|
فرق يهودية معاصرة تتنازعها الاختلافات الدينية
عدنان حسين أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 5629 - 2017 / 9 / 3 - 19:16
المحور:
الادب والفن
صدر عن دار London tags كتاب جديد للدكتور جعفر هادي حسن يحمل عنوان "فِرق يهودية معاصرة"، وقد ضمّ الكتاب خمس فِرق يهودية لا يعرفها القارئ العادي باستثناء فِرقة "الفلاشا" التي كُتب عنها الكثير من الأبحاث والدراسات المتخصصة، أما الفِرق الأخرى فهي مجهولة للقارئ العربي وأن الباحث نفسه لم يطلِّع حتى على مقالة واحدة باللغة العربية عن فِرقة اليهود الأفارقة الأميركيين، فما بالكم ببقية الفِرق مثل اليهود اليسوعيين، واليهودية البشرية وفِرقة مكويا اليابانية؟ ينطوي هذا الكتاب الفكري على بِنية معلوماتية موزّعة بين ثناياه لعل أبرزها شَتات بني إسرائيل عام 70م بعد تدمير الهيكل من قِبل الرومان، وتبدّدهم في مختلف أرجاء العالم، فيما ضاعت منهم 12 قبيلة يعتقدون أنها وجدت طريقها إلى الحدود الأفغانية- الباكستانية، واليابان، وبعض البلدان الأفريقية. أما موجة الشَتات الثانية فقد بدأت زمنيًا بالقرنين الخامس عشر والسادس عشر حينما قام الإسبان والبرتغاليون والهولنديون والإنكَليز لاحقًا باسترقاق الأفارقة في غانا وأخذهم عبيدًا إلى أوروبا والعالم الجديد وكان بينهم الكثير من اليهود الذي سوف يقررون بعد 400 سنة من التهجيرالقسري، والغربة، والمعاناة العودة إلى أرض الأجداد ليبنوا مملكتهم من جديد لأنهم يعتبرون المنفى الأميركي رمزًا لبابل التي سبتهم، واستعبدتهم، وزرعت في ذاكرتهم الجمعية ذكريات سيئة عن الأسر والنفي في بلاد ما بين النهرين. المعلومة المثيرة في هذا الكتاب أن اليهود السود من نسل العبرانيين الإسرائيليين يعتقدون أنهم الشعب المختار وقد اصطفاهم الله لأنهم من نسل إبراهيم وإسحق ويعقوب، أما سبب شتاتهم فيردونه إلى كثرة ذنوبهم، ويشككون في اليهود البيض ويرجعونهم إلى نسل عيسو. يشتمل الفصل الأول على ثماني مجموعات رئيسة انبثقت عن فِرقة اليهود الأفارقة الأميركيين نذكر منها "كنيسة الله الحيّ، عمود الحق وأساسه لكل الشعوب"، "المعبد الصهيوني الموريشي"،"المحافظون على الشريعة"، فالأولى تلتزم بفريضة السبت، وعيد الفصح، والثانية تشجع على الهجرة إلى إثيوبيا، والثالثة تريد العودة إلى أرض الأجداد. يتمحور الفصل الثاني على مجموعة "الشعب الأفريقي العبراني الإسرائيلي الأورشليمي" التي أسسها بن عامي، وقد وضعت هذه المجموعة خططًا لإنشاء دولة عالمية حيث بدأوا برحلة معاكسة من أميركا إلى ليبيريا قبل ذهابهم لإسرائيل. وفي عام 1965 صرّح بن عامي قائلاً:"إنّ إسرائيل هي أرض تراثنا ولذلك علينا أن نرجع إليها الآن"(ص50). وقد ادعى بأن الله قد أوحى إليه وأمرهُ بضرورة العودة إلى إسرائيل لينشئ مملكته على الأرض شرط أن يبقى في ليبيريا ثلاث سنوات ونصف السنة حتى يتطهروا من العفن الذي أصابهم عندما كانوا يعيشون في أميركا. وقد رفضوا كل محاولات الاندماج والتجنّس لأنهم عبرانيون