|
«داعش» كحاجز حدودي.. تهشّم
السيد شبل
الحوار المتمدن-العدد: 5638 - 2017 / 9 / 13 - 20:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المتأمّل للمشهد بعناية يستطيع استخلاص أن المُستهدف من المؤامرة الأمريكية التي تم تنفيذها عبر أدوات بلحى كثّة ووجوه عابسة وعقول تكره الحياة، لم يكن السعي نحو شرذمة وتقسيم الأقطار العربية من داخلها على أسس طائفية ومذهبية وإثنية، فقط، وإنما كان، مضافًا لما سبق، تأسيس كيانات إرهابية، على الحدود الجغرافية بين الأقطار العربية وبعضها، تلعب دور أنهار النار، التي تحول، حتى، دون التواصل الجغرافي العادي، والنشاط التجاري الطبيعي، وحالات السفر التقليدية وكل ما يمكن أن يحدث بين بلدين وحكومتين في الظروف العادية.
بمعنى آخر فإن المؤامرة كانت تستهدف القضاء على فرص تواصل عربي/عربي، تقليدية تتأسس على مجرّد الجوار الجغرافي، وهي خطوة أعمق نحو استهداف أي وحدة أو تقارب ممكن أن يحدث بين الأقطار في الوطن العربي.. ضمن خطة "فرّق تسد" التقليدية.
يظل المشروع الوطني هو الإجابة على كل الأسئلة المطروحة اليوم، ولا يزال هو المشروع الحضاري الذي يتمكن من لحم الناس مع بعضها، على أسس من المواطنة السليمة، ودون تصنيفات مُسبقة، ضمن سبيكة واحدة، تسعى نحو النضال المشترك وتعزيز فرص الحياة الجمعيّة الأفضل.. ولأنه الإجابة السليمة فهو من يتلقى السهام.
عندما سيطر تنظيم داعش المتطرف على محافظة الأنبار، وبالأخص مناطقها الغربية، فهذا تُرجم عمليًا في صورة قطع الصلات التجاربة وعمليات السفر البري بين الأردن والعراق، وتعقّدت المسائل الحدودية، وتوقفت الصادرات النفطية في وقت مبكر من 2014، بسبب تدهور الحالة الأمنية والنشاط التكفيري المتنامي، ومن الطبيعي أنّ تصدير مواد حساسّة كالنفط يحتاج إلى طريق آمن بشكل مضاعف، ولا أحد يجرؤ على المغامرة.. وهذا طبعًا أثر بالسلب على اقتصاد البلدين العربيين، لكننا نذهب هنا إلى أن المُستهدف لم يكن فقط إغراق البلدان في المشكلات الاقتصادية، وتعقيد أحوالها الماديّة، وإنما غرس بؤر من نار تقطع أي قدر من التواصل العربي/العربي، ولو في أبسط صوره كالتجارة والسفر، أو توفّر (بؤر التوتر) للأمريكي وشركاته الأمنية، الفرصة للتدخل متذرّعًا بتردي الوضع وإمكانية المساهمة في الحل، وهو صانع الأزمة، أصلا.
الموقف ذاته تكرر بين سوريا والعراق، وعلى المساحة الأوسع من الحدود، حين أمسك الدواعش بمحافظتي دير الزور وشرقي حمص من الجهة السورية، وبمحافظتي الأنبار ونينوى من الجهة العراقية، فكانت النتيجة مشابهة، وانعزل عرب دمشق عن عرب بغداد، وبدا أن سور ضخم من الملابس السوداء الداعشية القروسطية يفصل بين هؤلاء وأولئك.. وتلك كانت الخطة.
لكن ما لم يتوقع، أو ما لم يكن مرصودًا بالقدر الكافي للغربيين، أن العراقيين لم يكتفوا بالسعي نحو تحرير بلدهم من هذه الهجمة الوهابي/أمريكية، بل عبروا الحدود للقتال في سورية نفسها، دعمًا وإسنادًا للجيش العربي السوري، وحفاظًا على تراثهم "الديني/الشعبي" المشترك، ضد الدواعش.. فذاب (الحاجز الداعشي) وتحوّل إلى (جزيرة مُحاصرة) يحاوطها ماء المحيط العربي -المسنود بحلفائه- من كل جهة، وبقي يسدد ضرباته حتى تهشمت (وكما موقف العراقيين كان موقف اللبنانيين، وعلى ذات القاعدة)، ولولا أن الرد على الحواجز الحدودية، كان تحطيمها والعبور وإدراك أن المصلحة واحدة وأن الباديء بهذا سيُثني حتمًا بذاك، لما كانت المعركة انتهت بالنصر.
