أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعيد اقشيرة - نقد نيتشه للأخلاق المثالية: سقراط وأفلاطون نموذجا















المزيد.....


نقد نيتشه للأخلاق المثالية: سقراط وأفلاطون نموذجا


سعيد اقشيرة

الحوار المتمدن-العدد: 5621 - 2017 / 8 / 26 - 23:05
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


نقد نيتشه لسقراط- أفلاطون:

تعد الأخلاق القضية الأساسية والمحورية في فلسفة نيتشه، إذ اهتم بهذا المبحث، انطلاقا من نقده، وجعله موضع شك وتساؤل، بغية معرفة مراحل تشكلها وتطورها، لهذا يقول في كتابه جينيالوجيا الأخلاق : "نحن في حاجة إلى نقد للقيم الأخلاقية..."( )، فغرضه الوحيد هو أن يصل بهذ ه القيم إلى موضع الشك والبحث عن أصلها، وهذا ما يتطلب في نظره: "جمع وثائق هذه الثروة اللانهائية من الأحاسيس الرقيقة والفوارق الدقيقة بينها وبين القيم التي لا تكف عن التوالد والتلاشي، تحديدها منطقيا وترتيبها، وربما تمكنّا أيضا، من محاولة توضيح الأشكال التي تأخذها هذه التبلورات الحية مرحليا أو في غالب الأحيان؛ كل ذلك بهدف تحضير علم دراسة أصناف الأخلاق( ).
إن جمع هذه الوثائق تساعدنا على كشف أصناف الأخلاق القديمة، ونقدها مادمت لا تكف عن التوالد والتلاشي. بهذا عاد نيتشه إلى الإغريق للبحث عن أصل هذه الأحاسيس ومعرفة أصلها موجها بذلك نقدا لما حملته هذه القيم، خاصة السقراطية الأفلاطونية. ففي الإغريق وجود هناك تعارض كبير بين الأصل والهدف؛ بمعنى هذا التعارض الحاصل في اليونان هو ذلك الصراع بين الروح "البولونية"*( أبولو: ويسمونه كذلك فيبوس phoebus أي المنير،هو إله الكهانة، والموسيقى التي تصاحب الأشعار الملحمية، والشعر الملحمي عند الإغريق، وكذلك إله النور الذي يمدن الانسان.ابن زيوس،كبير الالهة،وليطو،وأخته هي أرتميز،وعلى معبده كتبت عبارات شهيرة مثل: "اعرف نفسك بنفسك".إنه غله صارم وبمقدوره أن يصبح عنيفا إذا إقتضى الأمر.ورغم سلطه المتعددة يعتبره الإغريق راعي الفنون والاداب قبل كل شيء).، و"الديونسية"*(ديونيزوس: dionysos إله الخمر، إليه ينسب اكتشاف الدالية واستعمال العنب في تحضير الخمر. إله الإلهام، وربما كون هو أول من أسس مدرسة للموسيقى، ولكنها موسيقى مختلفة تماما عن موسيقى أبولوننالتي لم تكن موسيقى حقيقية، بل مجرد عزف يصاحب مقطوعة شعرية ليبرزها بشكل أفضل. أما في الموسيقى الديونسية، فغن اللحن وقته العاطفية هما اللذان يحققان النشوة لإنسان ويجعلانه يبكي او يضحك او يرقص. كان الاحتفال بهذا الإله يتم عبر أعياد ديونيزوس التي تعتبر هي أصل المسرح).

