أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - غازي الصوراني - ملامح التحول والتغير في البنية الاجتماعية في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ 1994 – 2017















المزيد.....



ملامح التحول والتغير في البنية الاجتماعية في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ 1994 – 2017


غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني


الحوار المتمدن-العدد: 5656 - 2017 / 10 / 1 - 16:51
المحور: القضية الفلسطينية
    



اول سبتمبر 2017

 
إن تشخيصينا لملامح التحول والتغير للبنية الاجتماعية في الضفة وقطاع غزة ما بعد قيام السلطة، ثم على أثر الانقسام والحصار العدواني الإسرائيلي، اظهر مجموعة من الحقائق والمؤشرات الدالة على طبيعة التشكل الطبقي في بلادنا، وآثار ونتائجه السياسية المرتبطة بالمتغيرات الاجتماعية، وبالتالي فإنني أعتقد بأن دورنا في الجبهة الشعبية يتجلى تحديداً في استيعاب هذه المتغيرات ووعيها بكل تفاصيلها لكي تكون منطلقاً لنا – في المرحلة الراهنة والمستقبل القريب- لكي نعزز نضالنا السياسي التحرري والديمقراطي، وذلك انطلاقاً من ادراكنا ورؤيتنا بأن النضال الديمقراطي الهادف إلى تحقيق مصالح الجماهير الشعبية هو المدخل الرئيسي والشرط الأول لالتفاف تلك الجماهير والتحاقها في مسيرة النضال الوطني التحرري :
1-    نشوء شريحة بيروقراطية- كمبرادورية نافذة في القرار السياسي ومرتهنة بالتمويل الأمريكي الأوروبي ومتساوقة مع الرؤية السياسية الإسرائيلية بهذا القدر أو ذاك، وهذه الشريحة هي حامل اقتصادي اجتماعي وليس مجرد قيادة سياسية.
2-    تزايد مظاهر الانحطاط السائد في المجتمع الفلسطيني، بسبب التبعية والتخلف والفقر وانسداد الأفق السياسي، وما ستؤدي إليه هذه الحالة من الانهيار التدريجي في النسيج الاجتماعي في ظل انحسار الآمال الوطنية الكبرى أو المأزق المسدود بتأثير مباشر للانقسام ومن ثم اشتداد الحصار وتكريسه، وتحويل القسم الأكبر من المجتمع، خاصة في قطاع غزة إلى حالة قريبة من اليأس والانهيار على الصعيدين الاجتماعي والسياسي بعد أن فرض على شعبنا أن يدخل في متاهة صراع داخلي يضاف إلى قهر وظلم الاحتلال، لن يخرج منه احد رابحاً سوى العدو الإسرائيلي المنتشي بتحقيق أطماعه تحت غطاء هذا الانقسام الذي حقق هدف العدو في تقويض أمن ومستقبل الإنسان الفلسطيني ومن ثم تقويض الأساس المادي والمعنوي لضمان حياته ومصدر رزقه .
3-    تميز التطور الاجتماعي في شكله وجوهره، بطابع تراكمي كمي مشوه، بحيث لم يستطع أن يفرز بوضوح ملموس أية أطر برجوازية تنويرية أو ليبرالية، فكرية، أو ثقافية معاصرة، وبقيت القيم والأفكار القديمة والتقليدية الموروثة سائدة في أوساط الوعي الاعتيادي (العفوي) للجماهير الشعبية بالرغم من بعض أوجه الحداثة الشكلية المستوردة التي أسهمت في تعميق حالة التبعية والتخلف الاجتماعي إلى جانب الهبوط السياسي .
4-    بروز المؤشرات السلبية الخطيرة على العاطلين عن العمل بسبب فقدانهم للأمن الاجتماعي ونظرتهم السوداوية وفقدانهم الثقة بالآخرين واضطرابهم النفسي والسلوكي وتزايد حدة توترهم العائلي ورغبتهم في الانتقام، وما يؤدي إليه كل ذلك  من تراجع القيم الأخلاقية والتربوية في الأسرة وتدهور العلاقة بين الأب والأبناء مع تزايد حالة الاكتئاب النفسي لدى الأب أو المعيل الرئيسي، وهي حالة طبيعية حين يعجز الأب العاطل عن تأمين احتياجات أسرته وأطفاله ويشعر بفقدانه لقيمته الاجتماعية كأب مما يؤثر في علاقته بالآخرين.
5-   جرى عن وعي تفكيك الأركان الأهم في المجتمع السياسي الفلسطيني التي تأسست في زمن الاحتلال، الحركة النقابية العمالية والحركة النسوية وقوى اليسار الفلسطيني، الأمر الذي مهد الطريق لصعود الإسلام السياسي، خاصة بعد تقهقر وارتداد اتجاهات واسعة في القيادة اليمينية "البرجوازية" في م.ت.ف، خاصة بعد اعترافها الصريح بدولة العدو الإسرائيلي.
6-   في ضوء تكريس الانقسام وتفكك النظام السياسي، تسود مجتمعنا اليوم سلوكيات أنانية تتسم بالراهنية والتركيز على حل قضايا الأجل القصير دون أن تعطي الاهتمام المطلوب لقضايا المستقبل، ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال تفاقم مظاهر التخلف الاجتماعي، وتراجع العلاقات القائمة على أساس المشروع الوطني والتعددية الديمقراطية لحساب قيم النفاق والإحباط والقيم الانتهازية والمصالح الشخصية بدلا من قيم التكافل والتضامن والمقاومة . ترافق إلى جانب ذلك، غياب المجتمع السياسي الفلسطيني ليحل محله – في الفترة الأخيرة، قبل وبعد الانقسام – مجتمع محكوم بالصراع والاستبداد والخوف والتعصب الديني اللاعقلاني، ومحكوم أيضاً بالمصالح والثروات الشخصية، على قاعدة أن السلطة مصدر للثروة وليست مصدرا للنظام والقانون والعدالة – إلى جانب الجرائم والانحرافات بكل أنواعها الأخلاقية والمجتمعية التي لم يعرفها مجتمعنا من قبل.
7-    تفاقم النزعة الاستهلاكية لدرجة أن ينفق المجتمع الفلسطيني حوالي 4.5 مليار سنوياً فيما ينتج نصفها فقط ناهيكم عن تزايد مساحات الفقر وارتفاع الأسعار وتفاقم البطالة، الأمر الذي منح القوى السياسية المدعومة مالياً –في سلطة الحكم الذاتي- تربة خصبة لشراء الذمم وتجييش المحاسيب.
