|
هل فوز -حماس- كان رحمة بنا؟
شاكر النابلسي
الحوار المتمدن-العدد: 1457 - 2006 / 2 / 10 - 10:55
المحور:
القضية الفلسطينية
-1- قالت حنان عشراوي الناشطة الفلسطينية إن الولايات المتحدة أخطأت في حساباتها بالضغط لإجراء الانتخابات في الوقت الحالي، مما أدى إلى فوز حماس على هذا النحو المبهر. وفي رأينا أن أمريكا لم تخطيء لأنها كانت تريد فتح هذا الورم الديني السياسي الذي يُطلق عليه حماس. وبدون فتح هذا الورم، ستبقى فلسطين مرهونة لشعارات حماس ما قبل الخامس والعشرين من يناير 2006.
فنجاح حماس اليوم بالانتخابات التشريعية الفلسطينية رحمة من السماء للفلسطينيين والعرب والعالم، من أجل فتح هذا الورم الديني السياسي، أمام شمس حقيقة العالم الجديد.
وانتقال حماس من المعارضة إلى الحكم هو ما كنا نريده ونطالب به منذ زمن، لكي تعرف حماس وباقي الفصائل الدينية السياسية العربية أن الذي يده في النار، ليس كمن يده في الماء. وأن الشعارات الجماهيرية والوعود الرومانسية قد لا تصلح أوراقاً رابحة على الموائد السياسية المعاصرة.
يدُ حماس اليوم انتقلت من الماء البارد (المعارضة) إلى داخل كوّة النار (الحكم) . وعليها أن تواجه العالم بأفكارها وبطريقة حكمها في المستقبل.
-2-
حماس اليوم في وضع لا تُحسد عليه. فهي اليوم ليست في المعارضة لكي تقول قولاً مجانياً بدون حساب، وارضاءً لعواطف جماهيرها التي تنتظر منهم أن يزحفوا إلى صناديق الاقتراع ويحملوها إلى كرسي الحكم. فقد تم لحماس ذلك. وحماس اليوم في مأزقين أحلاهما مُرُّ:
المأزق الأول، أنها إذا أرادت أن تستمر بالحكم، وتبني الدولة الفلسطينية، فعليها أن تعترف باسرائيل، وتجلس معها وجهاً لوجه على طاولة المفاوضات، وبذلك تخسر شارعها وأنصارها الذين أصدقوها القول، بأن لا فلسطين عبر المفاوضات، وانما عبر فوهة البندقية فقط. فقد كان مشروع حماس الفلسطيني مشروعاً دينياً وليس سياسياً. وهو تحرير فلسطين إلى آخر ذرة تراب، وتحويلها إلى وقف إسلامي. وهذا ما جاء في ميثاقها عام 1988. فمشكلة حماس وباقي الحركات الدينية السياسية، تتمثل في عجزها حتى الآن عن امتلاك مشروع سياسي له أهداف قريبة المنال، لا تتعارض مع الإجماع الدولي، الذي لن يتحقق شيء من دونه. فأغلبية اعضاء حماس يعتقدون، بأن قيام الدولة الإسلامية في فلسطين ستكون في عام 2027 ، أي بعد 40 عاماً من اندلاع انتفاضة 1987، حسب فتوى زعيم حماس الراحل أحمد ياسين في 1999 .
فحماس اليوم لها شريك في فلسطين رضيت أم أبت. وهذا الشريك هو اسرائيل فقط. وعليها أن تتعامل مع هذا الشريك، لكي تحلّ تلال مشاكل الشعب الفلسطيني التي لها أول، وليس لها آخر. فكيف ستتعامل حماس مع هذا الشريك غداً ، وهي التي لا تعترف به أصلاً، وتسعى للقضاء عليه وعلى دولته؟
فقضية فلسطين كأي صراع سياسي بين طرفين، لن يحله إلا الطرفان المتخاصمان، وبزواج شرعي، ومأذون دولي، إلا إذا كانت حماس تعتبر نفسها مريم العذراء، التي ستلد غداً المنتظر (دولة فلسطين)، دون مناكحة مع بشر!
والمأزق الثاني، أن تحتفظ بشعاراتها الخشبية التي رفعتها قبل الانتخابات التشريعية، وبذلك ستغلق في وجهها كل أبواب أوروبا وأمريكا وكثير من أبواب العرب والعجم ما عدا سوريا وايران. فهذه الأبواب قد سئمت من القضية الفلسطينية ومن تعقيداتها منذ ما يزيد على نصف قرن، ولا تريد أن تعود خمسين عاماً إلى الوراء وإلى نقطة الصفر . وبهذا سوف لن تستطيع حماس الاستمرار بالحكم، حيث أنها سوف تتحدث مع نفسها وليس مع العالم، وتواجه نفسها وليس العالم، وتتفاوض مع نفسها وليس مع العالم، صاحب القرار الفعلي في اقامة الدولة الفلسطينية.
-3-
تقول حماس للعالم الآن:
- عليكم أن تقبلوا بي كنتيجة ديمقراطية، إن كنتم ديمقراطيين حقاً.
