|
مقالات حول جدلية الدين والسياسة(3)-علاقة الدين بالسياسة في تاريخ الإسلام-
رابح لونيسي
أكاديمي
(Rabah Lounici)
الحوار المتمدن-العدد: 5650 - 2017 / 9 / 25 - 21:23
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مقالات حول جدلية الدين والسياسة(3)
-علاقة الدين بالسياسة في تاريخ الإسلام-
البروفسور رابح لونيسي - جامعة وهران-
ننطلق في قراءتنا لعلاقة الدين بالسياسة في التاريخ الإسلامي من منطلقيين نظريين: هما مارسيل غوشيه في تفسيرنا لبداية الوحي وتطوره، ثم بن خلدون الذين يقول بأن الملك في البلاد الإسلامية عامة، والمغرب الإسلامي خاصة يعتمد على العصبية القبلية والدين لتوسيع شرعية الدولة لدى عامة المسلمين، خاصة خارج القبيلة . تميز الحكم في فترة الرسول(ص) صلى الله عليه وسلم ثم الخلفاء الراشدين بالإعتماد على الوحي الممثل فيما يقوله ويفعله الرسول(ص) ثم الخلفاء الذين كانوا قريبين من الفترة النبوية، لكن بمقتل عثمان وظهور الفتنة الكبرى، أستخدم أو وظف الدين في صراع سياسي حول السلطة ومن أحق بالخلافة، خاصة بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، وهو ما أدى إلى إنقسام سياسي في حقيقة الأمر، لكنه أخذ طابعا دينيا بين ثلاث طوائف دينية هي: الشيعة والخوارج وأهل السنة. فهذه الطوائف الدينية الثلاث ماهي في الحقيقة إلا أحزاب سياسية اختلفت حول مسألة الاشرعية السياسة ومن هو أحق بالخلافة، فأضطر كل طرف إلى إستجماع عدة دلائل دينية وأحاديث لدعم موقفه السياسي، ووصل بهم الأمر إلى حد تأويل النص القرآني لإعطاء شرعية لطرف على حساب الآخر، فوظف الدين بشكل كبير لأغراض سياسية وسلطوية بحتة، وما ظهر فيما بعد بأنها طوائف دينية تمتلك الحقيقة الدينية ما هو في حقيقة الأمر إلا مجرد غطاء ديني لصراع سياسي، فأعطت كل طائفة لنفسها خصوصيات ومميزات دينية لا علاقة لها بتاتا بالدين إطلاقا، بل هي مجرد خصوصيات ومميزات حزبية بحتة، لكن ما يؤسف أن هذا الصراع حول السلطة تحول إلى صراع ديني مستديم إلى حد اليوم في العالم الإسلامي، ولو عرف المؤرخون كيف يرجعون هذا الصراع إلى جذوره السياسية والتاريخية ووضعه في مكانه، لما بقي اليوم هذا الصراع الذي يهدد البلدان الإسلامية بحروب أهلية طائفية، وهو صراع في الحقيقة لا معنى له لو وضع في إطاره، لكن تغذيه أطراف سياسية تحاول توظيف الدين إما للإبقاء على سلطة سواء كانت دينية أو سياسية أو الوصول إلى هذه السلطة، هذا بدون نسيان توظيف قوى كبرى لهذه الطائفية لتحقيق أهدافها الإستراتيحية في الكثير من البلاد الإسلامية.
نعتقد أن بنهاية الخلافة الراشدة التي كانت أقرب إلى مثل وقيم الإسلام، والتي يمكن لنا القول أنها أكثر إخلاصا وقناعة للدين، فإن بعد سيطرة الأمويين على السلطة، فإن الدين أصبح مجرد حصان، يستخدم لأهداف سلطوية بحتة، ويتفق مع المفكر الإيراني علي شريعتي في طرحه القائل: أن كل دين يكون في بدايته نقيا، لكن يستولي عليه مجموعة من المستبدين والإستغلاليين الذين كانوا في السابق، فيلبسون لباسه لمواصلة الإستبداد والإستغلال، ويتحالفون مع ما يسمون أنفسم رجال الدين أو الفقهاء أو العلماء، ليستخدمونهم كغطاء أيديولوجي لإعطاء الشرعية للممارساتهم السياسية وإقناع العامة بشرعية سلوكاتهم التي هي في الحقيقة أبعد عن الدين الأصلي، أي يصبح هؤلاء مجرد بوق للسلطان، أو ما يمكن تسميتهم ب"فقهاء السلطان" . نعتقد أنه حتى ما سمي في التاريخ الإسلامي بالفتوحات لنشر الإسلام ماهي في الحقيقة إلا إستغلال للدين بدعوى نشره لتوسيع الملك والسيطرة على أقطار أخرى، وهو يشبه إلى حد بعيد ما قام به الإستعمار الأوروبي والأمريكيين اليوم، الذين يتسترون تحت غطاءات أخلاقية مثل تمدين الشعوب أو تحريرها من الدكتاتوريات وغيرها من الشعارات الرنانة التي تخفي أهدافا ذات طابع توسعي وإستراتيجي وإقتصادي، ولهذا عرفت هذه التوسعات ما يعرفها الأوروبيون ب"الأمبرطورية العربية" في البداية إستغلالا واسعا للدين لتوسيع هيمنتها، بل يمكن لنا القول أن هذا التوسع كان أخطر من التوسع الروماني والأوروبي في مجال مسخ هويات الشعوب، لأنه عرف كيف يوظف الدين ليس فقط لتحقيق أهداف سياسية بحتة، بل مسخ هوية الشعوب وتعريبها، وإلا كيف نفسر التعريب الذي لحق بشعوب كاملة مثل الأمازيغ والمصريين وغيرهم، ونعتقد أن هذه الظاهرة لا زالت إلى حد اليوم حيث يتستر البعض من القوميين العرب تحت غطاء ديني، ويستخدمونه لتعريب مناطق بأكملها .
