أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمانة القروي - ابريق الشاي














المزيد.....

ابريق الشاي


جمانة القروي

الحوار المتمدن-العدد: 5633 - 2017 / 9 / 7 - 03:14
المحور: الادب والفن
    


ثلاثة رفاق في قاعدة واحدة، تجمعهم ثلاثة اشياء،المدينة الجنوبية التي ينحدرون منها، شرب الشاي دون ملل،اختفاءاسمائهم من جدول الواجبات اليومية الا لماماً!
زعزع هدوء المساء هزيم الرعد، ثمة زوابع تعربد بصخب لايهدأ، جادت السحب الرمادية السوداء بالمطر الغزيرالذي لم يتوقف منذ ساعات طويلة،تبلل كل شئ واصبحت الاوحال تغطي الارض كلها، لم يعد الخروج من الغرف بالامر الهين، فالتزم اغلب الرفاق امكانهم في اركان وزوايا القاعة، بعضهم مضى يحلم ويستعيد ذكرياته البعيدة،او ينكأ خيباته القديمة وهو ينفث دخان سيكارته كانه يطرد روحه معها،آخرون يقطعون ساعات السأم بالرحيل مع الكتاب الى عوالم الخيال الغريبة، قسم منهم يفكر بالمستقبل الذي ربما لن ياتي ابداً، ثلة تجلس حول الموقد تلقمه بالحطب وتجتثُ الضجر بالاحاديث، وبين هذا وذاك لم يتوقف الباكردان* عن الدوران على اسطح الغرف بايدي معظم الرفاق الذين كانوا يتناوبون عليه الا هؤلاء الثلاثة، الذين لاتهزهم نخوة او شهامة !
في ذلك اليوم المتجهم العابس،حيث يصبح كل شئ مهما كان يسيراً شاقاً، صادف ان تكون الوجبة الشهرية العزيزة*، مما يستوجب مضاعفة الجهد والعناية والكثير من الحطب اليابس لتكون ناضجة وشهية.
وقع الاختيارعلى بعض الرفاق الذين يمتازون بالصبر والاناة وايضا الطبخ اللذيذ. رفض المهمة اثنان وتنصل آخر! لم يبق سواه، ذلك الذي يقطر بالطيبة والهدوء ويمتاز بالتضحية، وحب الاخرين حتى وان جارعلى نفسه، لم يتردد في تحمل تلك المسؤولية الصعبة.
بالرغم من البرد القارص والزمهرير الذي يجمد الدم في العروق، والارض التي تحولت الى برك ومستنقعات من الاوحال، هرع لوحده الى سفح الجبل لجمع اكبر كمية من الحطب، كان جسمه النحيل يرتجف تحت ملابسه التي تقطر ماءً ووحلاً وهو يلهث ويكابد من ثقل شوالي الحطب حينما نزل من القمة المحاذية للفصيل.
قبل مطلع فجر ذلك الصباح كان يجلس امام الموقد لم يفارقه،انهمك بتجفيف تلك الاخشاب المنقوعة بماء المطر حول النار، كي يسهل تلقيمها به مما يسرع في انضاج الطعام. اعمى الدخان المتصاعد من الحطب عينيه، لم تتوقف قطعة المقوى في يديه عن النفخ في النار لتاجيجها،امتلاْ شعره وملابسه بغبار الدخان والرماد الاسود، ناله التعب تماما، الا انه لم يتوانَ او يبالِ واستمر في عمله فقد امسى همه ان لا يفشل ويسعد رفاقه بالوجبة اللذيذة.
فجأة ولامر ما اضطر لترك مكانه،حينذاك كان مايزال الرز في طورالاستواء،لكنه نبه وحذر الحارس من السهو عنه، فيما لو تاخر، مكررا عليه ذلك اكثر من مرة .
ربما لحسن الحظ ، لم تمضِ على غيابه سوى فترة قصيرة، مالبث ان عاد لمكانه امام الموقد فقد انجز ما ذهب اليه بسرعة خوفا من اي طارئ يؤدي الى تلف الطعام . تصلبت حواسه، ضاقت عيناه، مرت عليه هنيهات من الوجوم، نبت الغضب على قسماته مما راى، فقد رَاعـــه بان احدهم قد سحب كمية من الجمر من تحت الموقد الذي عليه الطعام، ليضع ابريق الشاي الصغير الخاص به عليه. احتدم الغضب والاشمئزاز في داخله،سيما عندما فتح غطاء القدر ليتذوق الرز الذي لم يكتمل نضوجه بعد.
حاول جاهداً ان يتمالك نفسه، اخذت مشاعر الغيظ تاكل روحه، وقف دون حراك فقد جمده الذهول،انقلب وجهه الذي بات يزبد بالغضب فامتقع لونه، جحظت عيناه، توارت الكلمات في حنجرته اليابسة، تناوشه الارهاق والم الشعور بالغثيان والتقزز من هؤلاء الثلاثة الذين غلب عليهم حب الذات على حساب المجموع، بات الحنق في اوجه، زأر متسائلاً " لمن هذا الابريق اللعين؟".. لم يتلقَ جواباً ! مازالت عيناه تزوغان بقلق باحثا عن من يرد! كان في اوج غضبه ونظراته تنم عن حزم وتحدٍ. صرخ مرة اخرى حتى غص بصوته، لكن احداً لم يرد. كان يعرف تماما لمن يعود ذلك الابريق! مع ذلك استمر بالكلام بصوت مسموع للجميع ونبرة فيها من القرف والنفورالكثير،فقد تحطم في داخله حاجز الصبر والحلم اللذين يتحلى بهما، صفق براحته تعبيراًعن اسفه،ثم دوى صوته مؤنباً " لا يهم ان ياكل رفاق الفصيل وجبتهم دون ان تكتمل او حتى نية، المهم ان تشربوا شايكم دون ان تتكلفوا عناءً له"!
لم يسمع جواباً، احس بان حمم الشرر تمور في داخله، تمنى ان يعترضه احدهم ليطفئ اوار ناره ويصب جام غضبه عليه، لكن الصمت خيم على المكان! مكثت يدور للحظات حول نفسه وثورته ماتزال مستعرة، واذا به يمسك بذلك الابريق ويرمى به بعيدا بكل ما اوتي من قوة.




