|
إذا كنت بوذياً ... فلا تقترب من جامعة البعث
يامن حسين
الحوار المتمدن-العدد: 1457 - 2006 / 2 / 10 - 10:03
المحور:
كتابات ساخرة
في يومٍ شتويٍ بارد من أيام العام الحالي 2006 كنتُ ذاهباً إلى جامعتي (جامعة البعث) وأنا أدرس في كلية العلوم قسم الرياضيات السنة الثانية وأنا بلا فخر راسب , وقبل خروجي من المنزل أخذت مصروفي اليومي من أبي العزيز ( خمس وعشرون ليرة ) وفي الطريق من البيت الكائن في حي السبيل بمدينة حمص إلى موقف السرفيس سمعت صوتاً يندهني من الخلف; نظرت إلى الخلف وإذ......!! بصديق قديم من أيام الدراسة الثانوية وكانت قد تراجعت علاقة الصداقة بيننا بعد دخولنا الجامعة فلقد سجّل هو في كلية التربية بجامعة تشرين بمدينة اللاذقية لأن مجموع درجاته في البكلوريا لا يؤهله دخول كلية التربية إلا في جامعة تشرين وبعد عام نقل تسجيلهُ إلى جامعة البعث , وقفت وسلمت على صديقي القديم وسألت عن أحوالهِ ودراسته وقلت لهُ :إلى أين أنت ذاهب في هذا الجو البارد فأجاب : إلى الجامعة, هنا ارتبكت و بدأت العمليات الحسابية تدور في رأسي فمعي خمس وعشرين ليرة وأجرة السرفيس هي أربع ليرات وبالتالي إذا انتخيت ( من النخوة ) ودفعت عنهُ في السرفيس سيكون المجموع 4+4=8 و نضيف إليها أجرة العودة إلى المنزل من الجامعة في حال لم أضطر للدفع عن صديق أخر فيكون المجوع الكلي 8+4=12 نطرحه من مصروفي فيكون الباقي ببساطة 25-12= 13 لام سين . بعد هذا الوقت من التفكير العميق بعلم الحساب وصلنا إلى موقف السرفيس فبدأت دقات قلبي تتسارع وارتفع معدل الأدرينالين في دمي . وبعد انتظار طويل جاء الفرج أي السرفيس وكان من نوع هيونداي مكتوبٌ عليه بخط كبير مميز "مخصص للصبايا" وكان لون السرفيس أبيض بالأصل ولكن نتيجةً للأمطار والحالة العامة للطرقات في مدينة حمص وباقي مدن ومحافظات القطر تحول لون السرفيس إلى اللون البني الداكن نتيجةَ للوحول في مشهد سريالي جميل .صعدنا السرفيس وبطبيعة الحال لم نجد مقعداً شاغراً فاضطررنا للجلوس كيف ماكان , ولله الحمد فلقد جلس صديقي خلف مقعد السائق, أما أنا فلقد جلست كالجرذ بين ثلاثة أشخاص في المقعد الأخير ولقد صمم هذا المقعد ليتسع لثلاثة أشخاص فقط ونتيجة لهذا الوضع فلقد اضطر صديقي ولله الحمد أن يدفع عني كونه الأقرب للسائق الذي كان فرحاً بأغنية مشهورة للفلتان المشهور ربيع حمدي "هبهب هوى العزيبي ..." وأنا أيضاً كانت الغبطة تختلج بدمي ولكن ليس طرباً بالأغنية بل لأنني لم أضطر لدفع أربع ليرات عن صديقي ووفرت أربع ليرات كونه دفع عني, وبعد مدة وصلنا إلى الجامعة وعند باب الجامعة رأينا تجمعاً هائلاً للطلاب يصرخون "يا مليس ويا حقير تضرب إنت وهالتقرير..." سألنا أحد االطلاب فقال هذه مسيرة ضد ميلس وكلابهِ اللبنانيين وهناك إيقاف دوام في الجامعة فقال صديقي: ( إجت والله جابها ) ستكون الشلة مجتمعة في ندوة (كافتيريا) كلية الآداب وسألني هل تأتي معي؟ فقلت: ألن نذهب إلى المسيرة ؟ فقال: لا هؤلاء يكفوون ويوفون تعال معي سأعرِّفك بالصبايا والشباب. ذهبنا باتجاه كلية الأداب وفي الطريق قلت لهُ: مارأيك أن نذهب إلى كلية العمارة سمعت أن فيها صبايا حلوات فاستهجن كلمتي وقال: صحيح ولكن بنات كلية الآداب أيضاً حلوات وكفتريا كلية الآداب أشرف من الكتدرائية (أي كفتيريا كلية العمارة) وبناتها ومخنثيها ...استغربت موقفه وسألته ماسبب تسميتها بالكتدرائية ؟ فقال لأن كل من يجلس في كفتريتها مسيحيون يعني ليسو من دجاجاتنا (يستعمل ترمييز دجاجاتنا عند الطوائف والمذاهب للدلالة على الشخص إذا كان من نفس الطائفة والمذهب) أصريّت على موقفي وقلت لهُ أنا سأذهب لأرى بنفسي فقال إذهب وعندما تتأكد عُد أنا سأكون في كلية الآداب ....ذهبت باتجاه كلية العمارة وماأن دخلت من الباب حتى بدأت أسمع لهجة أو لغة غريبة بين الطلاب فيقولون بدل حرف "القاف" "أآف" لم أكترث ودخلت باب الكفتيريا ووقفت أستطلع الطاولات لأجد مكاناً جيدا للجلوس و هنا رأيت الجميع يحملقون بي مشمئزِّين , وبادىء الأمر لم أفهم ولكن بعد برهة فهمت سبب اشمئزاز الطلاب فلقد كان الجميع تتدلى من أعناقهم صلبان كبيرة ومختلفة الحجم ويلفون معاصمهم بقطع قماش أسود مجدولة ومعقودة اثنا عشر عقدة وعلِّق بطرف هذه الربطة صليب أو أكثر حسب الحالة الإيمانية للشخص أما انا ياحسرتي لم يكن لي صليب وأنا لست مسيحياً بطبيعة الحال , دخلت وجلست على طاولة ذات موقع جيد بجانب الشباك وضعت كتبي وذهبت لأشتري شيئاً لأشربهُ مع السيجارة وكان معي الخمس وعشرين ليرة التي يجب أن يبقى منها أربع ليرات لأتمكن من العودة للمنزل بالسرفيس وصلت إلى المسؤول عن البيع وطلبت مشروب لذيذ جداً يكنى بـ "تلاتي بواحد" وهو عبارة عن نيسكافيه وسكر وكريمة مبيضة وأخرجت من جيبة البنطلون خمسة عشر ليرة على شكل قطعتين من فئة الخمس ليرات وخمس قطع من فئة الليرة الواحدة فرمقني البائع وقال لي : هل مازال هناك ليرات فراطة بالدني ياأخي...!؟ لم أرد ...فأعطاني طلبي وعدت إلى الطاولة وأخذت من باكيت الدخان (حمراء قصيرة) سيجارة وأشعلتها فسمعت من الطاولة المجاورة إحدى الفتيات تقول بهمس خفيف مع ضحكة دلوعة لصديقها الملون الشعر :"ميشو ليك هداك عم يدخن حمرا أصيرة يا حرام فئير" فالتفت الأخ ميشو نحوي وضحك جداً وأنا بدوري ضحكت لأن الأخ ميشو كان يضع قرطاً في أذنهِ ولون شعره كان أزرق كلون الصيصان الملونة مع الباعة الجوالين, فغضب ميشو وصاح لصديقٍ آخر "أبو الجوج ئول لميمي تتشوف هالمهستر الوافد جديد علينا" لم أعرهم انتباهاً وتابعت شرب كوب "التلاتي بواحد" بشهية و نفثت دخان سيجارتي بقوة فبدأت إحدى الفتيات بالسعال والأخرى كأنها أصيبت ببوادر إقياء فقام الأخ أبو الجوج وفتح الشباك بجانبي وقال لي بلهجة شبه لبنانية "ياأخي دخن دخان أجنبي لايت...