جلال مجاهدي
الحوار المتمدن-العدد: 5631 - 2017 / 9 / 5 - 20:15
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
مرة أخرى نعود لنتحدث عن المنهجية التي اعتمدها العديد من الباحثين فيما يسمى بتاريخ الاسلام المبكر و التي انطلقت من مجموعة من الإثباتات الصلبة , لتخرج باستنتاجات غريبة خاصة عندما خلصت إلى كون جزيرة العرب كانت مسيحية و بأن محمد النبي عبارة عن شخص وهمي أو عبارة عن فكرة و بأن الكعبة كانت معبدا مسيحيا و بأن تطور الديانة المسيحية في نسختها العربية التوحيدية أوجد الديانة الاسلامية , هذه الاستنتاجات و الخلاصات و إن كانت نتيجة دراسات رصينة من طرف باحثين متمكنين من المادة التاريخية و من بينهم كارل هينز أوليش و سبينسر و الذين أماطوا اللثام عن مجموعة من المعلومات التاريخية القيمة , إلا أن المنهجية البحثية التي اتبعوها لم تكن سليمة و هو ما يفسر أنها لا تنسجم مع الملابسات و الظروف العامة التي نشأ و انتشر فيها الإسلام كديانة , فعدم مزاوجة هذه المنهجية بين الوثائق الصلبة و الروايات المتواترة من جهة و إغفال العديد من المعلومات التاريخية الحاسمة , كالتي ذكرها طوماس المعمر و المؤرخ سبيوس من جهة أخرى و عدم اعتبار أن مجموعة من الوقائع و الأحداث لم تكن محل روايات متواترة فقط , بل تجاوزت الأمر لتكون روايات للكل عن الكل و لجيل بكامله لجيل تلاه و لأمة بكاملها بمصرها و عراقها و حجازها و من فلسطين إلى إيران إلى الشام و الأردن لتشكل حقيقة يتناقلها جيل أمة بكاملها إلى جيل آخر و هكذا لم نجد مؤرخا أو محدثا يقول بعكس ما كان سائدا كحقيقة عامة مثل وجود محمد النبي و إتيانه بديانة الإسلام منفصلة عن المسيحية وبكون قريش و أغلب سكان الجزيرة العربية كانوا عبدة أصنام و أوثان و نصب , و ينضاف إلى ما ذكر , أن المسلمين في عصر التدوين كانوا يتحرون الخبر الصحيح و يتحرون الأشخاص و الأسانيد و هو ما يجعل لمروياتهم بعض المصداقية في حالة التواتر , لذلك فإن المنهجية التي لا تزاوج بين المرويات المتواترة و الإثباتات الصلبة و لا تأخذ بعين الاعتبار العموميات التي تناقلتها الأجيال الأولى كحقائق , تعد منهجية غير سليمة .
لذلك و باتباع منهجية المزاوجة يمكن إعادة كتابة تاريخ الحقبة الأولى لبزوغ الإسلام بشكل يعطينا نظرة تاريخية أقرب إلى الحقيقة من مجرد الإعتماد على المرويات الإسلامية و من مجرد الإعتماد على تخمينات و استنتاجات يمليها جزء من المصادر التاريخية الصلبة .
