|
هل فشل حراك الريف ؟
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 5632 - 2017 / 9 / 6 - 19:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هذا التساؤل المشروع يحيل إليه ، الوضع الحالي الذي أضحى عليه الحراك ، كما يحيل إليه انتقال مطالب الريف ، وتنوعها عبر عدة محطات ، سواء عند بداية الحراك كما كان يبدو قويا من خلال استجابة الريفيين إليه ، خاصة بالحسيمة والنواحي ، أو من خلال التحولات التي عرفتها المطالب ، حين انتقلت من المطالب الاجتماعية والاقتصادية المشروعة ، الى المطالب السياسية والإثنية والجغرافية ، التي تتطلب زخما يتجاوز طاقة أصحاب الحراك ، كما يتجاوز ساكنة الحسيمة التي تضبّب عليها المشهد منذ البداية ، حين كانت قد إسْتُدرجت للدفاع عن مشروع عام ، كانت كل التحليلات الدقيقة تنبئ بفشله ، لأسباب ترجع إلى ذاتية زعماء الحراك ، التي سيطر عليها الاندفاع من اجل الاندفاع ، دون تحضير العقل لتحليل ظروف المرحلة ، والعجز في استيعاب المرحلة التي لم تكن قد توضّحتْ بعد بسبب الازدواجية في الخطاب ، بين المطالب الاجتماعية والاقتصادية ، وبين التركيز على البعد الجغرافي والإثني ، كخلاص من النظام العروبي ، ومن العرب حين اعتبروهم استعمارا اشد من الاستعمار الاسباني الذي كان رحيما بهم رغم انه ضرب أجدادهم بالغازات السامة . كما يحيل على هذا التساؤل ، التحول الذي أصبح عليه خطاب الحراك ، بعد ان فقد بريقه باعتقال زعماءه ، واقتصاره على المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين ، وإسقاطه المطالب الاجتماعية والاقتصادية ، وتبرُّئه ، بل إنكاره لأي مطلب يمس الجغرافية او الإثنية . لقد ارتكب قادة الحراك بسبب انعدام التحليل السياسي الدقيق ، أخطاء خطيرة كان يستحسن تفاديها وتجنبها ، لأنها بقدر ما كانت تسيء إلى الحراك ، وتضيق على رقعته وامتداداته ، فإنها كانت سببا رئيسيا في فشله ، وهو فشل كانت أوضح تجلياته في انطفائه ، وتحوله الى رماد يعلق أياً كان شماعته عليه . فهكذا سنجد تبادل الاتهامات بين زعماء الحراك ، وتحميل كل طرف للأخر ، مسؤولية الفشل الذي لمس حتى الحقل الإعلامي ، الذي غطى على الحراك بما يجري اليوم ببورما وباليمن . بل سنجد ان الحراك ، سيغيب عن الساحة الإعلامية التي اقتصرت على تصيُّد بعض الأنباء من هنا وهناك ، كمحاولة لبث الروح في جسم وجسد ميت . فما هي الأسباب الرئيسية التي أفشلت حراك الريف ؟ 1 ) عندما انطلق الحراك في بدايته ، ركز مطالبه على الحقل الاجتماعي والاقتصادي . لكن بعد مرور بعض الوقت ، سنجد ان تنسيقا خطابيا وتنظيميا ، بدأ بين زعماء الحراك المندفعين والمتطرفين بالداخل ، وبين زعماء الريف الانفصاليين بالخارج خاصة بهولندة ، وألمانيا ، وبلجيكا ، واسبانيا . هكذا وبدخول حركة 18 سبتمبر على الخط ، ومن خلال تصريحات سعيد شعو وبعض الزعماء الآخرين بالمهجر ، سيتبلور خط اندفاعي جديد تجاوز المطالب الاجتماعية والاقتصادية ، إلى المطالب السياسية والجغرافية والإثنية . ولنا أن نتساءل . هل حجم تلك المطالب الجديدة ، كان في حجم وقوة زعماء الحراك بالداخل ، وبخارج المغرب ؟ أم أن روح المغامرة ، والاندفاع غير المضبوط ، والتهور ، والحلم بوطن جديد ، أعمت أعين الجميع ، خاصة حين جروا وراءهم ساكنة لم تكن تعلم عن المخطط والمشروع العام أي شيء . 2 ) من خلال التحول الذي طرأ على المطالب ، وانزلاقه الى التركيز على الجغرافية والإثنية ، سيتسبب الحراك لنفسه في الاختناق ، وسيكون بمن غرس بذور فشله ، ليحصد في النهاية الإفلاس التام على جميع الأصعدة والمجالات . ان اتجاه الحراك الى التركيز على الجغرافية والإثنية ، يكون بمن أسس للتمايز والاختلاف الطائفي . وعوض تعريض القاعدة الشعبية المفروض ان تدعم الحراك في مطالبة الاجتماعية والاقتصادية ، حصل تباعد شعبي عن الحراك ، بل تولد عند عامة الشعب ، توجسا وخوفا مما يجري ، وأصبح الهدف ، هو التحصين والتمْتين ، ضد كل محاولات التقسيم والتجزيء ، واصحب الهمّ الشعبي المغربي هو الحفاظ على الوحدة ، وحدة التراب والأرض ووحدة الشعب . ان هذا الموقف الشعبي المغربي الذي اخذ مسافة بعيدة عمّا يجري بالريف وبالصحراء ، ولّد في الذاكرة الشعبية المغربية ، مؤامرة الاستعمار الفرنسي الذي أراد تمْسيح البربر من خلال الأعراف ، والمحاكم ، ونظم حكم القبيلة ، وهي المؤامرة التي سيكشف عنها الاستعمار الفرنسي بالظهير البربري الذي قاومه المغاربة بمختلف أعراقهم من عروبيين وبرابرة . فان يصبح في الذاكرة الشعبية ما يجري بالريف ، وبالصحراء مؤامرة تحاك ضد المغرب أرضا وشعبا ، يعني أن الحراك بمطالبه السياسية الضيقة ، والجغرافية ، والإثنية ، يكون قد حكم على نفسه بالموت المحقق . 3 ) بعد طول الحراك ، الذي التزم فيه النظام بدور المراقب لما يجري ، ورغم ان النظام لم يستعمل العنف قبل اقتناص خطأ الزفزافي ومن معه بحادثة المسجد ، اعتبر زعماء الحراك في الداخل ، وزعماءه في الخارج هذه السياسة بمثابة ضعف للنظام ، وان الظرف أصبح مواتيا ، والفرصة سانحة لخلق وضع جديد ،طالما حلم به الريفيون منذ خمسينات القرن الماضي . لقد اعتقدوا في قرارة نفسهم ، ان المغرب اليوم أكثر من ضعيف ، واعتقدوا ان الملك أكثر من ضعيف كذلك وانه سيرضخ للأمر الواقع لاستمرار نظام حكمه . كما اعتقدوا ان الفرصة السانحة والمواتية ، ممكن ان تساهم ، ليس فقط في تحقيق المطالب الجغرافية والإثنية ، بل قد تساهم في تغيير جذري للنظام بالمغرب . وهنا نتذكر رفع صور الكلونيل محمد اعبابو ، والضباط الذين شاركوا في انقلاب 1971 ، الذي كان سيؤسس لجمهورية امازيغية . لكن الذي تغافله زعماء الحراك في داخل المغرب وفي خارجه ، ان الملك لا يحكم كشخص ، بل يحكم كنظام ، ومن ثم فان قوة الملك يستمدها من النظام الذي يحتضنه ، وعلى رأسه الجيش والدرك . ان الملك هو نقطة ماء في بحر نظام هائج ، ومن ثم فهو لا يستطيع الخروج عن خارطة الطريق المرسومة له بإتقان ، وإلاّ فان تغليب المصالح الفئوية ، والطبقات المستفيذة من الوضع ، قد تسبب في أشياء ستكون خطرا على شخص الملك ، أكثر من خطورتها على نظام حكمه الذي قد يستمر مع حاكم آخرا . وهنا أود توجيه ملاحظة لأولئك الذين يركزون على شخص الملك ، دون نظامه . ان من يعتقد ان التركيز على شخص الملك دون النظام ، سيكون وضعه هو وضع زعماء الحراك الذين شخْصنوا ، واختزلوا الملك في النظام ، في حين وكما قلت هو نقطة ماء في بحر هائج . 