|
أسباب تأخر المسلمين / الجزء الأول
المعانيد الشرقي
كاتب و باحث
الحوار المتمدن-العدد: 5630 - 2017 / 9 / 4 - 07:08
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
لقد كانت دراسة الإسلام و ثقافته و شرائعه و نظمه على ضوء العصر الحديث من الأهمية بمكان، و لقد عني بهذه الدراسة منذ القديم بعض الغربيين المستشرقين، و كثير من العلماء المسلمين. أما المستشرقون، فلا شك في أن نفرا منهم لم يكونوا دائما معصومين عن الخطأ و لا مجردين عن التحيز. و ربما كان سبب ذلك تأثير السياسة و المحيط على تفكيرهم، أو عدم اطلاعهم الكافي على اللغة العربية و المصادر الأصلية. و لكن على الرغم من ذلك، فإن القسم الأكبر من المستشرقين عملوا على نشر المخطوطات العربية و الإسلامية، و على إخراج الأبحاث الإسلامية المفيدة. و أما العلماء المسلمون، فكانوا طائفتين: الأولى طائفة محافظة تمسكت بالتقاليد و العادات، و فسرت مبادئ الإسلام وفق اجتهاد الفقهاء الأولين و المتأخرين من دون تحوير و لا تفكير، و قالت بوجوب تطبيق ذلك على أمور المسلمين الدينية و الدنيوية جميعا. و الطائفة الثانية تشمل العلماء المجددين الذين قالوا بوجوب بحث أحوال المسلمين و أسباب تأخرهم، ثم درس تحرير الفكر الإسلامي من قيود الجهل و التقليد الأعمى و الجمود الباطل، و السير به في طريق الحياة و التجدد و المدنية. و لقد سار المجددون المصلحون من كل أمة في سبيل الإصلاح عن طريق نبذ القديم و تغيير الماضي و استبدال الجديد به. و لكن المصلحين المسلمين لم ينهجوا هذا النهج. فالإصلاح في نظرهم هو الرجوع إلى الماضي أو إلى مذهب السلف الصالح. و هم على حق في ذلك. فالماضي الأول في الإسلام يمثل مبادئه الأساسية و جوهره الحقيقي و تعاليمه الخالدة. أما الجديد الذي أتى بعده، فقد شمل أيضا ما تركه التقليد و الجهل من شكليات و خرافات، و فرعيات و اجتهادات مخالفة لروح الشريعة و لأسسها الأصلية. فالإصلاح في نظر العلماء المجددين إذن هو التنقيب عن الجوهر الأول القديم، و طرح ما تراكم عليه خلال عصور الجهل من تلك البدع الكثيرة و التقاليد الكثيفة التي كانت السبب في حجب المسلمين عن معنى الإسلام الصحيح. و هذا يدفعنا إلى درس أسباب تأخر المسلمين و طرق معالجتها. و نكتفي بلمحة وجيزة في أهم هذه الأسباب و هي سد باب الاجتهاد في الشريعة الإسلامية و إهمال التعلم، و التمسك بنصوص غير ثابتة، كالاهتمام بالشكليات و الفرعيات، و التحزب المذهبي و إهمال بحث علل التشريع، و المزج بين الدين و الدنيا. و لن أتعرض هاهنا لأسباب التقهقر الأخرى التي أثرت في المسلمين كما أثرت في غيرهم من الشعوب الغربية و الشرقية، كالاستعمار و النفوذ الأجنبي و الحروب و الفتن و الانحطاط الخلقي و الفقر و ما أشبه. بل أكتفي بالأسباب التي ذكرتها، باعتبارها خاصة بدراسة الفكر الإسلامي، و بتأثيره في حياة المسلمين. السبب الأول: سد باب الاجتهاد و إهمال التعليم. من الأمور الثابتة في الشريعة الإسلامية أنها بحثت في مسائل الدين و العبادات، كما بحثت في مسائل المعاملات و ما يتفرع عن ذلك من أحكام و نظم و تفاصيل. و لقد كان الفقهاء في الإسلام رجال دين و رجال قانون بآن واحد، حتى أنهم اختصوا بلقب العلماء لشمول درسهم جميع فروع المعرفة القديمة. و لذا أيضا كان للشريعة أثر كبير في تاريخ الفكر الإسلامي و جميع مظاهر حياة المسلمين. و معلوم أن هذه الشريعة مبنية على مصادر عديدة منها: مصادر دينية و هي القرآن و السنة النبوية. و منها مصادر فرعية مقبولة عند جمهور الفقهاء، و هي الإجماع و القياس. و منها أخيرا مصادر قبلتها بعض المذاهب دون بعض، و هي مبنية على الضرورة و العرف و الإنصاف، " كالاستحسان " في المذهب