|
- الثّورة تأكل أبناءها-
نادية خلوف
(Nadia Khaloof)
الحوار المتمدن-العدد: 5607 - 2017 / 8 / 12 - 21:08
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
لا نعرف إن كانت الثّورات قد انتصرت بمجرّد تغيير نظام الحكم. كلّ ما نعرفه أنّ تأثير الثورة الفرنسيّة والرّوسيّة كان كبيراً في أوروبا، والعالم، وهذا هو حال الثورة السّوريّة التي لم تنجح بشكل سافر، لكنّها تؤدي إلى تغيير عميق في البنية المجتمعيّة، أو العربيّة، والإقليميّة، ولا بد أن نتذكر هنا قول جاك ماليت دو بان عام 1739 "تنتهي الثورة عندما تلتهم أبناءها" وقد التهمت الثورة السورية أبناءها، وهي في حكم المنتهيّة على أرض الواقع، لكنّ تأثيرها آخذ بالازدياد. أطلق على الانقلابات العسكرية في سورية اسم ثورة، وهو اسم هدفه إلغاء المعارضة للوثنية من قبل الشعب السّوري، ففي الثورة الثقافيّة الصينية التي أطلقها ماو تسي تونغ مثلاً . قتل الأساتذة على يد الطّلاب، وانتحر السّجناء، والمأساة التي سمّاها أحد الكتّاب بالمحرقة الرّوحية بدلاً من الثورة الثقافية كانت تدعو إلى التّخلي عن القيم بما فيها احترام كبار السّن، وكان من بين الضحايا والد الكاتب تشينغ زانغونغ الذي كان نائب مدير مدرسة ثانويّة وتعرّض للضرب بعصي الطّلاب الذين تحوّلوا بفعل العبادة لوثن ماو تسيتونغ إلى حرس أحمر يقود حملة مجنونة ضد الأساتذة، وعندما توقف والد تشينغ للراحة ضربه الحرس الأحمر وعندما أراد الابن أن يتدخل ضربه زملاؤه وطاردوه بعيداً. نسميها ثورات، وهي محاولة لتغيير القديم. قد تفشل،ولا يعود الوضع كما كان. القضيّة تتعلّق في أغلبها بالظلم،وربما بالفقر، والجوع. وقد حدث في آذار 1993أن كان هناك مصّوراً صحافيّاً اسمه كيفن كارتر. ذلك الصحافي الذي التقط صورة لطفل سوداني جائع يتوجّه إلى الفندق الذي يقيم فيه، ولا يتمثّل المأساة، لكنه آثر أن يتابع الطفل الذي يحاول الوصول إلى مقرّ للأمم المتحدة على بعد أقل من ميل بينما النّسور تنتظر موته، والطيور يجب أن تأكل لتحيا. أشعل كيفن سيجارته ولم تتحرّك النّسور بينما الطفل يجاهد في الدّفاع عن حياته. يقال أنّ الطفل نجا، لكن كيفن لم ينج. انتحر كيفن بعد أسابيع من الحدث وفي آخر رسائله قال: إنّني مسكون بذكريات حية من القتل، والجثث والغضب والألم، من الجوع ،أو الأطفال الجرحى ... ألم الحياة يتجاوز الفرح إلى درجة أن الفرح لا وجود له" تمكن كيفن من تجسيد الصورة التي رحلت إلى كلّ الأماكن . تلك الصورة التي أكسبته الجائزة، ولم تستطع أن تمنحه السّلام، فأخذ روحه كي يتوقّى الألم والعذاب. هي صورة تلخص مأساة كاملة للفقر والعنف، وهذا ما يجري في سوريّة، فقد كان الإفقار المنظّم إحدى الوسائل للحفاظ على المستبدّ، ويقول البعض أنّها ثور لا علاقة لها بالفقر، ولهذا هي مختلفة عن بقيّة الثورات، فقط كانت الثورة الرّوسيّة هي ثورة الخبز، ولكن لن ندخل في عمق الموضوع فقط يمكننا القول