أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - الفنان علي الموسوي بين فكرة الأمومة وهاجس الجسد الإنساني















المزيد.....

الفنان علي الموسوي بين فكرة الأمومة وهاجس الجسد الإنساني


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5645 - 2017 / 9 / 20 - 10:23
المحور: الادب والفن
    


تكمن أهمية الندوة الفنية التي نظّمها المقهى الثقافي بلندن للنحّات والرسّام علي الموسوي في إيقاعها الذاتي حيث بدا الضيف المُحتَفى به أشبه بالكائن السيري الذي يروي للحضور سيرته الذاتية والإبداعية المتمحورة على أناه غير المتضخِّمة، غير أن هذا التركيز الذاتي لم يمنعه من الإشادة بالفنانين والأساتذة الذين ألهموه، وأجّجوا مخيلته الفنية في ميادين النحت والرسم والتصميم أمثال فيصل لعيبي، عطا صبري، كريم خضير المطيري، موفق الربيعي، خالد عزّت، فخري النعيمي وسواهم من رموز المشهد التشكيلي العراقي الحديث.
القراءة الخلدونية الملأى بالصور هي التي أغرتهُ وجذبتهُ إلى عالم الفن التشكيلي وحرّضته منذ زمن مبكر في مرحلة الدراسة الابتدائية على أن يقلِّد الصور والفيكَرات المبثوثة في صفحات هذا الكتاب المدرسي الذي يحفِّز التلاميذ الصغار على القراءة والكتابة، كما يحثّ الموهوبين منهم بصريًا على تعلّم الرسم والخوض في مساراته الفنية المتعددة. وبما أن التلميذ علي الموسوي آنذاك كان مُجتهدًا في مادة الرسم فقد كانت لوحاته تُشارك في معارض المسابقات المدرسية وتفوز لأنها تمتلك بصمة فنية لا تخطئها عيون المحكِّمين المدرّبة والعارفة بأسرار الفن التشكيلي.
لم يُوفَّق الموسوي في القبول بمعهد الفنون الجميلة لإشكالات تتعلّق بالسنّ والتزكية الحزبية لكنه نجح في الانضمام إلى معهد الفنون والصناعات الشعبية في بغداد الذي كان يرأسهُ الفنان الرائد عطا صبري، وقد تعلّم من كريم المطيري، أستاذ قسم النحت في المعهد الكثير من التقنيات النحتية وأنجز جدارية تتضمن مجموعة من الخيول التي جسّدها في عمل تخطيطي بقلم الرصاص قبل أن تجد طريقها إلى التنفيذ العملي وكان عمره آنذاك خمس عشرة سنة، ثم اشتغل عملاً آخر عن "الأمومة"، وعملاً ثالثًا عن تأميم النفط العراقي.
ظل حلم الالتحاق بمعهد الفنون الجميلة يُطارد الموسوي، ومن حُسن المصادفات أن المعهد المذكور قد بدأ باستقبال الطلاب في القسم المسائي الذي قُبِل فيه الموسوي بعد أن حوّل أحد التخطيطات التي كانت تُنشر للفنان فيصل لعيبي في صحيفة "طريق الشعب" إلى عملٍ نحتي لافت للانتباه. وخلال دراسته في سنوات المعهد أنجز العديد من الأعمال النحتية التي أهدى أحدها إلى الاتحاد العام لنساء العراق، فيما أهدى أستاذه الفنان مخلد المختار عملاً ثانيًا للموسوي إلى قسم الأطفال في الإذاعة والتلفزيون، وهكذا توالت نجاحاته الفنية لكنه سيق إلى الخدمة العسكرية في سنته الخامسة والأخيرة، وزُجّ به إلى جبهات القتال في المحمّرة فتعرض إلى إصابة كانت سببًا في تأجيل خدمته لمواصلة الدراسة. وعندما تخرّج من