الحنفي و " الصالح المرسلة " في المذهب المالكي. و قد درس الفقهاء هذه المصادر أو أدلة التشريع في علم خاص أسموه ( علم الأصول ) و جعلوا يعملون جهدهم في استنباط الأحكام الشرعية من هذه المصادر و الأدلة. و أطلقوا على عملهم هذا كلمة " الاجتهاد " . فكان الاجتهاد سببا في توسيع أحكام الشريعة و تفريع مسائلها على القضايا الجديدة، و من تم كان عاملا قويا في تطور التشريع الإسلامي، وفق حاجات البلاد المختلفة و ظروف الأزمنة المتقلبة. و هكذا عمل الاجتهاد على ازدهار علم الشريعة و لا سيما في صدر الدولة العباسية. ثم عندما سقطت بغداد في أواسط القرن السابع للهجرة أي الثالث عشر للميلاد، توقف النشاط العلمي و بدأت المدينة العربية بالانحطاط. و كان ذلك بعد أن سبق و أجمع الفقهاء السنيون على سد باب الاجتهاد، و على الاكتفاء بالمذاهب السيئة الأربعة المشهورة، و هي: الحنفي و المالكي و الشافعي و الحنبلي. فكانت نتيجة ذلك توقف التفكير الإسلامي، و تفشي التقليد و الجمود العقائدي في الشريعة و في سائر العلوم العربية و الإسلامية. و لقد أصاب علماء الشيعة في الإسلام بعدم قبولهم بسد باب الاجتهاد و أصاب بذلك أيضا بعض علماء السنة الأقدمين، كابن تيمية و تلميذه ابن القيم الجوزية في كتابه ( أعلام الموقعين عن رب العالمين) و تابعهم في ذلك في العصور الأخيرة الفقهاء المجددون أمثال محمد بن عبد الوهاب و جمال الدين الأفغاني و الشيخ محمد عبده. فهؤلاء الفقهاء جميعا و من إليهم و لا سيما الإمام الشوكاني في رسالته ( القول المفيد في أدلة الاجتهاد و التقليد ) ، فقد أثبتوا بأدلة شرعية واضحة من الكتاب و السنة و الإجماع و القياس، و أن الإجتهاد ليس مفتوحا فحسب، بل هو واجب على كل من اتصف بصفات المجتهد.
#المعانيد_الشرقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العدالة الاجتماعية مثال أخلاقي كوني
-
الحرية للشاب المغربي المهدي بوكيو
-
أطلقوا سراح الشاب المغربي - المهدي بوكيو -
-
الممارسة كمفهوم: الجز الثاني
-
- العدالة الاجتماعية مطلب إنساني كوني -
-
تفلسف الأطفال شبيه بميتافيزيقا هيدجر
-
الممارسة كمفهوم
-
الفلسفة كعلاج - فريدريك فلهلم نيتشه نموذجاً -
-
ًوضعية التعليم بالمغرب حسب آخر دراسة
-
شباب بوجنيبة و معضلة التشغيل بالمكتب الشريف للفوسفاط - أية م
...
-
حكومة و وزراء جوج فرانك المغرب نموذجا
-
الوعي الشقي
-
تبعات حرب فرنسا على الإرهاب في سوريا
-
المنهج الجينيالوجي عند فريدريك فلهلم نيتشه
-
المدرسة المغربية بين الأمس و اليوم
-
مفهوم الشغل من منظور ماركسي
-
الإشكالية النظرية - لنمط الإنتاج - في الفكر الماركسي ( الجزء
...
-
الإشكالية النظرية لمفهوم -نمط الإنتاج- في الفكر الماركسي ( ا
...
-
الإشكالية النظرية لمفهوم -نمط الإنتاج -في الفكر الماركسي ( ا
...
-
التصور المادي التاريخي لبنية الأسرة
المزيد.....
-
أمريكا.. السجن 11 عاما للسيناتور السابق مينينديز جراء إدانته
...
-
الرئيس السوري أحمد الشرع يطلب من روسيا تسليم الأسد
-
إصابة 24 شخصا بغارتين إسرائيليتين على النبطية.. -لم يستطيعوا
...
-
إعلام: المراحل المقبلة من وقف إطلاق النار في غزة تواجه عقبات
...
-
المحكمة الإدارية الفرنسية تؤكد صحة قرار الجزائر في قضية المؤ
...
-
عباس يرسل برقية للسيسي بشأن تهجير الفلسطينيين.. ماذا فيها؟
-
إدانة عضو مجلس الشيوخ الأمريكي السابق بوب مينينديز بالسجن 11
...
-
باكستاني يقتل ابنته لنشرها فيديوهات على -تيك توك-
-
طبيب نفسي: يوجد في سوريا من 1 إلى 3 ملايين مريض نفسي
-
الولايات المتحدة: أوامر بترحيل المئات من مواطني الدول المغار
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|