محمد هشام
الحوار المتمدن-العدد: 1456 - 2006 / 2 / 9 - 10:31
المحور:
كتابات ساخرة
خواءٌ يشبه بعضُه بعضاً. عبثاً تفتش عن تفاوت، وإن طال النظرُ أو رجع البصرُ كرَّةً تلو كرَّة. خواءٌ يُحْكِم وِثاقه حاكمون لم يُحَكِّمهم سواهم، يحرسون ترهل اللحظات فيهم ومن حولهم، ويُطيلون عمرَ الخواء. يتفقون ويختلفون، يتناسلون ويشيخون، يَقتلون ويُقتلون، ثم يأتي نسلُهم من بعدِهم يتفقون ويختلفون ويتناسلون ويشيخون ويَقتلون ويُقتلون. يتفقون على دوام الخواء. يختلفون على هجاءِ الاسم ولونِ العَلَم ولحنِ النشيد ومثقالِ القيد وختمِ الوزير ورداءِ السفير: يسمى أحدُهم خواءَه "إمارةً"، ولكن جارَه لعلةٍ ما، لا يعلمها هو ولا يدركها غيرُه، يسميه "مملكة". ولعلةٍ أخرى، مثل سابقتها، يسمي الآخرُ خواءَه "جمهورية". يشذُّ أحدهم، وما في شذوذ الحاكمين من عيب، ويسميه "سلطنة"، ولكن واحداً آخر يلقي بكل الأسماء جانباً ويصوغ اسماً جديداً للخواء، "جماهيرية". يتفقون على افتراق المسمى عن اسمه، والعَلَم عن علوِّه والنشيد عن مداه. يختلفون على من يخلفهم على ميراث الأسماء والأعلام والأناشيد والأثقال والوزراء والسفراء: يوصي واحدهم لابنه، وآخر لشقيقه، وثالث لنديمه أو حامل سيفه. يتفقون على نفي السؤال الصعب: دولٌ هذه أم متاع؟ يختلفون على لفظ الجواب السهل: بل متاعٌ إلى غير حين. يتفقون على أوصاف عهدهم: الجديد، السعيد، الرشيد، السديد، المجيد، المديد. يختلفون على عدِّ عبيدهم. يتفقون على العدو: شعوبهم. يختلفون على الحليف: رماحهم أو رماح غيرهم. يتفقون ويختلفون، يتناسلون ويشيخون، يَقتلون ويُقتلون، ثم يأتي نسلُهم من بعدِهم يتفقون ويختلفون ويتناسلون ويشيخون ويَقتلون ويُقتلون، والخواءُ لا يبرأ من خوائِه.
خواءٌ. عبثاً تفتش عن تفاوتٍ. خواءٌ، ليس إلا.
#محمد_هشام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