|
مع الحدث: بوتين يكسّر سلاسل الطوق الاسرائيلي – الامريكي المفروض حول رقبة حماس
احمد سعد
الحوار المتمدن-العدد: 1460 - 2006 / 2 / 13 - 10:07
المحور:
القضية الفلسطينية
إتخذ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خطوة سياسية جريئة هزت عروش الانظمة المعادية لحقوق الشعب العربي الفلسطيني بالحرية والاستقلال الوطني، الانظمة المعادية لارادة الشعب الفلسطيني واختياره وحسمه الدمقراطي الحر وخاصة في اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية. ففي المؤتمر الصحافي الذي عقده في العاصمة الاسبانية مدريد، اثناء زيارته لها يوم الخميس الماضي 9/2/2006 ، فاجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اعداء الحقوق الوطنية الشرعية الفلسطينية بتصريحه الجريء الذي تمحور حول دعوة قادة حركة المقاومة الاسلامية (حماس) الى موسكو لاجراء محادثات معهم. وقد علل هذه الدعوة بأمرين اساسيين: * الاول:ان روسيا الفدرالية لا تعتبر حماس منظمة ارهابية، بمعنى انه من حيث المدلول السياسي فان روسيا، النظام الروسي، يعتبر حماس احد فصائل المقاومة الفلسطينية لشعب يرزح تحت نير الاحتلال ويناضل من اجل تحرره القومي، ولهذا فانه لا يمكن مصادرة شرعية وجوده ونشاطه السياسي. * والثاني: ان النظام الروسي يحترم ارادة الشعب الفلسطيني الذي منح "حماس" ومن خلال انتخابات دمقراطية، حرة ونزيهة، تشهد على ذلك اعين المراقبين الدوليين الذين رافقوا العملية الانتخابية، الاكثرية المطلقة في المجلس التشريعي الفلسطيني وسلّمها مفاتيح تأليف الحكومة الفلسطينية الجديدة. لقد اثارت هذه الدعوة الروسية لحماس، التي مدلولها السياسي اعتراف روسي بالشرعية السياسية لسلطة فلسطينية جديدة تكون حماس احد مركباتها الاساسية، اثارت ردود فعل غاضبة وهستيرية تحريضية من قبل اسرائيل الرسمية وادارة عولمة ارهاب الدولة المنظم الامريكية. فوزير المعارف والثقافة مئير شطريت، " اعتبر الدعوة الروسية "خنجرا" في ظهر اسرائيل"!! ، الرئيس بوتين يبصق في وجه اسرائيل" على حد تعبير مسؤولين كبار في حكومة اسرائيل؟ كما اوردته وسائل الاعلام الاسرائيلية. وسارع المستشارالخاص لرئيس الحكومة، دوف فايسغلاس الى الاتصال بالمسؤولين الكبار في "البيت الابيض"الامريكي لتنسيق خطى مواجهة الموقف الروسي من "حماس". اما الادارة الامريكية فقد عبّرت عن موقفها المعلن بأنها طلبت ايضاحات من الرئيس الروسي حول تصريحه في المؤتمر الصحافي في مدريد، اما في دهاليز "البيت الابيض" المعتمة فان الموقف الامريكي يختلف تماما، حيث تجري الادانة لهذا الموقف الروسي والتعبير عن قلق الادارة الامريكية من مغبته، فمساعد وزيرة الخارجية الامريكية يعقب بما يلي: "ان تصريح بوتين يؤلف خرقا للموقف الدولي الذي اتخذ حتى الآن من حماس. انها صفعة مدوية في وجه الولايات المتحدة واخلال في الحلف المنسق بين الدول اعضاء الكوارتيت"!! ان تحالف الشر الاسرائيلي – الامريكي يحاول الطعن في الموقف الروسي من حماس بادعاء ديماغوغي مفاده ان الرئيس الروسي داس باقدامه الاشتراطات والشروط التي اشترطتها امريكا واسرائيل والاتحاد الاوروبي للتعامل مع سلطة فلسطينية في مركزها حماس. فحسب رأي اسرائيل الرسمية والادارة الامريكية ان الرئيس الروسي بوتين بتصريحه قد أحدث صدعا في الجبهة الموحدة التي تقودها الولايات المتحدة الامريكية ضد حركة حماس وحتى تعترف هذه الحركة بوجود اسرائيل. وان تصريحات بوتين تناقض قرارات مجموعة الاربع (الكوارتيت – روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة) التي ترافق العملية