8-    برجزة القيادة السياسية، حيث يتبدى للعيان الثراء الفاحش على فريق سلطة أوسلو وأجهزتها وإتباعها، إلى جانب الامتيازات ومستوى الدخل المريح للقيادات والكوادر المتقدمة ولكافة الفصائل الوطنية وأصبحت مذيلة تماماً للسلطة وسياساتها الهابطة ارتباطاً بتلك المصالح والامتيازات، بما في ذلك عدد لا يستهان به من الكوادر والقيادات في فصائل المعارضة اليسارية التي استفادت من نظام التبعيات في السلطة في الوظائف العليا خصوصاً، ناهيكم عن.
9-    تطورت العلاقات الاجتماعية في اتجاه تبلور مجتمع طبقي مشوّه، وتابع، في سياق نسيج اجتماعي متنوع في سماته الطبقية بين القديم والحديث والمعاصر، رغم توحد معظم اطرافه في الموقف الوطني العام ضد العدو الصهيوني، والاحتلال، مع الاخذ بعين الاعتبار تباينات هذا الموقف ودرجاته بين القوة والضعف وبين مصداقيته العالية لدى الجماهير الشعبية الفقيرة وتضحياتها اللامحدودة من ناحية ومصداقية الاطراف الطبقية الاخرى وسقفها الهابط والمحدود وفق مصالحها من جهة ثانية.
10-   برغم تزايد مظاهر التخلف والانحطاط الاجتماعي وما رافق ذلك من توزع الولاءات الشخصية والعشائرية والاستزلام، في المناطق الشعبية الفقيرة بصورة خاصة، إلا أن الانقسام الاجتماعي الداخلي، في جوهره وحقيقته الموضوعية يعبر عن نفسه في صفوف أبناء شعبنا، في الضفة والقطاع، على قاعدة توزع السكان في السُلَّم الطبقي أو الاجتماعي، بين القلة من الأغنياء، والأغلبية الساحقة من الفقراء .
11-   تزايد انتشار الفقر الذي لم يتوقف عند الفقر المادي أو الفقر في الدخل, بل تخطى هذه الحدود إلى الفقر في احترام القانون والنظام والقيم، وتزايد التفاوت اتساعا بين مستويات المعيشة، وخاصة في مناطق شمال وجنوب الضفة وخاصة طولكرم وجنين، وفي جنوب القطاع وبصورة خاصة في خانيونس ورفح. إلى جانب ذلك نلاحظ استمرار التفاوت الاجتماعي – في سياق التخلف التاريخي- بين الجنسين لصالح الذكور بصورة صارخة .
12-   نتيجة تراكمات السنوات الخمس عشرة الماضية، تسود مجتمعنا اليوم، خاصة بعد الانقسام بين "شرعيتين" متصارعتين في الضفة والقطاع وما أدى اليه من مظاهر القلق والإحباط واليأس، سلوكية أنانية تتسم بالراهنية أو اللحظة، تهتم بحل القضايا الحياتية الانية على حساب القضايا الوطنية الكبرى، فمع تزايد تلك المظاهر إلى جانب التخلف الاجتماعي، تراجعت العلاقات القائمة على أساس المشروع الوطني والعمل الحزبي المنظم – وتراجع دور الأحزاب الوطنية عموما واليسارية خصوصا– لحساب مشاعر الإحباط والقلق والتذمر واليأس السائدة في الأوساط الشعبية التي لم تعد تحرص على المشاركة في العمل السياسي من منطلق النضال التحرري والديمقراطي، واكتفت بالمشاركة في هذا العمل عبر الالتحاق أو التواصل مع احد القطبين، ارتباطاً بتأمين لقمة العيش والمصالح الخاصة وما تفرضه هذه العلاقة من دفاع هذه الأوساط الشعبية عن سياسات وممارسات القطب الذي تنتمي إليه في الضفة أو في قطاع غزة، ما يعني اننا نعيش حالة من الانحطاط عنوانها سيادة وانتشار قيم النفاق والإحباط بدلا من قيم التكافل والتضامن والصمود والمقاومة. ترافق إلى جانب ذلك، انهيار المجتمع السياسي الفلسطيني ليحل محله مجتمع محكوم بالإكراه أو بالمصالح الفئوية أو الحزبية لقطبي الصراع، في الضفة والقطاع رغم اختلاف الآليات والبرامج والاهداف في كل منهما.
13-    تضخم نسبة العاملين في القطاع الحكومي إلى حوالي 15.4% من إجمالي القوى العاملة الفلسطينية، وإلى 26.5% من إجمالي العاملين بالفعل في الضفة والقطاع كما في منتصف عام 2016، حيث يقدر اجمالي عدد الموظفين في حكومتي الضفة وغزة، بحوالي (200) ألف موظف مدني وعسكري، منهم (42) ألف يتقاضون رواتبهم من "حكومة" حماس، و (158) ألف من حكومة رام الله، منهم (100) ألف في الضفة و (58) ألف في قطاع غزة.
14-   آثار الانقسام على التربية والتعليم من حيث محاولات تعديل المناهج من قبل حكومة السلطة / رام الله كاستجابة للشروط الأمريكية الإسرائيلية، أو من حيث سيادة المنطق الأصولي الغيبي في قطاع غزة عبر سياسات وممارسات حكومة حماس التي- أدت فيما أدت إليه – إلى تغيير بعض المناهج والكتب الدراسية وفق رؤاها السياسية والدينية، الأمر الذي أدى إلى تراجع قيم التنوير والديمقراطية والعقلانية والحداثة بصورة غير مسبوقة في مجتمع قطاع غزة .
15-   دفع الحصار الإسرائيلي بنحو 84% من الأسر الفلسطينية إلى تغير أنماط حياتها فيما تنازل 93% منهم عن المتطلبات المعيشية اليومية، وعبر 95% عن استيائهم الشديد لتحويل القطاع إلى سجن كبير كما تؤكد تقارير "برنامج غزة للصحة النفسية" وغيرها من التقارير الصادرة خلال أعوام 2009 - 2015، وفي هذا السياق نشير إلى تأثير الحصار على المرضى وخاصة مرض الفشل الكلوي والسرطان والمرضى المحولين للخارج ، إلى جانب نسب النقص في الأدوية وانقطاع التيار الكهربائي عن المستشفيات، كما أثر الحصار على البيئة حيث يؤكد العديد من المصادر أن مياه البحر تلوثت بشكل حاد حيث تصب فيه 50% من مياه الصرف الصحي (ما يعادل 77 مليون لتر من المياه العادمة).