أنّ لا أحد يعيش في أمان من الفقر في دولة مستبدّة، لأنّ المستبدّ إله يعطي من يشاء، ويحرم من يشاء. في سوريّة: تلك الصّورة التي ترحل إلى العالم عندما يشهد " الثّوار" ، أو المدنيون على صور موتهم ، فإنّه لا يحق لأي دولة أو مجموعة أن تخبرهم بما هو الأفضل لهم، أو ما إذا كان المستبدّ وطنيّاً أم لا. إن لهم الحق في تفسير صور حالة وفاتهم، وقد أعلنوا بإيجاز ودون زخرفة صورة قتلهم. وإذا كان العابدون للوثن هم من جميع المكوّنات السّوريّة ، فإنّ المستبدّ الذي ينتمي لطائفته قد تمكّن من جعل أولئك الذين قدم لهم الخبز والعيش من طائفته ، -ونسبيّاً من الطوائف الأخرى-أن يصبحوا قتلة، حتى أنّ قيم القتل، والتنمّر أصبحت نموذجاً داخل تلك الطائفة التي تتركزّ فيها آلة القمع الرّهيبة، ومن خلال تلك الآلة تمّ تشكيل قوى طائفيّة أو قوميّة أخرى على كامل أرض سوريّة. إذا كان كارتر شاهداً على بقاء الطّفل السوداني على قيد الحياة من خلال صورة دون اسم سافرت إلى العالم، الطفل هو رمز للأطفال الذين لا يمكن أن تبدأ الكاميرات في حساب عددهم ، لأنّ الكثير منهم ميّت، أو بالكاد يعيش، وقدّم المصّور فكرة عن كيفيّة حدوث الموت، والحدّ الفاصل بين الحياة والموت. حيث ترك لخيار مواجهة الانسحاب الأخلاقي للعالم ، أو الانتحار، وفي حالة عدم احترام لإنسانيّة العالم اختار الانتحار، وهذا ما يجري بالنّسبة للسّوريين الذين يوثّقون موتهم ، والذين أصبحوا محرقة إنسانية وروحية. ليس العالم على استعداد حتى الآن لرؤية دورات الموت، ورؤية مسارها ومحاولة إنقاذ البعض منهم. يمكن القول اليوم: السّوري يسجّل موته بالصورة، والصوت، وعندما يتمّ البحث عن الحقائق في مرحلة لا حقة، سوف نرى أن والد الكاتب الصيني، والصحافي الذي صوّر الطّفل السوداني من الشّاهدين على التّاريخ اللاإنساني الذي يسود العالم حاليّاً، وسوف يكون تسجيل السوري لحالة موته توثيقاً هامّاً عندما يتم إعادة كتابة تّاريخ سوريّة.
#نادية_خلوف (هاشتاغ)
Nadia_Khaloof#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مذكّرات قلم رصاص-3-4-
-
للأطفال: مذكّرات قلم رصاص -1-2-
-
العدوان غير المباشر
-
لا تنتظر الإنصاف من الحياة
-
قد لا تتوقّف الحروب
-
لا تلعب دور الضّحيّة!
-
دراسة حول تراجع الفكر والأدب في سورية-الخاتمة-
-
دراسة حول تراجع الفكر والأدب في سورية-6-
-
دراسة حول تراجع الفكر والأدب في سورية-5-
-
دراسة حول تراجع الفكر والأدب في سورية-4-
-
دراسة حول تراجع الفكر والأدب في سورية-3-
-
دراسة حول تراجع الفكر والأدب في سوريّة -2-
-
دراسة حول تراجع الفكر والأدب في سورية -1-
-
دراسة حول تراجع الفكر، والأدب في سوريّة
-
ارتزاق
-
كأنّه أبي-الجزء الأخير-
-
كأنّه أبي-الفصل الخامس-4-
-
كأنّه أبي -الفصل الخامس-3-
-
كأنّه أبي-الفصل الخامس-2-
-
كأنّه أبي-الفصل الخامس-1
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|