|
رحيل آخر العاشقين العراقيين اليهود ، البروفيسور شموئيل موريه (سامي المعلم )
شاكر فريد حسن
الحوار المتمدن-العدد: 5648 - 2017 / 9 / 23 - 13:44
المحور:
الادب والفن
فقدت الثقافة العراقية والعربية آخر العاشقين اليهود من اصل عراقي ، البروفيسور شموئيل موريه ( سامي المعلم ) ، استاذ الأدب العربي في الجامعة العبرية في القدس في السبعينات والثمانينات ، واحد المساهمين بجدية وفعالية في المشهد العربي في العراق والبلاد ، الذي هاجر الى اسرائيل في بدايات الخمسينات من القرن المنصرم ، وظل شغوفاً بوطنه ومعتزاً بهويته ، فاغدقوا عليه لقب " حبيب العراقيين " لكونه بقي يرنو بعينيه وقلبه وروحه الى العراق ودجلة والفرات ، عاصفاً قلبه بالشوق والحنين الجارف لملاعب الصبا وازقة وحارات وشوارع بغداد ، وظل في كتاباته يأمل ويتأسى بالعودة الى ربوع الوطن العراقي الجميلة ، مثله مثل الصحفي لطيف دوري ، افليس هو الذي قال :
يا ليتني اعود الى العراق يوماً
فأحدثه بما فعل الفراق
وله ايضاً قصيدة بعنوان " احن الى العراق " يقول فيها :
نضب الشباب في العروق
منتظراً شربة من ماء العراق
وصرت امشي بدل رياحين العراق
وصرت امشي بدل رياحين بغداد
على اليابس من الورود
واحن الى الشباب الحلو في انتصابي
وروائح الجنة في عطر العراق
وابكي شهداء العراق وأطفاله اليتامى
ويا حسان العراق ، كيف بالله
اصبحنا ارامل العراق
نسيت قيثارتي على ضفاف دجلة
تتدلى أغصانها النائحات على مجد العراق
وهرمت منتظراً لياليك الحسان ،
وحسان بغداد ينشدون
بغداد ، يا بلد الرشيد
ومنارة المجد التليد
ويا ارض أجدادي ، شفاك الحب
واحيى موات النخيل في رفرف الخلد من واديك
متى احظى برؤياك
شموئيل موريه قامة أدبية شاخصة وسامقة ، وباحث علمي عميق ، ودارس نبيه ،عرفناه من كتاباته ودراساته ومقالاته التي نشرها في " الأنباء" و" الشرق " ، وقد تسنى لي التعرف عليه في احد اللقاءات الثقافية في تل ابيب في ثمانينات القرن الماضي ، فتلمست فيه الوفاء للعراق ، وحب الانسان ، وصيانته للمبادئ الانسانية والفضائل الأخلاقية التي تربى وشب ونما عليها .
تميز شموئل موريه عن غيره من الذين درسوا الأدب العربي ، بأنه ينطلق من حبه لهذا الأدب ، ويؤمن بانتمائه اليه ، ويحرص على الوقوف على كل تحول وتطور وتجديد ، ودراساته وابحاثه العديدة تعتبر مرجعاً مهماً للدارسين .
امتلك شموئيل موريه ناصية اللغة منذ صباه المبكر ، والقدرة على الاستيعاب والتحليل والاستكشاف ، وجعل من الكتاب رفيقه ورفيق دربه ، والقلم محراثه ، وحافظ على شرف الكلمة التي صاغها والرؤى التي لم يخنها يوماً .
عكف الراحل شموئيل موريه على الكتابة والتأليف وساهم بجدية وفعالية في اثراء المشهد الثقافي في بلادنا بالابحاث والدراسات والمذكرات والكتابات الابداعية ، وبعد خروجه للتقاعد ظل على نشاطه الثقافي وعمله الاكاديمي يواكب ويتابع المستجدات على الساحات الثقافية والادبية ، يكتب وينشر دراساته وبحوثه المتنوعة ومذكراته في مواقع الشبكة الالكترونية ، ويشارك في النشاطات الثقافية واللقاءات الادبية .
