احمد ابو ماجن
شاعر وكاتب
(Ahmed Abo Magen)
الحوار المتمدن-العدد: 5602 - 2017 / 8 / 5 - 20:26
المحور:
الادب والفن
(مذكرة الرجوع)
بَعدَما أكلَ المَنفى
كلَّ مَوائدِ العُمر
عُدتُ أجرَّ وَرائي
ماتَبقى من عِظامِ الخَيبة
وَحَالما قَصدتُ مَنزلي
وَقفتُ بِبابِهِ المُكتظِ بِالرِّثاء
أزحتُ عنهُ أتربةَ السَّنوات
بِشيءٍ من دُموعِ اللَّهفة
وَبَعضِ ارتعاشاتٍ من يَدِ التَّلويح
حتَّى فَتحتُ قُفلَهُ الصَّدأ
بِمفتاحِ قَلبي النَّازفِ بِالعُبوس..
كانتْ الدَّهشةُ
مَلامحاً تَعلو وُجوهَ أطفالي
وَهم يُهرولونَ نَحوي بِضحكاتِهم
أخذوني بِأحضانِهم الدَّافئة
وَيَصرخونَ (عَادَ أبي) !!
وَيَغزونَ جَسدي بِجَيشِ قُبُلاتِهم
وَكأني ارتفعُ من مَكاني
بَعدَما نَبتَ في جَسدي رِيشُ السَّعادة
لكنَّ عَينيَّ كالضَّوء
تَسللتْ من بَينَ أكفِ أطفَالي
نَحو زَوايا مَنزلي المُعتم
بَاحثةً عن قُرَّتِها
هُناكَ تَقفُ زَوجتي
تَنظرُ إليَّ بِاستغرابِ مُتيمٍ
هَرعتْ إليها
مَسكتُ يَديها
قَبَّلتهن
هي لَمْ تَنطقْ
لَكنني اكتفيتُ بِحَديثِ دُموعِها السَّاخنِ بِالعَجب !!
وَبَعدَ برهةٍ من الفَرح
نَادتني أبنتي :
أبي، أبي، خذْ حَمَّاماً هَانئاً
بِينما أمي تَعدُّ الغَداء ...
تَوجهتُ للاستحمامِ بِشَوق
لأزيلَ عن نَفسي مُعاناةَ غُربتي
وَأنا أركنُ تَحتَ صُنبورٍ
يُساقطُ عليَّ ماءَهُ بِـدِفءِ
كلَّما هَززتُ مِقبضَهُ بِقَدمي
وَأغني بِصَوتٍ عَالٍ تَارةً
وَتَارةً أخرى أترنمُ على إيقاعِ المَاء
وَهو يُداعبُ مَسامَاتي المُتعطشة
حتَّى هَممتُ بِمَنشَفتي
لأجففَ خَاطري من بَللِ الذِّكرى
وَحَالمَا خَرجتُ
لِيتني لَمْ أخرجْ
كانَ المَنزلُ شَاحباً كَـوَجهِ مُصيبتي
أطفالي لَيسوا هُنا
زَوجتي الحَبيبة، أينكم ؟
أبحثُ عنهم بَينَ ترهلاتِ المَنزل
وَلا أثراً يَدلُّني عَليهم
يَا إلهي، قَبلَ قَليلٍ كانوا هُنا !!
أينَ اختفوا، أينَ دَهشتُهم بِيّ !!
أينَ تَوجهتْ بِهم سُبلُ الضَّياع !!
فَركتُ عَينيَّ لكنْ لا أحد
جَلستُ بِجوارِ خَيبَتي بَاكياً
في بَاحةِ الذِّكريَات
وَعَرفتُ أنني كنتُ اتخيل
اتخيلُ فَحسب
حَيثَ أنهُم جَميعهُم
قَبلَ أن تَطالَني يَدُ المَنفى بِسَنتين
كانوا سَنابلاً مُحملينَ بِالحُبِّ
دَافئينَ كالمُوسيقى
وَلأنَّ شَظايَا المَوت
تَخشى من صَقيعِ الهَواء
قَررتْ أن تَلوذَ
بِصدورِهم إلى الأبد...
#احمد_ابو_ماجن (هاشتاغ)
Ahmed_Abo_Magen#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