والعالم يقول لحماس:
- كيف نقبل بمن يرفض الاعتراف بنا وبقيمنا وبشروطنا، ويقود حرباً دينية ضدنا؟
ففي أنقرة نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن وزير الخارجية البريطاني جاك سترو قوله إن حركة حماس قد تحظى بتأييد المجتمع الدولي إذا نبذت الإرهاب واختارت الديمقراطية. وكذلك صرحت الولايات المتحدة بأنها لن تتعامل مع حماس ما لم تنبذ الإرهاب، وتتخلّى عن سياستها القائمة على تدمير اسرائيل. ونُقل عن الاتحاد الأوروبي قوله انه سيتعاون مع أي حكومة فلسطينية قادمة اذا أبدت استعدادها للعمل بالوسائل السلمية.
إذن، الحوار بين حماس والعالم له شروطه وله لغته وقواعده. ورفع الأعلام الخضراء والمصاحف والرشاشات والبنادق في شوارع غزة ليست هي لغة الحوار مع العالم. كما أن رفع العلم الحماساوي الأخضر فوق المجلس التشريعي الفلسطيني لن يقيم الدولة الفلسطينية المنشودة.
-4-
إذن، ماذا سيقيم الدولة الفلسطينية؟
إن ما سيقيم الدولة الفلسطينية على أيدي حماس، هو أن تقوم حماس بالثورة داخل الثورة.
فما ينقص حماس هو امتلاك الشجاعة السياسية على اعادة التفكير في أفكارها وممارساتها. كما ينقصها غياب القدرة على قراءة موضوعية لميزان القوي الاقليمي والدولي، تسمح بالمعرفة الموضوعية له.
لقد شاهدنا وقرأنا في التاريخ المعاصر، كيف أن الحركات الثورية السياسية، قد تخلّت عن كثير من أفكارها وخططها التي كانت تتسم بالعنف، وتتخذ من طريق الدم مسلكاً إلى الحكم والسيطرة. وكلنا يذكر مشاهير القادة الذين امتلكوا الشجاعة السياسية في اعادة التفكير في ممارساتهم السياسية كجومو كينياتا، رئيس الوزراء الكيني ، والمطران ماركوس كبير اساقفة قبرص، الذي تولى منصب أول رئيس قبرصي، والزعيم الإفريقي نيلسون مانديلا الذي كان أول رئيس أسود لجنوب إفريقيا، في أعقاب انهيار نظام التمييز العنصري.
فهل سيكون محمود الزهّار أو اسماعيل هنيّة أو خالد المشعل هو التالي بعد هؤلاء، ويدخل التاريخ كما يدخله السياسيون الشجعان، ولو بثمن غالٍ؟
وهل سترغم الانتخابات التشريعية هذه، حماس على القيام بثورة داخل الثورة، بعد أن أصبحت الآن داخل دائرة الضوء السياسي، كما سترغم الاخوان المسلمين وأي حزب ديني يصل إلى الحكم غداً على القيام بهذه الثورة في داخله ، عندما يواجه العالم وقيمه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي أصبحت أمامه وتتحداه، بعد أن كانت خلفه ويتحداها؟
أم أن حماس والاخوان المسلمون الآخرون سيبقون على شعاراتهم الرومانسية الغامضة، وسيبقون بذلك كالمرأة "اللاعة" تغازلك ولا تمكّنك. والاخوان بهذه الشعارات يغازلونك ولا يمكّنونك. فهذه من مكائد الحب، وتلك من مكائد السياسة.
[email protected]
#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دور عرفات (صاحب الشنطة) في فوز حماس
-
العقل العربي و-الملحمة- الكاريكاتيرية
-
الأردن ليس استثناءً
-
حزب الله: المفتاح في نزع السلاح
-
حماس تواجه العالم
-
الطريق الى القدس تمرُّ عبر صناديق الاقتراع
-
ساحة للحرية بعمّان.. واو!
-
سور العرب العظيم
-
سوريا وإيران تشعلان النيران
-
المليشيات الفلسطينية وحلف -فلسان- الثلاثي
-
لماذا يريد العرب انسحاب امريكا من العراق؟
-
ضياع العرب بين صدّام وخدّام
-
لكي لا تحرثوا في البحر!
-
لم يبقَ غير الرحيل يا عباس!
-
قراءة أولية في الانتخابات العراقية
-
وثيقة ارهابية جديدة مدموغة بخاتم الشرعية الدينية الأكاديمية
-
العراق اليوم: من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر
-
كلام تافه في حريق الأرز!
-
محاكمة صدام محك ديمقراطية العراق
-
الإرهاب والفوضوية وجهان لعملة واحدة & رسالة مفتوحة إلى خادم
...
المزيد.....
-
أثناء إحاطة مباشرة.. مسؤولة روسية تتلقى اتصالًا يأمرها بعدم
...
-
الأردن يدعو لتطبيق قرار محكمة الجنايات
-
تحذير من هجمات إسرائيلية مباشرة على العراق
-
بوتين: استخدام العدو لأسلحة بعيدة المدى لا يمكن أن يؤثرعلى م
...
-
موسكو تدعو لإدانة أعمال إجرامية لكييف كاستهداف المنشآت النوو
...
-
بوتين: الولايات المتحدة دمرت نظام الأمن الدولي وتدفع نحو صرا
...
-
شاهد.. لقاء أطول فتاة في العالم بأقصر فتاة في العالم
-
الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ باليستي قرب البحر الميت أ
...
-
بوتين: واشنطن ارتكبت خطأ بتدمير معاهدة الحد من الصواريخ المت
...
-
بوتين: روسيا مستعدة لأي تطورات ودائما سيكون هناك رد
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|