلمانيين و معسكر اليهود الأرثوذكسيين: إذا كان معنى "اليهودي" غير محسوم، فكيف يمكن تحديد طبيعة "الدولة اليهودية"؟
لقد أصبح تحدي الديمقراطية من قبل الأجندة الأرثوذكسية أكثر حدة لأن المعسكر السياسي الأرثوذكسي أصبح أقوى في السياسة الإسرائيلية على مدى العقد الماضي. فقد شغل وفي الفترة ما بين 1996 إلى 1999، 28 مقعدا من مقاعد الكنيست (23 للأحزاب الأرثوذكسية ، والباقي أعضاء أرثوذكسيين من أحزاب أخرى). احتفظ المعسكر الأرثوذكسي بتوازن القوى البرلمانية في معظم فترات تاريخ إسرائيل.و في ما يخص دراستنا هنا ، ترتبط القوة المتزايدة للقطاعات الأرثوذكسية في إسرائيل ارتباطا وثيقا بالجغرافيا السياسية للدولة، وبالمشروع الصهيوني لتهويد البلاد. وهناك أربعة أسباب رئيسية لذلك
- أولا، جميع الحركات الدينية في إسرائيل، والأكثر وضوحا غوش إمونيم ("كتلة الولاء"، المنظمة الدينية اليهودية الرئيسية لمستوطنات الضفة الغربية)، تؤيد تماما استيطان اليهود في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، والاحتلال العسكري العنيف لهذه المناطق. وكثيرا ما يتم التأكيد على ذلك كجزء من أمر إلهي تأسيسا على الحق اليهودي الأبدي ووجوب استيطان جميع أجزاء "الأرض الموعودة". وهذ الاستيطان يجب أن يتحقق في ذات الوقت الذي يتم فيه تجاهل تطلعات الفلسطينيين في هذه الأراضي المتمثلة في حق تقرير المصير أو الحقوق المدنية المتساوية. وغني عن البيان أن هذه الخطة تقوض حتى إمكانية أي دور ديمقراطي في إسرائيل .وهو ما تسبب في عدة موجات من العنف الديني - العلماني الداخلي بين اليهود، بما في ذلك اغتيال رئيس الوزراء رابين في عام 1995.
-ثانيا، تظهر الدراسات الاستقصائية المتكررة أن الجمهور الديني في إسرائيل هو الأكثر تعنتا في معارضته لمنح المساواة المدنية للمواطنين العرب الإسرائيليين. وهذا لا يعني أن الجمهور الأرثوذكسي بأكمله يعارض الحكم الديمقراطي، أو أنه متجانس في آرائه السياسية. ولكن جميع دراسات الرأي تقريبا، وكذلك منابر المنظمات السياسية الدينية الرئيسية، تصنف قيم الديمقراطية بدرجة أقل من قيم يهودية الدولة أو السيطرة اليهودية على كامل الأراضي الفلسطينية.(48)
-ثالثا، هناك صلة واضحة بين القوة المتزايدة للهيئات الأرثوذكسية وتفتق حدود إسرائيل. وتبين التحليلات والدراسات الاستقصائية السياسية أنه كلما تعمق تهويد الأراضي المحتلة، كلما تعمقت أكثر العناصر اليهودية في الهوية الجماعية لليهود الإسرائيليين حساب العناصر الإسرائيلية (49).وينبع هذا الاتجاه من الارتباك في معنى "الإسرائيلي" عندما تكون حدود الدولة وحدود الحكم الإسرائيلي غير واضحة. وبعبارة أخرى، فإن إحداث تصدع في الحدود الإسرائيلية عبر النشاط الاستيطاني وإشراك يهود العالم في السياسة الداخلية قد قوض المعنى الإقليمي والمدني لمصطلح إسرائيل ، وعزز في ذات الوقت الهوية (اللاإقليمية والإثنية - الدينية) الجمعية اليهودية. ولهذه العملية آثار خطيرة على الديمقراطية، بسب تجاوزها بالدرجة الأولى لمؤسسة المواطنة الإقليمية التي ينبغي أن تقوم عليها الدولة الديمقراطية. ويضفي هذا في السياق الإسرائيلي الشرعية على التقسيم الطبقي بين اليهود (مع حقوق كاملة) والعرب (مواطنون من الدرجة الثانية)، ولهذا يستند رفض العرب بسبب حالة انتمائهم " الإسرائيلي". إن ترسيم حدود إسرائيلية واضحة وما يلي ذلك من إنشاء مجتمع سياسي إقليمي، يمكنه فقط أن يوقف الصعود اللاديمقراطي لليهودية على الإسرائيلية.
-رابعا وأخيرا، ينظر الكثيرون من المعسكر الأرثوذكسي إلى مشروع التهويد ليس فقط بنظرة إثنية-إقليمية ، بل أيضا تتجه النظرة نحو تعميق تدين اليهود الإسرائيليين. ويستند هذا إلى تأويل الإدراك المركزي: "كل اليهود ضامن لبعضهم البعض".هنا ضمانة تستتبع عودة كل الضالين غير المؤمنين إلى طريق الرب.هذه المهمة تضفي الشرعية على المحاولات المتكررة - وإن لم تكن ناجحة في كثير من الأحيان - لتعزيز الطابع الديني للقوانين والأماكن العامة. الطابع الديني للدولة يرتكز بالفعل على مجموعة متنوعة من المجالات: السبت اليهودي هو اليوم الإسرائيلي الرسمي للراحة. المؤسسات العامة تقدم طعام الكوشير فقط؛ لا يسمح باستيراد لحم الخنزير؛ تخضع جميع القوانين الشخصية للحاخامية القومية (التي تحظر الزواج المدني)؛ وتحتاج معظم الحفريات الأثرية إلى موافقة السلطات الدينية.وتبرر الأحزاب الأرثوذكسية فرض هذه الأنظمة على الجمهور العلماني من خلال التأكيد على أنها تضمن الطابع الإثني والثقافي للدولة للأجيال المقبلة. وعلى هذا النحو، فإن ذلك سيحول دون إدماج غير اليهود وخلق دولة "تستحق أن تسمى إسرائيلية ... ويهودية" (50). وبناء على ذلك، فإن الثيوقراطية التي تسعى إليها الأحزاب الدينية تفترض مسبقا وجود دولة إثنية يهودية (إثنوقراطية). وتسعى أجندتهم ببساطة إل تحويل الدولة إلى دولة "دينية إثنوقراطية"(51).وما ينبغي ملاحظته ,في ضوء ذلك، ليس فقط الصراع بين اليهود الأرثوذكسيين والعلمانيين، وإنما أيضا "تعاونهم" الطويل الأمد في مشروع إقامة إثنوقراطية يهودية.