بخصوص صلب موضوعنا الذي يتطرق إلى الديانات التي كانت سائدة في منطقة الشرق الأوسط قبيل مجيء الإسلام , نبدأ بمنطقة الحجاز و نواحيها بالنظر لأهميتها , حيث تخبرنا المرويات الإسلامية المتواترة أن عرب قريش و أغلب سكان شيه الجزيرة العربية كانوا مشركين حسب التعبير الديني حيث كانوا يعبدون الأصنام و الأوثان و النصب و هذه المرويات تتوافق مع ماذهب إليه أحد المؤرخين المزداد في المائة الأولى هجرية و هو ابن الكلبي الذي أعطى أوصافا للعديد من الأصنام و النصب المعبودة و تتوافق هذه الحقيقة التاريخية مع ما أخبرنا به الأب شيخو في كتابه آداب النصرانية بين العرب حيث يحدثنا نقلا عن مكسيموس أن العرب عبدوا مجسما للإله ذو الشرى الذي يمثل الشمس و هو مربع صخري أسود اللون , كما جعلوا مجسما لللات بالطائف و هي صخرة بيضاء كانوا يطوفون بها و هي نصب لكوكب الزهرة التي عرفت بأسماء أخرى كالعزى التي جعل لها أيضا نصبا و التي أخبر عنها بروكبيوس و هو مؤرخ عاش في القرن السادس الميلادي , كما يخبرنا أن الكعبة المكية عبارة عن بناء قديم سبق ظهور المسيح و هكذا يحدثنا نقلا عن المؤرخ ديودورس الصقلي الذي عاش في القرن الأول قبل الميلاد قوله " إن في بلاد العرب المجاورة لبحر القلزم – البحر الأحمر – هيكل يبالغ في إكرامه كل العرب , و غني عن التعريف أن كعبة مكة كانت قبل الإسلام محج العرب قاطبة و هو ما يفيد أن الكعبة لم تكن بناء مسيحيا بل معبدا مكعبا توضع داخله الأصنام كما في باقي الكعبات التي كانت منتشرة في شبه الجزيرة العربية , و التي أيضا يخبرنا ابن الكلبي عن الأصنام التي كانت بداخلها و عن كيفية الطواف بها و ما إلى ذلك ......
و بخصوص استنتاج أن المنطقة العربية كانت مسيحية خاضعة لبيزنطة من خلال عملات هرقل أو من خلال عملات معاوية حين كان تابعا لحكم بيزنطة و التي تم تداولها في شبه جزيرة العرب , فهذا مجرد تخمين و حتى المرويات الاسلامية تؤكد بأن لا النبي محمد و لا الخلفاء الراشدون قد قاموا بسك أية عملة و أن عملات فارس و بيزنطة هي التي كانت معتمدة , و لا نذهب بعيدا لنؤكد أنه إلى حدود الستينات من القرن الماضي كانت دول الخليج تتعامل بالروبية الهندية إلى درجة أن الحكومة الهندية سنة 1958 أصدرت روبية ورقية خاصة بدول الخليج العربي تختلف في اللون مع الروبية الهندية و تحمل في بداية الرقم التسلسلي الحرف Z , و كان هذا الوضع نتيجة التبادل التجاري المكتف بين دول الخليج و دولة الهند , و إذا ما اعتبرنا أنه بعد ألف سنة عثر الباحثون على هذه العملة بالخليج العربي فهل من حقهم أن يستنتجوا بأن عرب القرن العشرين كانوا تابعين لدولة الهند و كانوا يعبدون الأبقار ؟
و إذا كانت المرويات الإسلامية تتوافق مع المخطوطات و القطع المعدنية المعثور عليها بخصوص انتشار المسيحية في الفترة ما قبل الإسلامية بكل من مصر و الشام و فلسطين و الحيرة بالعراق و بين بعض القبائل العربية الحجازية , فإن الأمر الذي أثار الكثير من الجدل يتمحور حول شخصية معاوية الملقب بابن أبي سفيان و ديانته, و بدأ نشير إلى أن المرويات الإسلامية التي تشير إلى أن معاوية كان صحابيا هي مرويات تنقصها الدقة التاريخية فإذا كانت هذه المرويات توافقت مع المخطوطات بخصوص عموميات معركة صفين و بخصوص توليه حكم الدولة العرب-إسلامية الموحدة الجديدة إثر مقتل علي ابن ابي طالب فإنها لم تكن صحيحة بخصوص سيرة معاوية الأولى ذلك أن هذا الأخير حسب سابيوس كان من أسرة فارسية نازحة إلى الشام و كان اسمه مافيا MAVIA حسب ما جاء بالقطع النقدية و لقبه ابن ابوسيموس ASEMOSABU كما هو وارد بالمنحوتات المختلفة بحمامات دمشق و كان حاكما على الاردن قبل هجرة النبي سنة 622 و ذلك بالنظر للتواريخ الواردة على عملاته ففي سنة 614 ميلادية تولى حكم الاردن تابعا للامبراطورية الساسانية و تولى حكم الشام بكامله سنة 616 و بعد انتصار الامبراطورية البيزنطية و جلاء الفرس عن الاردن و الشام و اصبح بالتالي تابعا لحكم بيزنطة و هو ما يفسر أن عملاته الاولى كان بها رأس كسرى و الثانية بها الصليب المسيحي هذه الأمور موثقة بمقتضى النقود المعثور عليها - لكن إذا كانت النقوش المعثور عليها في الحمامات الدمشقية و بعض الكنائس تشير إلى أن هذا الأخير كان مسيحيا بادئ الأمر فهل استمر على ديانته إلى ما بعد فتح مكة ؟
أورد سبيوس في كتابه تاريخ الكنيسة أنه عندما نصب معاوية حاكما ذهب إلى القدس و صلى بالجلجلة و بكنيسة الجسمانية كما نزل إلى قبر مريم و ذكر فلهاوزن أيضا " في بيت المقدس نصب معاوية نفسه خليفة و صلى بهذه المناسبة في الجلجلة و كنيسة الجسمانية و عند قبر مريم " ,لكن هل كانت صلاته صلاة مسيحية أم إسلامية , طالما أن عمر ابن الخطاب أيضا قد أورد ابن خلدون أنه صلى بكنيسة القيامة , يبدوا أن صلاتهما كانت عبارة عن قيامهما بالدعاء فقط خاصة و أن الصلاة المسيحية عبارة عن أدعية لذلك اشتبه الأمر و اشتبهت القراءة .
