|
الجالغي البغدادي- نافذة للتراث الأصيل ..واسطورة لن تتكرر
هيام الشرع
الحوار المتمدن-العدد: 5607 - 2017 / 8 / 12 - 15:38
المحور:
الادب والفن
"الجالغي البغدادي" نافذة للتراث الأصيل ..واسطورة لن تتكرر
طرقت بابي صباحا ،جارتي اللبنانية ، وهي تضحك وتقول لي: (حطي البكرج على النار وشربيني من قهوتك الزاكية تا اخبرك خبرية حلوة ) .. العراق بلدك مشارك في القرية العالمية ، كان هذا في عام2002. صرخت من شدة فرحي ، فهذه اول مرة وكانت البداية ، يشارك فيها العراق ، في التجمع المسمى بالقرية العالمية الذي يقام في دبي بدولة الامارات العربية ، والذي يستقطب كل عام شركات ومعامل من كل دول العالم ، ليعرضوا بضائعهم ومصنوعاتهم ، كلا في جناح خاص بدولته . وفي انتظار حلول وقت ذهابنا ، قضيت الخمس ساعات بعد مغادرة جارتي ، وانا اتخيل كيف سيكون لقائي بسفير بلدي (الجناح العراقي) ، واي ثوب سأجده مرتديا من اثواب حضارته ؟ تساءلت كيف سيكون تصميم مدخل الجناح ؟ وما انواع المنتجات التي ستعرض فيه ؟ سرحت وانا استعيد ذكريات جميلة مضى عليها وقت طويل ، ملئني الشوق لاحتضان الحبيبة بغداد .. تخيلت اننا إن اضعنا أنا وجارتي الطريق للجناح ، سترشدنا رائحة ورود الشبوي اليه ، لطالما كانت تملأ ليلا شارعنا من اوله لآخره ، وتخيلت عند المدخل سيستقبلنا تمثالي اسد بابل من طرف ، والثور المجنح من الطرف الآخر ، وسأجد في منتصف الجناح إما منارة الحدباء او ربما ملوية سامراء ، وهي شامخة برأسها نحو السماء . وصلنا للجناح العراقي الذي لم يدلنا عليه سوى اسمه ، على العكس تماما ، من اجنحة الدول الاخرى ، التي كانت كل واحدة منها تخبرنا باسمها ، من المجسمات الهندسية التي كانت تزين مدخلها والتي تعبر عن جزء من حضارتها وثقافتها ، وتلك الازياء الشعبية التي يرتديها من يمثلونها في رقصاتهم واغانيهم التراثية لجذب اهتمام الزوار . المحال في داخل الجناح ، كانت عامرة ، بمختلف البضائع والمصنوعات اليدوية الرائعة . كنت سعيدة جدا بتواجدي هناك ، رغم اني لم اجد ما توقعته ورسمته في ذهني . خارج المدخل لاحظنا حركة جدية ، فبعض الشباب صفوا كراسي وكأنه يتم ترتيب امر ما ، لم اصدق حين رأيت اعضاء فرقة" انغام الرافدين للجالغي البغدادي" ، وهم يسيرون باتجاه الكراسي ، جلسوا عليها واخذوا يرتبون ويعدون ادواتهم الموسيقية المميزة ، كالسنطور والجوزة والدنبك والدف والآلات الايقاعية الاخرى . كنا انا وجارتي وربما بعض من الزوار لا يتجاوز عددنا العشرة ، من وقفنا نراقبهم ...وبعد دقائق افتتحوا طربهم ب "يا نبعة الريحان" واتبعوها بمجموعة رائعة من المقامات التراثية القديمة والحديثة ، كنا جميعا نتمايل مع الالحان الشجية فقد الهبت مشاعرنا وجعلتنا متسمرين في مكاننا لا نقوى على الابتعاد ، رغم ان الكثيرين ممن وقفوا يستمعون لم يكونوا فاهمين للهجة العراقية كما الآن . كلما كان المغنون ينتهون من اغنية ، يعلو التصفيق وتعلو الهتافات مطالبين الفرقة بالاستمرار . بعد انتهاء وصلتهم ، استمر التصفيق بشكل ملفت التفتنا انا وجارتي حولنا واذا بعدد هائل من الزوار ، امتلأ المكان بهم وكأن كل من في القرية قد تجمهر حول هذه الفرقة ، ورفض الغالبية مغادرة المكان مطالبين بالمزيد ، لدرجة ان اضطر رجال الامن من التدخل وتفريق الناس .. دفعني الفضول فسألت البعض وكانوا من جنسيات عربية مختلفة ، ماالذي شدكم لترك مشاهدة فعاليات الاجنحة الاخرى وقضاء وقتكم هنا ؟ اجاب الغالبية انهم اولا من محبي العراق بل من عاشقيه ، يعتزون به كبلد يتصدر البلدان العربية في تطوره وتقدمه ، ويتفاخرون بحضارته وعلوم وثقافة شعبه ، ثانيا اكدوا انهم من مستمعي المقام العراقي ومتذوقين لهذا الفن الأصيل الذي ليس له مثيل بكل البلدان العربية . ثم ذكروا لي اسماء رواد في المقام العراقي كمحمد القبنجي ويوسف عمر وحسين الاعظمي وناظم الغزالي وفريدة محمد وحسن خيوكه ونجم الشيخلي وانهم يملكون تسجيلات لهؤلاء المطربين يعتزون بها ... حين اتذكر مثل تلك الصور عن بلدي اقول لنفسي رغم كل ما نمر به الآن : فعلا عراقنا العظيم سيبقى كالطود شامخا حتى لو عروه من كل ثيابه ، وسلبوا منه كل كنوزه ومجوهراته ، وجففوا كل آبار علومه وثقافاته ، وحجبوا الشمس عن ترابه ، سيبقى قمرا مضيئا في السماء .. ولو حفروا له الف قبر وقبر ، لن يموت كما يشاؤون بل كما الله يشاء .
#هيام_الشرع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كبرياؤه الثلجي -
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|