إسرائيليون ويتحرقون شوقًا للعودة إلى وطنهم الأم. وحينما عادوا أصيبوا بصدمة كبيرة فقد أسكنوهم في صحراء النقب والضفة الغربية، ولم يسمحوا لهم بالعمل والدراسة لأنهم مقيمون غير شرعيين، ولم تعترف رئاسة الحاخامية في إسرائيل بيهوديتهم، ولم تمنح مواليدهم الجدد شهادات ميلاد. ومع ذلك فقد شجع العديد من السياسيين والمفكرين عودة الأفارقة الأميركيين إلى القارة السمراء وعلى رأسهم الرئيس الغاني نكروما الذي دعا الغانيين للعودة إلى البلاد، كما حرّض بول كوفي، وهو أثرى أميركي أفريقي في الولايات المتحدة على عودة الأفارقة إلى سيراليون، كما شجّع إدوار ويلموت بلايدن إلى عودة الأفارقة إلى بلدانهم الأصلية. وبالمقابل هناك من عارض فكرة العودة وأيدّ فكرة الاندماج مع المجتمع الأبيض أمثال فردريك دوغلاس ومارتن لوثر كنغ. بينما كان بن عامي يطالب الإدارة الأميركية بمساعدة الراغبين في العودة الطوعية لكنهم لم يحصلوا من الكونغرس إلا على منحة قدرها مليون دولار لإنشاء مستوطنة بعد أن وافقت عليها إسرائيل. كرّس الدكتور جعفر هادي حسن الفصل الثالث ليهود إثيوبيا "الفلاشا". وبحسب الرحالة اليهودي المغامر إلداد هاداني الذي سافر إلى هناك والتقى الكثير من اليهود وذكر بأن قبيلة "دان" قد هاجرت إلى إثيوبيا لأنها لم ترد أن تشترك في الحرب الأهلية بعد وفاة سليمان بن داوود، كما هاجرت معها ثلاث قبائل أخرى وهي نفتالي وآشر وجاد غير أن رئاسة الحاخامية اعتبرت قبيلة "دان" من القبائل الضائعة. ويعتقد جاك فيتلوفتش أن الفلاشا يهود حقيقيون بالدم والنسب وليسوا متحولين كما يرى البعض. وكلمة فلاشا تعني أجانب أو منفيين باللغة الجعزية، وهم يختنون أولادهم، ويلتزمون بأحكام السبت وقضية الطهارة، ويعتقد قسسهم "بأن الأثيوبيين هم الشعب المختار بدل اليهود لأن التابوت في حمايتهم"(ص115). يسكن الفلاشا في قرى منعزلة عند الأنهار ومصادر المياه، ويمتهنون الحدادة وصناعة الأواني الفخارية. وبما أن الحدادين متهمون بالسحر فقد نُسجت حولهم الأساطير التي تقول بأنهم يتحولون في الليل إلى ضباع تأكل الجثث في المقابر. ويقدر عددهم بحدود مئتي ألف يهودي وحينما تم نقلهم إلى إسرائيل طلبت منهم رئاسة الحاخامية أن يتزوجوا على وفق الطريقة الأرثودكسية، وأن يرتمسوا بالماء، وأن يختتنوا أمام الحاخامين، وكانت أوضاعهم السكنية والصحية مرزية الأمر الذي دفع بعضهم للانتحار. يركز الباحث في الفصل الرابع على "اليهود اليسوعيين" Messianic Jews ولا يترجم اسم هذه الفرقة ترجمة حرفية وهي "اليهود المسيحانيين" لأن المعنى الأول أدق، فهم يهود ويؤمنون بعيسى "اليسوع" كنبي ومخلّص وينتظر أتباع هذه الفرقة ظهوره الثاني ولا ينتظرون مسيحًا آخر. هناك العديد من رجال الدين الذين تحولوا من اليهودية إلى المسيحية بعد أن قرأوا العهد الجديد مثل المبشّر هنري شتيرن، والحاخام الهنغاري أغاز لينخشتاين الذي دعاهم للإيمان بعيسى دون أن يتخلوا عن يهوديتهم لكن الرئاسة الحاخامية كانت لهم بالمرصاد فأصدرت