|
قراءة في رواية ذئب الله لجهاد أبو حشيش.
حمزة رستناوي
الحوار المتمدن-العدد: 5602 - 2017 / 8 / 5 - 11:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
(1) يبدو عنوان الرواية ( ذئب الله ) مُلفتا ، يقتحم عتبات المقدس ، و للذين يعترضون على هذه الصيغ الكتابية ، لابأس هنا من التذكير بروايات منسوبة للنبي محمد يذكرها البيهقي منها على سبيل المثال " كَانَ لَهَبُ بْنُ أَبِي لَهَبٍ يَسُبُّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبَكَ ... "، بينما يذكر الطبري رواية أخرى تتضمن إشارة صريحة إلى كلب الله ، " قال عتبة بن أبي لهب : كفرتُ برب النجم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : أما تخاف أن يأكلك كلب الله " ومشهور كذلك قصة ناقة صالح ، التي جاءت تسميتها في القرآن الكريم بناقة الله " فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا.. " سورة الشمس، الآية 13. أما في الكتاب المقدس ، فقد شبه الكتاب رؤساء بني إسرائيل بالذئاب الخاطفة إشارة إلى ظلمهم (حز 22: 27)، وكذلك شبّه المُعلمين الكذبة بالذئاب (مت 7: 15 واع 20: 29) وكذلك أعداء شعب الله (مت 10: 16). (2) رواية ( ذئب الله ) تبحث في أصل الشر ..عندما يتجسد الانسان ذئبا يفترس مخلوقات الله ..في أرض الله ! البحث عن الاصل هنا لا يأخذ منحى التضمينات الفلسفية او تأملات فكرية.. ولكن البحث هنا يأخذ شكل سيرة دراميّة تتقصّى أصل الشرّ في مثال متعيّن هو شخصيّة ( عواد الباز ) حيث تتجسّد في عالم منحاز لصالح الاله الشرير ضد ما تبقى من آلهة الخير في العالم، عالم نجده حاضرا في مصالح شركات الأسلحة الكبرى حول العالم و إشعال الصراعات و الحروب و توظيف التطرف الديني و الارهاب ، بالإضافة إلى مصالح اجتماعية قاصرة تظهر في الفاقة و الفقر و ضحايا الثأر القبلي واستخدام النساء لتسوية النزاعات القبلية (عصرية ص29- الذَّلول ص 35) بالإضافة إلى الاستغلال الجنسي للأطفال ( الطفلة منال ص 93) .. ونحوها (3) سيرة روائية تستخدم تقنية تسلم عُهدة الشخصية الروائية الى بطولة أخرى، كل ذلك عبر تداعي و استدعاء سلس...شخصيات تسرد قصتها و معاناتها بلسان حالها.. دونما تحكم من الراوي الكاتب.. الرواية تعجّ بالدراما و بالأبطال و الشخصيات النسائية الغير اعتيادية ، منها ما يجسّد شخصية إيجابية شهمة ( سارا العمار ص 91) و منها ما يجسّد شخصية شهوانية عانت الحرمان و الإذلال ، فأصبح المال تعويضها و مُسكّن عذاباتها ( منال العاسر – ص117) (4) في الرواية يحضر مفهوم الحياة بمعنى الثأرية ..أن يولد انسان لعلّة الثأر من قاتلي أبيه ( الله أخذ، الله جاب، عواد بدل عواد- هذا سداد ابني، دم بدم، و لا تعتقد أن دم أهلها كله يغني عن دم ابني – ص34) كذلك في أن تتزوج امرأة او تعاشرها فقط لإذلالها فتصبح ( الذلول ) بأل التعريف في عرف المجتمع. (5) تكشف الرواية وتعري علاقات السلطة والتسلط ، ليس التسلط بمفهومه السياسي ، فهذا لم تقاربه الرواية لذاته ولكن التسلط الاجتماعي ، الهيمنة و الاذلال والامتهان واستغلال الحاجة للقمة العيش.. و يبدو ذلك مركزا اوضح ما يكون في حياة السجن ( شاب في نهاية العشرينات قمحي البشرة في وجهه جرح غائر ، قيل أنه قتل ثلاث فتيات صغيرات بعد أن اغتصبهن ، و هو الآن ينام في فراش الساهي و يحكي السجناء عنها كزوج و زوجه- ص54) .. في السجن تفقد كل شيء إلا الذل، إنه الشيء الوحيد الذي يذكرك بأنفاسك فلست أكثر من " عهدة" مجرد " عهدة" تتحرك بأمر و تصحو بأمر ، حتى أنهم لا يسمحون لك بالموت ، هنا المال وحدة يتكلم و يفسح لك الطريق – ص 125) بالإضافة إلى تفاصيل حياة شخصية عواد الباز ( ذئب الله) ، كما يظهر الجنس جليا في الرواية ..ليس بصفته مظهرا للحب ..و لكن كغريزة وحشية .. يفترس فيها الرجل الشرقي الأنثى ، بحيث يؤدي دورا مهما في هرمية السلطة و علاقات الاذلال و التسلط ، و بما يتضمن أشكالا مازوخية و سادية ..