|
دروس من معركة المقدسيين في الدفاع عن القدس والحرم القدسي الشريف
تيسير خالد
الحوار المتمدن-العدد: 5604 - 2017 / 8 / 9 - 15:21
المحور:
القضية الفلسطينية
في الرابع عشر من تموز الماضي وقعت احداث خطيرة في مدينة القدس وعلى ابواب وفي ساحات الحرم القدسي الشريف . شباب من مدينة أم الفحم لهم بالتأكيد اعتباراتهم أطلقوا النار على عناصر في الشرطة الاسرائيلية وكان ما هو معروف للجميع . حكومة اسرائيل حاولت توظيف أحداث ذلك اليوم لخلق وقائع جديدة استهدفت عروبة المدينة المقدسة والمس بمكانتها الدينية ومكانتها السياسية عند الشعب الفلسطيني وفي العالمين العربي والاسلامي وبدأت بنصب بوابات اليكترونية تطورت لاحقا الى كاميرات ذكية وحواجز وترتيبات شتى . بحجة الأمن توجهت حكومة اسرائيل لاستغلال الحدث لترجمة مخططات مبيتة لم تعد خافية على أحد ، وهي مخططات تستمد مبرراتها من حكايات الأساطير وروايات العرافين .
وقد كنت وأنا أتابع معركة الدفاع عن القدس والحرم القدسي الشريف استجمع الطاقات لمشاركة جالياتنا الفلسطينية الكريمة في هذه المعركة الوطنية ، واستحضر من الذاكرة شيئا من الماضي حول ما كنا نسميه في جيل الشباب في الجامعات بلاهوت التحرير ، حيث كان رجال الدين في بلدان أميركا اللاتينية يحاولون تفسير الكتاب المقدس من خلال الانتماء والانحياز لقضية السواد الاعظم من السكان الفقراء في خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي حين كانت حركات التحرر الوطني والاجتماعي تحرز المكاسب وتنتشر بين الفقراء بسبب تركيزها على العدالة الاجتماعية ، وبما يسمح للفلاحين الفقراء المشاركة في إعادة توزيع الثروة وبالتالي تحسين وضعهم ومكانتهم الإقتصادية في الحياة . تشكلت في حينه مرجعيات دينية في ظاهرها وسياسية اجتماعية في جوهرها تدافع عن حقوق ومصالح الفلاحين الفقراء . لاهوت التحرير في حينه انتقل من اوساط الفلاحين الفقراء في اميركا اللاتينية الى اوساط الزنوج الفقراء في أميركا الشمالية وكان يحرك جمهورا واسعا من الزنوج والملونين والمعدمين دفاعا عن حقوقهم ومصالحم ، فاكتسب الدين صفة تحررية على المستويات السياسية والاجتماعية .
المقارنة والمقاربة بين لاهوت التحرير في حينه كمرجعيات دينية وسياسية وبين المرجعيات الدينية ، التي قادت معركة الدفاع عن القدس والحرم القدسي الشريف ، ليست عادلة لاختلاف الظرف والمكان والزمان واختلاف التقاليد والمورورث الثقاقي والتاريخي ، رغم أن في موروثنا الثقافي والتاريخي صفحات مشرقة في التنوير ظهرت قبل لاهوت التحرير بقرون طويلة بدءا من ابن باجة مرورا بابن طفيل وصولا الى ابن رشد وما قبل وما بعد . ورغم ذلك فقد تقدم الصفوف في معركة الدفاع عن القدس والحرم القدسي الشريف مرجعيات قدمت الدين على قاعدة جديدة وحولته الى رافعة من روافع العمل السياسي الوطني القادر على توجيه تحرك جموع المقدسيين بل جموع الفلسطينيين نحو هدف سياسي وطني واضح عنوانه الحفاظ على الوضع التاريخي والقانوني لمدينة القدس الشرقية بمواطنيها وحاراتها ومقدساتها الاسلامية والمسيحية باعتبارها مدينة محتلة ، حق السيادة عليها وفقا للحقوق التاريخية ووفقا للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية حق حصري للشعب الفلسطيني .
وفي سياق المعركة تحولت المرجعيات الدينية الى قيادة سياسية ، تذكرنا بالقيادة الوطنية الموحدة في السنوات الاولى للانتفاضة المجيدة عام 1987 ، تقود عمليا حركة عصيان وطني بكل ما للكلمة من معنى ، ليس فقط ضد أجراءات سلطات الاحتلال بل وضد مشروعها السياسي في مدينة القدس ، بعد أن حاولت استخدام الأمن والترتيبات الأمنية مظلة لحسم مسألة السيادة على المدينة على نحو يسمح بتجاوز تجربة التقسيم الزماني والمكاني التي قامت بها في الخليل بعد جريمة الارهابي اليهودي باروخ غولدشتاين وذلك في المدينة التي تزعم أنها عاصمتها الأبدية . كانت مظاهر العصيان الوطني واضحة تماما في مدينة القدس ، مرجعيات تتعامل بأفق سياسي واضح مع إجراءات ومناورات سلطات الاحتلال وتقرر رفضها ورفض الدخول في مفاوضات بشأنها وجماهير تنضبط لقرارها على نحو يثير الفخر والاعجاب منذ بداية الآزمة وحتى اللحظات الأحيرة للأزمة المفتعلة في باب حطة قبيل صلاة العصر في يوم النصر المجيد .