المعهد ترجم شهادته مثل غالبية الخريجين العراقيين، وقطع تذكرة السفر لييمِّم وجهه شطر المنافي البعيدة التي تلقفته منذ أوائل الثمانينات وحتى الوقت الراهن. كانت عمّان هي محطة العبور ومنها انتقل إلى روما، وبودابست وبعض عواصم أوروبا الشرقية قبل أن يستقر به المطاف في السويد حيث تنقّل بين أكثر من مدينة ليجد ضالته في مدينة مالمو ويعمل فيها مدرسّا للرسم والنحت لمدة سبع سنوات. ثم يقرر الانتقال إلى لندن كي يتفرغ لمشاريعة الفنية ويقيم المزيد من المعارض الشخصية والمشتركة، ويؤجر محترَفًا له أسوة ببقية الفنانين الذين يتخذون من الفن التشكيلي مهنة رئيسة ومصدر رزق دائم.
أقام الموسوي منذ عام 2010 وحتى الآن ثلاثة معارض شخصية في لندن تمثل التطورات الأخيرة التي طرأت على تجربته الفنية في النحت والرسم عمومًا. وهذه المعارض النوعية الثلاثة هي التي دفعت الفنان والناقد التشكيلي يوسف الناصر لأن يقدِّمهُ في هذه الأمسية بطريقة معمّقة هي أقرب إلى المداخلة النقدية الفاحصة منها إلى التقديم العابر. وقد توقف الناصر عند أبرز المحاور الفنية لهذه المعارض الشخصية الثلاثة بلندن وهي على التوالي: "إلهام الفن" في كنغستون أﭘون ذي تيمز عام 2010، و "رسالة إلى وطني" في المركز الثقافي العراقي، و "تنويعات شرقية" في غاليري ASC عام 2016 .
يمكن اختصار ورقة الناقد يوسف الناصر بثلاث نقاط أساسية أولها "أن فنّ علي الموسوي ينبع من حاجة داخلية مُلحّة، وليس من إملاءات حياتية متنوعة المصادر والأهداف" فهو فنان أصيل، ومثابر، ويعرف ماذا يريد من دون أن يسقط في الأوهام. أما المحور الثاني فيتعلق بالموضوعات التي يشتغل عليها الموسوي منذ زمن طويل وقد لخّصها الناصر بالقول: "إن الجسد الإنساني هو الثيمة الجوهرية في أعماله النحتية". ومنْ يدقق في مجمل الأعمال الفنية التي بلغت 56 لوحة ومنحوتة ضمّها غاليري ASC في أواخر 2016 سيتأكد من صحة الفكرة التي طرحها الناصر وسوف يعرف بأن الإنسان هو شغلهُ الشاغل سواء أكان رجلاً أم امرأة أم طفلاً. وأن ثيمة الأمومة تتكرر في كل معارضه ومشاريعه الفنية. وفي سياق الفكرة نفسها فإن هذا الإنسان مرتبط بالعراق أكثر من غيره. أما المحور الثالث فقد استعاره من الفنان علي النجار الذي تحدث عن "ثنائية الرسم والنحت عند علي الموسوي، لكنه يرسم كرسّام وينحت كنحّات، ولا يتسرّب أحدهما إلى الآخر" بخلاف العديد من الفنانين الذين تشتبك عندهم الرؤية، وتختلط لديهم الوسائل والتقنيات.
تبدو منحوتات الفنان علي الموسوي لمن يشاهدها أول مرة كأنها أعمال تشخيصية، وربما يضعها البعض في خانة الأعمال الكلاسيكية، وهذا صحيح لكن حين يدّقق هذا المتلقي بشكل جيد سيكتشف أن هذه الأعمال النحتية تجريدية أو أن النحات نفسه قد جرّدها من بعض الملامح الرئيسة المتعارف عليها في الوجه البشري الذي لم يبق منه سوى شكله الكروي والفم المفتوح إلى أقصى مداه وربما يذكِّرنا بـ "صرخة" أدوار مونك الشهيرة مع فارق التشبيه. بعض منحوتات الموسوي تنحو منحىً سرياليًا وتعبيريًا في الوقت ذاته حينما يتحول رأس "امرأة" مصنوعة من الخشب إلى تجويف مثير هو أقرب إلى الهلال أو الزورق منه إلى أي شيء آخر. بعض المنحوتات تحمل طابعًا رمزيًا دون أن يتخلى عن بنيته التشخيصية الصماء التي لا تأخذ من الجسد البشري سوى معالمة الخارجية المموهة كما هو الحال في منحوتة "شهيد" التي تنطوي على معانٍ تعبيرية عميقة لا تستوعب بلاغتها الكلمات.