وبالتالي، فإن التحدي الديني لإضفاء الطابع الديمقراطي على إسرائيل والعلاقات بين العناصر الأرثوذكسية والعلمانية في المجتمع الإسرائيلي لا يمكن فصله عن الجغرافيا السياسية لدولة "يهودية" و"تهويدية".يميل الخطاب الإسرائيلي الرائد في السياسة والأوساط الأكاديمية وعامة الجمهور إلى التعاطي ومعالجةالقضايا العربية اليهودية والقضايا الدينية والعلمانية بشكل منفصل . ولكن،و كما هو ذكر أعلاه، لا يمكن فصل الصراعات والاتفاقات بين اليهود العلمانيين واليهود الأرثوذكس عن شواغل الفلسطينيين العرب وصراعاتهم وحقوقهم. ويرجع ذلك أساسا إلى أن جوهر التصعيد بين اليهود الأرثوذكس والعلمانيين يكمن في دفع المواطنين الفلسطينيين الإسرائيليين إلى رؤية تحول الدولة من دولة إثنوقراطية إلى دولة ديموقراطية، وإلى وقف بل وحتى عكس مشروع التهويد الإثنوقراطي.
الفصل العنصري الإثنوقراطي الاستيطاني
كان مشروع تهويد الدولة السمة الرئيسية (في الواقع السمة التأسيسية) للنظام الإسرائيلي الذي قادته الهجرة اليهودية والاستيطان، المدعوم بمجموعة من القوانين الدستورية وإجماع واسع بين الجمهور اليهودي. ومن ثم فإن إسرائيل تتناسب تماما مع نموذج النظام الإثنوقراطي الذي تم تقديمه أعلاه , وبشكل أكثر تحديدا، ونظرا لأهمية الاستيطان ، ينبغي أن يطلق عليه نظام "إثنوقراطي استيطاني" . ولكن بعيدا عن تعاريف النظام، وبعيدا عن الهوة الجوهرية بين الفلسطينيين واليهود، فقد خلق اندماج المبادئ الإثنية المركزية , و ديناميات الهجرة والاستيطان وتشكيل الطبقة ,أنماطا غير متكافئة ومنفصلة بين اليهود. وقد تفاقم ذلك بسبب الطبيعة الجغرافية لمشروع الاستيطان اليهودي، الذي استند إلى الوحدة الرئيسية في المنطقة (الييشوف). وقد تقدم مشروع الاستيطان اليهودي عن طريق بناء تجمعات كانت في العادة متجانسة إثنيا ، ومن ثم استحدثت منذ البداية نمطا منفصلا من التنمية. وكما ذكرنا آنفا، لاتزال تقف هذه الجغرافيا وراء الكثير من التوتر القائم بين المزراحي و الأشكناز في إسرائيل (52). ومن ثم، فإن الآليات السياسية والقانونية والثقافية التي أدخلت لغرض فصل اليهود عن العرب تستخدم أيضا لفصل النخب اليهودية عن غيرها من الجماعات الإثنية - مما يعزز عملية "الأثننة " النموذجية للأنظمة الإثنوقراطية.ومن المؤكد أن هذه الآليات كانت تستخدم بشكل مختلف، وبشكل أكثر تفاؤلا، بين اليهود، ولكن الفجوة المستمرة بين الأشكناز و المزراحيم لا يمكن فهمها دون احتساب جغرافيا العلاقات بين اليهود.تم, في المقام الأول، تهميش المزراحيم مكانيا من قبل مشروع الاستيطان الإسرائيلي، سواء في محيط معزول أو في الأحياء الفقيرة المشوهة لكبريات المدن الإسرائيلية. وقد حد ذلك من مشاركتهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المحتملة.هناك علاقة واضحة تربط بين نزع الطابع العربي عن البلد مع تهميش المزراحي، الذين كانوا ثقافيا وجغرافيا، بين العرب واليهود، وبين إسرائيل وجيرانها المعادين، بين الماضي الشرقي "المتخلف" و المستقبل الغربي "التقدمي" .ولكن، يجب أن نتذكر أن عمق ومدى التمييز ضد الفلسطينيين و المزراحي كان مختلفا تماما، فقد تم اشتمال المزراحي في مشروع بناء الأمة اليهودية الإسرائيلية كمشاركين فعالين في قمع الفلسطينيين .كما استخدم منطق فصل مماثل لشرعنة إنشاء أحياء ومواقع منفصلة لليهود المتزمتين والأرثوذكس، والمهاجرين الروس الحاليين، والعرب الفلسطينيين. وبعبارة أخرى، انغرس منطق الفصل العنصري غير المتكافئ في النظام الإثنوقراطي في الممارسات المكانية والثقافية، التي عملت على زيادة "أثننة" المجتمع الإسرائيلي.بيد أنه ليس كل انفصال إثني هو انفصال سلبي بطبيعة الحال, بل يمكن للانفصال الطوعي بين الجماعات أن يعمل أحيانا على الحد من الصراع الإثني. ولكن في مجتمع أعلن أن "جمع ودمج المنفيين" (ميزوغ غالويوت) هدفا قوميا رئيسيا له ، تظل مستويات العزل والتقسيم الطبقي بين الطبقات الإثنية اليهودية مرتفعة بشكل ملحوظ. وبالإشارة إلى إطارنا النظري، يمكننا أن نلاحظ اندماج آليات مجتمع المستوطنين (الغزو والهجرة والاستيطان) مع قوة القومية الإثنية (فصل اليهود عن العرب) ومنطق رأس المال الإثني (إبعاد الطبقات الإثنية العليا و السفلى ) في خلق جغرافيا بشرية معاصرة في الصراع التمزيقي الإسرائيلي.