دماء الشهداء الساخنة لا تزال على أيادينا، والنصر لم يكن نزهة، والضريبة كانت ثقيلة، لكننا ربحنا (روحًا) جديدة، يمكننا أن نوسّع بها مساحة الحياة حولنا، وأن نولّد نصرًا عمليًا ومشروعًا حضاريًا من البطولة العسكرية، لأن هذا ما يستحقه الشهداء، كما أن التجربة أثمرت (أو ثبتت) مسألة الوحدة والتقارب العربي، ودارت الدنيا وجاءت، حتى دفعت المصلحة المجرّدة نحو اختيارها، وتعزّزت بفعل العوامل المشتركة التي لطالما شرحها السابقون، كاللغة والتاريخ (بما فيه التراث الديني) والأرض والمصلحة وحتى القرابة العائلية المُترجمة في تقارب ملامح وسِحن، وكذلك (العدو المشترك).. وإلخ.
نعود لنقول: أن إنجازات الجيش العربي السوري وحلفائه التي أوصلته إلى دير الزور الإستراتيجية كانت أمرًا شديد الأهمية، فهي من جهة هشّمت مخطط التقسيم إلى حد كبير، واستردت هذه المنطقة الغنية بآبار النفط والغاز والثروات المعدنية، إلى جانب أنها أحبطت المخطط الساعي لفصل العراق عن سوريا، كذلك كان تقدّم القوات العراقية وقوات الحشد الشعبي مرة في الأنبار وأخرى في شمال غربي نينوى يعني الشيء ذاته، وأنهم في اتجاههم لمصافحة أشقائهم السوريين، وهنا (وليس قبل ذلك) يمكن أن يُرفع علم النصر.. لذا كانت معركة تلعفر، شديدة الأهمية، بالنسبة للحشديين، لأنها بوابة توصّل نحو الإمساك بالحدود مع محافظة الحسكة السورية، وهي محافظة وضعها حسّاس بالنسبة لسوريا والعراق بسبب الملف الإثني الكردي، والاشتباك الأمريكي الخبيث على هذا الخط.
يمكن أيضًا أن تلحظ صورة أخرى من صور هذا الجدار الداعشي الذي كان يُراد له أن يؤسس بين العرب وبعضهم في جنوبي حمص وريف دمشق وبدرجة أكبر بالسويداء ودرعا، بين سوريا والأردن، وهي طبعًا ليست بوضع المسألة العراقية/السورية، كذلك فسياقها مختلف، حيث ترتبط بالكيان الصهيوني الذي يطل بأنفه بالقرب من المشهد، كذلك قد يُستغل الوجود الإرهابي كذريعة لتدخلات خارجية استدمارية أمريكية بالتحالف مع عمّان كما طُرح بالماضي ولا يزال، لكن في النهاية، يبقى تكتّل المتطرفين في هذه المنطقة عامل فصل بين عرب سوريا وعرب الأردن، وحائل دون تلاقيهم (بصرف النظر عن الموقف من سياسات السلطة الأردنية).
كان مشهد اللقاء الذي اختلطت فيه الدموع والبسمات بين إعلاميي محور المقاومة على الحدود السورية اللبنانية، بعد تحرير الجرود (عرسال اللبنانية، والقلمون السورية)، يُتِرجم بالضبط ما نشير نحوه، وهو أن الانتصار الحقيقي، أو على الأقل جزء معتبر منه، كان في إعادة وصل العرب ببعضهم، على الأقل جغرافيًا، وعدم السماح بتأسيس كيان صهيوني جديد، يقطع الجغرافيا العربية الممتدة، ويكرر مأساة عزل مصر ووراءها عرب أفريقيا عن الشام وشبه الجزيرة بريًا (لولا "إيلات" التي هي أم الرشراش المحتلة، لكان العبور من وسط سيناء المصرية للعقبة الأردينة، ومنها إلى الجزيرة العربية، والعكس، من أبسط ما يكون، وهذا مثال بسيط للتوضيح.. ولولا "إسرائيل" كلها لكانت الشام في مصر، ومصر في الشام، ولما تعطّلت الوحدة، التي كان أحد أهم أسباب عدم استمرارها في 61، بعد تثبيت وجود المؤامرة الاستعمارية الغربية بالتحالف مع الرجعيّة العربية والإقرار بالأخطاء، هو عدم الاتصال الجغرافي، وعدم انضمام فلسطين للوحدة، لوجود مهاجرين أسسوا كيانًا محتلًا غريبًا وبرعاية استعمارية يقطع الطريق).