16-   انعكاس الآثار السلبية للحصار والعدوان على الأطفال من النواحي الصحية والاجتماعية والنفسية، حيث تشير نتائج دراسة د.سمير قوته إلى أن 51% من الأطفال لم تعد لديهم الرغبة في المشاركة في أية نشاطات وأن 47% منهم لم يعودوا قادرين على أداء الواجبات المدرسية والعائلية، وأصبح 48% منهم يعانون من أمراض سوء التغذية إلى جانب بروز علامات الخوف والقلق على 61% منهم[1].
17-   انتشار ظاهرة التسول المباشر وغير المباشر بصورة غير مسبوقة وخاصة بين الأطفال دون الخامسة عشر في شوارع غزة وخانيونس ورفح بعد أن فقدوا بهجة الحياة نتيجة الحصار والفقر وسوء التغذية الذي أدى إلى انتشار أمراض فقر الدم (الانيميا)  في المناطق الفقيرة، وفي هذا السياق تظهر نتائج مسح القوى العاملة للعام 2014 أن نسبة الأطفال العاملين (10-14 سنة) 1.6% أما الاطفال في الفئة العمرية (15-17 سنة) فبلغ حسب الجهاز المركزي للاحصاء 7.5% ، أما بالنسبة للأطفال العاملين وغير الملتحقين بالتعليم ، فقد بلغت في الفئتين العمريتين 16.2% و 30.8% على التوالي[2]  – الاطفال دون سن 18- العاملين بأجر أو دون أجر بلغت 3.7 % أو ما يعادل (70300 طفل) من إجمالي عدد الأطفال في الضفة والقطاع البالغ 1.9 مليون طفل.
18-   خطوات "حكومة حماس" خلال عامي 2008/2009 في إزاحة رموز الفساد والفلتان العشائري وعصابات تهريب المخدرات في قطاع غزة، قد أراحت سكان قطاع غزة بعد أن فرضت نوعاً من الانضباط فيه، لكن حكومة حماس بدأت عبر أجهزتها طوال سنوات الانقسام اللاحقة حتى منتصف عام 2017 ، كما سارت في ممارسة أشكال جديدة من الاعتقال وكبت الحريات والآراء، ما جعل الشعب الفلسطيني يضع حماس وحكومتها جنباً إلى جنب مع فتح وسلطتها أو حكومتها، خاصة بعد أن اتضح لأبناء شعبنا أن العديد من ممارسات حكومة حماس لا تختلف اليوم عن ممارسات السلطة، ما يعني أن حماس وقعت في محظور ممارسات البذخ وشراء الشقق والأراضي والسيارات والمرافقين إلى جانب ممارسة الاستبداد وقمع الحريات العامة وحرية الرأي بذرائع دينية في مجتمع قطاع غزة المحافظ على التقاليد الدينية تاريخياً دون أشكال التعصب أو الانغلاق، إن النتيجة الحتمية لهذا المسار الاجتماعي، تقضي بأن تحل روح الخضوع محل روح الاقتحام وروح المكر محل روح الشجاعة وروح التراجع محل روح المبادرة وروح الاستسلام محل روح المقاومة، وتبعاً لذلك فإن "القوي المسيطر لا يواجهونه مواجهة مباشرة، بل يستعينون بالله عليه، كما في القول "اليد التي لا تستطيع كسرها بوسها وادعي عليها بالكسر" ففي حالة الإحباط تتراجع قيم مقاومة الظلم لحساب الخضوع كما في القول المأثور "العين ما بتقاوم المخرز" أو المخرز حامي والكف طري"، فقط المواجهة تكون مع الأضعف، وحين تسود هذه الخصائص أو السلوكيات فإن القوى يأكل الضعيف بغير حق في كل الأحوال.
19-   تزايد انتشار البطالة في أوساط الشباب أدى إلى السرقات والجرائم وانتشار المخدرات بكل أنواعها (الحشيش والبانجو والهروين وحبوب الاترمال وغير ذلك) والانحرافات الأخلاقية والاجتماعية والأمنية التي أدت إلى الإخلال بالأمن الاجتماعي، إلى جانب سعي القسم الأكبر من الشباب للهجرة إلى الخارج هروباً من هذا الواقع.
20-   بذريعة الحصار، أصبح التهريب عبر الإنفاق وغيرها في قطاع غزة خصوصا، ظاهرة "مشروعة" يتهافت عليها أصحاب المصالح والمحتكرين والزعران إلى جانب تهافت العمال المعدمين العاطلين عن العمل الذي تعرض العشرات منهم للموت للحصول على لقمة العيش، في ظل صمت الأجهزة الأمنية أو تواطئها، وقد أدى التهريب والأنفاق إلى خلق حالة من الحراك الاجتماعي الشاذ الذي أفرز شرائح اجتماعية عليا أو ما يطلق عليهم الأثرياء الجدد أو أثرياء الحرب والسوق السوداء إلى جانب شريحة من العمال المعدمين الذين اضطروا للعمل في الأنفاق في ظروف أمنية معقدة بسبب مخاطر العدوان الإسرائيلي المتواصل على الأنفاق، ودون أي شكل من أشكال الحماية والضمانات الاجتماعية، وفي ظروف بالغة السوء من النواحي الصحية إلى جانب مخاطرها التي أدت إلى وفاة أكثر من 250 عامل من هؤلاء حتى نهاية عام 2016 بسبب عدم توفر الحد الأدنى من الوسائل المطلوبة لتأمين حياة العاملين في الأنفاق، الذين بلغ عددهم حوالي 15 ألف عامل، وتراجع هذا العدد إلى أقل من ثلاثة آلاف بعد أن قامت الحكومة المصرية بضرب واغلاق معظم الانفاق بعد عام 2014.
21-   تردي أحوال الصيادين وبائعي السمك وعمال الصيد ( حوالي 4000 صياد يعيلون حوالي 25 ألف نسمة) تدهورت معيشتهم بسبب الحصار الإسرائيلي سواء عبر حرمانهم من الصيد أو تعطيل حركتهم أو تهديدهم بالقتل، وارتفعت البطالة في صفوفهم بعد أن فرض عليهم الصيد في الأيام المسموح بها –في مسافة (3) أميال فقط رغم أن اتفاق أوسلو سمح لهم بالصيد لمسافة (20) ميل بحري.
   كل ما تقدم، وغيره الكثير من التفاصيل الحياتية المجتمعية، يؤكد على ثقل العبء الذي يجب ان تتحمله القوى الوطنية الفلسطينية عموماً وقوى اليسار الفلسطيني خصوصاً، حيث ان دوره في الجانب الاجتماعي والديمقراطي والتنوير العقلاني لا يقل أهمية وخطورة عن دوره في جانب التحرر والنضال الوطني.
 