فأبولون، "الذي هو إله كل قوى الحية وإله الكهانة في نفس الوقت. فهو الذي يعني إسمه، حسب الأصل المشتق منه، البراق، إله النور، هو كذلك سيد المظهر الجميل لعالم الخيال الداخلي..."( ). أما ديونيزوس، فهو إله النشوة إله الرقص والبخوسات. انطلاقا من هذا الاختلاف بين آلهتين، إله أصلي، وإله وهمي، فالأول هو ديونيزوسن والثاني أبولون، سنحاول إبراز البعد الأسطوري للأخلاق، وكذلك تبيان نقد نيتشه للإغريق.
فالبعد الأسطوري يمكن استخلاصه من الانتصار الذي انتصر له سقراط وبعده أفلاطون، للروح الأبولونية، واتخاذي هذا الإله رمزا قويا في تمجيد العقل والعلم، أكثر مما ينبغي. فمن خلال هذا التمجيد الكبير للعقل وجعله أساس كل شيء، قد تم قتل كل الغرائز المناهضة للحياة، ونستشف هذا في بعض كتابات أفلاطون، إذ يهاجم الشعراء والفنانين، بغية بناء المعرفة على هذا العقل. وبهذا يقول نيتشه: "لقد فضح سقراط لأول مرة باعتباره أداة تشتت شمل الإغريق،ونموذجا للانحطاط.العقلية ضد الغريزة."( )
وجد نيتشه في سقراط رمزا أساسيا في تشتت الإغريق، من خلال تمجيده للعقل الذي يمثل الروح الابولونية، وقتل الحياة وكل الغرائز التي ينبغي أن تكون عليها الحياة. كما رأى في الأخلاق التي قامت في نهاية المطاف عل الفضيلة، والفضيلة تقوم أساسا على العقل، وهذا العقل هو تجلي من تجليات الأبولونية، عارضا من أعراض الانحطاط، إذ بالأخلاق تم قتل الحياة. ويعبر نيتشه عن هذا كتابه أفول الأصنام: "إن الأخلاق، كما فهمت حتى الآن- كما صاغها شوبنهاور، في نهاية المطاف، كنفي للإرادة الحياة- هذه الأخلاق هي غريزة الانحطاط"( ). لهذا عمل نيتشه على إحياء ديونيزوس، معتبرا نفسه أول فيلسوف فهم الظاهرة الديونسية، التي يرى فيها مبدأ الحياة، وأن السقراطية الأخلاقية هي من عملت على قتل الحياة، وإحاطة بالغرائز واستنزافها. ومنه يعتبر نيتشه نقيضا لكل فيلسوف متشائم، لأن الفلاسفة السابقين عليه لم يعرفون كيف يعبرون عن الديونيسي، لأنهم كانت تنقصهم الحكمة التراجيديا. لهذا قامت قيمهم على العقل، وهذا العقل ما هو إلا قتل الحياة ونفي الغرائز. مما جعل نيتشه أن يرفع مطرقته في طرق كل ما ينبغي طرقه، وكان الإغريق منطلقه الأول، وذلك بسبب التعارض الحاصل ما بين التفاؤل والتشاؤم، فالأول تمثل في الديونيسية، والثاني يتجلى في العقل الأبولوني الذي تبناه كل من سقراط وأتباعه، مما جعل قيمهم لا تحث على الحياة، وإنما على التعاسة والشقاء. وقد يمكن اعتبار هذا هو السبب في شن نيتشة هجومه على الإغريق ، ونقد بذلك كل من سقراط و أفلاطون.
يعتبر نيتشه أن الشرق هو الموطن الذي انحدرت منه الثقافة اليونانية، وانه منبع الحكمة التي نهل منها الإغريق. يقول في كتابه الفلسفة في عصر المأسوي الإغريقي: "لا شك، أنه تم السعي لإظهار مدى تعلم الإغريق واكتشاف أشياء عند جيرانهم الشرقيين. ومدى تنوع اقتباسهم عنهم، وقد برز ذلك في مشهد طريف حين تمت مقارنة المعلمين الشرقيين وتلامذ تهم الإغريق ومقارنة زرادشت بهيراقليطس، والهندوس بالإيليين، والمصرين بأنذوبقوليس، وتوصلت تلك المقارنة حتى إلى رد انكساغوراس إلى اليهود وفيتاغورس إلى الصينيين..."( ). من خلال هذه المقارنة سنقنع أنفسنا على أن الفلسفة الإغريقية مجرد استيراد قام به الإغريق، و لم تنبث في موطنها. وعليه يقول نيتشه: "وأن نذهب حتى إلى القول إن الفلسفة، كجسم غريب، قد خربت الإغريق أكثر مما شحذت عزيمتهم. من العبث أن ننسب الإغريق ثقافة أصيلة: إنهم بالعكس، هضموا الثقافة الحية لشعوب أخرى."( ). يبين نيتشه ، على أن الشرق هو الموطن الأساسي الذي قامت عليه الثقافة الإغريقية، وكذلك تلك الفترة التي شهدت سيل من الأفكار الهندية إلى أوروبا، حيث سببت هزة ثقافية عنيفة ، ولم يعد للإغريق أية مكانة بعد ما كانت رمزا للكل الحضارة، ومفخرتا لكل من يقتدي بها، صارت الهند هي المصدر الحقيقي لثقافة وأفكار كل البشر.