لا تختلف لوحة الفنان علي الموسوي عن منحوتته من حيث الثيمة لكنها تشتط كثيرًا فيما يتعلق بالتقنيات والمقاربات الفنية. فوجود الإنسان يتكرر في غالبية لوحاته، مثلما تتكرر البيئة العراقية المتنوعة التي يتقصدها كي يرحل إلى تلك المضارب التي أحبّها وغادرها مضطرًا لكن المتلقي الحصيف لا تفوته ملاحظة الألوان الباردة التي باتت تهيمن على مجمل لوحاته الفنية وكأنه غادر إلى الأبد تلك الألوان الصريحة الحارة التي تقترن بغالبية الفنانين العراقيين وأقرانهم القادمين من بلدان الشرق الأوسط برمتها.
أمضى الفنان علي الموسوي نحو ست وثلاثين سنة وهو يتنقل بين المدن والعواصم الأوروبية وينهل من علومها ومعارفها البصرية ومهما حاول التشبث بثيماته العراقية فإن التقنيات والأساليب الحديثة تأخذه من دون أن يدري إلى التيارات والمدارس الأوروبية التي تضطرهُ لأن ينجز أعماله الفنية بلمسات غربية لا يستشعرها إلاّ المتلقي الخبير الذي درّب عينيه على المُشاهدة الذكية التي تستغرق في العمل الفني، وتستمتع بمعطياته الجمالية النادرة.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مُعجم طنجة . . سيرة مدينة تحتفي بالثقافة المُضادّة
- رسائل خاتون بغداد ودورها في تعرية المواقف المحجوبة
- فرناندو بيسوّا. . الكاتب المختبئ وراء أنداده السبعين
- فرق يهودية معاصرة تتنازعها الاختلافات الدينية
- الفنان التشكيلي سعد علي: ما أزال تائهًا بين ثنايا الروح الحل ...
- الفنانة مونيك باستيانس . . شغف بالطبيعة ونزوع لتجميلها
- البوح وسيلة للاعتراف في النص السردي
- الكتابة والحياة: سيرة جريئة كتبها علي الشوك قبل ضمور الذاكرة
- محمد شكري جميل . . عرّاب السينما العراقية بلا مُنازع
- حكاية البنت التي طارت عصافيرها: لغة سلسة وبناء قصصي متماسك
- رازقي . . رواية جريئة تفتقر إلى الثيمة الرئيسة
- اللاجئ العراقي وثنائية الهجرة والحنين إلى الوطن
- الشخصية المُناهضة للحرب في رواية السبيليات
- تيت غاليري بلندن يحتفي بالفنانة التركية فخر النساء زيد
- أديب كمال الدين . . . الشاعرُ المُتعبِّد في صومعة الحرف ومحر ...
- ديفيد هوكني في معرضة الاستعادي الثاني في غاليري Tate Britain ...
- السنة المفقودة. . . سيرة ذاتية مُصوَّرة
- بيضاء كالثلج. . البحث عن آصرة الأخوّة المُفتَرضة
- عاشقات سعد علي يمرحنَ في فردوسهِ المُتخيَّل
- انتظار السَمَرْمَرْ: رواية متماسكة وليست محْكيات مشتّتة


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - الفنان علي الموسوي بين فكرة الأمومة وهاجس الجسد الإنساني