أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - الفاتحة والخاتمة السوداء في قصيدة -الفراشة- محمد علي شمس الدين















المزيد.....

الفاتحة والخاتمة السوداء في قصيدة -الفراشة- محمد علي شمس الدين


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 5645 - 2017 / 9 / 20 - 08:17
المحور: الادب والفن
    


الفاتحة والخاتمة السوداء
في قصيدة "الفراشة"
محمد علي شمس الدين
أولا نبارك لملتقى بلاطة الثقافي هذه الخطوة، مناقشة نصوص أدبية، وللأمانة نقول أنه كان من الرواد في هذا الأمر، فقد عكف لأكثر من عشرة أعوام على مناقشة نصوص أدبية، ولولا حواجز الاحتلال التي اعاقت تواصل ولقاء المناقشين لاستمر الملتقى في ريادته، ... لكن اعتقد ان المؤسسات الثقافية والمجلات الثقافية لا تعمر طويلا، مهما بلغت من رفعة وعطاء.
دائما نفضل أن تكون الفاتحة بيضاء، فكثرة الوقائع السوداء في حياتنا جعلتنا نتجه هذا الاتجاه، فالأدب احد الوسائل التي نهرب من خلالها إلى عالمنا الذي ننشده، لأنه يعد احد اهم عناصر تخفيف التوتر فينا، ورغم هذه المعطيات إلا أن الواقع بسواده بفرض ذاته على الكاتب، بحيث لا يستطع إلا أن يكون واقعه حاضرا في نصه، أو مأثرا بطريقة ما أو بأي شكل من الاشكال، "محمد علي شمس الدين" يكتب عن حدث شخصي وفاة والدته، ومثل هذا الحدث لا بد أن يكون فيه شيء من المباشرة، فعلاقة الشاعر به خاصة جدا، لهذا وجدناه يحدثنا بفاتحة سوداء:
"في الليل
في الحَلَك العظيم
وعند تشابك الأحياء بالموتى
وولولة الرياح
دفنتُ أمي
وأهَلْتُ آخر حفنة فوق التراب من التراب "
لا شك أنها فاتحة صعبة علينا، كما هي صعبة على الشاعر، لكن بعدها يبدأ التحول التدريجي نحو عالم الشاعر الطبيعي، فيقدمنا منه بألفاظ ومعاني وصور تمتعنا وتجعلنا ننتشي بها:
"وقلت: ها إني أعود لعلّني
أجد الجميلة تستريح على سرير جمالها
في البيت
حيث تمدُّ نحوي كفّها البيضاء
تسألني معاتبة لماذا غبت يا ولدي؟
وتعلم أنني ما غبت
لكنّ الجميلة دائماً
ينتابها قلق الغياب
وأنها تنأى
وتبعد حين تقرب
ثم تنأى
ثم تنأى
كي تُرى حُلماً
وقد أبصرت حلمي"
فالحديث يدور عنها، عن تلك الغائبة، لكن أثرها الأبيض ما زال حاضرا ومؤثرا في الشاعر، لهذا نجده يستخدم: "كفها البيضاء، يا ولدي، الجميلة" هذه الالفاظ تؤكد أثر الأم الحاضر في الشاعر، وأيضا تؤكد اللغة السمحة التي تغلب على شعره، فرغم وجود لفظ "تنأى" والذي يؤكد الحاجز الجسدي بينهما إلا أن العلاقة الروحية ما زالت حاضرة.
هذه كانت النقلة الأولى في القصيدة، فكلنا يعلم بأنه من الصعب التحول الدراماتيكي في الأدب، فلكي يكون مقبولا لا بد من التدرج في تقدم اللغة الفكرة، لهذا ينقلنا الشاعر النقلة الثانية والتي جاءت بهذا الشكل:
" ويقول جاري:
أمس زارتنا الجميلة
وارتأت أن نبدأ الألعاب
من ورديّة الأطفال
رتبنا الحصى لُعباً
وكانت تنحني في ثوبها الورديّ
تعبثُ بالحصى
وترتب الأشياء
من بدء الحكاية للنهاية"
عملها كان إنساني، تزور الجار، وتتعامل بأدوات جميلة، "الورد، الأطفال، الحصى، وتقوم بأفعال إنسانية، "زارتنا، اللعب، رتبنا" افعال عادية جدا، لكن الأثر الذي تتركه في الشاعر/الجار مهم وحيوي، لهذا نجده يذكر ما فقده بعد غيابها.
النقلة الثالثة جاءت بهذا الشكل:
" هكذا سيكون:
هذا بيتنا وسكنت فيه
وذاك زوجي وهو يكدح أو يصلي
أو يغار على الجميلة من مرور سحابة فوق الحمى
أو نظرة لفتى يمر على الطريق
ويرسل الأشعار
كي يصل الصدى لأميرة خلف الحمى
ويقال إن جمالها
أعلى من الأسوار
إن الله حين رأى بياض الثلج
قال: يكون في وجناتها
ورأى اخضرار العشب
قال: يكون في نظراتها
ورأى ترقرق نبعة الريحان "