4 ) أن من أهم أسباب فشل الحراك ، بسبب غياب الدعم الشعبي المغربي له ، هو انه حكم على نفسه بالتمايز والتخندق والانعزالية . اي انه ومنذ بداية الحراك عزل نفسه عن النضالات التي يخوضها الشعب المغربي قاطبة . وهنا سأعالج سلوكين لهما أكثر من دلالة : ا – السلوك الأول ، وهو تساؤل عن العلاقة بين المطالب الاجتماعية والاقتصادية ، وبين رفع راية الجمهورية الريفية التي كانت توزع بالآلاف ، الأمر الذي نطرح معه التساؤل ، عن مصادر تمويل طباعة تلك الراية ، والمنشورات التي كانت توزع ليلا ؟ فهل كانت الجمهورية الريفية تغطي كل المغرب ، أم أنها كانت فقط بالريف ؟ وإذا نحن علمنا ان سيادة الجمهورية كانت تقتصر فقط على الريف ، ولها رايتها الخاصة ، ودستورها ، ومؤسساتها ، وجيشها ... الخ، ولم تكن تشمل كل المغرب ، استخلصنا للتو ، ان دعوة زعماء الحراك بداخل المغرب وخارجه ، أصبحت هي الانفصال عن المغرب ، والرجوع الى الحدود الترابية التي كانت عليها الجمهورية الريفية . وقد تأكدت هذه الدعوة برفع شعار الحكم الذاتي ، ثم بعده رفع شعار الاستفتاء وتقرير المصير . ب – السلوك الثاني ، هو تساؤل كذلك بين المطالب الاجتماعية والاقتصادية المشروعة ، وبين رفع الراية الامازيغية ، الى جانب راية الجمهورية الريفية ، وفي غياب مقصود للراية الوطنية التي تم إحراقها نكاية في الجنس العربي . ان ترديد الزفزافي ومن معه لعبارات عنصرية مثل ( عْريبُّوشْ ) و الاستعمار الاسباني الذي ضربهم بالغازات السامة ، ألطف من الاستعمار العربي ، هي دعوة لإشعال حرب أهلية ، وإثنية ، بين العروبيين وبين البرابرة ، وهي دعوة للانفصال والتمايز ، وإحياء للظهير البربري بشكل تراجيديا . فهل مثل هذه المشروعات العامة بين الانفصال وتأسيس الجمهورية الريفية برايتها التي تم رفعها بالآلاف ، وبين الدعوة الى التمايز العنصري برفع الراية البربرية ، والمطالبة بطرد العرب الذين وصفوهم بالمحتلين للمغرب ، هي مشروعات بريئة ، آم أنها من انجاز مجموعة سايكس بيكو الجدد ، الذين خربوا ودمروا دولا بالشرق الأوسط ، ويبحثون عن تكملة مشروعهم بشمال إفريقيا ؟
