أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - نجيب محفوظ .. حياة الأسطورة














المزيد.....

نجيب محفوظ .. حياة الأسطورة


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 5632 - 2017 / 9 / 6 - 04:33
المحور: الادب والفن
    


" الحياة تعطى لنا مرة واحدة، وينبغي أن نحيا بقوة، ووعي، وجمال، حياة سامية مهيبة كقبة السماء". إذا كان لعبارة أنطون تشيخوف السابقة أن تنطبق على أحد فإنها تنطبق على حياة وعمل نجيب محفوظ الذي عاش بترفع وبتواضع وجمال وبعطاء لا يحد. ودع نجيب محفوظ عالمنا إلي عالم قال بشأنه: " إنني لا أخشى الموت، بل أحبه، مثلما أحب كل ظواهر الحياة". وبمرور السنوات يتأكد أن محفوظ أمسى رمزا من رموز مصر القومية وعلما من أعلام الثقافة العربية والانسانية. وقد أسعدني الحظ بالجلوس إليه فترة طويلة في كازينو"صفية حلمي"في الستينيات حيث كان يعقد لقاءه الأسبوعي كل يوم الجمعة، فلم أسمعه مرة يغتاب أحدا بكلمة حتى لو كان نذلا شهيرا، ولم أسمعه ينتقص من قدر أديب آخر، ولا بدر منه ما ينم عن الشعور الرخيص بالغيرة من كاتب آخر، وعاش مترفعا عن كل ألوان الصراع الثقافي الصغيرة، وحتى عندما هاجمه يوسف إدريس بعنف لم يزد عن قوله" معلش. يوسف زي إبني". أيضا لم أسمع منه كلمة زهو بثقافته وعلمه، ولا صدر منه مصطلح ثقافي متقعر، مع أنه كان كما قال يحيي حقي" أحد أكبر المثقفين الذين عرفتهم مصر". أذكر يوما أن أحدهم قال له ونحن جالسين:" لقد كتب عنك فلان الفلاني مقالا جميلا في الأهرام بالأمس". فابتسم قائلا بتعبير أولاد البلد: " فلان أصله روحه حلوة معانا "! وقدم محفوظ للأدباء جميعا درسا لا ينسى حين أخلص لعمله يوميا ذلك الإخلاص المذهل الذي جعل زوجته بعد وفاته تقول إنه فسحها وخرج معها مرتين، مرة حينما توفيت والدته، ومرة حينما توفيت والدتها هي!
وقد التقيت بالأديب العظيم أول مرة في الستينيات حين أقنعني صديقي الراحل جمال الغيطاني ونحن مازلنا في أول العمر أن نذهب إليه لنعرض عليه ما كنا نسميه نحن " قصص". وكان الأستاذ يقطع المسافة يوميا مشيا على كوبري قصر النيل من منزله إلي مبنى الإذاعة والتلفزيون حيث كان يعمل مستشارا، فذهبنا إليه وأعطاه كل منا قصة قصيرة. وفي صباح اليوم التالي كنا ننتظره على الكوبري، وأدهشني حينذاك أنه قرأ القصتين باهتمام ولم يكن منظرنا – لا أنا ولا الغيطاني- يوحي أننا أدباء! وبينما نحن نسير بجواره راح يدلى بملاحظاته ويشجعنا بكلمات طيبة فرحت بها في حينه إلي أن عرفته فيما بعد وعرفت أنه يجامل طوب الأرض ولا يبخل على أحد بالثناء. حين حصل الأستاذ على جائزة نوبل جمعت كل ما كتب عنه في الاتحاد السوفيتي في كتاب باسم " نجيب محفوظ في مرآيا الاستشراق السوفيتي" ضم رسائل الدكتوراه،ومقالات كبار المستشرقين، وانطباعات من التقوا به، وحتى ما كتبته الصحف عنه بعد فوزه بالجائزة. ونشر الأستاذ الكبير محمود العالم الكتاب في دار الثقافة وأرسل نسخة منه إلي نجيب محفوظ فرد عليه برسالة شكر أثنى فيها على الكتاب والمجهود المبذول في العمل. ولعل الجانب المحير في نجيب محفوظ هو انقسامه في حياته إلي نجيبين، أحدهما كان