غير أن هذه العملية ليست أحادية البعد، ويجب موازنتها مع الاتجاهات المضادة، مثل تزايد مستويات الاندماج بين المزراحيم و الأشكناز، وزيادة المساواة الرسمية في الحقوق الاجتماعية بين جميع الفئات. بالإضافة إلى ذلك، أدى التضامن بين اليهود في مواجهة عدو مشترك إلى تخفيف التوترات الداخلية والفصل ، وخاصة بين المزاحيم و الأشكناز، حيث اندمج كلاهما في توسيع الطبقة الوسطى في إسرائيل. وهنا يمكننا أن نلاحظ أيضا أن مجموعة التأسيس الأشكنازية الأصلية قد اتسعت لتشمل المزراحيم، ولا سيما بين الطبقات المتوسطة والعليا المندمجة (53). ومع ذلك، فإن الاتجاه الإثني كان قويا أيضا، كما يتجلى في الاتجاه المتزايد لأصحاب المشاريع السياسية لاستغلال" رأس مال إثني "وتعتمد على الانتماءات الإثنية والدينية كمصدر للدعم السياسي. وفي انتخابات عام 1996، زادت هذه الأحزاب القطاعية قوتها بنسبة 40 %، ولأول مرة في تاريخ إسرائيل طغت على أكبر حزبين , أي حزب العمل والليكود اللذين كانا تقليديا حزبين متغايرين إثنيا بدرجة أكبر .وعلاوة على ذلك، لم يكن الوضع ثابتا. وقد تباطأت مؤخرا استراتيجية التهويد و الانتشار السكاني ، كاستجابة للبرامج النيوليبرالية للعديد من النخب الإسرائيلية (54). كما واجهت أيضا مقاومة عربية فلسطينية متزايدة ومظلومية مزراحية، مما أدى بدوره إلى إعادة تشكيل بعض استراتيجيات وآليات، ومظاهر سياسات إسرائيل الإقليمية والتخطيطية والإنمائية. شهد كل من العرب والمزراحين زيادة في المطلق (إن لم يكن نسبيا) في معاييرهم الاقتصادية والاجتماعية، ويرجع ذلك جزئيا إلى سياسات التنمية الإسرائيلية. وبالمثل، فإن المقاومة الفلسطينية للاحتلال والاضطهاد الإسرائيليين، التي بلغت ذروتها في الانتفاضة الأولى التي اندلعت في الأراضي المحتلة في كانون الأول / ديسمبر 1987، عملت على إبطاء التوسع اليهودي في عدة مناطق، وأدت إلى اتفاق أوسلو لعام 1993، وحققت قدرا محدودا من الذات الفلسطينية .لكن هذه التغيرات، التي كانت مهمة، كانت لا تزال تحدث ضمن الحدود الثابتة للخطاب الصهيوني الاثنوقراطي المهيمن، حيث مازل الاستيطان والسيطرة اليهودية والاحتواء الإقليمي للسكان العرب، يشكل أهدافا قومية يهودية بلا منازع داخل الخط الأخضر وفي أجزاء كبيرة من الأراضي المحتلة، مثلما أوضحت ذلك بجلاء اندلاع الانتفاضة الثانية في أيلول / سبتمبر 2000 (56).
الخلاصة: لغز البنى المشوهة
حاولت ,أعلاه, سبر طبيعة النظام الإسرائيلي من منظور سياسي -جغرافي, و أظهرت أن هذا النظام السياسي شكلته ثلاث قوى رئيسية " إنشاء مجتمع استيطاني، قوة إثنية مستقطبة ، والمنطق الإثني لرأس المال" وقد خلق اندماج هذه القوى نظاما وصفته بأنه إثنوقراطي يمايز"الإثنوس" على حساب "الديموس" في الأراضي المتنازع عليها التي استولت عليها مجموعة مهيمنة. وهكذا فإن العلاقات الإثنية في إسرائيل قابلة للمقارنة مع غيرها من الإثنوقراطيات مثل ماليزيا وسري لانكا وصربيا وإستونيا، ولكن ليس مع الديمقراطيات الليبرالية الغربية، كما تقترحه في العادة الأدبيات البحثية و كما هو سائد في الخطاب الشعبي(57) .وبشكل أكثر تحديدا فيما يخص إسرائيل، أظهرت أن النظام فيها تشكل بصورة كبيرة عبر المشروع الإثنوقراطي لـ"تهويد" أرض إسرائيل / فلسطين. وتم شرعنة ذلك من خلال الحاجة إلى "توطين" اليهود "الذين لايملكون أرض" لإنجاز مزاعم تقرير المصير في الأرض . وقد أدى لاحقا زخم مشروع التهويد إلى فتق غلالة حدود الدولة، والدمج المستمر للمنظمات اليهودية خارج الإقليم في نظام الحكومة الإسرائيلية، والحكم العسكري المستمر والعنيف للأراضي الفلسطينية المحتلة، وما تلا ذلك من انهيار مبدأ المواطنة متساوية الحقوق, ويوفر مشروع التهويد كما بينت هذه الدراسة "جوهرا جينيا" لفهم النظام السياسي الإسرائيلي لأنه لم يقتصر على صياغة الصراع اليهودي – الفلسطيني فحسب ، بل صاغ أيضا العلاقات بين الأشكناز و المزراحي، وكذلك بين اليهود العلمانيين والأرثوذكس (58)..وبالتالي، فإن يكمن العامل الأساسي في فهم النظام الإسرائيلي في الكشف عن الوضع المؤسسي المتطور الذي يقدم نفسه على أنه ديمقراطي، ولكن في الوقت نفسه يسهّل الهجرة المستمرة لليهود - واليهود فقط - إلى إسرائيل، ويقوم بعملية نقل أحادي الاتجاه للأراضي من الأيدي العربية لقبضة اليهود . وهنا يمكننا أن نلاحظ أن الأسس القانونية والسياسية للدولة اليهودية خلقت بنية مشوهة تكفل استمرار الاستيلاء الإثني على دولة ثنائية الإثنية. وبمجرد أن تصبح هذه التركيبة قيد الاستخدام و التنفيذ تتحول إلى مرجعية مستقلة ، وتعزز وتدعم منطقها الخاص.