ياي منيح يعني تموت كريستين من شان حدرتك" فقلت لهُ عفواًُ لم يكن بقصدي وما إن سمع أحدهم في طاولة بعيدة نسبياً حرف القاف في كلمة قصدي حتى ضحك باستهزاء أشبه بصهيل الخيول وكان الأخ يضع جل بكمية كبيرة على شعره الذي سرحه بطريقة تشبهُ عُرفَ الديك, ووسط هذا اللغو والضحكات وصوت غناء طوني حدشيتي المخنث الآخر حملت كتبي وخرجت من الكفتيريا .. الكتدرائية .. موقناً بالتشابه بين رواد كفتيريا العمارة والدجاج... وصحة تسميتها بالكتدرائية ...وذهبت باتجاه كلية الآداب وليشهد الله ما أن وصلت إلى باب كفتيريا الآداب حتى رن في أذني من كل فج عميق حرف القاف الذي اشتقت لسماعه حتى أن صاحب الكفتيريا كان يضع شريط كاسيت لعلي الديك ويصدح "راحت تقمقش حطب.." وعندما سمعت حرف القاف اغرورقت عيني بالدمع من الحنين , فرأني صديقي وصاح لي وما أن وصلت إلى طاولته حتى أخذ يعرفني بأصدقائه "علي أبوجعفر ..حسين أبو ذو الفقار .. أم علي .. أم حافظ.."وعرفهم "يامن" فغمزه الأخ علي أبو جعفر "هلّق الأخ من جيجاتنا ؟" فأجابه صديقي مفتخراً: نعم, وهنا سألتهم هل هم جميعاً متزوجون فأجابوا جميعاً :لا..! وأجابتني أم علي لتزيل استغرابي حول الأسماء فقالت هنا الجميع علوييون والأسماء إما علي أو خضر أو جعفر أو حسين فنضيف أبو فلان منعاً للالتباس، وأكدت الأخت أم حافظ أنها نذرت نذراً لأحد الأولياء الصالحين في المنطقة الغربية أن تسمي ابنها حافظ على اسم القائد الخالد في حال نجحت في مادة الثقافة القومية. هنا بدأت أحاديث الشباب والبنات عن شريط كاسيت جديد لعلي الديك الذي ينتمي إلى نفس الطائفة الكريمة وحاول أبو ذو الفقار تبادل أطراف الحديث معي فسألني هل سمعت هذا الموّال "الإمامو علي بالخير بشر وبعدك ياحافظ عندنا الأمل بشار" فأجبتهُ بالنفي فتغضن جبينه وقطب حاجبيه فاستدركت قائلاً : لكن الموّال رائع.. فارتاح قليلاً وهنا رحت أفكر: هنا دجاج وهناك دجاج والفرق الوحيد هو في النوع، وتلفتُّ حولي فرأيت الجميع تتدلى من أعناقهم سيوف تختلف بالحجم حسب إيمان كل شخص على ما يبدو , ولفوا معاصمهم بقطع قماشية مجدّلة خضراء اللون يؤتى بها من مقامات الأولياء المنتشرة على امتداد الساحل والسهل والجبال وتسمى هذهِ الربطات "الخلعات" فقلت لصديقي ما بال الجميع يلبسون سيوف في أعناقهم كأننا في ساحة الوغى, فاحمر وجهه وصمت الجميع مذهولين فقال لهم صديقي :إنه يمزح, وهمس بأذني غاضباً هل أثرت بك زيارتك للكتدرائية فنسيت من أنت ؟ عندها حملت كتبي وهممت بالرحيل وسط ضجة ناتجة عن كثرة استعمال الطلاب لحرف القاف بما يشبه صوت الدجاج "قاق ..قاق" وقبل أن أغادر القن (بيت الدجاج) قلت لصديقي: معك الحق كافتيريا العمارة أشبه بكتدرائية ولكن هنا دجاج وهناك دجاج ,هذه حاله الدجاجية غير معقولة واستدرت باتجاه الأخ علي أبوجعفر الذي كان قد رفع كم قميصه (خملة الدراق المتعارف عليه بين شباب طائفتنا كزي فلكلوري) وبان على ساعده وشم على شكل سيف وتحته كتب "يا علي" فقلت لهُ: هنيئاً لك ولدجاجات الطائفة أنا متأكد أنكم ستبيضون يوماً أما أنا فلا أظن أني سأبيض لذلك لست من دجاجاتك ولا من دجاجات غيرك. فقام الجميع وكأنهم سيغيرون على