وفي هذا الصدد ، فانني اعتقد ان الاغلبية الساحقة من ابناء شعبنا الفلسطيني في الوطن والمنافي تستشعرُ في هذه اللحظة مرارةَ الانقسامِ والصراعِ الداخليِ على السلطة والمصالح الفئوية بين فتح وحماس، الذي أدى الى تفكيك وتهشيم الافكار الوطنية التوحيدية وما نتج عنها من حالة تختلط فيها مشاعر الضياع والتوهان والقلق والاحباط واليأس بعد ان تم ازاحة وتفكيك الرؤى الوطنية والاخلاقية الثورية والعلاقات الديمقراطية لحساب مفاهيم الانحطاط الاجتماعي والاستبداد والقوة الاكراهية ومراكمة المفاهيم الاخلاقية البائسة والانتهازية التي ترعرعت في مجتمعنا خلال سنوات الانقسام الماضية وابرزها ، الاتكالية او اللامبالاة ،واليأس من الوصول الى حل سياسي عادل في ظل استمرار التفاوض العبثي مع العدو الصهيوني او استمرار الحديث عن الهدنة الطويلة معه ، الى جانب اليأس من تحقيق الحد الادنى من الوحدة الوطنية ورفض قيادة م.ت.ف ورئيسها تفعيل الاطار القيادي لمنظمة التحرير، الى جانب تزايد الافقار والبطالة ووقف عملية الاعمار ،واستشراء القوانين الجائرة ضد مصالح الفقراء وليس آخرها قانون حماس بتحصيل الضرائب على السلع والبضائع في قطاع غزة، ، وفي مثل هذه الاوضاع اغلقت سبل الخلاص الوطني وانتقلت مسيرةِ النضال الفلسطيني من حالة الأزمة التي واكبت هذه المسيرة في اكثر من محطةٍ فيها، إلى حالة المأزق التي يصيبُ اليومَ بُنيانَها وقيادتَها وفكرَها السياسي، وهو مأزقٌ حاد يحملُ في طياته مَخاطرَ أكبر من كل المحطات المأزومةِ السابقة، خاصةً في ظل استمرار هذا الانقسام البشع، الذي أدى إلى تفكيكِ أوصال شعبنا الفلسطيني، الذي يبدو أنه ينقسم ويتشظى اليوم إلى عدة مجتمعات متناثرة مجزأة ، الضفة في واد وغزة في واد آخر ومخيمات الشتات في وديان العرب و اراضي 1948 في واد، لا يجمعها موقف او برنامج سياسي موحد ، بحيثُ يمكن الاستنتاج ، أن ممارسات كل من فتح وحماس، ستعززُ عوامل الانفضاض الجماهيري عنهما وصولاً إلى حالةٍ غير مسبوقةٍ من الإحباط واليأس ، كما هو حال قطاعات واسعة من شعبنا اليوم في قطاع غزة على وجه الخصوص، حيث باتت قضيتنا اليوم محكومةً لقياداتٍ سياسيةٍ استبدلت–في معظمها- المصلحة الوطنية العليا برؤاها وبمصالحها الفئوية الخاصة .
ان رفضنا لثنائية فتح وحماس، ينطلق من إدراكنا لهما باعتبارهما جزءاً من الإشكالية أو الأزمة الراهنة، لكنهما لا يمثلان ولا يُجسدان وحدهما مشروعنا التحرري الوطني... هنا تتجلى أهمية وضرورة الحوار الوطني الشامل لكي نستعيدَ وحدَتَنَا وتعدُديتنا وفق قواعد الاختلاف الديمقراطي، بما يُمكننا من بناء رؤية إستراتيجية لنضالنا التحرري والديمقراطي.
ان المرحلة الراهنة، بكل محدداتها ومتغيراتها العربية والاقليمية والدولية، تشير بوضوح على أن آفاق النضال القطري الفلسطيني مسدودة، مهما كانت بطولة المناضلين و جدية القادة، فكيف إذا كانت البنية والنهج يعانيان من أزمات مستعصية مرتبطة اما باليمين السياسي/ فتح او باليمين الديني السياسي/ حماس او بكلاهما معاً.
هذا يعني أننا أمام معسكرين للثورة المضاده وليس معسكراً واحداً : هناك أولاً، معسكر النظام القديم، أي الثورة المضادّة التقليديّة، كما توجد ثانياً قوى رجعيّة ذات طابعٍ دينيّ، رعتها أساساً الأنظمة لتشكّل ثقلاً موازناً لليسار، لكنها نمت وانقلبت ضدّ هذه الأنظمة.
مساعي السلطة الفلسطينية واهية تماماً، وكذلك الأمر بالنسبة لحركة حماس وليس أمام الشعب الفلسطيني من خيار سوى تفعيل وتطوير النضال الديمقراطي والسياسي ومقاومة الاحتلال في الضفة الغربية خصوصاً بحيث يستعيد زخم انتفاضة سنة 1988 المجيدة.
المطلوب هو تشكيل قوى ائتلافية تقدّمية وشبابية قادرة على أن تشقّ طريقاً خاصاً بها وأن تتفادى التأرجح في التحالف أو التأييد لكل من حماس من ناحية أو لفتح والسلطة من جهة ثانية ، لذلك علينا في الجبهة الشعبية ان نخرج من هذا القفص ونبني بديلاً جذرياً عن الطرفين، السلطة/فتح و القوى الدينية.
  وهنا بالضبط تتجلى مهمتنا في ادراك طبيعة هذه المرحلة والقوى السياسية والطبقية المؤثرة فيها، ومن ثم العمل على استنهاض اوضاعنا الذاتية، في موازاة تفعيل العلاقة الجدلية بين نضالنا الوطني وبعده القومي العربي عبر رؤية وبرنامج وآليات عمل تتطلع للمستقبل ولا ترتهن لضغوطات وادوات الهبوط في هذه المرحلة، وفي هذا السياق نحذر بأن استمرار الحالة المأزومة، البنيوية، الشاملة، الراهنة، المنتشرة في صفوف قوى وأحزاب اليسار في بلادنا ستؤدي بالضرورة إلى إنهيارها واسدال الستار عليها، ما لم يبادر المثقف العضوي الملتزم، بالمعنى الفردي والجمعي، الى اعادة الاعتبار لمفهوم اليسار ومضمونه التنظيمي والفكري، الاشتراكي العلمي الصريح ومنهجه المادي الجدلي تمهيداً لاحياء وتجدد دور اليسار العربي الموحد الذي سيتحمل وحده استنهاض الحالة الجماهيرية الشعبية وكسر وازالة حالة التبعية والخضوع والارتهان وبناء المجتمع العربي الاشتراكي الديمقراطي.
لقد قامت صيغة م.ت.ف على أساس تحالف قوى مختلفة بهدف تحرير فلسطين. وإذا كانت قيادة حركة فتح تعتبر أنها القائدة لأنها "فجرت المقاومة"، "أطلقت الرصاصة الأولى"، فقد إنبنى القبول بقيادتها وبهيمنتها على فكرة أننا نمرّ بمرحلة تحرر وطني تقتضي قيادة "البرجوازية". وبالتالي فقد قبلنا التعامل مع هذه  القيادة، لكننا فشلنا في وقف آلياتها للسيطرة على القرار السياسي. لكن ظل هدف التحرير هو الموحد والمبرر لهذه العلاقة التي تكونت في إطار م.ت.ف. وهذا ما أوصلنا إلى ما نحن فيه، لأن هذه القيادة المهيمنة انتقلت من السعي لتحرير فلسطين إلى الحل المرحلي وفق أوسلو ثم إلى القبول باتفاقات وآي ريفر وشرم الشيخ وتفاهمات "ميتشيل"  و "تينيت" و " خارطة الطريق " و "رؤية بوش " و"باراك أوباما" وصولاً إلى ما يسمى بـ"صفقة القرن" كما عبر عنها الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"  دون أي أفق للتقدم صوب الحل العادل، بل المزيد من بناء المستوطنات والجدار ومصادرة الأراضي والتوسع الصهيوني في الضفة الغربية ، وكل هذه الخطوات أو التراجعات الخطيرة تمت بالتوافق والتكيف بين قيادة م.ت.ف والبلدان العربية الرجعية والتابعة .