بعد هذا الفضح النتشاوي للإغريق، سيعمل على نقد وضرب في كل من سقراط –أفلاطون، وذلك من خلال نقد قيمهم الفلسفية والأخلاقية. إذ يرى في سقراط ذلك التبجيل بالعلم الذي استلهمه من أبولون، وما هو إلا شيء لا يصلح لشيء يقول في ميلاد التراجيديا: "العلم باعتباره عرضا من أعراض الحياة، لأي شيء يصلح العلم وما مصدره؟، وماذا لو كان التبحر في العلوم مجرد خوف من التشاؤم وذريعة نتذرع بها أمامه؟ أو حيلة، بعبارة لا أخلاقية؟ سقراط، يا سقراط، هل كان هو سرك؟ أيها الساخر العجيب، هل كانت هذه هي سخريتك؟..."( ). تمثل شخصية سقراط بالنسبة لينتشه انحلالا للفلسفة اليونانية، إذ كان ينظر إليه كمؤسس فعلي لهذا الانحلال، كما رأى فيه سرعة التقدم تواكب سرعة الانطفاء. هذا هو سقراط الذي عمل إطفاء تقدم العلم. فهذه العلامة البارزة في الانحطاط السقراطي تمت من خلال انحيازه للعقل وتمجيده. وهو ما يعبر عنه نيتشه في كتابه ميلاد التراجديا: "إنني أرى في سقراط شخصا منحطا، قد قدمت برهانا لا يرقى إليه شك على كون يقين حسي النفسي لا يتهدده خطر مزاج أخلاقي ما: - رؤيتي في الأخلاق عرضا من أعراض الانحطاط يعتبر، في تاريخ المعرفة، شيئا جديدا، شيئا فريدا ومن طراز رفيع.."( ). وعلى غرار هذا نجد نيتشه يصفه بالشيطان، وقبيح الخرقة، ورمز القبح في دنيا، هذا مما جعل نيتشه أن يشك حتى في انتمائه لليونان، وكل شيء فيه زائد عن حده، حتى تلك المعادلة التي وضعها هي اغرب معادلة على الإطلاق في نظر نيتشه "العقل = الفضيلة = السعادة".يقول عنها في كتابه أفول الأصنام:" تعني فقط: يجب أن نفعل مثل سقراط، وان نقيم ضد الشهوات المظلمة نورا سرمديا: نور وضح نهار العقل.يجب أن يكون المرء صاحيا واضحا، منيرا مهما كان الثمن؛ كل تنازل لصالح الغرائز، لصالح اللاشعور، يقود إلى الهاوية.."( ). فلم يكن سقراط إلا ضفدعا في نظر نيتشه لا يعرف الحياة ولا حتى القيم، فمعادلته لا تمثل سوى الانحطاط ونفي الحياة، لأن السعادة بالنسبة لينتشه لا تتم إلا إذا ارتبطت بالغرائز. لكن سقراط ربطها بالعنصر ألقيمي، والعقلي؛ أي بالعقل والفضيلة. ويعد مبين أكثر الناس الذين خدعوا أنفسهم، وعلى الرغم منه لم يعترف لنفسه بهذا، عند احتضار موته. وحتى موته هو من داهمها، حيث يقول نيتشه في نفس الكتاب: "لقد أراد سقراط أن يقضي نحبه: -ليست أثينا، انه هو نفسه الذي مدى لنفسه كأس سم الشوكران لقد أرغم أثينا على تمدها إياه...سقراط ليس طبيبا، همس لنفسه: وحده الموت هو الطبيب...أما سقراط فلم يكن إلا مريضا لزمن طويل..."( ).
بعد أن هاجم نيتشه سقراط، اتجه إلى تلميذه أفلاطون، فهذا الأخير هو أيضا لن يفلت من مطرقته، يرى في فلسفته نوعا من الخليط ، وخاصة نظرية المثل، إذ تحتوي على عناصر كثيرة منها إيلية وأيونية وسقراطية. ففلسفته في نظر نيتشه ليست صافية ونقية ، بل تتجه مصادرها إلى الشرق. ويضف إلى هذا ذلك الاحتقار المفزع للواقع الذي نقله من أستاذه، باعتبار أن سقراط هو من نقل له هذه العدوى، و الحقد. فسقراط في رأي نيتشه هو السبب في انحلال تلميذه أفلاطون، وهو من أفسده حين لقنه أهمية الأخلاق والمنهج الجدلي واحتقاره للفن جاعلا منه مفكرا جدليا عكس طبيعته. إن تأثير سقراط في أفلاطون جعله يحتقر الواقع والحقد على العالم المحسوس لهذا غاد عندهم التحرر من الحواس واجبا أخلاقيا.
فما ينبغي فهمه هو نقد نيتشه للأخلاق، الذي تم من خلال تقويمها للمعنى السائد، ومراجعتها من جديد. وفي هذا وذاك يناضل نيتشه بجميع الأشكال، ضد هذا التراث الأخلاقي الذي حملت به البشرية، ويتمثل هذا الإرث الأخلاقي في المعقولية الفلسفية والزهد الديني، ومن هذان العنصران تشكلت تلك المبادئ التي يسير عليها الإنسان الراهن. يرى فؤاد زكريا في كتابه نوابغ الفكر الغربي- نيتشه، أن نيتشه لا يفرق بين هذين العنصرين كثيرا: " فالإفراط في المعقولية يؤدي إلى خلق عالم من الأفكار المفارقة التي فقدت كل صلة بالواقع العيني، وعندئذ تكون القاعدة الأخلاقية للسلوك قريبة كل القرب من القاعدة الدينية الزاهدة"( ). وهذا التقارب بين المعقولية والزهد الديني نلمسه في فلسفة أفلاطون. من خلال ارتكاز القواعد الأخلاقية كلها على الخير والفضيلة، باعتبارها أعلى و أسمى المثل، وتجرد عن المحسوس.