لكن الرأي السائد يعامل إسرائيل بشكل قاطع كدولة دیمقراطیة (59).وتزداد ھذه النظرة من خلال العمل الدائم للعديد من "الخصائص"الدیمقراطیة الھامة - التي تختلف عن "البنى" – لاسيما الخصائص السیاسية التنافسیة، والحقوق المدنیة السخیة، والقضاء المستقل، والإعلام الحر. على وجه الخصوص، تم تعزيز صورة إسرائيل الديمقراطية في الأكاديمية الإسرائيلية من قبل جميع العلماء تقريبا في الحقول الاجتماعية والعلوم والإنسانيات. ويستخدم العلماء الإسرائيليون مجموعة من التعاريف للنظام الإسرائيلي و تشتمل على تعاريف تمتد بين نظام ديمقراطي ليبرالي (60 ) إلى نظام ديمقراطية دستوري(61 ) و نظام ديمقراطي توافقي(62 )و نظام ديمقراطي إثني (63). وقد أدى سن قانونين أساسيين جديدين خلال التسعينيات إلى موجة من الكتابة تشيد بـ " الثورة الدستورية "كخطوة رئيسية نحو الليبرالية القانونية( 64 )حتى أن بعض الكتاب البارزين مثل عزمي بشارة وشلومو سويرسكي ويوري رام ويوآف بيليد ويوناتان شابيرو و يوري بن-إليعازر ما زالوا يعاملون" إسرائيل المعترف بها "(الوحدة المتخيلة داخل الخط الأخضر) باعتبارها نظاما ديمقراطيا وإن كان معيبا بشكل خطير (65) ,وقد استنكف معظم الكتاب الفلسطينيون عن تحليل الطبيعة الخاصة للنظام الإسرائيلي، على الرغم من ظهور العديد من التحديات الكبيرة التي تواجه التعريف الديمقراطي المشترك لإسرائيل ،وعلى الأخص ما كتبه كل من إيليا زريق (66)،و أسعد غانم ونديم روحانا، حيث يعرف هذين الأخيرين إسرائيل بأنها "دولة إثنية غير ديمقراطية"(67)
ومع ذلك، لم تنخرط أي من هذه الأعمال بجدية في تحديد العمليتين الجيو سياسيتين الرئيسيتين اللتين تشكلان النظام السياسي الإسرائيلي , وأقصد : التهويد المستمر للبلد ,، وغموض الحدود السياسية لهذا الكيان .حتى أن الكتاب البارزون يميلون إلى تجاهل التناقض بين تعريف إسرائيل داخل الخط الأخضر، ومكان إقامة أناس في الأراضي المحتلة خارج حدود الدولة ويعتبرون إسرائيليين بالكامل , وهذا ليس انحرافا طفيفا، بل هو شرط بنيوي يقوض المطالبة بنظام ديمقراطي. "إن إسرائيل المعترف بها" هي كيان سياسي وإقليمي لم يعد قائما منذ فترة طويلة، وبالتالي لا يمكن أن توفير وحدة مكانية مناسبة لتحليل طبيعة هذا النظام السياسي.ويشبه هذا الوضع في العديد من الطرق, اللحظة المهيمنة التي أشار لها غرامشي ,عندما تنتشر الحقيقة السائدة للنخب القوية في جميع أركان المجتمع، لتمنع صعود أصوات بديلة وإعادة إنتاج علاقات السلطة و المجتمع . ويبدو مما سبق أن هذه الهيمنة قد وصلت إلى أكثر المنابر المستنيرة والديمقراطية في المجتمع الإسرائيلي اليهودي.
كيف يمكن تفسير هذا اللغز؟ كيف يمكن لهذه الجهات المستنيرة التي تعلن عن نفسها كمساحة ديمقراطية أن تقوم "بتربيع دائرة" مقولة"اليهودي و الديمقراطي" مع استمرار عملية التهويد؟ أقترح هنا استعارة تماثل الخطاب الإسرائيلي اليهودي ألا وهو برج مائل مثل برج بيزا. مجرد أن يدخل المرء إلى داخله يبدو له مستقيما لأن الشبكة الهيكلية الداخلية هي تماما متعامدة و متوازية . وبالمثل، هو حال الخطاب الانطوائي عن الدولة اليهودية والديمقراطية: مجرد أن يصبح اليهود داخل هذا الخطاب فإن معظمهم سيتقبل الطابع اليهودي للدولة كنقطة انطلاق لا جدال فيها ، مثل الكثير من طبقات البرج المائل. ومن هذا المنظور، يبدو التهويد طبيعيا ومبررا، أو ربما لا يظهر على الإطلاق(68) .واستنادا إلى هذا الأساس المائل، أضافت إسرائيل قوانين وسياسات على مر السنين التي يمكن تشبيهها بجدران البرج. وبالنظر إلى الأساس المائل، لا يمكن بناء هذه الجدران إلا على زاوية، ومع ذلك لا تظهر مستقيمة إلا لمن هو في الداخل . يحتاج المرء أن يخطو خطوة إلى الخارج بعيدا عن المبنى المائل ويقيس إحداثياته إزاء المباني العمودية حقا من أجل تمييز التشويه. وفي القضية الإسرائيلية، على العلماء القفز خارج الخطاب اليهودي الإسرائيلي الداخلي وتحليل النظام الإسرائيلي بشكل منهجي إزاء المبادئ "المستقيمة" للدولة الديمقراطية (69).وفي هذا السياق، دعونا نستكشف بإيجاز مبدأ تقرير المصير الذي يشكل أساس السيادة الشعبية وبالتالي أساس الديمقراطية نفسها. ولأن الدولة الحديثة هي كيان قانوني، ولأن التعبير الكامل عن حق تقرير المصير هو حكم الدولة، فإن مثل هذا الحق ينبغي ممارسته على اساس الإقليم .
لكن إسرائيل تحافظ على كيان خالص (للشعب اليهودي) كمصدر لحق تقرير المصير، وبالتالي فهي تعرف الدولة بأنها "دولة الشعب اليهودي". و يظهر مثل هذا التعريف اللا إقليمي مشكلتين خطيرتين تعتوران الحكم الديمقراطي:
(أ)- مثل هذا التعريف سيمنع الإدماج السياسي الكامل لغير اليهود عن طريق تدهور وضعية جنسية الدولة (الإقليمية) (70)
(ب)-يساهم هذا التعريف في تعزيز عملية التهويد عبر الدور الذي يقوم به العالم اليهودي من خلال الهجرة و نقل ملكية الأراضي
و بالعودة إلى قضية فنلندة ,ربما تساعد في توضيح المشكلة: في ذات الوقت الذي أعلنت فيه فنلندة عن نفسها بأنها لوثرية ، فهي عرفت نفسها أيضا كمجتمع سياسي "فنلندي" (إقليمي) ,وعلى هذا النحو، يسمح للأقليات غير اللوثرية أن تعرف عن نفسها على أنها فنلندية بالكامل. و الآن , ونظرا لأن إسرائيل تعرف نفسها كدولة يهودية ( ليس على صعيد الإقليم) , ونظرا لأنه لا يمكن للعرب أن يصبحوا يهودا, فإن حقهم في المساواة في المواطنة مرفوض من الناحية البنيوية. ومن ثم، تتطلب الدولة الديمقراطية شكلا "إقليميا" لحق تقرير المصير الذي يمكن من خلاله إدراج الأقليات فيه بالتساوي في المجتمع المدني للدولة(71). وعليه سيلقي مثل هذا الاعتراف ظلالا من الشك على صحة أحد أهم التصريحات التي أدلت بها المحكمة العليا الإسرائيلية، حين أعلنت في العام 1988، أن "تعريف إسرائيل كدولة للشعب اليهودي لا ينفي طابعها الديمقراطي، بنفس الطريقة التي لا تنفي فيه فرنسية فرنسا طابعها الديمقراطي" (72). وهذا البيان ينطوي على تشويه مفاهيمي: فإذا كانت فرنسا فرنسية ، يجب على إسرائيل أن تكون "إسرائيلية" (وليست يهودية).ومن ثم، فإن الخروج خارج الخطاب الإسرائيلي - اليهودي الداخلي يكشف أن الحفاظ على شكل من أشكال تقرير المصير (غير اليهودي) غير الإقليمي ينتهك بنيويا المبادئ الأساسية للديمقراطية. وهو يشكل، بدلا من ذلك، أساس الإثنوقراطية الإسرائيلية اليهودية.
