أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سليمان الهواري - حكايا من همس الذاكرة 1 ** رحلة الوجع ما قبل الأخيرة














المزيد.....

حكايا من همس الذاكرة 1 ** رحلة الوجع ما قبل الأخيرة


سليمان الهواري

الحوار المتمدن-العدد: 5660 - 2017 / 10 / 5 - 01:53
المحور: الادب والفن
    


حكايا من همس الذاكرة 1
*****************
رحلة الوجع ما قبل الأخيرة
**********************
هذه المرة ليست كسابقاتها ..
يبدو انها الرحلة الاخيرة و رائحة الموت تأكل كل شيء في القبيلة " الدشر" ..
خطاه الثقيلة تنقله تائهة دون وجهة داخل الغرفة التي كانت تؤوي زوجته فطيمة وابنه الوحيد "حمو" .. سماه حمو على اسم ابيه الذي كان يهابه الجميع لبأسه و شدته .
" ماتت المسكينة من الجوع " .. قالها وهو يحدث نفسه ،
ماتت بعد ثلاثة اشهر من موت رضيعها "حمو" وقد جف ضرعها ، و الخيمة فرغت من كل شيء قابل للأكل .. أمه "الغالية" أرهقها العمر و تكالب الزمن و سنين القحط و "علي الاكبر" أخوه البكر الذي لزمته الحمى لأكثر من عام و هو تحت لهيب الهذيان ، لم تنفع معه كل اعشاب "جبيل العافية" ولا تلاوة القرآن التي يرقيه بها كل ليلة خاله "عمار " .. لكنه لم يمت كما كان يجب ان يفعل ، و لو مات لكان أفضل له و للغالية أمه وللجميع ، لكنها الهموم عندما تقصد بيتا تتلذذ بالانتشار في أدق تفاصيله الصغيرة وكأن العدل خلق فقط في اقتسام الأحزان ..
عام الجوع أو عام الفناء و الموت .. انقطع المطر من السماء وكل محصول الارض كان بلا حبوب ، لا شعير و لا عدس و لا حمص ، أطلق الناس عليه عام "البون" لأن الحاكم الفرنسي جعل لكل خيمة " بونا " ورصيدا مقننا من الشعير و الذرة و بعض سكر ، رصيد لا يكفي لملئ بطن جوع ليلة .. فنفقت الماشية و الأبقار .. ماتت النساء و الاطفال .. وغادر شبان الجبال المنهكة بالقحط مداشرهم الى المدن القريبة، ومنهم من وصل مشيا على الاقدام الى مدينتي مغنية وتلمسان الجزائريتين ..
كل شيء يوحي بالموت في القبيلة ..
أحمد يحمل "أقراب" ؛ جرابه الذي يضع فيه ما تبقى من ملابس و أثر المرحومة ، يحملها معه زادا يرافقه الى المدينة .
قلبه ينبض بقوة غريبة وكل الدموع تغزو عينيه ، لكنها ترفض ان تطلق سراحه و تسيل على خديه ، تتراكم غما في شرايينه وهو يستند الى جدار التراب الآيل للنحيب .. هنا تكاد تنطق جنبات البيت بأنين ذكريات القبيلة الملئى بالوجع .
" الصاف " أو جبل البرانص أمامه لم يتغير وصخوره الصلبةالتي شهدت يوما زحف " الريافة " على على " القشلة " الفرنسية التي تعتليه .. ثكنة المعمر الفرنسي لم يعد اليها احد بعد المعركة التي فاجأ فيها رجال مولاي عبد الكريم الخطابي عساكر الفرنسيين ليلا وهم نيام الا من بعض الحراس .. كانوا يتسلقون الجبل كما الماعز حسب وصف من شهد المعركة ، وما ان يصل أحدهم الى جندي فرنسي حتى يلتحم معه في عناق استشهادي و يرمي بنفسه من أعلى " الصاف " يتدحرجان معا من أعلى حتى اسفل الصخور .. قصص المجاهدين الريافة هنا لا تنتهي و هم يزرعون الرعب في جيش الفرنسيين و ساليكان و البياعة معاونيهم من أبناء القبائل ..
كل هذه الصور كانت تتوالى أمام عيني أحمد وهو ينظر الى هضبة " التول " خلفه .. وأمامه طريق طويل الى سوق " أحد راس الوادي " .. جبل "المغارة " صعب الوصول و سلوكه محفوف بكل المخاطر وقد لاذ به كل قطاع الطرق والهاربون من جحيم القياد وحكم القبائل ..
لم يكن أمام " أحمد د حمو " خيار آخر سوى المشي هذه الكيلومترات الخمسة عشر والوصول الى السوق قبل آذان المغرب هناك على الأقل سيجد أقواما يشبهونه في الهروب و سيتمكن ببضع فرنكات من قضاء ليلة آمنة جنب الحمير والبهائم وروائح المتعبين و بضاعاتهم البئيسة ، حتى مطلع الفجر ..
تفحص أحمد مرة أخرى " أقراب " واطمأن لمؤونته التي سيسد بها رمقه طيلة الرحلة ، وهي عبارة عن " كرونة " عبارة عن خبزة كبيرة خبزتها له أمه الغالية ، وكيس صغير فيه بعض زيتون أسود وقليل من التين الجاف و الشريحة ..
" يا فتاح يا رزاق " ..
نطقها أحمد عاليا وهو ينهض واقفا ..
عانق طريق سوق الأحد وهو يكاد يسمع في أذنيه هدير محرك الحافلة التي ستنقله في رحلة العذاب الطويلة الى مكناس .." الله ينعل الشيطان " ..
الآن فقط تذكر أنه منذ دفن فطيمة زوجته لم تلمس جبهته الارض ولا صلى أية ركعة ..
" الله ينعل الشيطان "
*** سليمان الهواري .. حكايا من همس الذاكرة / 3اكتوبر 2017***



#سليمان_الهواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اعترافات .. من خارج زمن الحب 1-5
- اعترافات .. من خارج زمن الحب 6-10
- اعترافات .. من خارج زمن الحب 11-15
- اعترافات .. من خارج زمن الحب 16-21
- عشق مهرب .. على حافة الوطن
- حكاية الغول
- والله أنا أشتاق
- فردة حذاء ..
- عندما يشنق الفراش
- خبريني .. يا بنت الشمس
- شواظ ٌٌمن أنثى
- كون ديت على راسي ..
- رحمك الله يا رشيد
- كأس خمرهذا المساء
- سيليا يا سيليا
- أيا لائمي في جنوني
- كيف أحبك الليلة ؟
- أنا لا أشتاقك ..
- أَحِنُّ ..
- سيدة الإرواءِ


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سليمان الهواري - حكايا من همس الذاكرة 1 ** رحلة الوجع ما قبل الأخيرة