و ما يفسر أن معاوية اعتنق الاسلام هو تواتر الروايات بهذا الشأن و قيام هذا الأخير بإرسال الجيوش و على رأسهم القائد أمبروس Ambrus أي خالد باللغة اللاتينية الملقب إسلاميا بابن الوليد لمساعدة المسلمين لمواجهة الفرس و الروم , ثم قيامه بفتوحات إسلامية همت العديد من الأقطار المسيحية مثل قبرص و يشير مخطوط المؤرخ جون بار بينكاي المعاصر لتلك الحقبة إلى تغلب معاوية على علي ابن أبي طالب و فرضه الجزية على المسيحيين و حتى الهراطقة منهم و بأن جميع العرب كانوا يتبعون رجلا واحدا هو محمد الذي دعاهم إلى عبادة إله واحد , كما أن القس النسطوري الشامي المعاصر لمعاوية يشير إلى هذه الحقيقة بقوله " و لكن هؤلاء العرب الذين منحهم الله السلطة على البلاد في هذه الأيام .... فإنهم لا يهاجمون المسيحية بل يحترمونها و يحمون كنائسنا و بيعنا و يحترمون قساوستنا " و مما يزكي أن معاوية كان حاكما مسلما على إقليم الشام تابعا لحكم عمر ابن الخطاب هو ما جاء بمخطوطات القديس مار كبرئيل أسقف طور عبدين في جنوب شرق تركيا- و التي جاء فيها "ذهب اللورد جبريال للحاكم من ابناء هاجر وكان عمربن الخطاب في مدينه الجزيره (مدينه علی الحدود التركيه السوريه العراقيه) واستقبله عمر بفرح عظيم،وبعد أيام قليله قدم الرجل المبارك (جبريال) إلتماسا لهذا الحاكم (عمر) وتلقی توقيعه (عمر) علي النظام اﻷساسي والقوانين واﻷوامر والمحظورات المتعلقه بالمسيحيين ،للكنائس واﻷديره والكهنه والشماسين انه لا تعطی الجزيه ، واعفاء 23 من الرهبان من اي ضريبه ،كما لا ينبغي علی الناقوس الخشبي ان يكون محظور وأنهم قد يهتفون تراتيلهم قبل (حمل) النعش من بيوتهم حتی الدفن جنبا الي جنب كتقليد , هذا الحاكم (عمر) كان سعيد بقدوم الرجل المبارك إليه وعاد الرجل المبارك بفرحه عظيمه للمطرانيه " .
و ما يستشف من خلال مخطوطة القديس مار كبريل هو أن حكم عمر ابن الخطاب كان يمتد إلى غاية الحدود التركية السورية العراقية و كان قد فرض الجزية على غير المسلمين و أن التجاء القساوسة في جنوب شرق تركيا إلى عمر ابن الخطاب لرفع الجزية عنهم ربما لظروفهم المالية أو شيء من هذا القبيل و عدم التجائهم لمعاوية يوضح أن هذا الأخير كان تابعا لحكم عمر و بالتالي تكون مجموعة من الاستنتاجات التي خلص إليها كتاب ما يسمى بالإسلام المبكر مجرد تخمينات لا تصنع تاريخا .
#جلال_مجاهدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