في ضوء ذلك نسأل مجدداً ، هل ظل مفهوم مرحلة التحرر في ظل قيادة م.ت.ف صحيحاً؟ فهل ظلت قيادة فتح/ السلطة معنية بمواصلة النضال لإزالة المستوطنات وطرد المحتل، ومن ثم تحقيق المشروع الوطني والدولة المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس ؟ لقد أصبحت سلطة وتمارس على هذا الأساس، ومصالحها الخاصة هي التي باتت تحركها وليس القضية الوطنية ووضعت كل أوراقها في السلة الأمريكية. واعترفت بالدولة الصهيونية متنازلة عن 80% من فلسطين وأكثر ، ومستمرة بالتنسيق الامني معها، إلى جانب اعتقال المقاومين وإدانة النضال ضد الاحتلال كما جرى تجاه عملية مسجد الاقصى مؤخراً.
وهي أيضاً – كما أوضحنا في العديد من أدبيات الجبهة - على استعداد للتنازل عن قضية اللاجئين، وهي مستمرة  في سياسة التفاوض التي أعطت الدولة الصهيونية كل الوقت من أجل إكمال السيطرة على الأرض وإكمال الجدار والتحكم بالضفة الغربية، وسمحت –بوعي مع سبق الإصرار- بتشكيل أجهزة أمنية هي في خدمة الولايات المتحدة والدولة الصهيونية، بذريعة حماية السلطة والدفاع عنها.
إذن، على ماذا يمكن أن نتقاطع معها؟ على حق العودة والدولة المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس؟ فقد بدت هذه بالنسبة لأبو مازن وقيادة فتح أمراً مستحيلاً بدون المزيد من التنازلات الاستسلامية، لهذا تقبل التنازل عن حق العودة وعن الحدود كما كانت يوم 4/حزيران/1967 وبالتالي فهي ضد تصعيد النضال الفلسطيني في الضفة الغربية، ليس العسكري فقط بل والشعبي كذلك.
أما بالنسبة لحركة حماس، ويمكن أن نتحدث طويلاً عن حماس، لكن يمكن القول بأنها تحمل مشروعاً آخر، يرى الأمور من زاوية أصولية دينية تفرض عليها موضوعياً ، ان تخضع لمنطق أيديولوجي يُغَلّب العقيدة على ما عداه، بحيث تسعى إلى إحلال هوية الإسلام السياسي محل الهويتين الوطنية والقومية، وهي هوية دينية لم يتغير جوهرها في وثيقتها الجديدة الصادرة في حزيران 2017، وكل ذلك في سياق ترابطها العضوي المباشر وغير المباشر مع شرائح وفئات كمبرادورية ومالية وعقارية وطفيلية، إلى جانب سعيها للارتباط بدويلات الخليج والسعودية، فهي إذن ، في الجوهر لا تختلف عن الطبيعة السياسية والطبقية لقيادة م.ت.ف، وان اختلف الشكل السياسي الظاهري بينهما ، وذلك باستمرار الصراع والتفاوض علناً، كما هو الحال مع قيادة فتح و م.ت.ف، أو سراً كما هو حال حركة حماس بالتنسيق مع تركيا وقطر والسعودية ومصر، وبالتالي يبدو أن الفرصة أمام حركة حماس باتت مهيأة لها –بعد لي عنقها أو تقديم التنازلات المطلوبة منها للسير على نفس نهج أبو مازن، مع بقاء هامش لاستمرار الاختلاف الجوهري في المنطلقات السياسي والاجتماعية بين يمين علماني ويمين ديني، إلى جانب حرصها حتى اللحظة ، دون اعلان صريح أو مباشر، كما ألمحت وثيقتها الجديدة، ان تكون بديلاً لمنظمة التحرير الفلسطينية أو الاعتراف بها وبدولتها في غزة، وكل هذه التنازلات تتم تحت غطاء الإسلام السياسي المعتدل بدعم تركيا والدول العربية الرجعية والتابعة، وعلى قاعدة فقهية تقول إن الضرورات تبيح المحظورات (حسب الشيخ القرضاوي) بما يحقق هدف الولايات المتحدة وإسرائيل في إسدال الستار على م.ت.ف لحساب مشهد الإسلام السياسي المعتدل الجديد في فلسطين.
وإذا كانت حماس قد لعبت دوراً بارزاً في المقاومة، فقد أصبحت معنية اليوم بتعزيز سلطتها بعد أن أصبحت في الحكومة، وأن تجلب الاعتراف العربي والدولي والأمريكي والإسرائيلي بها كقوة سياسية مشروعة قادرة على فرض الإستقرار والأمن  بعد أن قدمت البرهان في قطاع غزة ، ولقد هيأت لذلك بالقبول في دولة في الضفة الغربية وقطاع غزة وفق وثيقتها الصادرة في حزيران 2017.
نستنتج من كل ذلك ، أن التجربة السياسية الفلسطينية منذ مدريد وواشنطن وأوسلو إلى الانقسام الراهن ، أوضحت فشل السياسة التي قامت على شعار العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة وعاصمتها القدس، والقائمة على قرارات الشرعية الدولية، خاصة وأن قيام هذه "الدولة" مرتبط بالتخلي عن حق العودة وتقرير المصير بالقبول بما تقرره الدولة الصهيونية مدعومة من قبل الإمبريالية الأميركية في إطار ما يسمى بالحل المتفق عليه لمشكلة اللاجئين.
وبالتالي فإن موقفنا يجب أن ينطلق من استمرار نضالنا من أجل تحقيق هدف الدولة الفلسطينية كحل مرحلي لا يلغي اطلاقاً نضالنا من أجل الحقوق التاريخية في فلسطين التي  تفترض استعادة فلسطين بإنهاء الدولة الصهيونية. هذه هي المسألة الجوهرية رغم ضخامتها، أو رغم التشكيك الذي يطالها لأن ميزان القوى الآن لا يساعد على تحقيقها. فنحن من يجب أن يعمل على تعديل ميزان القوى لكي تصبح ممكنة. وميزان القوى ليس مرتبطاً بالوضع الدولي، فهذا عنصر مساعد مهما بلغت أهميته في هذه الفترة أو تلك، بل مرتبط بقوى الشعب. وعبر الترابط مع نضالات الشعوب العربية من خلال قواها وأحزابها الوطنية الديمقراطية اليسارية.
هذه هي النقطة التي يجب أن ننطلق منها، وهو الأمر الذي يفرض الربط بكلية الوضع العربي، أي بالنضال العربي ككل، شرط أن يكون النضال الفلسطيني في طليعته ، انطلاقاً من أن الصراع هو صراع الطبقات الشعبية في الوطن العربي ضد السيطرة الإمبريالية بما فيها الدولة الصهيونية كونها أداة في مصلحة الشركات الاحتكارية الإمبريالية.
المهمة الملحة إذن هي إعادة بناء ذاتنا /حزبنا الجبهاوي وفق أسس ومنطلقات مبادئنا وأهدافنا الوطنية والقومية الأممية ، والمساهمة في بناء الكتلة التاريخية بمشاركة قوى اليسار الفلسطيني والمثقفين اليساريين والديمقراطيين برؤية وبرامج نقيضة لكل من فتح وحماس.
وهنا يتجلى دورنا في الجبهة الشعبية لكي نكون قادرين على دمج كل المناضلين الجديين، وفق رؤية تطرح للنقاش ، تقوم على :
1)    أن الصراع هو صراع الطبقات الشعبية العربية ضد السيطرة الإمبريالية الصهيونية، والنظم الكومبرادورية التابعة. وهنا يجب أن يتحدد دور الطبقات الشعبية الفلسطينية في إطار هذه الرؤية/ الإستراتيجية.
2)      إعادة بناء العلاقة مع الطبقات الشعبية الفلسطينية في كل مناطق تواجدها انطلاقاً من هذه الأسس، وتوحيد نشاطها من أجل النهوض بالنضال من جديد، وتفعيل نشاطها ضد الاحتلال بمختلف الوسائل الممكنة وفقاً للظروف في كل فترة.
3)    أن لا حل إلا بإقامة الدولة الفلسطينية الوطنية كاملة السيادة وعاصمتها القدس ، كحل مرحلي لمواصلة النضال من أجل إنهاء الدولة الصهيونية. وأن البديل للدولة الصهيونية العنصرية، هو إقامة دولة فلسطين الديمقراطية لكل سكانها وحل المسألة اليهودية وفق هذا المنظور.
 