خاتمة: الإثنوقراطية وأراضي النقب
للخروج بنتيجة ,لنعد مرة أخرى إلى "خط المواجهة " لقضايا السيطرة على الأراضي في إسرائيل أعلنت الحكومة الإسرائيلية .منذ أيلول / سبتمبر 1997و في مناسبات عدة عن وضع استراتيجيات جديدة لعرقلة "الغزو العربي" لأراضي الدولة داخل الخط الأخضر، والحد من "المساكن البدوية" غير القانونية والبناء والرعي. في معظم الحالات، تشير "المساكن غير القانونية" و "الغزو العربي" إلى رموز تخص البدو المقيمين في الأراضي القبلية التقليدية والذين يقاوموا التجمع الطوعي في عدد قليل من البلدات التي تعينها الدولة في النقب والجليل. والاستراتيجية المعلن عنها حديثا هي الجمع بين تطوير المستوطنات اليهودية الصغيرة (وخاصة في التلال الشمالية الشرقية في النقب)، وإنشاء مزارع يهودية فردية، وبيع أراضي النقب لليهود واليهود المغتربين، وتطبيق أكبر ضغط ممكن على البدو للهجرة إلى البلدات التي خططتها الدولة. وكان البادئ في هذه السياسة (آنذاك) مدير مكتب رئيس الوزراء، أفيغدور ليبرمان، المهاجر من الاتحاد السوفياتي السابق والمقيم في مستوطنة يهودية في الأراضي المحتلة.إن إلقاء نظرة فاحصة على هذه الاستراتيجية الأخيرة للسيطرة على الأراضي يثير العديد من الأسئلة الصعبة حول افتراضاتها الأساسية: إذا كان العرب البدو مواطنون إسرائيليون -وهم كذلك بالفعل- فلماذا يعتبر استخدامهم لأراضي الدولة "غزو"؟ كيف تنجو قطاعات أخرى من المجتمع الإسرائيلي، مثل الموشاف والكيبوتس، التي تنشئ بشكل منتظم دون إذن من التخطيط، من معاملتهم باعتبارهم "غزاة"؟ . وبالنظر إلى أن البادئ في سياسة الاستيطان في الضفة الغربية (غير القانوني وفقا للقانون الدولي)، الذي هو في الواقع الغازي هنا؟ كيف يمكن لمهاجر حديث إلى البلاد أن يفرغ السكان الذين كانوا على الأرض لعدة أجيال، منذ فترة طويلة قبل إنشاء الدولة؟ كيف يمكن للدولة تأجير مساحات كبيرة من الأراضي للمنظمات غير اليهودية ومواصلة منع المواطنين العرب من استخدامها لأغراض سكنية؟(74)
في نهاية يوبيلها الأول، تبقى الخصائص الإثنوقراطية الإسرائيلية ظاهرة على السطح و تتمثل في : مشروع التهويد المستمر، والتقسيم الطبقي للحقوق الإثنية، وتضارب الحدود الجغرافية والسياسية، والمشاركة القانونية والمادية للمنظمات اليهودية من خارج الإقليم. وضد هذا الواقع، فإن العلماء والطلاب والنشطاء مدعوون للمساعدة في طرح الخطاب اليهودي المهيمن عن " الدولة اليهودية الديمقراطية "، والمشاركة في مهمة تحويل إسرائيل من إثنوقراطية إلى الديمقراطية
.....................................
عنوان المقالة الأصلي : ‘Ethnocracy’: The Politics of Judaizing Israel/Palestine
المؤلف: Oren Yiftachel
ترجمة:محمود الصباغ
ملاحظات
.................................
1 This paper was written during 1998, and most of it appeared as Yiftachel, O.‘”Ethnocracy”: the Politics of Judaising Israel/Palestine’, Constellations: International Journal of Critical and Democratic Theory, Vol. 6: 3: 364-390 (1998). I am grateful for the encouragement and comments received from Uri Ram, and for the useful remarks on earlier drafts received from Adriana Kemp, Yossi Yona, Michael Shalev, Asa’d Ghanem, Ian Lustick, Amnon Raz, and Nira Yuval-Davis.
2 IHC 6698/95, Ka’adan v. Israel Land Authority et al.
3 Here my work joins previous critiques of the Israeli regime see, for example, U. Ben-Eliezer, The Emergence of Israeli Militarism (Tel Aviv: Kibbutz Me’uhad 1995) (Hebrew) B. Kimmerling, ‘Religion, Nationalism and Democracy in Israel’, Zemanim 56 (1995): 116-131 (Hebrew) A. Ghanem, ‘State and Minority in Israel: The Case of Ethnic State and the Predicament of Its Minority,’ Ethnic and Racial Studies 21/3 (1998): 428-447 J. Shapiro, Democracy in Israel (Ramat Gan: Messada 1977).
4 Ashkenazi Jews (Ashkenazim in plural) are of European origins, while Mizrahi Jews (Mizrahim in plural, also termed Sepharadim´-or-Oriental Jews) hail from the Muslim world.
5 Following H. Lefebvre, The Production of Space (Oxford: Blackwell 1991).
6 See O. Yiftachel and T. Fenster, ‘Introduction: Frontiers, Planning and Indigenous Peoples’, Progress in Planning 47/4 (1997): 251-260.
