خليل إبراهيم الحسن
الحوار المتمدن-العدد: 5644 - 2017 / 9 / 19 - 09:23
المحور:
الادب والفن
كان المساءُ حزيناً
مثل غابةٍ غادرها النهارُ
وغابَ عنها المطرْ
مثل الصهيل في فمي المختنق
يلبسُ السوادَ كالمقبرةِ
يحضرُ معي نخبي الأخيرْ
كان المساءُ حزيناً
يفترشُ فستانكَ الموشى بالزهورْ
يتمرغُ كالأفعى فوق صدري
ما من نسمةٍ جوفاء
تذيبُ فوقي الجليدْ
تردمُ الحصى
في عيني المسافرةِ للبعيد
اختنقُ مثل كأس متخمةٍ
بالنشوةِ والجنونْ
اشاطرُ الصبارَ في خوفه
اشاطرهُ الأنينْ
في حوافِ الهمسِ المخيفْ
أقعيْ كالسجين مكبل القوافي
ألعقُ كأسَ التوت الفارغةْ
كان المساءُ حزيناً كالثواني
يحبو على أنامل العقاربْ
وحيداً كأثداء النساء الأراملْ
يغرزُ أنيابهُ في ثنايا ظهري
يغتصبُ ذاكرتي المتسولة في الشوارعْ
أرتميْ كاللقيط في حضن المارة
أسيرٌ صراخي
ليس حولي غير هذه الكهوف
والكؤوس الملتفة حولي كالأفاعي
سوى معصمي الشنيقْ
كالسحابِ أمرُّ فوق السريرْ
دون أن أمطرْ
سوى ظلي يُقبِّلُ سوار المرايا
يحاورُ الطريقْ
يصولُ في جوقة العطر والذواكرْ
يا صديقي القديمْ
لما أثرتَ في سطري المواجع ْ؟
وتربعت كالخطيب في المنابرْ ؟
عشرونَ عاماٌ من الخيبة تكفي
لتنمو في صدري العناكبْ
تزيلُ ذاكرةَ الشراشفْ
تعانقُ التماثيل الكئيبة الغبارَِ
وتشيخُ البيادرْ
لما أثرتَ في سطري المواجعْ ؟
حفزتَ نقاطَ الحناجرِ
واحرقتَ السطورِ في الدفاترْ ؟
قَوَّسَ ظهري الانتظارُ
وما زلتُ أحلمُ بهجرة النوارسِ
وامنياتي كقطيعِ الجواميسِ
تنتظرُ سواطيرَ المسالخُ
يا صديقي الأليمْ
كان حريٌّ بك أن تنسجَ من دمعي
للكومبارسِ الملابسَ
والحزنَ لأبطالِ الملاحمْ
وتوزعُ لحمي على ثريدِ الموائدْ
دعني أنعقُ وحدي كالغرابِ
فوق مزابلِ التاريخِ
دع قلمي نائماً على الشواطئْ
يا صديقي القديمْ
مَن ذا الذي سيصنعُ المراكبَ
ويرممُ بداخلي الموانئْ ؟
مَن سيجدني في ركامِ المدنِ
و رمادِ المزارعْ ؟
من سيجذبُ القِطا إلى سهولي
حين يذبل الرصاص في البنادقْ ؟
وانا مسربلٌ في جراحي
مكبلُ القوافي والمدامعْ
من يفرزُ عظامي بالمقابرْ
أريدُ أن أحيا من جديدٍ
لا أرى سيفاً
ولا رمحاً
ولا طائراتٍ
ولا مدافعْ
أريدُ وطناً تحكمهُ السنابلً
تحلِّق في شواطئهِ النوارسُ
وتحرسهُ البلابلْ
(خليل الحسن)
#خليل_إبراهيم_الحسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