إذا ما توقفنا عند الألفاظ التي استخدمها الشاعر نجدها شبه مطلقة البياض، "البت، زوجي، الجميلة، ساحبة، الحمى، الأشعار، الأمير، بياض، الثلج، اخضرار، العشب، الريحان" فكل هذه الالفاظ تريح النفس وتهدئ الروح، لما تحمله من معاني سهلة وسلسة تنساب في الروح، أما فيما يتعلق بالأفعال فنجدها: "سكنت، يكدح، يصلي، يغار، يمر، رأى، ترقرق" فإذا ما استثنينا فعل "يكدح" نكون أمام مشهد مطلق البياض، بحيث يتوحد اللفظ مع المعنى ليعطي فكرة بياض.
اعتقد اننا هنا أمام الحالة الطبيعية للشاعر "محمد علي شمس الدين" بمعنى أنه يكتب بالطريقة التي عودنا عليها، وبأثر طبيعية لبنان عليه، لهذا نجده يتحرر من قسوة الحدث ويكتب بهذه الطبيعية.
لكن هناك أثر للحدث، فغياب الأم ليس بالأمر اليسير على الأبن، لهذا نجده يحدثنا هنا بهذا الشكل:
" قال يكون في كلماتها
والنهر
أوله من “الصافي”
وآخره على أقدامها يجري
ويذهب في اندفاع مياهه للبحر
ترفعه السماء الى الغيوم
وحين نظرت في أعلى الغيوم
رأيت ثمّة وجه أمي
ويقال إن الله سمّاها على اسم الرحمة الأولى
فآمنة التي مثل الحمامة لم يشبها السوء
ما زالت الأسماء رحمتها
وتسحب في مدار الشمس رايتها العظيمة
فالسلام على التي ولدت محمد
(وهو نور النور)
واغتسلت ضحى بالماء
فانبعثت على الأشياء صورتها البهية
فهي أول ما يٌرى عند الصباح "
أثر الغياب لم يأتي كما جاء في الفاتحة، فهو هنا أخف وطأة عليه وعلى المتلقي، لهذا نجده يذكرها بكلمات بيضاء، متجاوزا حالة الانفعال التي جاءت في المقدمة، فنجده يتقدم من الله ـ كحال أي مصاب ـ أمام حدث الموت، الذي هو حدث لا يمكن الهروب منه، أو الخلاص منه، فالإيمان هو الوسيلة التي من خلالها يستطيع المصاب أن يتجاوز ألمه، لهذا نجد العديد من الألفاظ الدينية حاضرة: "السماء، الله، فآمنة، الحمامة، الرحمة، السلام، نور، اغتسلت، انبعثت، البهية" كلها ألفاظ وافعال تعطي معنى للإيمان والتسليم بما حصل.
كما بدأ الشاعر قصيدته في الانتقال من السواد إلى البياض، ينهي قصيدته أيضا بنفس الطريقة، لهذا نجده يعود بنا إلى الحالة الأولى، لكن بالتدريج، وبشكل انسيابي، سلسل:
" وآخر الأحلام عند تشابك الأحياء بالموتى...
وقبل هلاكها...
.......
ورأيت رؤيا:
في الليل
في الحلك العظيم
وبعدما ألقيت آخر حفنة
فوق التراب من التراب
ولم يعد في القبر غير جمالها العاري
رأيت فراشة في الضوء تخفق
فاتبعت جناحها بين القبور
وعدت نحو البيت
كي أجد السرير
سريرها الملكي
مرتجفاً
وتغمره الدموع
وأن فراشة
حطّت هناك على السرير
كنقطة بيضاء في الحلك العظيم
سألت نفسي:
هل رأيت
وهل سمعت
وهل تعود لكي تراني؟
وسألت نفسي:
أين تذهب روحها البيضاء
كيف؟
ومن سيؤويها
اذا ما أقفل الحفّار حفرتها
و”رنّ المعول الحجري”
في هذا الفراغ الجوهري من الزمان؟"
أثر الموت لا يمكن أن يمر مرور الكرام، ولا بد ان يبقى حاضرا فينا مهما ابتعدنا، أو حاولنا أن ننسى/نتجاهل الحدث، لأن المفقود هو جزء أساسي وحيوي وفاعل ومؤثر فينا، إن كان من خلال العلاقة الروحية أو الجسدية/المادية التي تربطنا به، لهذا نجد أثرها في أكثر من لفظ: "هلاكها، الحالك، حفنة تراب، القبر، السرير، مرتجفا، سألت نفسي، أين ذهبت، من سيؤويها؟" أسئلة مشروعة، وهي تشير إلى الفراغ الذي تركته في الشاعر، فالأموات أين يذهبون؟، وكيف يتركوننا نحن أحبائهم هكذا؟، وهل نستطع أن نمارس حياتنا بدونهم؟.
ينهي الشاعر قصيدته كما بدأها بالسواد، فلا مجال لتجاهل/التغاضي/نسيان الحدث:
" ومددت كفي... نقطة الضوء الفراشة لم تخف، وأخاف، لكن
.....
ليس برداً ما يصيب أصابعي، وأخاف، لكن
ليس حُمّى...
فجمالها المضني على الأسلاك
شردني،
وقد أبصرت رؤيا:
في الليل
في الحلك العظيم
وعند تشابك الأحياء بالموتى
وولولة السماء
رأيت أمي "
لفظ "التشرد، الليل، الحالك، الموتى، وولولة" كلها تؤكد حالة الحزن والسواد التي يعاني منه المصاب الشاعر.