7 G. M. Fredrickson, ‘Colonialism and Racism: United States and South Africa in Comparative Perspective’, in idem (ed.), The Arrogance of Racism (Middletown: Wesleyan University Press 1988) G. Shafir, Land, Labour and the Origins of the Israeli- Palestinian Conflict 1882-1914 (Cambridge: Cambridge University Press 1989).
8 D. Stasiulis and N. Yuval-Davis, ‘Introduction: Beyond Dichotomies: Gender, Race,Ethnicity and Class in Settler Societies,’ in D. Stasiulis and N. Yuval-Davis (eds.), Unsettling Settler Societies (London: Sage 1995). This broad classification fluctuates according to the specific circumstances of each settler society.
9 Y.N. Soysal,-limit-s of Citizenship: Migrants and Postnational Membership in Europe (Chicago: University of Chicago Press 1994).
10 A. Murphy, ‘The Sovereign State System as a Political-Territorial Ideal: Historical and Contemporary Considerations,’ in T. Biersteker and S. Weber (eds.), State Sovereignty as Social Construct (Cambridge: Cambridge University Press 1996).
11 M. Billig, Banal Nationalism (London: Sage 1995).
12 B. Anderson, ‘Introduction,’ in G. Balakrishnan (ed.), Mapping the Nation (New York: Verso 1996) W. Connor, Ethnonationalism: The Quest for Understanding (Princeton: Princeton University Press 1994) A.D. Smith, Nations and Nationalism in a Global Era (Cambridge: Polity 1995).
13 Stasilius and Yuval-Davis. ‘Beyond Dichotomies.’
14 For the global process, see D. Held, ‘The Decline of the Nation State,’ in S. Hall and M.Jacques (eds.), New Times: The Changing Face of Politics in the 1990s (London:Lawrence and Wishart 1990) D. Harvey, The Condition of Postmodernity (Oxford:Blackwell 1989). For its Israeli manifestations, see U. Ram, ‘Citizens, Consumers and Believers: The Israeli Public Sphere between Capitalism and Fundamentalism,’ Israel Studies 3/1 (1998): 24-44 G. Shafir and Y. Peled, ‘Citizenship and Stratification in an Ethnic Democracy,’ Ethnic and Racial Studies 21/3 (1998): 408-427.
15 The term ‘ethnocracy’ has appeared in previous literature see J. Linz and A. Stepan, Problems of Democratic Transition and Consolidation (Baltimore: Johns Hopkins University Press 1996), p. 69 J. Linz, ‘Totalitarian Vs Authoritarian Regimes,’ in F.Greenstein and N. Polsby (eds.), Handbook of Political Science (Reading: Addison Wesley 1975) A. Mazrui, The Making of Military Ethnocracy (London: Sage 1975) D. Little, Sri Lanka: The Invention of Emnity (Washington: US Institute of Peace 1994), p. 72. However, as far as I am aware, it was generally used as a derogatory term, and not developed into a model´-or-concept, as formulated here. For an earlier formulation, see my ‘Israeli Society and Jewish-Palestinian Reconciliation: “Ethnocracy” and Its Territorial Contradictions,’ Middle East Journal 51/4 (1997): 505-519.
16 As noted, ethnocracies have existed for long periods in countries such as Sri Lanka, Malaysia, and Northern Ireland (until 1968), and more recently in Estonia, Latvia, Slovakia, and Serbia.
17 Here the advent of ‘illiberal democracy’ (F. Zakaria, ‘The Rise of Illiberal Democracy,’ Foreign Affairs 76/6 (1997): 22-43) is instrumental, by establishing a regime with formal democratic appearance but with centralizing, coercive, and authoritarian characteristics. See also Y. Yona, ‘A State of all Citizens, a Nation-State´-or-a Multicultural State? Israel and the Boundaries of Liberal Democracy,’ Alpayim 16 (1998): 238-263 (Hebrew).
18 A. Gramsci, Selections from the Prison Notebooks (New York: International Publishers 1971) see also Lustick’s illuminating discussion of the notion of hegemony in his Unsettled States, Disputed Lands (Ithaca: Cornell University Press 1993).
19 B. Kimmerling, ‘Boundaries and Frontiers in the Israeli Control System: Analytical Conclusions,’ in B. Kimmerling (ed.), The Israeli State and Society: Boundaries and Frontiers (Albany: SUNY Press 1989).
20 This is supported by repeated statements of Israeli leaders. For example, Prime Minister Netanyahu claimed that ‘only one government has and will have sovereign power west of the Jordan’ (Ma‘ariv, 18 February 1998) similarly, Minster of Justice Y. Hanegbi claimed on 14 September 1998 (Channel One, Israeli TV) that ‘sovereignty in Eretz Yisrael will never be divided and will remain Israeli, and Israeli only.’
21 Israel’s Central Bureau of Statistics (CBS), Israel Yearbook (Jereusalem: Government -print-ers 1998) figures relate to 31 December 1997.
22 E. Rekhes, ‘The Moslem Movement in Israel,’ in E. Rekhes (ed.), The Arab Minority in Israel: Dilemmas of Political Orientation and Social Change (Tel Aviv: Dayan Centre, University of Tel Aviv 1991).
23 The differences from ‘typical’ European settler movements include Zionism’s nature as an ethno-national and not an economic project, the status of most Jews as refugees, the loose organization of diasporic Jewish communities as opposed to the well-organized metropolitan countries, and the notion of ‘return’ to Zion enshrined in Jewish traditions.
24 See, for example, Y. Cohen and Y. Haberfeld, ‘Second Generation Jewish Immigrants in Israel: Have the Ethnic Gap in Schooling and Earnings Declined?’ Ethnic and Racial Studies 21/3 (1998): 507-528 S.M. Lewi-Epstein and N. Semyonov, ‘Ethnic Mobility in the Israeli Labour Market,’ American Sociological Review 51 (1986): 342-351.
25 For the historical evolution of Israel’s ethnic political economy and labour relations in Israel, see L. Grinberg, Split Corporatism in Israel (Albany: SUNY Press 1991) M. Shalev, Labour and the Political Economy in Israel (Oxford: Oxford University Press 1992).
26 P. Lahav, Judgment in Jerusalem: Chief Justice Simon Agranat and the Zionist Century (Berkeley: University of California Press 1997).
27 The 1985 Law also disqualifies parties using a racist platform.
28 See D. Kretzmer, The Legal Status of the Arabs in Israel (Boulder: Westview 1990)Adalah, Legal Violations of Arab Rights in Israel (Sehfa’amre: Adalah 1998).