وكان سر نجاح تلك المرجعيات في قيادة حركة العصيان الوطني في الدفاع عن القدس والحرم القدسي الشريف من بين أمور أخرى واضح وضوح الشمس ، فقد التزمت تلك المرجعيات بالعودة في قراراتها لمرجعياتها ، التي كانت تحتل الساحات في صلواتها أمام بوابات الحرم القدسي الشريف ، الأمر الذي دفع سلطات الاحتلال الى التراجع عن إجراءاتها وتدابيرها لإدراكها استحالة كسر إرادة المقدسيين وتحوطا من اتساع نطاق العصيان الوطني وامتداده الى شوارع وساحات وطرقات الضفة الغربية المحتلة . معركة الدفاع عن القدس والحرم القدسي الشريف لم تدر في الغرف المغلقة ولم تدرها المرجعيات من وراء ظهر مرجعياتها ، التي كانت تحتل الساحات على بوابات الحرم ، بل دارت في العلن وعلى ملأ من الرأي العام ، الأمر الذي اكسبها القوة والمصداقية .
وإذا كان هو ما حصل في معركة الدفاع عن القدس والحرم القدسي الشريف ، فإن منطق الأمور يرشدنا الى مقاربة جديدة في خوض معاركنا مع عدو لا يكتفي باحتلال ارضنا بل ينازعنا السيادة على هذه الارض من خلال زرعها بمئات المستوطنات الاستعمارية ومئات البؤر الاستيطانية ، التي تحولت كما يعرف الجميع الى ملاذات آمنة لإرهاب الجماعات اليهودية اليمينية المتطرفة . المقاربة الجديدة تفيد بأن الحاجة قد اصبحت ماسة لقيادة وطنية تقطع مع ماضي أوسلو البائس وتعيد بناء العلاقة مع اسرائيل باعتبارها دولة احتلال استيطاني ودولة ابارتهايد وتمييز عنصري وتطهير عرقي والتعامل معها على هذا الاساس على المستويات الوطنية والاقليمية والدولية وتبدأ بخطوات فك ارتباط تدريجي بدءا بالوقف الشامل للتنسيق الأمني مع سلطات وقوات الاحتلال مرورا بفك الارتباط في سجل السكان وصولا لفك الارتباط بسجل الاراضي في سياق التحضير للعصيان الوطني الشامل في وجه الاحتلال .
*** عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية *** عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
#تيسير_خالد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سلوك الكونغرس الأميركي يعكس تدهورا ونقصا حادا في المناعة على
...
-
نتنياهو يعتمد التطهير العرقي في استراتيجيته للتسوية السياسية
...
-
في الذكرى الثالثة عشرة لفتوى محكمة العدل الدولية يدعو الامين
...
-
حكومة اسرائيل معنية بالاستيطان والمناورات السياسية بالدرجة ا
...
-
استمرار الانقسام المدمر يضعف قدرتنا على الصمود وانتخابات الم
...
-
جدار الفصل العنصري في الذكرى الثانية عشرة لفتوى محكمة العدل
...
-
في ذكرى استشهاد القادة عمر القاسم وخالد نزال وبهيج المجذوب
-
المبادرة الفرنسية شابها الغموض بشأن عدة قضايا واسرائيل تعطله
...
-
قصّرنا في تقديم روايتنا للنكبة كما حصلت وفي كشف زيف وكذب الر
...
-
تيسير خالد :على دولة اسرائيل ان تختار بين وقف الاستيطان وبين
...
-
تيسير خالد : صلاحيات بلدية تل أبيب تفوق صلاحيات السلطة الوطن
...
-
كلمة رئيس دائرة شؤون المغتربين في مؤتمر فلسطينيي الشتات الاو
...
-
تيسير خالد في حوار مع وكالة معا الإخبارية حول العديد من القض
...
-
الرباعية الدولية انتهت وشروطها جزء من الماضي وإثقال التشكيل
...
-
حوار حول النكبة وقضايا اللاجئين وقرارات المجلس المركزي وآفاق
...
-
تيسير خالد - للصناره - : الأولوية هي لجرائم الإستيطان دون ان
...
-
تيسير خالد : اسرائيل اختصرت الاتفاقيات بالتنسيق الامني والمج
...
-
تيسير خالد : وصلنا خط النهاية في العلاقة مع الاحتلال واتفاقي
...
-
تيسير خالد : العودة الى مجلس الأمن بمشروع قرار لا يحظى بغطاء
...
-
تيسير خالد : في حوار حول ذكرى النكبة والاستيطان والمفاوضات و
...
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|