عقوبات صارمة ضد كل يهودي يؤمن بعيسى تصل إلى طرده من اليهودية. لا تؤمن هذه المجموعة بالتبشير لذلك يتناقص عددهم يومًا بعد يوم. يعتقد اليسوعيون "أن وعد الرب لليهود كان قد ألغي بمجيء اليسوع عيسى، وأن شعب الكنيسة هو الشعب المختار"(ص213). لم يقتنع الدكتور جعفر في الفصل الخامس بترجمة فرقة Humanistic Judaism باليهودية الإنسانية، بل ترجمها بـ "اليهودية البشرية" لأن المقصود هنا "أن البشر اليهود هم الذين أوجدوا هذه الديانة اليهودية دون تدخل من خالق"(ص225). ويعتبر أتباع هذه الفرقة أن اليهودية ثقافة وليست دينًا، كما ينتقدون التوراة كثيرًا لأن قصصها متناقضة، وتفضي إلى الارتباك والتشويش، وأن الشخصية اليهودية هي نتاج التاريخ اليهودي وليس نتاج التوراة. وخلاصة القول "إن التوراة هي كتاب أدبي وحقها أن توضع في مكان مشرف في متحف الكتب اليهودية"(ص231). أما الفصل السادس والأخير فيسلّط الضوء على فرقة مكويا اليابانية التي تؤكد على الأصل العبري للعقيدة المسيحية وترى أن بناء معبد الشنتو لا يختلف كثيرًا عن شكل المعبد اليهودي. لا يتزوج أتباع هذه الفرقة من خارج فرقتهم ويعتقدون بأنهم أحفاد قبيلة زبولون، وهي إحدى قبائل بني إسرائيل الضائعة. ويعتقد إيكورو تشيما، مؤسس هذه الفرقة بأن "سور الصين العظيم قد بناه يهود الشتات"(ص266). لم يشر الباحث إلى فرق يهودية معروفة مثل القرّائين، والدونمة، والحسيديم، والحريديم لأنه أصدر كتبًا عنها. كما لم يتوقف عند الفرق الإصلاحية والمحافظة لأنها تحتاج إلى أبحاث علمية مطولة.
#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفنان التشكيلي سعد علي: ما أزال تائهًا بين ثنايا الروح الحل
...
-
الفنانة مونيك باستيانس . . شغف بالطبيعة ونزوع لتجميلها
-
البوح وسيلة للاعتراف في النص السردي
-
الكتابة والحياة: سيرة جريئة كتبها علي الشوك قبل ضمور الذاكرة
-
محمد شكري جميل . . عرّاب السينما العراقية بلا مُنازع
-
حكاية البنت التي طارت عصافيرها: لغة سلسة وبناء قصصي متماسك
-
رازقي . . رواية جريئة تفتقر إلى الثيمة الرئيسة
-
اللاجئ العراقي وثنائية الهجرة والحنين إلى الوطن
-
الشخصية المُناهضة للحرب في رواية السبيليات
-
تيت غاليري بلندن يحتفي بالفنانة التركية فخر النساء زيد
-
أديب كمال الدين . . . الشاعرُ المُتعبِّد في صومعة الحرف ومحر
...
-
ديفيد هوكني في معرضة الاستعادي الثاني في غاليري Tate Britain
...
-
السنة المفقودة. . . سيرة ذاتية مُصوَّرة
-
بيضاء كالثلج. . البحث عن آصرة الأخوّة المُفتَرضة
-
عاشقات سعد علي يمرحنَ في فردوسهِ المُتخيَّل
-
انتظار السَمَرْمَرْ: رواية متماسكة وليست محْكيات مشتّتة
-
-بطنها المأوى- لدُنى غالي. . . نموذخ صادم لأدب المنفى والسجو
...
-
سلامًا للغربة . . وداعًا للوطن: المبدعون يصنعون شخصية الأمة
-
شخصيات جاكومَتي الخيطية ترحل من الوجود إلى العدم
-
إشكالية الإقحام و الفبركة في رواية بهار
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|