29 See B. Morris, Israel’s Border Wars, 1949-1956 (Oxford: Oxford University Press 1993).
30 According to Peled and Shafir (‘The Roots of Pacemaking: The Dynamics of Citizenship in Israel, 1948-93,’ International Journal of Middle East Studies 28 (1996): 391-413), the intensity of the Judaization project has slowed down recently, in part because of the global orientations of Israeli elites. But despite the decline, the logic of Judaization is still fundamental to Israeli-Jewish politics and should be treated as the historical ‘genetic core’ of the Israeli regime.
31 See U. Ram, ‘Zionist Historiography and the Invention of Modern Jewish Nationhood:The Case of Ben Zion Dinur,’ History and Memory 7/1 (1995): 91-124. Records show that Jews remained in the land of Israel for centuries after the destruction of the Second Temple, and in most cases emigrated voluntarily.
32 On policies affecting Palestinian-Arabs in Israel, see also G. Falah, ‘Israeli Judaisation Policy in Galilee and its Impact on Local Arab Urbanisation,’ Political Geography Quarterly 8 (1989): 229-253 I. Lustick, Arabs in the Jewish State: Israel’s Control over a National Minority (Austin: University of Texas Press 1980) S. Smooha, ‘Existing and Alternative Policy Towards the Arabs in Israel,’ Ethnic and Racial Studies 5 (1982): 71-98 O. Yiftachel, Planning a Mixed Region in Israel: the Political Geography of Arab-Jewish Relations in the Galilee (Aldershot: Avebury 1992) E.T. Zureik, Palestinians in Israel: A Study of Internal Colonialism (London: Routledge and Kegan Paul 1979).
33 I.e., the area of Israeli regional councils, where world Jewry organizations are part of most land leasing and ownership arrangments.
34 See S. Hasson, ‘Social and Spatial Conflicts: the Settlement Process in Israel During the 1950s,’ L’Espace Geographique 3 (1981): 169-179 Y. Gradus, ‘The Emergence of Regionalism in a Centralised System: The Case of Israel,’ Environment and Planning D: Society and Space 2 (1984): 87-100 S. Swirski and B. Shoshani, Development Towns: Toward a Different Tomorrow (Tel Aviv: Brerot 1985) (Hebrew).
35 See Falah, ‘Israeli Judaisation Policy in Galilee’ Lustick, Unsettled States, Disputed Lands D. Newman, ‘The Territorial Politics of Exurbanisation: Reflections on 25 Years of Jewish Settlement in the West Bank,’ Israel Affairs 3/1 (1996): 61-85 Yiftachel, ‘Israeli Society and Jewish-Palestinian Reconciliation.’
36 See Yiftachel, ibid.
37 There exists a wide body of literature which debates the characteristics of Israeli democracy, all assuming a priori that Israel is governed by such a regime. See A. Arian, The Second Republic: Politics in Israel (Tel Aviv: Zmora–Bitan 1997) B. Neuberger, Democracy in Israel: Origins and Development (Tel Aviv: Open University 1998) S. Smooha, ‘Ethnic Democracy: Israel as an Archetype,’ Israel Studies 2/2 (1997): 198-241.
38 For elaboration of the historical evolution of the Israeli-Jewish ‘ethnocracy’, see my ‘Israeli Society and Jewish-Palestinian Reconciliation’. A similar formulation of Israel as an ‘ethnic state’ can be found in N. Rouhana, Palestinian Citizens in an Ethnic Jewish State: Identities and Conflict (New Haven: Yale University Press 1997) Ghanem, ‘State and Minority in Israel.’
39 See D. Held, Models of Democracy (Stanford: Stanford University Press 1988) Linz and Stepan, Problems of Democratic Transition and Consolidation. Needless to say, pure democracy is never implemented fully, although Linz and Stepan list 42 countries which fall over a democratic threshold. We use the democratic model here as an analytical tool with which the Israeli regime can be examined.
40 A striking example of the involvement of world Jewry was the declaration by ultraorthodox Australian millionaire, and major donor to religious parties, David Guttnick, that he would work to ‘topple the Netanyahu government’ in case it decides to withdraw from Occupied Territories (Ha’aretz 14 August 1998).
41 Jewish settlements in the Occupied Territories were established under military rule the settlements are closed to Palestinian-Arabs.
42 For a thorough, ground-breaking analysis of the role of borders in Jewish politics, see A. Kemp, Talking Boundaries: The Making of Political Territory in Israel 1949-1957, PhD dissertation, Tel Aviv University, 1997 (Hebrew).
43 Most accounts of the Israeli regime, including critical analyses, have continued to treat Israel concurrently as (a) the land bounded by the Green Line, and (b) the body of Israeli citizens (including Jewish settlers of the Occupied Territories). This contradiction was rarely problematized in the literature. For examples of critical accounts which take this approach see Y. Peled, ‘Ethnic Democracy and the Legal Construction of Citizenship:Arab Citizens of the Jewish State,’ The American Political Science Review 86/2 (1992): 432-443 U. Ram, ‘Citizens, Consumers and Believers’ Rouhana, Palestinian Citizens in an Ethnic Jewish State Smooha, ‘Ethnic Democracy’. For earlier debates with this approach, see Kimmerling, ‘Boundaries and Frontiers in the Israeli Control System’ J.Migdal, ‘Society-Formation and the Case of Israel,’ in M. Barnett (ed.), Israel in Comparative Perspective (Albany: SUNY Press 1996).
44 See Kimmerling, ‘Religion, Nationalism and Democracy in Israel’ Y. Nevo, ‘Israel: From Ethnocracy to Theocracy,’ paper delivered at conference ‘The Conflictual Identities Construction in the Middle East,’ Van Leer Institute, Jerusalem, November 1998.
45 Quoted in Neuberger, Democracy in Israel, p. 41.
46 Interview of Rabbi Azran, Globs, 28 September 1998.
47 Kimmerling, ‘Religion, Nationalism and Democracy in Israel’ C. Liebman, ‘Attitudes Towards Democracy among Israeli Religious Leaders,’ in E. Kofman, A. Shukri and R.Rothstein (eds.), Democracy, Peace and the Israeli-Palestinian Conflict (Boulder: Lynne Reiner Publishers 1993).
48 See Y. Peres and E. Yuchtman-Yaar, Between Consent and Dissent: Democracy and Peace in the Israeli Mind (Jerusalem: Israel Democracy Institute 1998) S. Smooha, Arabs and Jews in Israel: Change and Continuity in Mutual Intolerance (Boulder, San Francisco,Oxford: Westview 1992).