*الباكَردان : عبارة عن حجرة ملساء اسطوانية الشكل ثقيلة يخترقها سيخ من الحديد الرفيع يستعمل كماسك، ويجر على السطوح الطيبنة كي لا يتسرب الماء منها.(كان يستعمل في قرى كردستان ).
*الوجبة الشهرية العزيزة هي اللحم .



#جمانة_القروي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اكفان خضراء
- الفقدان
- الخباز
- قصة قصيرة بعنوان الكنز
- قصة قصيرة عناقيد العنب
- قمقم الذكريات
- الاقحوان الحزين
- شبح الغربة
- الضرس
- الغول الاحمق
- من لايعرف ماذا يريد ( رؤيا نقدية حول رواية سميرة المانع الاخ ...
- قصة قصيرة بعنوان الزنابق البيضاء
- قصة قصيرة - القرار..
- مبدعون عراقيون في المنافي ( 5 ) [ الدكتور رشيد الخيون ]
- الفنانة ناهدة الرماح - حب الناس هو النور لعيونها .. وبذاك تل ...
- السمفونية الأخيرة
- مبدعون عراقيون في المنافي الدكتور صلاح نيازي
- مبدعون عراقيون في المنافي ...الحلقة 2
- مبدعون عراقيون في المنافي
- زينب .. رائدة المسرح العراقي


المزيد.....




- مبادرة جديدة لهيئة الأفلام السعودية
- صورة طفل فلسطيني بترت ذراعاه تفوز بجائزة وورلد برس فوتو
- موجة من الغضب والانتقادات بعد قرار فصل سلاف فواخرجي من نقابة ...
- فيلم -فانون- :هل قاطعته دور السينما لأنه يتناول الاستعمار ال ...
- فصل سلاف فواخرجي من نقابة فناني سوريا
- -بيت مال القدس- تقارب موضوع ترسيخ المعرفة بعناصر الثقافة الم ...
- الكوميدي الأميركي نيت بارغاتزي يقدم حفل توزيع جوائز إيمي
- نقابة الفنانين السوريين تشطب سلاف فواخرجي بسبب بشار الاسد!! ...
- -قصص تروى وتروى-.. مهرجان -أفلام السعودية- بدورته الـ11
- مناظرة افتراضية تكشف ما يحرّك حياتنا... الطباعة أم GPS؟


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمانة القروي - ابريق الشاي