لكن نتوقف هنا لنعود إلى نشأة السلطة الدينية المتحالفة مع السلطة السياسية، فعندما تطورت شؤون الحياة، أصبح الجميع بحاجة إلى تأويل الوحي أو النص الديني أو ما يعرف في التاريخ الإسلامي بالإجتهاد، فهنا بدأت تظهر عدة تأويلات للنص، وتتحكم فيه عدة عواملن وهي المصالح الطبقية والسياسية ودرجة التثاقف والبيئة وغيرها، وهو ما أدى إلى ظهور الكثير من المذاهب والطوائف، مما يمكن أن يهدد وحدة المجتمع والدولة، لكن في ظل هذه الظرف، فإن السلطة القائمة تستند على التأويلات التي تخدمها على حساب التأويلات التي لا تخدمها، فهنا يتم التحالف مع طائفة، مما يسمى بالفقهاء ودعمهم على حساب جماعة من فقهاء آخرين، فيظهر أنواع عدة من الإجتهادات المتضاربة والمتصارعة، أي يظهر صراع بين فقهاء السلطان وفقهاء المعارضة، لكن عادة، ما تطغى وتسود طروحات فقهاء السلطان لأنهم مدعومين من السلطة الغالبة .
هذا مايفسر لنا هذا الإنقسام الناتج بين مختلف التأويلات الدينية للنص أو الوحي وتوظيف السلطة لها وتحالفها مع الفئة التي تخدمها وتسعى لإعطاء صبغة شرعية لسلطتها، لكن هذا الإنقسام توظيف الدين عادة ما يؤدي إلى عدم الإستقرار في البلاد الإسلامية، وننطلق في ذلك من النظرة الخلدونية، حيث تقوم المعارضة بالتشكيك، إن لم نقل تكفير السلطة القائمة بالإستناد على تأويل ديني آخر، وهو ما يسمح لها بإكتساب قاعد عريضة لها، مما يسمح لها بالوصول إلى السلطة بعد إستنزاف قوى السلطة القائمة وتناقص نفوذها بسبب الأخطاء وممارستها للسلطة، وعادة ما يتم هذا التغيير بالعنف المستند على "الجهاد الديني"، وهو ما يدى إلى عدم إستقرار الدولة في العالم الإسلامي، مما جعل فريدريك أنجلس يستند على هذه الظاهرة لوضع نظريته "الدائرة المغلقة" لتفسير أسباب بقاء العالم الإسلامي في تخلف .
يتبين لنا مما سبق عدة مظاهر قاتلة عرفها التاريخ الإسلامي ولا زال سائدا إلى حد اليوم، وهي توظيف السلطة للدين وإستغلاله بالتحالف مع فئة من الفقهاء، وإستخدام المعارضة للدين أيضا لتقويض وتشويه السلطة القائمة، مما يسمح لها بأخذ مكانها، أما الظاهرة الثالثة، ويتمثل في أن الدين كمثل ونموذج هو واحد، لكنه عند التأويل والإجتهاد والممارسة، تتعدد الرؤى والطروحات، مما يؤدي إلى تكفير البعض للآخر وإتهام كل طرف للآخر ببعده عن الدين، فتدخل كل من السلطة والمعارضة في هذا النقاش القاتل الذي يتولد عنه الصراع الديني العنيف المدمر للبلدان الإسلامية، وهي ظاهرة لا زالت قائمة إلى حد اليوم، مما يدفعنا إلى طرح قضية إيجاد المسلمين اليوم حل لهذه الإشكاليات كلها، وهي كيف ينظم علاقة الدين بالسياسة وعلاقة المعارضة بالدين والسلطة للخروج من هذا المأزق المدمر؟.
يتبع بمقالة رابعة عنوانها : محاولات تنظيرية وتطبيقية لحل المشكلة
البروفسور رابح لونيسي - جامعة وهران-
#رابح_لونيسي (هاشتاغ)
Rabah_Lounici#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مقالات حول جدلية الدين والسياسة(2) -هل أستهدف الأنبياء والرس
...
-
مقالات حول جدلية الدين والسياسة(1)-جذور السلطة الدينية في تا
...
-
تضامنا مع الإنسان في بورما وكل مكان، وليس مع القبيلة
-
فكرة- إعادة بناء الإجماع الوطني--زرع الإلتباس والغموض حولها-
-
الممارسات الدينية في تاريخ الأمة الجزائرية
-
الطرق الصوفية في مواجهة الإرهاب
-
في ذكرى مؤتمر الصومام1956- مغالطات وحقائق-
-
الماضوية المدمرة لشعوبنا
-
وداعا رضا مالك-المثقف الملتزم والسياسي-
-
التحالف المقدس بين الإستبداد والمال في الجزائر
-
هل تتجه الجزائر نحو نظام كولونيالي جديد بعد55سنة من تحريرها؟
-
في ذكرى إستشهاد محمد بوضياف-جريمة المافيا المالية-السياسية-
-
مستقبل أمن منطقتنا في ظل تزايد الهجرات الغير شرعية
-
في ذكرى إنقلاب19جوان1965 في الجزائر-كيف أنقلب بومدين على بن
...
-
لماذا كفر الجزائريون بالأحزاب السياسية؟
-
السعودية الوهابية ضد مالك بن نبي
-
الصراع السعودي-القطري-جذوره وتداعياته الأمنية-
-
هل أندلع -ربيع- آخر في منطقتنا؟
-
الحراك في الريف المغربي-مستقبله وخلفياته التاريخية-
-
رهانات إقالة وزير جزائري بعد ساعات من تعيينه
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|