49 See Migdal, ‘Society-Formation and the Case of Israel’ Peres and Yuchtman-Yaar, Between Consent and Dissent.
50 See Stukhammer, ‘Israel’s Jubilee and Haredi-Secular Relations from a Haredi Perspective,’ Alpayim 16 (1998): 219 (Heberw) see also a recent interview with the new leader of the Religious National Party, Rabbi Y. Levi, who claimed that the main goal of his party was to ensure the Jewishness of the state for future generations (Ha’aretz 12 August 1998).
51 As observed by E. Don-Yehiya (The Politics of Accommodation: Settling Conflicts of State and Religion in Israel (Jerusalem: Floresheimer Institute for Policy Studies 1997),the most striking feature of orthodox-secular relations is their cooperation, and not conflict, as the two groups differ sharply on most values, goals and aspirations. I suggest here that the central project of Judaizing the country has formed the foundation for this cooperation.
52 See E. Shohat, ‘The Narrative of the Nation and the Discourse of Modernisation: the Case of the Mizrahim,’ Critique (Spring 1997): 3-18 S. Swirski, Israel: The Oriental Majority (London: Zed 1989).
53 T. Bensky, ‘Testing Melting Pot Theories in the Jewish Israeli Context,’ Sociological Papers (Sociological Institute for Community Studies, Bar Ilan University) 2/2 (1993): 34-62.
54 Peled and Shaifr, ‘The Roots of Peacemaking.’
55 On protest and resistance in the Israeli peripheries, see my ‘Israeli Society and Jewish-Palestinian Reconciliation.’
56 For the events that led to the second Intifada and its short-term consequences, see:Yiftachel, O. (2004). "Contradictions and Dialectics: Reshaping Political Space in Israel/Palestine." Antipode 36: 607-613 and Yiftachel, O. (2001) ‘From ‘Peace’ to Creeping Apartheid: the Emerging Political Geography of Israel/Palestine’, Arena, Vol. 16: 3: 13-24. It can also be argued that the Oslo process has accelerated the process of Judaizing large parts of the Occupied Territories, by legitimizing the construction of further Jewish housing and pervasive land confiscation for ‘by-pass roads’. In this vein, the long closures of the territories, and the subsequent importation of hundreds of thousands of foreign workers to replace Palestinian labour, are also part of the post-Oslo process of Judaization.
57 For recent attempts to compare Israel to western democracies, see A. Dowty, The Jewish State: One Hundred Years Later (Berkeley: University of California Press 1998) G.Shefer, ‘Has Israel Really Been a Garrison Democracy? Sources of Change in Israel’s Democracy,’ Israel Affairs 3/1 (1996): 13-38.
58 I do not claim, of course, that the Judaization process can explain every facet of ethnic relations in Israel/Palestine rather, it is a factor which helped shape these relations while remaining largley overlooked in scholarly literature. But the Judazation process has also affected greatly power relations between groups not covered in this paper,including military-civil society, gender relations and local-central tensions see K.Ferguson, Kibbutz Journal: Reflections on Gender, Race and Nation in Israel (California,Trilogy Book 1993).
59 This includes some my own previous writings, such as Planning a Mixed Region in Israel (1992), where I classified Israel as a bi-ethnic democracy.
60 Neurberger, Democracy in Israel Shefer, ‘Has Israel Really Been a Garrison Democracy?’
61 S.N. Eisenstadt, The Transformation of Israeli Society (London: Weinfield and Nicholson 1985).
62 Don-Yihiya, The Politics of Accommodation Liebman, ‘Attitudes Towards Democracy among Israeli Religious Leaders’ D. Horowitz and M. Lissak, Trouble in Utopia: The Overburdened Polity of Israel (Albany: SUNY Press 1990).
63 Smooha, ‘Ethnic Democracy: Israel as an Archetype’ Shaifr and Peled, ‘The Roots of Peacemaking.’
64 See Arian, The Second Republic A. Barak, ‘Fifty Years of Israeli Law,’ Alpayim 16 (1998): 36-45 (Hebrew).
65 See A. Bishara, ‘On the Question of the Palestinian Minority in Israel,’ Teorya Uvikkoret (Theory and Critique) 3 (1993): 7-20 (Hebrew) U. Ben-Eliezer, ‘Is Military Coup Possible in Israel?’ Theory and Society 27 (1998): 314-349 Peled, ‘Ethnic Democracy and the Legal Construction of Citizenship’ Shapiro, Democracy in Israe Swirsky, Israel: The Oriental Majority Ram, ‘Citizens, Consumers and Believers.’
66 E. Zureik, ‘Prospects of Palestinians in Israel (I),’ Journal of Palestine Studies 12/2 (1993): 90-109.
67 See Ghanem, ‘State and Minority in Israel’ Rouhana, Palestinian Citizens in an Ethnic Jewish State.
68 Here we can note that the political disagreement between the Jewish left and right in Israel, which is often portrayed as a bitter rivalry, is not on the broadly accepted ‘need’ to Judaize Israel, but only on the desired extent of this project.
69 A step in this -dir-ection has already been taken cf. Ghanem, ‘State and Minority in Israel’ Rouhana, Palestinian Citizens in an Ethnic Jewish State Yiftachel, ‘Questioning “Ethnic Democracy”,’ Israeli Studies 3/2 (1998): 253-67.
70 This affects adversely the political rights of Israeli-Jews too, as it undermines the extent of their own sovereignty.
71 Political theorists discuss in recent debates the possibility of cultural´-or-linguistic forms of self-determination, which may be non-territorial (see W. Kymlicka, Multicultural Citizenship: A Liberal Theory of Minority Rights [Oxford: Clarendon Press 1995]). However, these forms also allow the possibility of civil entrance into the collectivity. This is different in Judaism, which is neither territorial, cultural´-or-linguistic, and thus prevents the possibility of civil inclusion.
72 Neiman v. Central Elections Committee, Judgment of the then High Court President,Justice M. Shamgar.
73 On this issue, see detailed analysis by T. Fenster, ‘Settlement Planning and
Participation Under Principles of Pluralism,’ Progress in Planning 39/3 (1993): 169-242.
74 The government’s new strong-arm approach became evidently clear in early April,1998, when three homes built by Beduoin on private Arab land in the Galilee were demolished. The event was followed by demonstrations and strikes, and community efforts to rebuild the homes.
#محمود_الصباغ (هاشتاغ)
Mahmoud_Al_Sabbagh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