|
الرواية العربية والخيال العلمي(ج3)
الكبير الداديسي
ناقد وروائي
(Lekbir Eddadissi)
الحوار المتمدن-العدد: 5632 - 2017 / 9 / 6 - 04:33
المحور:
الادب والفن
الرواية العربية والخيال العلمي(ج3) نخصص هذا الجزء الثالث من مقاربة الرواية والخيال العلمي إلى أبراز مدى إمكانية تدخل الذات، وعدم القدرة على الابتعاد عن الواقع على الرغم من كون الخيال العلمي يتخطى كل حدود الواقع المعاش من خلال مقاربة رواية (الذين كانوا ) للروائي المصري نبيل فاروق هكذا و رغم تصنيف رواية (الذين كانوا) ضمن أدب الخيال العلمي / البعيد عن الواقع، تبقى الرواية واقعية بامتياز، ومن مظاهر تلك الواقعية الإشارة إلى أحداث واقعية بتفصيل تتعلق بالمكان والزمان اللذين تتحرك فيهما الشخصيات وبالوظائف التي يمارسونها ، ونوعية التخصصات العلمية، مع الوقوف على بعض النقوش و المآثر التاريخية و التردد على مؤسسات موجودة فعلا في الواقع... وحتى عندما أراد مدير الناسا الإشادة بعمل المهندس شريف لم يجد إلا أن يشبهه بشخصيات تاريخية وبعمل رواد فضاء حقيقيين، قال له ( سيلمع اسمك في تاريخ هذا الكوكب وربما بأكثر مما لمع اسم يوري جاجارين ونيل أمسترونغ ) ص100 ومن مظاهر الواقعية في هذه الرواية التركيز على العنصرية التي يعانيها العرب المسلمين في الغرب وفي الولايات المتحدة الأمريكية بالخصوص خاصة بعد أحداث 11 شتنبر ، فقد وجد اختيار المهندس شريف موضوعا للبحث والتجربة معارضةً قوية من طرف صاحب الصوت الخشن، فقط لأنه عربي فقد قال للجنرال دوايت: (الشاب من أصل عربي وهذا لا يشعرني بالارتياح) ص23 / وبعد إضافة البروفيسور عمر إلى فريق العمل غمغم صاحب الصوت الخشن: (كلاهما مصري ... ألا يقلقك هذا) ص34 ولدعم حقده على العرب سأل الجنرال محذرا (هل انمحت ذكرى الحادي عشر شتنبر من ذاكرتك أم ماذا؟) ص 35 وحتى لما حاول الجنرال طمأنته وإبراز أن الوضع قد تغير (مضى منذ زمن طويل، وعلاقتنا بالعرب جيدة هذه الأيام ) أجابه بما يشبه المسلمة الراسخة في ذهنه:( العرب سيظلون عربا... وإرهابيين) ويبقى العنصر الأكثر واقعية في هذه الرواية هو الهدف من تأليفها والمتمثل في التنبيه إلى المخاطر التي تهدد الكوكب الأزرق، فأصحاب الوجوه المستديرة الذين قضوا أزيد من ستة آلاف سنة من البحث، ولم يكتشفوا المسار الثعباني الذي نقلهم لأكثر من مليون سنة إلى المستقبل إلا ليبلغوا رسالة لسكان الأرض لخصها صاحب الوجه المستدير للمهندس شريف في قوله : (لنحذركم ... لنفتح عيونكم على ما تسيرون فيه ... حضارتكم عنيفة قاسية وحشية في كثير من الأمر، وتسيئون إلى بيئة الأرض إساءات بالغة وكأنكم تقتلون أنفسكم قبل أرضكم) ص165 ومقابل العنصرية التي يظهرها بعض الأمريكيين للعرب، وُسِمَتْ الرواية بنزعة ذاتية تجلت في تضخيم الأنا المصرية، إلى درجة التعصب لكل ما هو مصري ففي الوقت الذي يصر فيه علماء الولايات المتحدة الأمريكية على كونية البحث العلمي وخدمة الإنسانية، والاهتمام بمستقبلها، هيمنت على السارد عصبية مصرية تجلت في جعل كل العلماء المشرفين على إرسال شريف إلى البعد الآخر من مصر ، وجعل دور علماء أمريكا ثانويا حتى ليكاد يكون دور الدكتورة أشلي ثانويا في الرواية، مع تذكير الأمريكان في كل حين بالسيادة المصرية فعندما سأل الجنرال وايت شريف بعد تردده في الاستمرار في المشروع قائلا: (هل تتحدى الإدارة الأمريكية يا مستر شريف؟؟ تدخل المقدم (مشهور) بقوة: (يبدو أنك أنت من يتحدى السيادة المصرية يا جنرال ) بل أكثر من ذلك كانت الرواية حريصة على رفض تدخل أية جهة في القرار المصري، ولنرى كيف يخاطب مقدم مصري (مشهور) جنرالا أمريكيا (دوايت) : (إنك هنا على أرض مصرية، السلطة العليا فيها للمصريين وحدهم... فأنت هنا ضيف مرحب به فحسب)، وفي نفس السياق ألفينا الرئيس المصري يتحدى الإدارة الأمريكية ويهددها بالتعامل مع الروس دون أن يكون لذلك داع ، فما أن أبلغ السفير الأمريكي احتجاج السلطات الأمريكية على سوء معاملة أحد جنرالاتها بمصر حتى أفاض الرئيس في