الف شموئيل موريه العديد من الكتب اهمها وابرزها : " الأدباء والعلماء اليهود ، فهرس المطبوعات العربية ، القصة القصيرة عند يهود العراق ، مختارات من أشعار يهود العراق الحديث ، بغداد حبيبتي ، الآثار في التراجم والأخبار " وسواها .
وكتابه " بغداد حبيبتي " هو سيرة ذاتية يحكي فيها عن شجونه وذكرياته في بغداد والعراق ، مستعيداً أيام الطفولة والصبا وحياة اسرته والحارات والازقة والاماكن التي عاش فيها وتركت اثراً في نفسه ، وعلاقات الأهل والجيران والعلاقات الاجتماعية الوطيدة القوية ، مؤكداً حنينه لهذه الاماكن وللحياة المشتركة ، وقد استهله بقصيدة طويلة تفيض حباً وحساً انسانياً دافئاً وحنيناً ولغة تحرك العواطف ، اهداها " الى اخوتي واخواتي العراقيين في كل مكان " وهي بعنوان " قالت لي أمي ، والأسى في عينيها " ، اقتطف منها هذه السطور :
قالت لي أمي ،
والقلب كسير :
احن الى العراق يا ولدي
احن الى نسيم دجلة
يوشوش للنخيل
الى طينها العطاء
الى دنياك الخميل
بالله يا ولدي
اذا ما زرت العراق
بعد طول الفراق
قبل الاعتاب
وسلم على الاحباب ،
وحي الديار
وانس ما كان منهم ومنا
وقد جاءت كتاباته في مذكراته متسمة بالعواطف القوية ، والأخيلة الرحبة ، واللغة الشفافة العذبة ، والالفاظ السلسة ، والتراكيب القوية ، وشاعت فيها ومضات متميزة اهمها : حب الوطن ، وحب الحرية ، وحب الحياة ، والحنين الغامر العاصف ، وتكثفت هذه الومضات معاً ، وارتقت به الى مستوى سامق ، وقد اجاد وابدع في التوصيف والتعبير عن حبه وشوقه لبلاده ، بلاد الرافدين .
شموئيل موريه باحث واديب ومثقف وشاعر مبدع مرهف الحس ،اعطى الكثير للادب العربي والثقافة العربية الانسانية ، ووفاته تشكل خسارة فادحة لهما ، ولكن العزاء في ما تركه من ارث ثقافي وأدبي ، وسيرة طيبة ، واسم نقش من ذهب في التاريخ الثقافي العربي والعراقي ، .
شمؤئيل موريه مت واقفاً كالاشجار ، عاشقاً للكلمة الصادقة الشفافة المرهفة ، لم تنس اصلك ولا مرتع صباك ، وبقيت وفياً للمبادىء التي انغرست في صدرك ، نم قرير العين في ضريحك ، وستظل روحك ترفرف شوقاً حنيناً لدجلة والفرات ، وذكراك باقية ما بقيت الحياة في سجل الخالدين ، فالمبدع لا يموت ، بل يتجدد بعد موته .
#شاكر_فريد_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رحيل المناضل السوري باسم عبدو
-
في الراهن السياسي
-
ليلغ حكم الاعدام بحق اشرف فياض
-
صلاح العمروسي .. وداعاً
-
يوسف الصديق مفكر تنويري تونسي
-
خليل كلفت فارس الفكر والنضال الذي ترجل
-
يعقوب قوجمان نموذج للمناضل العنيد
-
الى محمد بركة قائداً ومناضلاً
-
الكاتب والمناضل الدكتور محمد أيوب .. وداعاً يا ابن المخيم
-
حوار مع الشاعرة الفلسطينية سلمى جبران
-
في نقد الموقف المصري ..!
-
ورحل (الخال) شاعر الغلابة عبد الرحمن الأبنودي
-
أهداف العدوان السعودي على اليمن
-
مخيم اليرموك .. آه يا جرحنا النازف
-
الحرية لخالدة جرار
-
في ذكرى استشهاد كمال ناصر ضمير الثورة وشاعرها
-
مشروع فصل غزة خيانة كبرى ..!
-
مجلة -الإصلاح- في عدد جديد
-
جرح اليرموك
-
سليمان فياض كاتباً ومؤرخاً
المزيد.....
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|