ذلك أن الضياع في تفاصيل الوضع اليومي لن يقود سوى إلى التأخر عن البدء من البداية الصحيحة، وربما الفشل النهائي الذي سيفرز بدوره مزيداً من الفرص لقوى اليمين في فتح وحماس أو كليهما صوب مزيد من التمدد والانتشار، ما يعني إمكانية توفير المزيد من عوامل التراجع التنظيمي والجماهيري بالنسبة لنا في الجبهة ، وهو أمر نرفضه بصورة كلية واثقين من إمكانية تجدد دورنا الطليعي في هذه المرحلة وفي المستقبل إرتباطاً بإلتزامنا بالأسس السياسية والفكرية والتنظيمية التي نؤمن بها ونناضل من أجل تحقيقها .
اشير بوضوح شديد إلى أن كافة التحديات التي يواجهها شعبنا اليوم لن تدفعه الى اليأس او الاستسلام أو تثنيه عن المواجهة.. تحديات الانقسام والصراع الفئوي على السلطة والمصالح بين فتح وحماس.. تحديات الاستبداد والفساد والظلم وغياب الديمقراطية.. تحديات النضال من أجل الحرية والتحرر الوطني ..تحديات وقف تراجع وهبوط م.ت.ف ومفاوضاتها العبثية.. تحديات اعادة بناء م.ت.ف .. تحديات كامب ديفيد وأسلو ثم اتفاق وادي عربة الذي أكد في نصوصه على توطين اللاجئين الفلسطينيين في الأردن نهائياً ، بل إن النظام العميل في الأردن قدم قطعة أرض صغيرة لكل أردني من أصل فلسطيني إذا ما تم ابراز شهادة بأنهم لا يملكون أي قطعة أرض في المملكة ... تحديات اوضاع الوطن العربي الذي لم يعد وطناً بل عالماً افتراضياً.. تحديات التفكك والصراع الطائفي الدموي في البلدان العربية .. تحديات الاستسلام العربي الرسمي للصهاينة.. تحديات الإعمار والحصار في غزة أكبر سجن غير مسقوف في العالم.. تحديات معبر رفح والجدار العازل والحواجز .. وتحديات القدس والتواصل مع الاهل في الضفة والشتات تحديات البطالة وعمالة الاطفال.. تحديات المياه غير الصالحة للشرب.. تحديات الظلام والساعات الطويلة من انقطاع التيار الكهربائي.. تحديات العدوان الصهوني الذي تتحدث عنه صحف العدو في التلويح باحتلال غزة .
ففي ظل استمرار تراجع القوى الوطنية الفلسطينية والعربية(بمختلف الوانها واطيافها) ، وفي ظل استمرار الانقسام والصراع على المصالح الفئوية بين فتح وحماس في ظروف دولية وعربية واقليمية أفقدت الفلسطينيين بوصلتهم وقدرتهم على فرض رؤيتهم وقرارهم الوطني من اجل الحرية والاستقلال والعودة ،ومن ثم تكرست الهيمنة الخارجية على راهن القضية الفلسطينية لإفراغها من مضامينها واهدافها النضالية التحررية ، تلك الهيمنة يتزعمها اليوم التحالف الامريكي الصهيوني والقوى الاقليمية خاصة تركيا ، الى جانب معظم بلدان النظام العربي الرسمي ودعوته الصريحة للاعتراف والتطبيع مع دولة العدو الصهيوني .
ففي مثل هذه الحالة من الانحطاط والخضوع العربي الرسمي للمخططات الامبريالية الصهيونية، يبدو ان عنوان المرحلة الراهنة هو : الانتقال من التسوية الى التصفية للقضية الفلسطينية بالتعاون مع عدد من الفلسطينيين من اصحاب المصالح الانتهازية ، فقدوا وعيهم الوطني بذريعة ما يسمى بالتسوية او ما يسمى بالعملية السلمية او بذريعة الاعتدال ، وكلها ذرائع لا تخرج ولا تتناقض مع شروط العدو الصهيوني الامريكى وتركيا والسعودية ودويلات الخليج التي تتوزع الادوار المشبوهة فيما بينها .
ان هذا الوضع الكارثي الذي يحيق بقضيتنا الوطنية وبمجمل الاهداف التي ضحى مئات الالاف من ابناء شعبنا من اجلها ، يفرض إعادة نظر جذرية بالنسبة لطبيعة القوى- وخاصة الفلسطينية - التي أوصلتنا إلى هذه اللحظة ، لأن يأسها و مصالحها الخاصة هو الذي بات يحركها وليس القضية الوطنية، ما يؤكد على ان الحلقة الخبيثة لمسلسل التنازلات على يد اليمين الانتهازي الفلسطيني المستسلم (بكل تلاوينه ومسمياته وافراده وجماعاته) هي بمثابة بئر بلا قرار، وإن المآل الذي وصلته قضيتنا الوطنية، يشير إلى وهم الحصول على دولة في الضفة الغربية وقطاع غزة، بينما الدولة الصهيونية تسرق الزمن من أجل فرض شروطها في ظل المأزق الفلسطيني الراهن.. دون الغاء وتجاوز الحديث او التخطيط لاقامة دويلة ممسوخة في قطاع غزة .. لذلك لا بد من المجابهة لانهاء وتجاوز الانقسام الكارثي لكي نستعيد وحدتنا الوطنية التعددية على قاعدة الالتزام العميق بالثوابت والاهداف الوطنية ومواصلة النضال التحرري والديمقراطي بكل اشكاله من اجل الحرية والاستقلال والعودة ، ولا سبيل امامنا سوى الحوار الوطني الديمقراطي الشامل بمشاركة كافة القوى والشرائح المجتمعية الوطنية ، فاما الحوار الوطني الفلسطيني الشامل والاتفاق على انهاء وتجاوز الانقسام والمأزق الراهن أو أن نتحول جميعا إلى عبيد أذلاء في بلادنا بعد أن نخسرها ونخسر أنفسنا وقضيتنا .