الثغور لتحرير فلسطين أو الجولان فهربت مسرعاً وبدؤوا بالضحك عليّ وصاح أحدهم: جبان, طنط (كلمة للدلالة على التخنيث عند الشباب) . الآن لم يبقى شيء يؤسف عليه فتوجهت خارج مبنى كلية الآداب دون أن أعرف إلى أين أنا ذاهب مشيت ومشيت فوجدت نفسي أمام باب إحدى الكفتريات في الجامعة وكانت مقسومة ديناميكياً إلى قسمين الأول بجانب الباب فيه شباب طويلوا الذقون يلبسون جلابيات وفي أحسن الأحوال بنطلون قماش فضفاض ليخفي العورة جيداً ووضع معظمهم خواتم فضة كبيرة نوعاً ما وبأيديهم سبَّحات أما القسم الثاني فكان القسم الداخلي من الكفتيريا فيه فتيات يلبسن حجابات بيضاء بعضهن بان وجهه والأخريات لم يظهر منهن شيء وهنا تراءى لي وكأنّي في حلمٍ دجاجي آخر فيه دجاجات بيضاء داخل القن تحاصرهن ديوك شبقة, استيقظت من حلم اليقظة على صوت أحدهم يصيح "أبو خالد شوف الأخ شوبدو" وكانت لهجته غريبة أيضاً فهو يضم الحرف الأول ويسكّن الحرف الأخير عندها قلت في نفسي لا أريد معركة انتماء أخرى فلربما يأتي الآن عمر أو معاوية أو حتى أبو صياح دباح الغنم فيتهمني بقذف المؤمنات المحصنات الغافلات وتنشب معركة شرف أكون فيها الخاسر, فاستدرت على أنغام أغنية تصدر من الكافيتيريا ذاتها تناجي الحبيب محمد وتبتهل الله أن يمنَّ عليه (للمطرب) بالحج ... و خرجت باتجاه موقف السرفيس وأنا أدندن أغنية لزياد الرحباني "قوم فوت نام وصير حلام أنو بلدنا صارت بلد" ورحتُ أدوِّر في رأسي معادلة رياضية حتى أستطيع شراء باكيت دخان حمراء قصيرة الرخيصة الثمن (عشرون ليرة) فبعد هذا اليوم الطويل في الجامعة سيبقى معي 6 ليرات وبالتالي أحتاج 14ليرة وقبل أن أصل إلى موقف السرفيس وكنت ماأزال في حرم الجامعة وإذ بسائح يبدو عليه أنه شرق أسيوي يتوجه باتجاه مبنى الكليات فهرعت إليه مسرعاً والحمد لله فكان يجيد العربية أكثر منّا فسألته عن دينه ومذهبه فرد ضاحكاً "بوذي" وعندها قلت له دعك من الجامعة فليس هناك دجاج من نفس النوع فيها وتعال معي أعلمك فن شرب المتة وأشرح لك الحالة الدجاجية في الوطن....... مع تمنياتي بأن تفتك إنفلونزا الطيور بكافة أنواع الدجاج شبه البشري في الجامعة ومختلف مرافق الوطن الكبير ..... "بالبرغل في طائفية" ..........
#يامن_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خريطة التمثيل السياسي تترقب نتائج التعداد السكاني.. هل ترتفع
...
-
كيف ثارت مصر على الإستعمار في فيلم وائل شوقي؟
-
Rotana cinema بجودة عالية وبدون تشويش نزل الآن التحديث الأخي
...
-
واتساب تضيف ميزة تحويل الصوت إلى نص واللغة العربية مدعومة با
...
-
“بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا
...
-
المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
-
رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل
...
-
-هاري-الأمير المفقود-.. وثائقي جديد يثير الجدل قبل عرضه في أ
...
-
-جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|