|
مكتوب ع الخد!
أمنية جمال عقل
الحوار المتمدن-العدد: 5615 - 2017 / 8 / 20 - 12:15
المحور:
الادب والفن
مكتوب ع الخد !!
بدأت سلمى اجازتها الصيفية بعد انتهاء امتحانات الصف الرابع الإبتدائي ، وهى تتصور انها ستكون مثل كل الاجازات لعب ولهو في اولها ، وملل وفراغ قبل انتهائها ، ولكن كان للايام رأى آخر.
بعد الاسبوع الاول عرض عليها والديها ان تستغل العطلة الطويلة استغلالا مفيدا ، وان تذهب إلي النادى القريب من منزلها لتتعلم الكاراتيه مع جارتها التى في مثل عمرها والتى كان والديها مصدر الاقتراح لوالدى سلمى .
لماذا اختار لها والديها لعبة الكاراتيه خصيصا؟
اذا كانت الاجابة انها ستكون مع جارتها الصغيرة ، فلابد من تكرار السؤال .. لماذا؟
هى ليست صديقتها .. انها لا تحبها من الاساس ، لم تكن تكرهها ولكنها كانت تحس بأنها لا يمكن ان تكون صديقتها ،، فبأى منطق يختاروا لها بناءا علي ما اختارته الجارة الصغيرة؟!
انها لا تدرى .. لم تحاول ان تدرى
ان سلمى مؤمنة بالقدر والمكتوب ، بل انها لا تؤمن بشئ إلا القدر والمكتوب .. القدر هو ما دفعها ان تكون جارة لمن لا تحبها ، والقدر هو الذى دفعها للعبة الكاراتية دون غيرها .
وفي استلام ممزوج بالتعجب قالت لوالديها "حاضر"
ذهبت إلى النادى في غير حماس وفي غير نفور .. انها ذاهبة للقدر ، وهى الآن في طريقها لتعيش او تتعايش مع القدر.
ابدلت ملابسها وارتدت ملابس التمرين ، وتجاهلت جارتها ، وانتظرت مع المنتظرين .. إلي ان وصل
كابتن "عمر" المدرب المسئول عن المبتدئين
منذ ان رأته سلمى وهى تبدو جامدة في مكانها ولكن كل خلجاتها ترتعش تخفق في شدة .. انه وسيم ذو ملامح دقيقة وشعر ناعم ويبدو في ال25 من عمره .
ماذا يحدث .. ما كل هذه الدربكة التى في داخلها؟
هل احبته من الوهلة الأولى؟
انها لا تدرى .. ولم تحاول ان تدرى .. انه قدر !
بدأ كابتن عمر التمارين وهى تحاول ان تلملم شتاتها وتركز في التمارين وهى بالكاد تنجح في ذلك.
عادت سلمى إلي منزلها وكل تفكيرها في كابتن عمر الذى رغم كل ما فعله بداخلها لم يلتفت إليها مطلقا .
وبعد المرة الثانية والثالثة ويأس كبير من لفت نظره تعمدت ان تخفق في التمرين وان تبدى آداء خاطئ وضعيف ، كمحاولة يائسة لجذب انتباهه.
ولكن لم يسير الامر كما تصورت هى.
هو فعلا انتبه إليها وإلي آدائها الخاطئ في التمارين ، ولكنه قابل ذلك بالسخرية والتهكم الذى اثار ضحك الزميلات وحزنها ، ولسانه حاله يقول " ليس اللعب هكذا يا غبية"!
تركت الحزن يستعمر قلبها ويستقر به .. الحزن عندها قدر .
مسكينة سلمى ان مفهومها المغلوط عن القدر ، اضاع منها حياتها وسنوات جميلة في عمرها ، فهي لم تؤمن بسواه .. لم تؤمن ان الحياة كفاح وتحدى وإصرار .. فقط هى قدر!!
صحيح أن تلك المغالطة جعلت منها فتاة مسالمة طيبة صبورة رقيقة ، ولكنه اضاع منها فرص النجاح والتألق ، القدر بالفعل كان ينقذها من السقوط إلي الهوة ولكنه لم يصل بها مطلقا إلي قمة النجاح.
وربما كان ذلك المعتقد وليد لشخص سلمى .. فهى شخص اتكالى كسول ، وبالتالى عقلها اللاواعى يتمسك بفكرة القدر ليبرر لها كسلها ، ويضفي علي إتكالها قدسية فيصبح إتكالا علي الله ، لا غبار عليه .. بل لابد منه!!
غلطة سلمى انها آمنت بالقدر ، ولم تؤمن بالقدرات !!!
اخفقت في التمارين كثيرا ، ولكن هذه المرة دون تعمد ، وكابتن عمر يستمر في سخريته وتهكمه ، وهى تغرق في احزانها.
وفي مرة كانت تقف بعيد عن كابتن عمر في فترة الاستراحة القصيرة ، دخلت فتاة تراها لأول مرة ولاحظت منذ دخولها كابتن عمر وهو يستقبلها بحرارة ولهفة حقيقية .. لدرجة انه قبلها علي خدها.
اشتعلت النيران في قلب سلمى ، وكانت هذه بداية تعرفها بشعور ثقيل مهلك اسمه الغيرة .