الحديث عن السيادة و نادى سكرتيره قائلا: (أبلغ وزير الدفاع الروسي أني مستعد لاستقباله مساء اليوم ) ص 117 . ومن مظاهر تلك الذاتية أيضا جعل اللغة العربية لغة التخاطب بين كل القوى الفاعلة فقد اختارتها الأشباح لإبلاغ رسائلها للبشرية، وحتى تلك الأشباح التي تحدث عنها راهب تبتي خلال القرن الثالث الميلادي كانت قد كتبت نفس الجملة (كنا هنا قبلكم) و نفس الجملة بنفس اللغة اكتشفت في نقوش لحضارات أفلت مند مئات الآلاف من السنين ... دون نسيان أن الرواية أظهرت تقنيا مصريا ينتمي إلى الطبقة الرابعة في( الناسا) خبيرا متفوقا على مهندسي الطبقة الأولى يكشف لهم بأن الورق الذي وصلت فيه رسالة الشبح لا يمكن أن يكون منتوجا أرضيا و(أن هذا الشيء لا ينتمي لعالمنا على الإطلاق ) ص 59 ، يتطاول على رؤسائه وهو الحامل للجنسية الأمريكية يقول للجنرال (تذكر يا جنرال أنك لا تجلس في (الأولمبيوس) الآن ... إننا في مصر... وطني الأم) ص 85 وكل الأمريكان بعلمائهم وسلطاتهم يقرون على أن فؤاد شريف أملهم الوحيد و( أهم بشري على وجه الأرض... البشري الوحيد الذي يربط الماضي بالحاضر ، وربما بالمستقبل أيضا) ص 169 ، ولنستمع كيف رد مدير الناسا على صاحب الصوت الخشن ( فهذا المصري الذي تستنكر وجوده ، هو اليوم أكثر البشرية أهمية، وربما عبر التاريخ كله... قف وأدِّ التحية بكل احترام) ص 169 . وعلى نفس الصورة قدمت الرواية علماء مصر علماء كبارا مترفعين، لا أهداف مادية لهم من وراء بحثهم العلمي لذلك رفض البروفيسور عمر رفضا مطلقا أية مساعدة من أمريكا في أبحاثة ، ومثله رفض معظم العلماء التعامل مع وكالة الفضاء والطيران الأمريكي ، فلم يقبل الدكتور أكرم الانضمام إلى فريق العمل حتى طمأنته السلطات المصرية وقال له المقدم (مشهور) : (إنك تفعل هذا من أجل مصر وليس من أجل أية جهة أخرى) ص 58. حتى وإن كانوا يشتغلون في الجامعة الأمريكية بمصر... وفي الختام، لا بد من التذكير بأنه رغم هذه المحاولات في كتابة رواية الخيال العلمي فالميدان لا زال بكرا في العالم العربي ، ومن تم دعوة الروائيين إلى توجيه بوصلتهم نحو الخيال العلمي لأنه يمكن أن يكون الأدب الأنسب لأطفالنا الذين يعيشون ثقافة الأنترنيت ويتفاعلون يوميا مع الحواسيب والألواح الإلكترونية وربما يقضون أوقات في العوالم الافتراضية أكثر مما يقضون في الواقع، وبالتالي يمكن لروايات الخيال العلمي أن يطفئ بعض عطشهم للعوالم المفترضة بلغة أدبية ، وخيال ينمي ملكاتهم ، ويحبب إليهم القراءة ، ويربيهم على التفكير العلمي...
#الكبير_الداديسي (هاشتاغ)
Lekbir_Eddadissi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرواية العربية والخيال العلمي (ج2)
-
الخيال العلمي في الرواية العربية( ج1)
-
الاغتراب و لعبة الضمائر في ديوان (هل تمطر السماء نسيانا؟)
-
توازي الضمائر في ديوان الطبيبة أمال بوخريصا (هل تمطر السماء
...
-
فواجع الذات والمكان في ديوان (حانة المحو) للشاعر صالح لبريني
-
من الغش إلى العنف في الامتحانات
-
هل من سر في إقبال المغاربة على المساجد في السنة (التراويح) أ
...
-
العبثية في الرواية العربية المعاصرة :رواية طقوس العبث نموذجا
-
حفل توقيع دوانينِ لشاعرتين
-
جدلية القراءة / الكتابة
-
البوح الايروسي .... في كتاب ازمة الجنس في الرواية العربية بن
...
-
الرواية وجنسنة ثورات الربيع العربي
-
دراسة : غزو الكويت في الرواية النسائية الكويتيتة
-
دلالات الجبل في رواية جبل موسى للروائي المغربي عبد الرحيم به
...
-
دوري كبير في كرة القدم بدوار صغير في المغرب العميق لفائدة ال
...
-
حرب الخليج الثانية في الرواية النسائية بالكويت ج1
-
أي مستقبل للجرائد الإلكترونية في ظل قانون الصحافة والنشر الج
...
-
نادي القلم المغربي يطلق سلسلة حفلات لتوقيع كتب حديثة النشر
-
ما الذي تحتاجه اللغة العربية اليوم ؟؟
-
لماذا ألقى العاهل المغربي خطاب العودة إلى الاتحاد الإفريقي ب
...
المزيد.....
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|