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخطاب في قصيدة -خماسية التحليق-رحيل العاشق- إياد شماسه
- السرد والصراع في رواية -همس الشبابيك- سمير أحمد شريف
- العوالم الثلاثة في -في السماء صوت يهمس- مادونا عسكر
- مشاكلنا في كتاب -ثقافة الهبل- جميل السلحوت
- مناقشة كتاب- قلب العقرب- في دار الفاروق
- قصة الومضة عند -محمد عارف مشه- في مجوعة -شبابيك-
- حل المسألة الكردية
- في السياسة بين كوريا والعرب
- التشكيل في مجموعة -وليمة الجاحظ- حسام الرشيد
- الحرف في قصيدة -عبود الجابري-
- الانحياز للأطفال والفقراء في مجموعة -عصافير المساء تأتي سرا- ...
- الصور الشعرية عند -محمد العموش-
- غياب المكان والزمان في مجموعة -هي لعبة .. ولكن- عمر الخواجا
- الالفاظ القاسية في قصيدة -الخرافة- جواد العقاد
- طبيعية الشخصيات في رواية -مقامات العشاق والتجار- أحمد رفيق ع ...
- اللغة المتألقة والصوت الواحد في رواية -وداع مع الأصيل- فتحية ...
- استحضار النص الديني في ديوان -طفل الكرز- عدلي شما
- مناقشة -الاشتباك- في دار الفاروق للروائي الفلسطيني :سعادة أب ...
- المرأة والحرب في رواية -زبد الحديد- إيفان أوخانوف
- الهدهد الذي يرى في قصيدة


المزيد.....




- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - الفاتحة والخاتمة السوداء في قصيدة -الفراشة- محمد علي شمس الدين