وعليه سيعمل نيتشه على قلب القيم الأخلاقية الأفلاطونية موجها بذلك نقده له إذ يقول في كتابه ما وراء الخير والشر، ترجمة وتقديم محمد الناجي: "ففي أخلاق أفلاطون يوجد شيء ما لا يمت بصلة إلى أفلاطون، بحيث يمكن نقول عنه إنه يوجد في فلسفته بالرغم منه، هذا الشيء هو النزعة السقراطية التي تأباها في العمق طبيعته كأرستقراطي. لا أحد يضر نفسه إراديا، فإذن لا يسيء المرء إلا اضطرارا. إن الشرير يسيء إلى نفسه، ولو عرف ذلك لما فعل. ليس الشرير شريرا إذن إلا عن خطأ. لتسقط عنه الخطأ وسيغدو بالضرورة طيبا"( ). ومن هذا يتضح القلب النيتشاوي للأفلاطونية، إذ جعل الخير شرا، والشر خيرا. فكلما رفعنا عنه الخطأ، كلما أغذى طيبا. لكن في طريقة تفكير الدهماء لا ترى في الفعل القبيح سوى العواقب الوخيمة. فأما نيتشه فيرى فيه الحسن، والنافع. و ما هو خلقي وطيب، ما هو إلا قيمة نسبها الأقوياء، أو الأرستقراطيين لأنفسهم. وفي هذا يقول نيتشه: "لقد فعل أفلاطون كل ما في وسعه ليفسر إرشاد معلمه على هواه، ليقحم فيه قليلا من اللطافة والنبالة، ليقحم فيه ذاته أولا، هو الأجرأ من بين كل مفسرين، الذي اعتبر سقراط كله موضوعا شعبيا أو لازمة عثر عليها في السيل لينوعه إلى مالا نهاية إلى حدود المستحيل"(مصدر نفسه). إذن فالقيم الأفلاطونية، ما هي إلا أخلاق قائمة على إقحام ما هو طيب وجميل، وأخلاقي، على حساب الأرستقراطي. وحتى أفلاطون واجهه نيتشه بالسخرية؛ إذ يقول:" لا أعرف شيء أسمّ من السخرية التي وجهها أبيقور إلى أفلاطون و الأفلاطونيين: لقد سمهم خدّام ديونيزوس (ديونيسيوخوسلاكس). والكلمة تعني اشتقاقيا وظاهريا مداحي ديونيزوس، أي حاشية المستبد والمتملقين الدنيئين؛ وتعني بالإضافة إلى هذا، أنهم لم يكونوا سوى ممثلين ، عديمي الأصالة"(مصدر نفسه).
من خلال هذا الجرد النقدي، النتشاوي للإغريق، الذي عمل فيه على نقد قيمهم، وتم ذلك إنطاقا من الصراع الحاصل بين الألهتين، فهذا التعارض القائم بين أيولون، وديونيزوس. فالأول ، تم تمجيده من طرف الإغريق وخاصة سقراط أفلاطون إذ مثل لهم كل القيم التي تم تمجيدها بفضل العقل، باعتباره أساس كل منطلق، وهذا الانتصار القوي للعقل قتل كل الغرائز، وقتل الغرائز هو في ذاته قتل الحياة. أما الثاني عاد نيتشه لإحيائه بغية إحياء الحياة و إطلاق عنان الغرائز التي تم سجنها من طرف العقل السقراطي، وأتباعه. فسقراط في نهاية المطاف في نظر نيتشه لم يفعل شيئا في حياته سوى السخرية وبلاهة، من الاثنين الذين لم يعرفوا يوما كيف يفسرون أفعالهم وغرائزهم. ففي هذا يتساءل نيتشه في قوله: "ما الغاية- يقول لنفسه- من الاستمرار في نكران الغرائز"(مصدر نفسه). يجيب نيتشه، على الإنسان إن يساعد هذه الغرائز هي والعقل لكي ينصفوا دواتهم، ويقنع العقل في ذلك لكي يمنحها مبررات سليمة. وبهذا حسب نيتشه، نفاق ذلك الساخر المكتنف بالأسرار، إذ صير ضميره بغية أن يشفي غّلته بنوع من النفاق. لأن في عمق هذا يجلي الطابع اللاعقلاني للأحكام الأخلاقية. ويرى في أفلاطون أكثر براءة في الأمور مثل هذه: "فقد كان مجرّدا من المكر الخاص بالدهماء، وأراد بكل قواه التي تفوق قوى سابقيه بكثير- أن يبرهن لنفسه على أن العقل والغرائز ينزعون بشكل طبيعي إلى الخير "الإله". ومنذ أفلاطون، سار اللاهوتيون والفلاسفة حتى اليوم على النهج نفسه فيما يتعلق بأمر الأخلاق، أي الغريزة، أو الإيمان كما يقول المسيحيون، أو القطيع كما أقول أنا، هي التي انتصرت في نهاية"(مصدر نفسه).
إذن ، يرى نيتشه كل أخلاق الفلاسفة الإغريق انطلاقا من أفلاطون محددة بدوافع مراضية، وهذه الأخلاق ما هي إلا عنصر للانحطاط. ويقول في أفول الأصنام: "الأخلاقيين يعتبر الاعتقاد بالانفلات من الانحطاط ، بمجرد التحيز ضده انخداعا. ليس في مقدرهم الانفلات منه: إن ما يختارونه كوسيلة ،كأمل أخير للخلاص، ليس في نهاية المطاف إلا مظهرا من مظاهر الانحطاط – يبدلون التعبير عن ذلك، لا يلغونه. سقراط ، في كليته يقوم على سوء الفهم. كل أخلاقية الكمال، بما فيها المسحية تقوم على سوء فهم"( ).



