|
ولادة الشرق العظيم..
طارق حمو
الحوار المتمدن-العدد: 1456 - 2006 / 2 / 9 - 10:53
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
التصريح الواضح والغير مسبوق الذي أطلقه الرئيس الفرنسي جاك شيراك باللجوء للسلاح النووي الفرنسي في وجه كل جماعة أرهابية أو دولة مارقة تستهدف الأراضي الفرنسية أو مصالح فرنسا وحلفائها في أية بقعة من العالم، شكلّ قراءة جديدة وواعية للتطورات السياسية/التاريخية/الحضارية التي تتسارع في منطقة الشرق الأوسط. فالمتابع لتاريخ هذه المنطقة منذ المائة عام الأخيرة، سيلاحظ تدهوراً خطيراً في مسيرة إنسان الشرق، الذي تحول لكائن غيبي متخبط همه الوحيد الدين، والركض وراء الفتاوي والتعليمات التراثية الماورائية التي لاتغني وتسمن عن جوع. فبعد ماسٌمي بمرحلة "الإستقلال" عن الإستعمار والصيرورة التاريخية الشرقية تتراجع القهقرى وللوراء أبداً. لقد فشلت "الأنظمة الوطنية" في بناء الدولة الحديثة وحفظ حياة وكرامة مواطنيها، ودخلت في صراع دام مع حركات الإسلام السياسي التي نهضت متعكزة على شعار النص الديني وأخبار وسير السلف" حينما كانت الأمة تقود العالم وتملاءه عدلاً وخيراً" مثلما تردد دائماً. وبين هاتين الكماشتين: الأنظمة الوطنية العلمانية، الفاسدة المفسدة والتي نهبت البلاد وأفقرت أهلها، وفشلت في تحقيق التنمية والتطوير، وبين حركات الإسلام السياسي التي زايدت عليها وعبئت الجماهير، خلال عملها الدؤوب والمستمر تحت الأرض، إلى أن جاء قرارها في إستخدام العنف والأرهاب في وجه "الدولة الكافرة" و"النظام الطاغوتي" الذي "إستبعدّ شرع الله وأعتمد القوانين الوضعية الغربية في الحكم والتسيير". وأدى الأصطدام المروع بين هذا الإرهاب الديني وقمع وبطش الأنظمة لقتل عشرات الآلاف وتدمير مدن ومسحها عن بكرة أبيها، كما أدى كذلك، إلى تطور المشروع الإصولي المحلي إلى حركات كونية عولمية غيرت من خطابها، الذي كان يستهدف "النظام الوطني"، لتقرر مجابهة النظم والقوى العالمية المؤثرة(الولايات المتحدة وأوروبا هنا) بوصفها الراعية والداعمة والمشجعة لهذه الأنظمة في سبيل متابعة سياساتها الحالية...
مانجده الأن من تصدّر محمود أحمدي نجاد وتياره المتطرف في إيران، كرد فعل على مشروع الرئيس السابق خاتمي في "المهادنة" و"الحوار" مع الغرب، وتحديه للإرادة الدولية في إصراره على صنع القنبلة الذرية، وبروز (حركة حماس) الأصولية للواجهة السياسية الفلسطينية وهي صاحبة خطاب التكفير و الحرب الدينية مع اليهود وعودة الحديث عن مشاريع العمليات التفخيخية، الأمر الذي سيصعّد من هذا الصراع وسيقوي المعسكر المتطرف والرافض للحوار والسلام في الجهة الإسرائيلية المقابلة. وقضية إغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري وتورط النظام السوري فيها، ذاك النظام المتورط أصلاً في دعم الأرهاب في العراق بغية إفشال الإنموذج العراقي هناك وإدخال البلاد في داومة من الفوضى والحرب الأهلية. بالإضافة عن تحويله للبنان إلى حديقة خلفية لتصفية حساباته وتحويله للقوى اللبنانية لبيادق بيده يفاوض ويبتز بها القوى الدولية في سبيل تحقيق هدفه الوحيد الأوحد في البقاء والديمومة على كرسي الحكم والجلوس أطول فترة ممكنة على نفس وجود الشعب السوري المغبون المعتر...
الأوضاع في الشرق الأوسط دخلت في حالة غير مسبوقة من الإضطراب والفوضى، بحيث باتت تهدد الأمن العالمي، وفي حال حصول إيران ونظام المتطرف أحمدي نجاد على الأسلحة النووية، أو وصول بعضها ليد الجماعاات الأرهابية التي تدعمها طهران علانّية، فإن العالم أمام كارثة حقيقية، وثمّة من ينفخ في نار الصراع الديني والحضاري في المنطقة، ويحرض شعوبها الغائبة المغيبة( النائمة في عسل التراث الديني الأسود) لمزيد من الحقد والإستعداد للعنف والتدمير في وجه الآخر المختلف. وما شاهدنا خلال الأسبوعين الماضيين من تثوير وإستنهاض للجموع العربية والمسلمة في قضية نشر بعض الصحف الغربية لرسوم الكاريكاتور التي جسدت شخصية نبي الإسلام محمد بن عبدالله، بحيث خرجت تلك الإحتجاجات من سياقها لتصبح إنموذجاً مصغراً لحالة الفوضى التي من الممكن أن تدخلها المنطقة وامكان أخرى من العالم يتواجد فيها مسلمون عرب في حال تصعيد الأنظمة الشرقية وحلفائها من حركات الأرهاب ضد الغرب، أو إمتلكت وسائل الردع النووية في وجه التفوق العسكري والإقتصادي الغربي، وهي ماتسعى إليه منذ مدة كما لايخفى على كل مطلع ومتابع للأحداث وشؤون المنطقة وحالها...