إن الإنجاز العربي الحاصل اليوم في إحباط المؤامرة الغربية/الوهابية، التي تمثّلت في تكتيل وتنظيم وتعويم وتسليح العناصر المهووسة في مجتمعاتنا، والمحقونة بالكراهية والوصائية، ثم جلب المزيد من المتطرفين الأجانب من مختلف أصقاع العالم إليهم، وشيطنة قوات الجيش والأمن في حال حاولت تحجيمهم والسيطرة على الوضع، ثم بث هذا التكتّل كالجراد يستبيح وينهش، يسانده "إعلاميون" و"معتدلون" من الخلف، يهمّشون الحديث عن المجازر أو يدينوها على استحياء، وبحسب المصلحة، لكنّهم بكل الحالات يمهّدون الأرضية لها عبر احتضان وبث الخطاب التكفيري والطائفي والماضوي والمنغلق والمتعصب دينيا، أو حتى عبر اختلاق فوارق بنيوية: بين داعش والنصرة وجيش الإسلام وتحرير الشام وأنصار بيت المقدس بسيناء وأنصار الشريعة وكتائب راف الله السحاتي بليبيا وبوكو حرام في نيجريا.. وإلخ، والزعم بأن الإشكالية هي في الأولى منهم فقط أو فيمن أعلنوا ولاءهم لها.. والصحيح أنهم كلهم، في القتل والنظرية: دواعش فرّختهم الإخوانيّة والقطبية والحالة الأفغانيّة.. حتى ولو مارسوا هواياتهم التكفيرية على بعض أو تقاتلوا فيما بينهم)، كذلك جاءت المساندة عبر محاربة المشروع الوطني والحداثي والعقلاني.. نقول، أن الإنجاز العربي الحاصل في وجه ما سبق، وفي وجه ما كان مرسومًا على الخرائط بناء عليه، إنجاز ضخم، ولم ينل حتى الآن، ونأمل أن ينال في المستقبل، حقّه في الشرح والتوضيح، أنه بحجم ما كانت المؤامرة كبيرة كانت المقاومة أيضًا كبيرة والنصر عزيز. صحيفة تشرين
#السيد_شبل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ملف كامل عن الروهينجا وأزمتهم: الدور الاستعماري البريطاني..
...
-
إشعال بورما بوابة لاستهداف وعقاب الصين وإباحة جنوب شرق آسيا
...
-
هل سمعت عن ثورة التايبنج؟
-
من كابول إلى دمشق.. «الإخوان» العباءة الأمريكية!
-
السعودية الأخرى: كل شيء كان وشيكًا أن يتغير
-
جرائم منسية بكوريا الجنوبية: «سنجمان ري والبيت الأبيض» كسفّا
...
-
المقهى والبقالة.. والمال السّهل.. لماذا؟
-
عن امتيازات المواطن الأوروبي!
-
حين لا ترى الواقع.. عيون (الفيس بوكيين)!
-
في تشخيص الداء.. لماذا نرى -متسولين-؟
-
حسين حبري: كمجرم ومستبد حطّم بلاده.. لا يذكره أحد ؟!
-
هنا.. الموالد الشعبية
-
حتى نفهم: ما دلالات توقف العمل بنفق السكة الحديد أسفل القناة
...
-
هيرو هيتو: مجرم حرب ياباني.. غسلت سمعته واشنطن
-
الاقتصاد المصري قبل يوليو 52: تركيز للثروة في أيدي أقلية وأج
...
-
الدعم الأمريكي للخمير الحمر.. الجملة المفقودة في قصة كمبوديا
-
عمال القطاع العام...دعموا الجيش في معركة العبور فدهستهم «الخ
...
-
أين الخلل الاقتصادي في مصر؟
-
جرائم «أخطاء» التحالف الدولي في سوريا والعراق
-
سوريا: ثور أبيض أبى أن يُذبح
المزيد.....
-
تعهدات مكتوبة بخط اليد.. شاهد ما وجده جنود أوكرانيون مع كوري
...
-
إيمي سمير غانم وحسن الرداد بمسلسل -عقبال عندكوا- في رمضان
-
سوريا.. أمير قطر يصل دمشق وباستقباله أحمد الشرع
-
روسيا ترفض تغيير اسم خليج المكسيك
-
عائلات الرهائن الإسرائيليين يدعون حكومتهم إلى تمديد وقف إطلا
...
-
أثر إعلان قطع المساعدات الخارجية الأمريكية، يصل مخيم الهول ف
...
-
ما الذي نعرفه حتى الآن عن تحطم طائرة في العاصمة واشنطن؟
-
العشرات من السياح يشهدون إطلاق 400 سلحفاة بحرية صغيرة في ساو
...
-
مقتل اللاجئ العراقي سلوان موميكا حارق القرآن في السويد
-
من بين الركام بمخيم جباليا.. -القسام- تفرج عن الأسيرة الإسرا
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|