السياسية المجمدة في المنطقة. ففي نهاية شهر كانون الثاني الماضي وبعد انتصار حماس الساحق في انتخابات التشريعي قررت مجموعة الكوارتيت في اجتماع لممثليها ان كل حكومة فلسطينية ستقوم في المستقبل، والحديث يدور عن حماس اساسا، عليها الالتزام بوقف العنف، الاعتراف باسرائيل وباحترام الاتفاقيات والالتزامات السابقة بما في ذلك خارطة الطريق كشروط لاقامة اتصالات معها!! لقد ناقشنا في معالجة سابقة المدلولات السياسية لهذه الشروط الثلاثة التي تحاول حكومة الاحتلال الاسرائيلي استثمارها وبمساندة من حليفها الاستراتيجي العدواني الامريكي للتغطية على حقيقة ان من لا يعترف بحق الآخر في الوجود في اطار دولة مستقلة هي اسرائيل اما الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، منظمة التحرير الفلسطينية فقد اعترفت بحق اسرائيل في الوجود ابان دورة الاستقلال للمجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر في عام ثمانية وثمانين من القرن الماضي والذي بناء عليه وقعت اتفاقات اوسلو التي في مركزها الاعتراف المتبادل بين اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. كما ان هدف هذا التحالف الاسرائيلي – الامريكي من وراء الشروط الثلاثة المذكورة هو تهرب المحتل الاسرائيلي من تنفيذ التزاماته وفق خارطة الطريق، خاصة فيما يتعلق بمواصلة الاستيطان وبناء جدار الضم والعزل العنصري، وارتكاب جرائم القتل والتصفيات ضد شخصيات وقادة فلسطينيين وخلق المبررات لعدم استئناف العملية التفاوضية السياسية مع الطرف الفلسطيني بهدف التوصل الى تسوية الحل الدائم. اضف الى كل ما ذكر ان مسؤولية وواجب المجتمع الدولي برمته، بما في ذلك الادارة الامريكية وحكومة اسرائيل والاتحاد الاوروبي، ان يحترم اولا وقبل كل شيء ارادة الشعب الفلسطيني وما تمخضت عنه انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني التي اوصلت حماس الى كراسي السلطة. وبعد هذا الاول، يجري الحوار مع حماس حول منهجها ونهجها السياسي، خاصة فيما يتعلق بقضية التفاوض السياسي مع المحتل الاسرائيلي. وكل متتبع لتطور الاحداث منذ انتصار حماس الساحق في الانتخابات البرلمانية الفلسطينية يدرك جيدا انه تجري محادثات فلسطينية – فلسطينية بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس وقادة حماس، ومحادثات فلسطينية – عربية بين قادة حماس والنظام المصري والنظام السعودي والنظام السوري والنظام القطري، محادثات مرفقة بضغوطات تستهدف التأثير على حركة حماس ان تنهج نهجا براغماتيا واقعيا في الظروف الدولية القائمة دون التنازل عن ثوابت الحقوق الوطنية الفلسطينية غير القابلة للتصرف، عن حق الشعب الفلسطيني في الحرية واقامة دولته المستقلة في حدود الرابع من حزيران السبعة والستين وعاصمتها القدس الشرقية وضمان حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة وفقا لقرارات الشرعية الدولية. لقد اغضب حكومة الاحتلال الاسرائيلي المدلول السياسي لتصريح السكرتير العام للامم المتحدة، كوفي عنان، الذي يقول ويؤكد "انه يجب عدم التسرع في اصدار الحكم على حماس، يجب اعطاؤهم مزيدا من الوقت حتى يتنظموا. فحقيقة هي انه كانت هنالك ظواهر ان حركات مسلحة تحولت الى احزاب سياسية"! وحماس في السلطة ليست حماس في المعارضة. وحماس لم تباشر بعد في تسلّم مفاتيح ادارة الحكومة الفلسطينية الجديدة، ولم يعرف بعد اذا كانت ستكون حكومة وحدة وطنية بمشاركة حركة فتح وغيرها من الفصائل الفلسطينية ام ستكون حكومة حماس بمفردها، وكيف يمكن الحكم على حكومة لم تقم بعد ولم تعلن بعد عن الخطوط العريضة لسياستها في شتى المجالات السياسية والاقتصادية – الاجتماعية. ومن هذا المنظور فان دعوة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قادة حماس الى موسكو، التي ستتم في النصف الثاني من شهر شباط الجاري، تكتسب اهمية سياسية كبيرة يمكن تجسيد اهميتها في امرين اساسيين:
* الامر الاول: ان روسيا بصفتها احدى الدولتين الراعيتين للعملية السياسية في المنطقة (مع الولايات المتحدة الامريكية، وبصفتها احدى الدول في مجموعة الاربع الكوارتيت) المرافقة للعملية السياسية وخطة خارطة الطريق، فان دعوتها لقادة حماس التي تعتبر اعترافا بالشرعية السياسية لحركة حماس تستهدف الاسهام في دفع عجلة التسوية السياسية، استئناف العملية التفاوضية الاسرائيلية – الفلسطينية، محاولة التأثير على قادة حماس لاتخاذ مواقف تخدم المصالح الحقيقية للكفاح الفلسطيني العادل من اجل التحرر والاستقلال الوطني وتضع المحتل الاسرائيلي وحلفاءه في زاوية العزلة وتحت مكابس الضغط الدولي لالزامه الاقرار بالحقوق الوطنية الشرعية الفلسطينية كشروط لا بد منها لضمان الامن والاستقرار والسلام العادل في المنطقة.
* والامر الثاني: ان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بدعوته لقادة حماس، يعمل على استعادة الدور الروسي الفاعل في المنطقة وكسر الاحتكار الامريكي لهذا الدور منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، يريد استعادة مكانة روسيا في بلدان المنطقة التي ضُربت مصالحها فيها منذ تفكك الاتحاد السوفييتي وبدء الهجمة الاستراتيجية الامبريالية الامريكية للهيمنة في المنطقة. فنظام بوتين بدعوته لحركة حماس يبث عمليا رسالة مدلولها ان روسيا لا تزال دولة عظمى لها مصالحها في المنطقة وهي دولة سيادية مستقلة تتخذ القرار الذي يخدم مصالحها. ونظام بوتين يأخذ في الاعتبار وضع الولايات المتحدة الامريكية المأزوم في المنطقة، تورطها في صنّة اوحال مستنقع احتلالها في العراق، علاقاتها المهزوزة مع سوريا وايران اللتين تقيمان علاقات جيدة مع روسيا، انحيازها التام الى جانب العدوانية الاسرائيلية ومعاداة الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية الشرعية. فالعلاقة الروسية – الفلسطينية تاريخية عبر عشرات السنين. فالاتحاد السوفييتي كان سند الشعب الفلسطيني في نضاله لانجاز حقوقه الوطنية العادلة، يدعمه سياسيا دبلوماسيا وماديا وعسكريا. واذا كانت العلاقة السوفييتية – الفلسطينية علاقة مبدئية تنطلق من موقف مبدئي للاتحاد السوفييتي في دعم حركات التحرر القومي في نضالها من اجل الحرية والاستقلال الوطني فان مدلول العلاقة التي يهدف نظام بوتين الى اقامتها مع الشعب الفلسطيني وقيادته، بما في ذلك مع حماس في السلطة، تتمحور في خدمة المصالح الروسية سياسيا واقتصاديا واستراتيجيا، مصالحها في كسر الاحتكار الامريكي المهيمن في المنطقة واستعادة مواقعها ومصالحها المفقودة. وليس من وليد الصدفة ان تسارع فرنسا الى مباركة الخطوة الروسية الجريئة وتأييدها، ففرنسا ايضا لها مصالحها في المنطقة ولا ترغب ان تبقى عصمة الاحتكار والهيمنة بايدي الامريكان. وما نأمله ان تقود خطوة الاعتراف الروسي بحركة حماس وتأييد فرنسا لهذا التوجه الروسي ليس فقط الى تحطيم القيود والسلاسل الاسرائيلية – الامريكية التي تُجدل حول رقبة الحق الفلسطيني والشعب الفلسطيني، بل كذلك الى الاسهام في دفع عجلة العملية التفاوضية السياسية الاسرائيلية – الفلسطينية لانقاذ الشعب الفلسطيني من براثن الاحتلال الاسرائيلي ودنسه الاستيطاني وانجاز حقوقه الوطنية بالدولة والقدس والعودة.