الأوضاع وصلت في منطقة الشرق الأوسط لعنق الزجاجة، فبعد طغيان الأنظمة وسحقها لشعوبها بالحديد والنار وتصديرها للأرهاب ودعم القائمين عليه، ومساعدتهم تنظيمياً ولوجستياً وإعلامياً وتوفير كل سبل الدعاية والنشر لهم في صفوف الطبقات المهمشة والمخدرة من الشعوب، فإن هناك خوفاً عظيماً وحقيقياً وإمكانية متوقعة لمزيد من التصعيد في حال التضييق على هذه الأنظمة وتهديد مصالحها ومصالح رموزها المافيوزية، أو في حال إمتلاكها لوسائل الردع العسكرية في وجه الإقتدار الغربي كما أسلفنا...
لقد حدث ذلك مع كل من ألمانيا واليابان، اللتان طغتا وتجبرتا وأشعلتا فتيل الحرب الكونية الثانية، فكان أن تحالف الغرب ضدهما وحاربتهما عسكرياً، مسٌتخدمة السلاح النووي لإنهاء الحرب ووضع حد لتماديهما في إزهاق المزيد من الأرواح وإشعال المزيد من الجبهات في العالم. ومن ثم جاء مشروع (مارشال الكبير) في بناء أوروبا وكذلك تم مساعدة اليابان بعد القضاء المبرم على النرجسية الإمبراطورية اليابانية وفكرة بلاد الشمس المتميزة التي جعلتها تتحدى العالم وتفكر في فرض نظرتها العنصرية على شعوبه. كما جاء المشروعان التحرريان في كل من العراق وأفغانستان للقضاء على نظاميهما الفاشيين وتخليص الشعوب العراقية والأفغانية من نير الإستبداد والقمع، ومساعدتمها لبناء بلدهما وفق نمط حديث، وهو الأمر الحادث مع كل محاولات الإرهابيين والدول الديكتاتورية المحيطة لإعاقة هذا المشروع التحرري/التويري الغربي...
التعامل مع الشرق الأوسط، والتصدي لفكر التطرف والإرهاب المتنامي يجب أن يتم بكل جدية وتكاتف من القوى والمراكز الحضارية الدولية المسؤولة عن أمن العالم، ويأتي في المقدمة لجم كل الدول المارقة والأنظمة الخارجة عن القانون والمنظمات الأرهابية المرتطبة بها، وعدم إعطائها الفرصة للوصول إلى إمتلاك وسائل الردع العسكرية التي تجتهد لإمتلاكها لفرض شروطها وإرادتها على العالم برمته. وليتخيل العالم حجم الكارثة التي ستحدث حينما تمتلك تنظيمات مثل القاعدة أسلحة الدمار الشامل مثلاً، أو يصبح الزر النووي في عهدة رجل مثل أحمدي نجاد ينادي جهاراً نهاراً بإزالة دول من خارطة العالم؟.
الدول المتحضرة مطالبة بالحزم في وجه الدول المارقة والمنظمات الأرهابية وذلك لحماية الأمن العالمي وأرواح مئات الملايين من البشر، ويدخل في هذا الحزم إستخدام كل وسائل الردع ، ووضع الخطط الإستراتيجية الدولية الكبرى لتقليم أظافر هذه الأنظمة والمنظمات وإبطال مفعول سلاحها وإزاحتها عن الحكم والقيادة، و كذلك التفكيرالجدي في إعادة بناء هذه الدول وصياغة بنيانها التربوي وذلك لإعادة تأهيل أهلها ودفعهم للتفكير في الحياة بدل التفكير في الموت و"الإستشهاد" لقتل الآخرين، كتعويض وإنتقام عن نقص وفشل حضاري، يظنون أن الغرب هو السبب فيه...
إذن، قد يكون الأمر، والحال كما وصفناها، تلويح شيراك بالرادع النووي أمراً مفيداً ومطلوباً، لكائنات وٌظفت، ووظفت نفسها، تراثياً وقيمياً، على عدم فهم أية لغة أحرى سوى الحرب والقتال...!!
#طارق_حمو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفيحاء والجميل سيّار...
-
حماس..الكويت..وعشائر كردية أيضاً
-
دستور العراق الجديد وقرف الإعلام العربي...
-
الخبل الديني..!
-
أقباط وإيزيدية (1ـ2) : من يوقف طوفان الإرهاب السلفي؟
-
التوزيع الجديد على النوتة القديمة : هل ستنجح تركيا في هضم كر
...
-
أوجلان : في تركيا هناك ثلاثة قوى متصارعة و إزدواجية صارخة في
...
-
الأكراد والجمهورية التركية : إعادة الحسابات القديمة ، دائماً
...
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|