في ضوء ما تقدم ، اعتقد اننا جميعاً ندرك طبيعة المسار السياسي الهابط الذي بدأه الرئيس الراحل أبو عمار، واستكمله بصورة رثه استسلامية خليفته الرئيس أبو مازن، ما يعني ادراكنا للنتائج الشديدة الخطورة التي تتعرض لها قضيتنا الوطنية، وهو ما يدعو إلى مواصلة النضال حتى تحقق أهداف شعبنا في الحرية والدولة المستقلة كاملة السيادة كحل مرحلي، وفق الرؤية النقيضه –بصورة ديمقراطية- لكل من فريقي اليمين في حركتي فتح وحماس.
أخيراً، قد نتفق على أن هذه البديهيات تدعونا –كقوى يسارية- لإعادة تجديد رؤيتنا ودورنا المستقبلي، وهي عملية تندرج تحت بند "الضرورة التاريخية" للتيار الوطني الديمقراطي عموماً ولليسار خصوصاً في فلسطين والوطن العربي، انطلاقاً من قناعاتنا بأن النظام السياسي العربي في واقعه الحالي من الخضوع والتبعية والارتهان والتخلف هو جزء تابع للمنظومة الإمبريالية في بلادنا، لذلك فإن المهمة العاجلة لكافة القوى التقدمية الديمقراطية العربية عموماً ، والفلسطينية خصوصاً، أن تعيد النظر في الرؤية الاستراتيجية الوطنية ببعديها السياسي والمجتمعي ، بما في ذلك فكرة الحل المرحلي أو ما يسمى بحل الدولتين، الذي بات واضحاً حجم التزايد في الوعي السياسي الفلسطيني عموماً ، وفي أوساط بعض الكوادر والنخب السياسية الفلسطينية ضدهُ من حيث وهم هذا الحل أو استحالة تطبيقه في ظل هيمنة التحالف الامريكي الصهيوني، الأمر الذي يستدعي العمل على بلورة الرؤية الإستراتيجية المشار إليها، انطلاقاً من إعادة احياء وتجدد الوعي بطبيعة الدولة الصهيونية، ودورها ووظيفتها كمشروع إمبريالي لا يستهدف فلسطين فحسب، بل يستهدف –بنفس الدرجة- ضمان السيطرة الإمبريالية على مقدرات الوطن العربي واحتجاز تطوره ، وتكريس تبعية وتخلف وإفقار بلدانه وشعوبه، وهذا يعني أن الصراع مع المشروع الصهيوني هو صراع مع النظام الرأسمالي الإمبريالي من أجل تغيير وتجاوز النظام العربي الكومبرادوري الراهن كمهمة إستراتيجية على طريق النضال ضد الدولة الصهيونية وإزالتها وإقامة فلسطين الديمقراطية كجزء لا يتجزأ من الدولة العربية الديمقراطية بما يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية بآفاقها الاشتراكية.
اننا أمام عملية تاريخية هائلة الزخم، وصراع شامل يطال أبعد الزوايا وأدقها. رغم تركز الصراع وكثافته في فلسطين بحكم اختيارها كمنطقة "إنزال" للمشروع الإمبريالي – الصهيوني في قلب العالم العربي، إلا أن أهداف ذلك "الإنزال" الاستعماري التاريخي أبعد وأشمل من ذلك بكثير" .وبهذا المعنى، يغدو الصراع حتى ولو كان عنوانه تحرير فلسطين، صراعاً من أجل تحرير الأمة العربية، وتأمين شروط وعناصر نهوضها المادية والثقافية، وبما أن نتائج الصراع التاريخي تتقرر في ضوء قدرة كل طرف على تركيز وتركيم مكونات القوة الشاملة، لإحداث الإزاحات الملائمة في ميزان القوى، فإنه يغدو بحكم البديهة العلمية اعتبار عامل الحسم في الصراع هو العامل الداخلي، إذ أن هذه العملية التاريخية ببعديها الوطني – التحرري، والاجتماعي – النهضوي، هي عملية واحدة تجري في ذات الوقت، ويستحيل عملياً فصل أحد البعدين عن الآخر .
ما تقدم، "يفرض استحقاق البديل الوطني الديمقراطي وشروط قيامه بصورة قسرية، حيث إننا أمام لوحة تحكمها تناقضات الصراع التاريخية والراهنة ، صراع يديره العدو الرئيسي الامبريالي الصهيوني، بكل ما يملك من قوة وبراعة مستفيداً من عمالة وخيانة امراء وملوك ورؤساء الانظمة العربية وضعفها واستسلامها ،ومن ثم دور ذلك العدو- مستغلا اوضاع التخلف والتبعية - في تفجير الصراعات الطائفية والاثنية الدموية في مجتمعاتنا ،غير أن لوحة الصراع تلك بقدر ما تحمل، في هذه المرحلة، من مظاهر التراجع والانكفاء، فإنها تحمل أيضاً مظاهر التأزم والتحفز والثورة والنضال بكل اشكاله السياسية والكفاحية والديمقراطية فلسطينياً وعربياً لاسقاط انظمة العمالة والتبعية والتخلف والاستبداد وتحقيق اهداف الثورة الوطنية الديمقراطية كشرط موضوعي لانهاء الوجود الامبريالي الصهيوني في بلادنا.
 