#احمد_سعد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشعوب تمهل ولا تهمل حتى لا تضيع البوصلة في المواجهة الاحتجا
...
-
من الذي نسف الطريق إلى السلام؟ عندما تتشقبع الموازين ويجري ا
...
-
أملنا ان تتحمل حماس المسؤولية الوطنية هل تتبنّى حماس منهج ون
...
-
ألمدلولات والاسقاطات الاساسية لانتصار حماس الكاسح
-
في مؤتمر هرتسليا لأرباب الرأسمال الكبير: رسالة الأحزاب المتن
...
-
طبختكم طِلعتْ شايطة!
-
مدلولات المحور السوري- الايراني في مواجهة المخطط العدواني ال
...
-
نحو النصر نسير مسؤوليتنا الأساسية الانطلاق بقوة لإنجاح قائمة
...
-
براميل المياه المسقّعة على اقفية الدجالين كلب المختار مفضوح
-
ماذا بعد أرئيل شارون؟
-
تكيف ديماغوغي يتمترسون في أوكار اليمين ويهلّلون زورًا أنهم ا
...
-
توبة -زعرور- كفر
-
ألحكمة في التوفيق الصحيح بين المسؤولية والتميّز
-
ألليكود المقزّم يتخبّط بين فكّي اليمين المتطرف والفاشيين
-
الوصاية الدولية والمخططات السوداء - هل يضعون لبنان والمنطقة
...
-
بناء على خطته -للحل الدائم-: هل أصبح عمير بيرتس من أنصار الت
...
-
سنفتقدك دائمًا يا قبطان السفينة
-
هذه الشنشنة التحريضية السافرة هدفها: ضرب الحزب الشيوعي والجب
...
-
مع تقريب موعد الانتخابات المرتقب: ما العمل لقطع الطريق في وج
...
-
يحاولون الاستظلال تحت رايتنا الطبقية الاشتراكية
المزيد.....
-
لحظة لقاء أطول وأقصر سيدتين في العالم لأول مرة.. شاهد الفرق
...
-
بوتين يحذر من استهداف الدول التي تُستخدم أسلحتها ضد روسيا وي
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك شمال قطاع غزة
-
هيّا نحتفل مع العالم بيوم التلفزيون، كيف تطوّرت -أم الشاشات-
...
-
نجاح غير مسبوق في التحول الرقمي.. بومي تُكرّم 5 شركاء مبدعين
...
-
أبرز ردود الفعل الدولية على مذكرتي التوقيف بحق نتنياهو وغالا
...
-
الفصل الخامس والسبعون - أمين
-
السفير الروسي في لندن: روسيا ستقيم رئاسة ترامب من خلال أفعال
...
-
رصد صواريخ -حزب الله- تحلق في أجواء نهاريا
-
مصر تعلن تمويل سد في الكونغو الديمقراطية وتتفق معها على مبدأ
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|