وبينما لهيب القلب متوهجا اقتربت من الفتيات التى يحيطونها هى وكابتن عمر ، وسألت احداهن .. من هذه .. هل هى اخت الكابتن او قريبته.
اجابت الفتاة ب"لا"
اذا من هى؟!
انها "ريم" متدربة سابقة تركت التمارين منذ فترة.
متدربة سابقة؟.
يعنى انها مثلها مثل باقي فتيات التمرين
ناهيك عن انها في مثل عمرنا
اذا بأى حق يقبلها علي خدها
لماذا يقبلها
وازداد لهيب غيرتها لدرجة انها خافت ان تعجز عن حبس دموعها ، وتمارضت حتى تترك التمرين من منتصفه وتعود الى المنزل.
ووالدتها تسألها "ماذا بك يا سلمى" ،،، "لما عدت مبكرا" فتقول "ابدا يا ماما اصيبت قدمى في وسط التمرين ولم استطع تكميله"
ومنذ ان عادت إلي المنزل وهى تحبس دموعها ولا تكف عن النظر في المرآة متسائلة
لماذا يقبل "ريم" ويسخر منى
اننى لست دميمة وربما انا اجمل من ريم
لم تكن سلمى بالجمال الخارق ، ولكنها كانت ابعد ما يكون عن الدمامة ، بل انها تملك حظا فسيولوجيا رائعا يجعلها كلما كبرت عام تزداد جمالا ، لدرجة انها اصبحت في شبابها ذات جمال واضح اقرب إلي ان يكون خارقا.
حبست دموعها الى ان جاء الليل فتركتها تغرق الوسادة.
بعدها قررت ان تكون اقوى وان تتحدى الكابتن ، او بالاحرى تتحدى "ريم" .
بذلت كل مجهودها حتى تجتاز الاختبار الاول وتحصل علي الحزام الاصفر ، وكأنها نسيت او تناسيت موقفها من القدر .
ولكن لم تقاوم كثيرا ، احست بإنها وهنت واحبطت ، وكأنها اعتبرت قصة ريم مؤشر لما هو آت ، ولما يمليه عليها القدر من حياة عاطفية تعيسة وربما حياة علمية وعملية اتعس.
واصرت سلمى علي ان تترك لعبة الكاراتيه .. لقد كرهتها .. لا لم تكرهها ولكنها كرهت "ريم" انبأتها بمستقبلها التعس.
مرت اجازة الصيف ومر العام كله ومشهد قبلة الخد لم يفارق خيالها ابدا ، رغم انها نسيت مشاعرها تجاة كابتن عمر نفسه ، ولكنها لم تنس القبلة!
القبلة التى اشتعلت النار في شرايين قلبها والتصق الرماد علي جدرانه دون ان ينكشح!!
ومن وقتها لم تعد تؤلمها ذكرى سخرية الكابتن ، ولكن تؤلمها ذكرى القبلة واحساسها بالغيرة.
ولم يكذب عليها احساسها ، حظت سلمى بمستقبل عاطفي وعلمى وعملي فاشل حيث رسبت عام في الجامعة وحصلت بالكاد علي تقدير عام مقبول ، ولم تكلف نفسها بعد التخرج عناء البحث عن العمل ربما تأتيها الفرصة إلي غرفة نومها !! لم تعرف لها موهبة وليس لديها اصدقاء مقربين ، وربما ليست كل هذا بسبب القبلة علي الخد ولكن بسبب نظرتها للقدر.
نسيت سلمى القصة دون ان تدرى كيف ترسبت في اعماقها بشكل خطير . وحين اصبحت شابة جميلة مغرية باتت تغرى كل شاب يعجبها او تعجبه ، وتهيئ الظروف لتنفرد به ليقبلها علي خدها ، واذا تعنت احدهم او تجاهل تحاول كثيرا في رجاء وكأنها تقول له "ارجوك قبل خدى ولا تعصف بي كما عصف كابتن عمر " ..
وما ان يقبلها الشاب علي خدها حتى تهرب من امامه .. تهرب حرفيا .. حتى لا يأخذ اكثر فمن الطبيعى ان يعتبرها معظم الشباب الذين قبلوها علي خدها منحلة او مجنونة او طائشة.
سلمى ليس بطائشة ولا مجنونة ولا منحلة .. سلمى تعيش قدرها.. وقدرها ان تندفع لا إراديا لذلك التصرف ، وان يشعرها بالفرحة والانتصار!
وبعد كل قبلة تحس سلمى بإنتصار ونشوة لا تعرف مصدرهما خاصة انها ليست بصدد معركة. علي من تنتصر ؟!! ربما علي ريم وكابتن عمر اللذان لم تراهما منذ زمن بعيد ... انه انتصارا داخليا فقط !!
بات هدفها في الحياة ان تحصل علي قبلة الخد التى تشفي غليلها ، وتسحق في داخلها ريم وكابتن عمر معا .
ولم تأسف ريم علي فشلها العلمى والعملي -انه ليست فشل ولكنه ليست نجاح- ولم تشعر بالذنب لتصرفها المتكرر الطائش.
ولماذا تأسف او تشعر بالذنب ، ولماذا تبحث لنفسها عن هدف اسمى وأهم .. انه القدر الذى رسم لها هذا الطريق .. القدر الذى لا تؤمن سلمى إلا به!!!!
#omnia
#أمنية_جمال_عقل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|