|
اختزال الوطن في السلطة والوظيفة
ابراهيم ابراش
الحوار المتمدن-العدد: 5632 - 2017 / 9 / 6 - 16:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
السلطة والنخبة الحاكمة في الدول الديمقراطية جزء من منظومة اجتماعية وسياسية وأخلاقية أشمل ،وهما أداة في خدمة هذه المنظومة ،أما في العالم العربي فكل المنظومة من تاريخ وأخلاق ومشروع وطني أو قومي وحتى الدين ونهج السلف الصالح الخ تصبح أدوات في خدمة السلطة أو نخبة السلطة ،وهذه الأخيرة مستعدة للأطاحة بكل مكونات هذه المنظومة إن لزم الأمر حتى تحافظ على سلطتها ومواقعها الوظيفية . من حيث المبدأ فإن الوظائف العليا أو السامية التي تشغلها النخبة السياسية في الدول الديمقراطية : رئيس الدولة ،الوزراء ،أعضاء التشريعي ،كبار قادة الأجهزة الأمنية والإعلامية الخ ،فيها من التكليف والمسؤولية أكثر من التشريف ،لأن طبيعة النظام السياسي والحياة الديمقراطية تقيد فترة عمل المسئول وتُخضعه لمبدأ التداول على السلطة وهو مبدأ لا يترك للنخب السياسية أن تراكم مصالح وعلاقات ، حتى وإن تم التمديد لها فتبقى خاضعة للقانون والمحاسبة حيث لا أحد فوق القانون ،وقد رأينا رؤساء ورؤساء وزراء ووزراء يٌساقون للمحاكمة ويدخلون السجن في الدول الديمقراطية . في الدول العربية ولأن من في السلطة لم يصلوا لها عن طريق الانتخابات أو بتوافق وطني وغالبا ما تكون شرعيتهم وراثية أو دينية متخلفة أو مستندة على الدعم الخارجي ، لذا فالوظيفة ،وخصوصا السامية ، لا تخضع لمبدأ التداول على السلطة إلا في أضيق الحدود حيث دورة النخبة تكون بطيئة ،كما أن الموظفين الكبار والنخب المرتبطة بهم يستمرون في استغلال مواقعهم الوظيفية دون الخوف من محاسبة حيث القانون قانون النظام والسلطة وليس قانون الشعب . لأن هؤلاء الموظفين الكبار لهم امتدادات قبلية وطائفية أو تسندهم المؤسسة العسكرية أو علاقاتهم الخارجية فإن وظائفهم تمنحهم حصانة بحيث يُعتَبر المساس بهم مساس بالتوازن الطائفي أو القبلي أو بالأمن القومي من وجهة نظرهم وبالتالي يُنذر بحرب أهلية . تموقع هؤلاء الموظفون الكبار خارج إطار المحاسبة والقانون وعدم خشيتهم من العقاب يعتبر أهم أسباب الفساد في العالم العربي وهو ما يجعلهم يتمسكون بالسلطة لأطول فترة ممكنة ويعملوا على إطالة عمرهم الوظيفي لتحقيق مصالحهم بغض النظر إن كان جودهم في السلطة يحقق مصلحة وطنية أم لا ،فالسلطة هدفا بحد ذاته ،فليس بعد الوصول للسلطة إلا المزيد من السلطة وكيفية الحفاظ عليها بأية وسيلة . عوامل كثيرة ساعدت على صيرورة السلطة في العالم العربي هدفا بحد ذاته منها : التباس مفهوم المصلحة الوطنية ، تباعد الشقة ما بين نخبة السلطة والشعب ،تداخل الصلاحيات بين مؤسسات النظام السياسي الدستورية و مراكز القوى اللتي تتشكل خارج المؤسسات الشرعية والرسمية ،الخلط بين المهام الوظيفية والانتماءات العائلية والقبلية والطائفية ،ضعف السلطة الرقابية وغياب المحاسبة من السلطة للموالين لها والعاملين فيها ، الارتباطات السياسية الخارجية التي تعزز فساد النخبة وتسكت عنه ما دامت نخبة السلطة موالية لها ،بالإضافة إلى أن الجهات المانحة معنية بإفساد النخب حتى تبقى طيعة ومنفذة لشروط المانحين . لتخفي نخبة السلطة فسادها وحتى تُطيل عمرها الوظيفي فإنها توظف خطابا شعبويا ، فإما تستحضر التاريخ الوطني ضد الاستعمار وتعتبر نفسها استمرارا وتواصلا معه ومع نهج قياداته الأوائل وأحيانا يتقمص الرئيس شخصية أحد القادة العظماء الراحلين ، أو تغلف خطابها بخطاب الدين والشرعية التاريخية ،أو تتحدث عن انجازات ومشاريع تنموية وهمية , أو تعتبر نفسها حامية حمى الوطن من التهديدات الخارجية ،سابقا إسرائيل والغرب أو الشيوعية واليوم الإرهاب والطائفية ودول الجوار. أيضا حتى تُطيل النخب الحاكمة من عمرها الوظيفي وتستمر في مراكمة النفوذ والثروة فإنها تسعى لتمركز السلطة والثروة بيدها ،ولتحمي السلطة المقترنة بالثروة نفسها تلجأ لإفساد كبار رجال الجيش والأجهزة الأمنية وقادة الرأي العام من قادة أحزاب ومؤسسات مجتمع مدني ورؤساء تحرير أهم الصحف ورجال دين الخ ،بالمال والامتيازات ،كما تسعى لإنتاج نخب جديدة تابعة وظيفتها أن تكون العصا الغليظة للدفاع عن النخبة الحاكمة ،وتشكيل شبكة حماية لها بحيث تتصدى لكل من ينتقد السلطة ، ويتم إطلاق يد هذه النخب في كافة المجالات : ،نخبة تهيمن على الاقتصاد وتتقاسم الأرباح مع النخبة الحاكمة ،ونخبة تسيطر على وسائل الإعلام وتوجه الرأي العام لتبرير والدفاع عن نهج النخبة الحاكمة والتشهير بمعارضيها ،ونخبة عسكرية وأمنية الخ . عدم تداول السلطة سلميا يؤسس للنظام الشمولي والاستبداد مما يؤدي بالضرورة إلى حالة غضب ونقمة شعبية تؤدي لانقلابات أو ثورات أو حروب أهلية .هكذا كان الحال قبل ما يسمي (الربيع العربي) وهكذا هو الحال ما بعده ،بل ما بعده أسوء مما قبله ، فهذا الربيع المشئوم أجهض إرهاصات التحول الديمقراطي وأفلت التطرف والطائفية والمذهبية والإثنية من عقالها ،كما أنه أسس لنخب سياسية تحت مسمى المعارضة تمتلك سلطات مضادة لسلطة الدولة الوطنية بل وأكثر سوءا وخطورة منها في بعض الأحيان . [email protected]
#ابراهيم_ابراش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إسرائيل وسياسة تفكيك الصراع وتغيير طبيعته
-
التباس مفهوم المصالحة الفلسطينية وزيارة ابو مازن لتركيا
-
من سيملأ فراغ انحسار الإسلاموية السياسية ؟
-
العودة لمنظمة التحرير الفلسطينية بعد فشل كل البدائل
-
لماذا لم يتجهوا شمالا بدل الاتجاه جنوبا ؟
-
حتى لا ننسى : إسرائيل عدونا والاستقلال هدفنا
-
هل أصبح قطاع غزة عبئا على القضية الوطنية؟
-
مبادرات المصالحة الفلسطينية : ما عليها أكثر مما لها
-
القدس وغزة الاختبار الصعب أمام قيام الدولة الفلسطينية
-
يتغير الفلسطينيون اعتدالا ويتغير الإسرائيليون تطرفا
-
البعد الديني للقدس لا يُسقط الانتماء والمسؤولية الوطنية
-
ما يجري في القدس يكشف عورات الجميع
-
مساندة مصر في محاربة الإرهاب مسؤولية قومية
-
تفاهمات القاهرة والتلاعب بمصير وطن
-
تصورات مغلوطة حول العلمانية والدولة المدنية
-
لعنة السلطة
-
لعبة الأمم مرة أخرى
-
مبادرة الرئيس ،وتفاهمات حماس-دحلان-مصر
-
أية تسوية سياسية الآن ستكون أسوء من تسوية أوسلو
-
رد الاعتبار لفلسطين كقضية تحرر وطني
المزيد.....
-
الولايات المتحدة تصادر طائرة ثانية للرئيس مادورو (فيديو+صور)
...
-
ترامب يفرض عقوبات على الجنائية الدولية، ورئيس وزراء إسرائيلي
...
-
العلماء الروس يبتكرون منظومة للتحكم بسرب الطائرات المسيرة
-
سويسرا.. تطوير مادة تعيد بناء العظام في وقت قياسي
-
نتنياهو يناقش في واشنطن ترتيبات ما بعد الحرب مع حماس
-
راهر يفسّر غضب شولتس من طلب ترامب الحصول على موارد أوكرانيا
...
-
خبير يتحدث عن مساومة زيلينسكي لواشنطن وحظوظه في البقاء
-
مستشار كيلوغ: ترامب سيحدد قريبا المحفزات والضغوط بالمفاوضات
...
-
مصر.. إنقاذ طاقم مركب سياحي غرق في البحر الأحمر
-
تأثيرات الغطس في الماء البارد على الصحة والرفاهية
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|