|
المصالحة الفلسطينية في ميزان الأمن القومي العربي
أ. محمد عمارة
الحوار المتمدن-العدد: 5660 - 2017 / 10 / 5 - 10:35
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تسكن آمال المصالحة الفلسطينية عقل وقلب كل وطني فلسطيني، وقد احتلت المصالحة مساحات كبيرة جداً في تفكير وقلق وأحلام الوطنيين، وسكنت ما بين ذلك في نفوس وعقول آخرين شكلاً من المصالح الفردية سواءً الشخصية أو الإقليمية، وشكلاً من الرعب والقلق السياسي لدولة كإسرائيل، فواجهت المصالحة عبر محطات ومراحل العمل والسعي من أجلها عمليات اجهاض كثيرة فكان هَم كثير من اللاعبين في الساحة الفلسطينية يتراوح ما بين محاولات كسب فضل السبق في إنجاز المصالحة تحت مظلة الجغرافيا السياسية لإعادة تقدير مكانة هذه الدولة أو تلك في قيادة هذا المحور السياسي أو ذاك، ومحاولات أخرى كان تقود إلى الإبقاء على حالة الانقسام الفلسطينية لأنها تغذي دور ومصالح هذا الطرف أو ذاك في مواصلة إدارة الظهر لاستحقاقات عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، أو بين أخرى تسعى بدواعي استمرار وحماية المقاومة وسلاح المقاومة، وبين من هم على حق لا نقاش فيه بالسعي لحماية أمنهم القومي وسلامة أراضيهم مما أصاب الوطن العربي من تقتيل وهدم وخراب وتدمير تحت مظلة ما يسمى بـ "الربيع العربي". لا يختلف اثنان على أن جماعات الإسلام السياسي وعلى رأسهم الإخوان قد لعبت الدور الأساسي فيما أصاب الوطن العربي من خراب بتواطؤ ودعم أنظمة لا يلوح أمام ناظرها إلا رؤية ذاتها في مرآتها المقعرة، وبتوظيف مالها السياسي الذي عبأ جيوب وخزائن جماعات الإسلام السياسي وغيرهم، ونفخ من كروش قادتها، وخان وتآمر على مصالح وأهداف أمتنا العربية والإسلامية، وكشفت فيها تلك الجماعات عن ما تخفيه معتقداتها وفتاويها الدينية غير المؤصلة، وأفكارها وأجنداتها السياسية الخارجية مع تلك الأنظمة التي بالوضع الطبيعي لا تمتلك إلا القليل من المقومات الاستراتيجية للدول التي تسمح لها بالمنافسة على تولي دور إقليمي عربي حيوي، أمام مثال استراتيجي كجمهورية مصر العربية على سبيل المثال لا الحصر. لقد عبرت المصالحة الفلسطينية مختلف هذه المراحل وموجات التطرف التي لعب فيها تنظيم الإخوان العالمي دوراً حيوي ورئيسي، استخدم فيه تنظيم الإخوان أذرعه في دول الوطن العربي من ليبيا إلى تونس إلى مصر، ومن سوريا إلى اليمن للوصول إلى السلطة والسيطرة على مقاليد الحكم فيها وقد سبق هذا كله الانقلاب على الشرعية الفلسطينية في غزة عام 2007، إلا أن التجربة فاضت بالفشل وطوفان الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والجيوسياسية حتى جاءت إدارة الرئيس ترامب إلى كرسي البيت الأبيض ليعيد النظر فيما تجري عليه التحولات في منطقة الشرق الأوسط وهذا لا ينفي النهم والطمع المالي والاقتصادي لإدارة الرئيس الأمريكي الجديد في الشرق الأوسط وتحديداً في الدول النفطية الخليجية. إن صياغة المصالح القومية بحاجة إلى قامات سياسية قومية سواء دولٍ أو نُظمٍ أو قيادات، بمعنى أنه عندما تكون المصالحة الفلسطينية شأن قومي بامتياز وحلقة من حلقات الأمن القومي العربي فإن تنظيم وإدارة وإنجاز هذه المصالحة لا يكون إلا عبر مستويات قومية صاحبة قرار ودلالة بما يتعلق بالأمن القومي العربي ككل وليس أفراد وتنظيمات، وهذا أحد الأسباب في رَدَّ قضية المصالحة إلى الفاعلين الأساسيين أصحاب القرار والدلالة في الأمن القومي العربي جمهورية مصر العربية، والسلطة الوطنية الفلسطينية، وحركة حماس كنظام أمر واقع وليس كتنظيم. أمام هذا كله تنبري أسئلة وتنبؤات كثيرة من أصحاب مصالح وهم كثر، ومراقبين، ومحللين حول مستقبل المصالحة الفلسطينية وآفاق نجاحها، حيث هناك من أخرج وأقصي من الحسابات القومية جزئياً أو كلياً وكُفَت يده عن مجريات المصالحة تحسباً من الإضرار بالأمن القومي العربي كمفهوم وسلوك وهذا ما يحسب فضلاً لجمهورية مصر العربية، وفي مقدمة تلك الأضرار إصابة مستقبل القضية الفلسطينية بالمقتل إذا ما ترك للمال السياسي اللعب بمصير الشعب الفلسطيني، وهو