يكتب الروايات العظيمة في الليل، بينما يروغ الآخر طول النهار من صدام صريح مع المجتمع والسلطة إلا داخل الأدب وبالأدب. ومع أن تلك الثنائية كانت تزعج البعض إلا أنها كانت طريقة محفوظ الوحيدة للتفرغ للأدب، الأمر الذي مكنه من أن يصبح أكبر من هاجم الطابع غير الديمقراطي للمرحلة الناصرية برواياته القصيرة التي تلت الثلاثية. والمؤكد أن نجيب محفوظ كان على المستوى الإنساني شخصية فريدة لم يعرف الأدب العربي مثيلا لها من حيث انضباطه ودقته وتنظيمه الفولاذي لوقته وحياته، وأنه على المستوى الأدبي قد ترك للعالم وللعرب ولمصر ثروة لا يمكن تخيل مصر الآن بدونها. أظن ايضا أنه لا يمكن قراءة تطور المجتمع المصري من غير النماذج التي قدمها نجيب محفوظ في رواياته: كمال في الثلاثية زمن ثورة 19 ، حميدة في زقاق المدق زمن الاحتلال الانجليزي، عيسى الدباغ في السمان والخريف زمن استقرار ثورة يوليو. لذلك كتبت دكتورة فاليريا كيربتشنكو– وهي أكبر مستشرقة روسية – أن محفوظ : " يذكرنا بالعمالقة الكبار، ديكنز ، وبلزاك، وغيرهما".
وإذا نحينا الملاحظات الشخصية والذكريات جانبا فلابد من القول إن فهم نجيب محفوظ يظل مستحيلا من دون كتاب الناقد الكبير إبراهيم فتحي " العالم الروائي عند نجيب محفوظ "، فقد عثر الناقد الكبير على المفتاح الأساسي لفهم نجيب محفوظ حين وضع يده على الرؤية الفلسفية لمحفوظ " الجبرية المثالية"، وما تشتمل عليه من الإيمان بالتقدم، لكن " كضرورة نابعة من مجرد تعاقب السنين وتحقيقا لمبدأ العدالة المجردة الكامن في طبيعة العالم". إنه إيمان بأن الزمن بطبيعته يمضي بالبشرية إلي الأمام، بغض النظر عن المساهمة الانسانية الفعالة في خلق ذلك التطور، ويختلف هذا المفهوم كل الاختلاف عن الإيمان بدور الفرد في دفع المجتمعات نحو التقدم الذي لا يتم من تلقاء ذاته. بذلك وضع إبراهيم فتحي حجر الزاوية لفهم عالم محفوظ الخصب والثري.
يقول نجيب محفوظ في أحد أجزاء الثلاثية:" إن الشخص القوي العذب أسطورة" وأظن أنه كان يصف نفسه وحياته وإنجازه، وأنه كان يقترب من قول تشيخوف:" ينبغي أن نحيا بقوة، ووعي، وجمال، حياة سامية مهيبة كقبة السماء"، وقد عاش محفوظ هذه الحياة، حياة الأسطورة.
د. أحمد الخميسي. قاص وكاتب مصري



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطهطاوي والدين والمرأة
- المجلس الأعلى للثقافة وكرة القدم
- محمود درويش .. شاعر لا يموت
- الأزهر يكافح الكراهية والعنف
- أعذار متبادلة - قصة قصيرة
- - نيزافيسيميا الروسية - .. هل تعتذر واشنطن ؟
- الدين لله .. والمترو للجميع !
- الثانوية العامة في مصر : الموت أو النصر !
- ماذا نعني بلغة الشعب ؟
- اللغة بين التقديس والتحديث
- تسالي أدب على العيد
- مذكرات القديس مكتشف سعاد حسني
- رمضان على الطريقة الروسية
- خمسون عاما على جرح النكسة
- قطر صغيرة قد تشعل حربا كبيرة
- طلعت حرب .. نحن والماضي
- في المرأة يكتمل ظهور الحقيقة
- عبقرية عبد الوهاب وتهمة السطو الفني
- مازن معروف .. نكات للمسلحين
- أبناء الورق والانترنت


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - نجيب محفوظ .. حياة الأسطورة