ياسين لمقدم
الحوار المتمدن-العدد: 5602 - 2017 / 8 / 5 - 07:37
المحور:
الادب والفن
الجزء 1
*****************
قبل أكثر من نصف قرن، وفي باكرة يوم ما من أواسط فصل الشتاء، حاول "فاراجي" غرز عصاه في ثرى الأرض المتشققة الجرداء، فوجدها جافة وباردة جدا. وقد أحكمت طوقها بكل عنف على الجذور التي بالكاد انفجرت من حبات الشعير التي زرعها بعد الأمل الذي حدا جميع أهالي المداشر القريبة والبعيدة عقب أسبوع ماطر في بداية خريف بارد وخصيب.
في صحو صباحه، تطلع "فاراجي" ناحية الغرب، فجال ببصره بين الآفاق المترامية من أقصى طريق "سوق الخميس"، إلى حدود الجبال السامقات التي ينتهي عندها امتداد النظر. وجدها صافية لا تشوب سماءها غيمة عابرة ولا ريح دافئة قد تحمل تباشير اقتراب المطر.
ألقى بعصاه المصنوعة من خشب السدر، فصدح عند ارتطامها بالثرى رنين يشي بصلادة الأرض العجفاء. ثم هوى على ركبتيه، وغرز أصابع يده اليمنى الخشنة في عمق أرضه التي جعلها أبوه تحت وصايته قبل أن يشد الرحال مع باقي الأبناء والبنات للرعي الشتوي في سامقات الجبال، بحثا عما تبقى من كلإ تجاوز بمقاومته صهد الصيف وعجاج أول الخريف. سحب من رحم الأرض حفنة تراب دعكها بأصابعه فتأكد من اجتفافها، فرقّ قلبه للأرض الظمأى التي صار يفكر في هجرها خلال خلواته التي تحاصره بعد رحيل جميع أهل المدشر رفقة قطعان الشياه.
عاد إلى أحد البيوت المبنية بالأحجار، والمسقوفة بالقصب والخشب والطين. تناول حفنتي دقيق شعير أسود، وأخلطها بقليل من الماء والملح. وبدأ بدعكها إلى أن استوى العجين على شكل قرص كبير. فنقله بحذر من القصعة الخشبية إلى "الفرَّاح" الساخن جدا الذي سبق وأن وضعه على أحجار الموقد الحطبي الذي لا يخبو جمره وأبدا في ركنه القصي من بيت المعيشة الواسع.
وفي انتظار أن يطهى الخبز، هيأ شايه المنعنع وقلَّب الرغيف عدة مرات وهو قاعٍ أمام الموقد، يتادفأ وينتظر...
يتبع...
#ياسين_لمقدم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