المال الذي سيعيد فتح مزاد ما يسمى بالربيع العربي من جديد، وهذا ما تفتحت عليه أعين ووطنية القيادة الشابة في حركة حماس وعلى رأسها رئيس المكتب السياسي في غزة الأخ يحيى السنوار الذي استخلص العبرة والدرس بموضوع امتلاك وممارسة السلطة ومقبوليتها وتكلفتها، وأهمية مواجهة الفساد السياسي والمالي داخل حركة حماس، وما ينطوي على ذلك كله من أهمية في إعادة النظر والتفكير بدور وعلاقة حماس في فلسطين بتنظيم الاخوان العالمي وفي مصر على حدٍ سواء، وإعادة تنظيم صفوفها على قاعدة المسؤولية في حماية المصالح القومية العربية والوطنية الفلسطينية. ليس بسياق التشاؤم أو التفاؤل المفرط بل بمنظار " التشاؤل" فإن الإحساس موجود بأن هناك من سيلعب الدور القديم الجديد في تخريب مساعي وجهود المصالحة سواءً إسرائيل وأدواتها، أو ممن لهم ارتباطات اقليمية خارج مفهوم وحدة وسلامة الأمن القومي العربي، وهي الارتباطات والمصالح التي ستدفع بأولئك إلى الدفاع عن مصالحهم التنظيمية والمالية وحبهم لامتلاك السلطة وجني منافعها على حساب أهلنا وشعبنا في غزة خصوصاً وعلى حساب قضيتنا الوطنية الفلسطينية عموماً. إن استقرار المصالحة ونفاذها فقط بتكريس الوحدة الوطنية بألوان الطيف السياسي، ورفع درجة الثقة بهذه الوحدة هو السبيل إلى المساهمة بدفن التطرف والتخريب وأدواته، وتجفيف مستنقعات المال السياسي لتحقيق مفهوم وحدة وسلامة الأمن القومي العربي، ولتعود القضية الفلسطينية مركز اهتمام ودعم شعوبنا العربية والاسلامية دون التدخلات بالاتجاهين، فلا أمن قومي عربي ولا إقليمي أو دولي دون حل لقضية الشعب العربي الفلسطيني بدولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، إن عدم تمكين الشعب الفلسطيني من حقه بتقرير مصيره وانجاز دولته الفلسطينية المستقلة سيفتح أمام مكونات الشعب الفلسطيني بوابات التوظيف السياسي نحو التطرف والإرهاب. هذا لا يعني أننا لا ندرك ونعي حجم الأزمة والدمار بالوطن العربي الذي يشكل وشكل دوماً عمقاً قومياً للقضية الفلسطينية، وهذا الإدراك والوعي يتطلب من الكل الفلسطيني أولاً قبل غيره أن يتجاوز الماضي ولا ينكأ الجراح، وأن يقف على مسافة واحدة من علاقاته مع الدول والشعوب العربية، وأن يعيد النظر في برامجه السياسية، وتقييم أدوات نضاله بكل مرحلة، وإعادة بناء هياكله الوطنية التنظيمية والمعنوية على أسس نضالية وحدوية تراعي التحولات بالمنطقة، كما تراعي امكانيات وقدرات شعبنا وكيفية إدارتها وتوظيفها في خلق صمود مقاوم، وهذا لا يتأتى بدون تنظيم وإدارة سياسية ملتزمة وحكيمة، وعدالة التوزيع، والمشاركة السياسية وهنا تتعزز المطالبة بإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني على أساس شراكة الدم والقرار. إن مسار المصالحة الفلسطينية محدد نحو تجديد الشرعيات الوطنية الفلسطينية وهذا حق من حقوق المواطنة، ونحو شراكة الدم والقرار بأن فلسطين وطن الجميع، فلم ولن تكن المصالحة على أنها محاصصة، المصالحة خيار شعبي وليس حزبي فقط، المسؤولية الوطنية الجماعية والفردية هي صمام الأمان لأمننا الوطني كمقدمة لأمننا القومي العربي.
#أ._محمد_عمارة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مشهد ناري مضاء بالمشاعل على مد النظر.. شاهد كيف يحيي المئات
...
-
من الجو.. نقطة اصطدام طائرة الركاب الأمريكية والمروحية العسك
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تسلّم الرهينة الإسرائيلية في قطاع غزة
...
-
ضغوط وحرب نفسية وسياسية.. ما المراحل المقبلة من تنفيذ اتفاق
...
-
سقوط قتلى إثر تحطم طائرة على متنها 64 شخصا بعد اصطدامها بمرو
...
-
تواصل عائلات الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة دعوة حكوم
...
-
تحطم طائرة ركاب تقل 64 شخصًا بعد اصطدامها بمروحية عسكرية في
...
-
مبعوث ترامب يوجه رسالة لمصر والأردن
-
أنباء عن وجود بطلي العالم الروسيين شيشكوفا وناوموف على متن ط
...
-
شبكة عصبية صينية أخرى ستضرب إمبراطورية ترامب للذكاء الاصطناع
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|