ان الدعوة التي تأسيس الجمهورية الريفية ، وان الدعوة الى طرد الاستعمار العربي ، هي دعوة للحرب الأهلية ، وتكون الدعوتان معا ، هي دعوة لتخريب وتدمير المغرب ، باسم حق الشعب الريفي في تقرير مصيره ، وحق الشعب البربري في تحرير أرضه . إن انزلاق مطالب زعماء الحراك من المطالب الاجتماعية والاقتصادية ، إلى المطالب السياسية الضيقة ، والمطالب الجغرافية والإثنية ، والحكم على نفسهم بالعزلة ، كانت السبب المباشر في فشل الحراك الذي لم يعد يسمع إلاّ في بعض المنابر والمواقع ، او بالفيسبوك لبعث الروح في جسد أصبح ميتا . فهل استجابت الجماهير والشعب لبعض الدعوات الاندفاعية ، بالخروج الى الشارع في مناسبة جلوس الملك على كرسي الحكم ، وفي مناسبة عيد الشباب ، و مناسبة عيد 20 غشت ؟ ومنذ متى كانت محاربة النظام ، او معارضته تتم بتقسيم وتجزيء البلاد ، وبتقسيم وحدة الشعب ؟
ان مثل هذا التنظير لا يوجد إلاّ في المغرب بلد الاستثناءات في كل شيء . فبسبب هذه الأخطاء غير المسئولة . نقول ان حراك الريف فشل . وان الجزائر فشلت في إيجاد ميخائييل غورباتشوف مغربي عميل وخائن ينجح في تدمير المغرب من الداخل لتسهيل انفصال الصحراء . لقد فشل مخطط الانفصال ، وفشل مخطط الحرب الأهلية ، وفشل مخطط التخريب والتدمير . وفشل مخطط أعداء وحدة المغرب جغرافية وشعبا . ونجح المغرب الموحد ، مغرب الشموخ والتحدي .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شهر نوفمبر سيكون عصيبا على المغرب ، ومصداقية ما يسمى بأصداقه
...
-
بخصوص ما جرى بعاصمة الموزنبيق موبوتو
-
من يعارض مغربية الصحراء ؟
-
جبهة البوليساريو ترحب وتطبل لتعيين رئيس ألمانيا السابق ممثلا
...
-
رحلت فابتعدت ..... أنت .. أنت ..... وحدك . من أغبالة آيت شخم
...
-
تباً لهذا الزمن المُتعفن . تباً لهذا الزمن الموبوء
-
هل تستطيع العصابة المجرمة التي أجرمت في حقي ، منعي من مغادرة
...
-
عنوان الخطاب الملكي - الملك ينتصر لصديقه فؤاد الهمة -
-
الملك يعفي مجموعة من الوزراء
-
بخصوص الدعوة الى مسيرة 30 يوليو
-
إستمراء كل الشقاوات والعذابات في انتظار اليوم الموعود
-
واخيرا تأكد ما توقعناه باعتقال وسجن المدون حسام تيمور -- بين
...
-
بين تصريحات سعيد شعو للقضاء الهولندي وجريمة سحل وتشويه الزفز
...
-
إسْحلْ اتشويه ابناء الشعب -- في المغرب الجميل
-
ملك المغرب محمد السادس جد قلق وجد منزعج
-
الوضع بالصحراء اضحى اكثر من خطير
-
النقد والنقد الذاتي : لماذا ترفضهما نخبنا ؟
-
سيادة قطر في الميزان
-
حدود العلاقة بين السياسي والمثقف
-
تقرير تحليلي -- حراك الريف يعري هشاشة الانفتاح الديمقراطي ال
...
المزيد.....
-
السجن 11 عاما لسيناتور أمريكي سابق لتلقيه رشاوى من رجال أعما
...
-
مبعوث ترامب: على مصر والأردن تقديم بديل لرفض استقبال الفلسطي
...
-
المقاومة الفلسطينية وأسطورة ترامب
-
هيغسيث: إسرائيل حليف مثالي للولايات المتحدة
-
علماء يكشفون كيف وصلت الحياة إلى الأرض
-
ماسك يرد على ترشيحه لنيل جائزة نوبل للسلام
-
برلماني أوكراني: زيلينسكي يركز جهوده على محاربة منافسيه السي
...
-
رئيس جنوب إفريقيا يحذر نظيره الرواندي من عواقب الفشل في وقف
...
-
مستشار سابق في البنتاغون: على واشنطن وموسكو إبرام اتفاقية أم
...
-
منعا للتضليل.. الخارجية الروسية تدعو إلى التحقق بعناية من تص
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|