فالعلاقة الجنسية في المجتمعات الشرقية هي انعكاس لامتلاك القوة و القدرة على استباحة الضحية أو الاستمتاع بالمحظيّة، فعواد الباز الذي اعتاد على ممارسة الجنس من موقع المُفترس مع النساء العربيات ، يظهر عقب وساطته في صفقة السلاح ، مع الفتاة اليهودية سالبا ( ثم أنشبت أظافرها في كتفيه، أحس بالخدر يسري و بالنشوة تجري في عرقه، و قبل أن يرتعش أحس بأصبعها يخترق مؤخرته، فجفل ثم استكان و هو يشهق بصوت عال- ص 159) (6) ترصد الرواية خديعة ما يسمى بالقضايا الكبرى السياسية أمام القضايا الاجتماعية و الازمات الوجودية التي تعيشها شخصيات الرواية ضمن افرازات القضايا الكبرى! حيث يتم تلقين الفتى عواد المُلتحق بمعسكر الفدائيين الاجابات (- لماذا تريد أن تنضم إلى صفوف الفدائيين؟ - لأقاتل اليهود. قالها بسرعة وهو يبتلع ريقه ، تخوف أن ينسى ، فقد ظل سيف يرددها له طوال الطريق – ص25) في الرواية تظهر غريزة امتلاك السلطة في اقصى درجاتها و في اشكال صراعية مختلفة اجتماعيا و اقتصاديا و سياسيا.. وكأنها - أي السلطة - هي الهيولي تتشكل في اشكال فدائية ، برجوازية ، اسلاموية ، مافيوية ، عقائدية أيديولوجية ، حيث يرد على لسان تاليا ( إن البشر الذين اخترعوا الخرافات كانوا يتوقون إلى السلطة و لا شيء سواها ، الكلمات المنمقة و الأفكار العظيمة التي تتحدث عن البطولة و التضحية ليست إلا اكسسوارات خادعة لتجميل فكرة التسلط – ص11 ) (7) تعري و ترصد الرواية الصلات المشبوهة و الدور الأداتي الذي تلعبه السلفية الجهادية ...والانتكاس المجتمعي باتجاه الأسلمة في العقدين الأخيرين ( هل أصبح أبو بكر من هؤلاء؟ كيف؟ ألم يكن ماركسيا، لا، لا، لم أعد أفهم شيئا – ص132. كذلك عواد الباز المتهتك سابقا المتأسلم حديثا أصبح يخاطب زوجته: على الأقل حين تخرجين البسي ملابس محتشمة و فاضلة، و هذا يرضي الله، و إن رضي الله عنك، فسأرضى و هذا يعنى الكثير من الخير و الهدايا- ص150) (8) تظهر الشخصية اليهودية الوحيدة في الرواية (تاليا ) بشكل نمطي متوافق مع صورة اليهودية في الرواية و الخطاب العربي بشكل عام ، كجميلة، ماكرة ، شبقة ، برغماتية ، تحوك أو جزء من نسيج مؤامرة ما.. تُحاك من وراء الكواليس. (9) بالوقوف عند رمزية خصاء ابن عواد الباز ( ذئب الله ) في التفجير الارهابي، قد نجده بصيص أمل في أن ذئب الله... الأب الداشر الشرير في برية عباده... لن يُخلِّف ولدا يدشر مرة أخرى ، أو نجده في الاحالة الى فرضية الانتقام الالهي أو مقولة " كما تُدين تُدان ". _ ذئب الله – رواية- جهاد أبو حشيش- دار فضاءات – عمان 2017
#حمزة_رستناوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحداثة الشعرية العربية في خمس ملاحظات
-
عن صدور كتاب :الغريبُ النّجِس في الخطاب السياسي
-
الاعجاز العلمي و وائل السليم و أبو لهب
-
حوار المنطق الحيوي
-
هل الاعلان العالمي لحقوق الانسان يحرّض على الرذيلة! مقال حوا
...
-
هل يتعارض الاسلام مع الاعلان العالمي لحقوق الانسان؟!
-
مقالة في نسب الارهاب : هل الارهاب لا دين له !
-
ما هو العيب في السياسة ؟ حالة سهير الاتاسي نموذجا
-
عكاكيز الدعاء.. و العقل المُستريح!
-
في المفاضلة بين الانسان و الحيوان.. سهرة مع النقّري و السليم
...
-
في الحياة ..من الحياة ..الى الحياة!
-
كتاب تهافت الاعجاز العددي في رأي لمنذر عيسى مع تعقيب
-
بيلان ...المكان الذي مات ...و لم تغادره الحياة !
-
عن الجنّ لماذا و كيف؟.....مسامرات فيسبوكية ج3/3
-
عن الجنّ الضرَّاط.....مسامرات فيسبوكية ج2/3
-
سهرة مع أصدقائنا الجنّ...مسامرات فيسبوكية ج1/2
-
جناية أرسطو على السوريين , أمّ أنفسهم !
-
عن الجنّ و نصيحة خليل الحسن لي
-
من الذاكرة الدماغية .. إلى الذكرة الشعرية
-
في العنصريّة و العقائد السياسية للسوريين
المزيد.....
-
فيديو يُظهر اللحظات الأولى بعد اقتحام رجل بسيارته مركزا تجار
...
-
دبي.. علاقة رومانسية لسائح مراهق مع فتاة قاصر تنتهي بحكم سجن
...
-
لماذا فكرت بريطانيا في قطع النيل عن مصر؟
-
لارا ترامب تسحب ترشحها لعضوية مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا
-
قضية الإغلاق الحكومي كشفت الانقسام الحاد بين الديمقراطيين وا
...
-
التمويل الغربي لأوكرانيا بلغ 238.5 مليار دولار خلال ثلاث سنو
...
-
Vivo تروّج لهاتف بأفضل الكاميرات والتقنيات
-
اكتشاف كائنات حية -مجنونة- في أفواه وأمعاء البشر!
-
طراد أمريكي يسقط مقاتلة أمريكية عن طريق الخطأ فوق البحر الأح
...
-
إيلون ماسك بعد توزيره.. مهمة مستحيلة وشبهة -تضارب مصالح-
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|