#سعيد_اقشيرة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السياق العام ل هاربت ماركيوز


المزيد.....




- لحظة بلحظة.. كاميرا ترصد انتشال سائقة من داخل سيارة محترقة
- ألمانيا: سياسيون من الحكومة والمعارضة ينتقدون دعم إيلون ماسك ...
- أسرار اللحظات الأخيرة: ماذا عُرض على الرئيس العراقي الراحل ص ...
- تبادل للاتهامات بعد مقتل الصحفية شذى الصباغ في مخيم جنين، وع ...
- مصر.. تحرك جديد للحكومة تجاه دول القارة الإفريقية
- لافروف والصفدي يبحثان تطورات الأوضاع في سوريا
- مراسلتنا في لبنان: الجيش الإسرائيلي ينفذ عملية نسف كبيرة في ...
- إسرائيل ترفض تزويد السلطة الفلسطينية بالسلاح لدعم عملية جنين ...
- رئيس الوزراء الجورجي: الغرب يعاقب تبليسي لرفضها فتح جبهة ثان ...
- الشرع يمنح ترفيعات في الرتب لعدد من الضباط بينهم وزير الدفاع ...


المزيد.....

- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعيد اقشيرة - نقد نيتشه للأخلاق المثالية: سقراط وأفلاطون نموذجا