 


[1] سمير قوتة – الانترنت .
[2] المصدر: موقع وفا الاخباري – الانترنت.



#غازي_الصوراني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الازمة الاقتصادية في المجتمعات العربية
- تقديم وتلخيص كتاب تاريخ الفلسفة العربية الاسلامية
- مقالات ودراسات ومحاضرات في الفكرة والسياسة والاقتصاد والمجتم ...
- مقالات ودراسات ومحاضرات في الفكرة والسياسة والاقتصاد والمجتم ...
- خمسون عاما على تأسيس طلائع المقاومة الشعبية - الجهاز العسكري ...
- كتاب التطور الفلسفي لمفهوم الأخلاق وراهنيته في المجتمع الفلس ...
- التطور الفلسفي لمفهوم الأخلاق وراهنيته في المجتمع الفلسطيني
- الصديقان العزيزان أ.د ناجي صادق شراب و أ.د أسامة محمد أبو نح ...
- مداخلات عشية الذكرى الخامسة والأربعين لاستشهاد رفيقنا القائد ...
- الأوضاع الاجتماعية (الطبقية) في الضفة الغربية وقطاع غزة (199 ...
- معطيات وأرقام حول الشعب الفلسطيني واللاجئين الفلسطينيين في ا ...
- في مناسبة يوم العمال ...القوى العاملة في الضفة الغربية وقطاع ...
- رسالة أقرب الى خاطرة حزينة
- الضفة الغربية وقطاع غزة .. بيانات إحصائية مقارنة 2017
- مشاريع التوطنين منذ النكبة الى اليوم
- نحو جهد وطني فاعل في مواجهة مشاريع التصفية
- المرأة الفلسطينية ودورها في المسار الوطني الديمقراطي
- معطيات وأرقام إحصائية حول الأوضاع الاقتصادية والمجتمعية في ق ...
- جورج حبش .. قائداً ومفكراً ومناضلاً ثورياً .. في ذكراه التاس ...
- حديث عن الخطاب الاسلامي ...و- فيدرالية - الأخ الصديق موسى اب ...


المزيد.....




- لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء ...
- خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت ...
- # اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
- بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
- لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
- واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك ...
- البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد ...
- ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
- الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
- المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5 ...


المزيد.....

- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - غازي الصوراني - ملامح التحول والتغير في البنية الاجتماعية في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ 1994 – 2017