|
مذاق الكرز في فمي
إبراهيم مشارة
الحوار المتمدن-العدد: 5594 - 2017 / 7 / 28 - 08:24
المحور:
الادب والفن
إلى ابنتي بمناسبة نجاحها في شهادة البكالوريا ابنتي العزيزة: أعترف لك بأني كنت قلقا بعض الشيئ قبل الإعلان عن نتيجتك في الامتحان ومبعث قلقي لم يكن الشك في نجاحك وإنما في معدل الانتقال إلى الجامعة فلما أعلنت النتيجة تنفست الصعداء. مبارك لك التوفيق والنجاح بمعدل جيد ،هكذا تلتحقين بإحدى الكليات العلمية كأختك التي سبقتك إلى كلية الطب منذ سنتين وتحققين رغبة جامحة في نفسي مزيدا من الريادة والنجاح في حقل العلم والثقافة وخدمة الناس كما خدمهم جدك طيلة عمره معلما وداعيا إلى الفضيلة والتقى على وعي وبصيرة. إنني ماهزني غنى غني ولا زعامة ملك مثلما هز وجداني وانتزع إعجابي جلال العلم وعظمة الثقافة وبهاء الإبداع فسبحان الذي له الملك والملكوت وله الأسماء الحسنى والنعوت أن عصمنا من الوقوع في أوحال دنيا يتكالب فيها الناس على ثرائها ورياشها وطنافسها بغير السؤال عن مصدر الثراء والنعمة ولو بذلت النفوس رخيصة وانتهكت الأعراض غير نفيسة . أذكر أنني في مثل سنك وفي عام كعامك هذا أخذت الورقة وكتبت للتو هذا البيت من تأليفي: مرادي عظيم وعزمي شديد** مراد السريرة مجد تليد كان ذلك تحت تاثير كبرياء العقاد وجبروته الفكري والفلسفي والأدبي قرأت له فأعجبت به وبشخصيته العيوف للرداءة وللابتذال ونفسه المزهوة بأخلاقها وعفتها وعقله الذي يهضم جرانيت الفلسفة والفكر سألته أين تسكن؟ قهقه وقال: قمة إفرست إذا أردت أن ترى العالم من فوق فلسفيا وفكريا ،بانوراميا دثر نفسك واحمل قارورات الأكسجين واستعد لدوار الجبال إنك ستمكث قليلا فأنت لا تحتمل هذا العلو الشاهق ولكن سيكون لك الشرف أن رأيت العالم من خلال إفرست العقاد. وما انتفاعي وقد شاب الفؤاد سدى ** أن لم تشب أبدا كفي ولا قدمي وليس ما يخدع الفتيـــان يخدعني ** كلا ولا شيم الفتيان من شيمي وحين تنزل لن تحترم إنسانا لا يحترم نفسه ولو كان حسيبا نسيبا أو صاحب سلطان وصولجان ولا صاحب شهادة عليا مالم يزكها بالبينة والبرهان من إنتاجه العلمي والأدبي وغبرذ لك رغاء، رغاء ،رغاء......... من أجل ذلك أحب العلم والثقافة وأتيه حبا في جمال وجلال العربية وأتعبد في محاريب الفن والأدب إنني مثل بجماليون ذلك الفتى الذي نحت تمثالا لامرأة ثم أغرم بها فراح يسأل الألهة أن تبعث فيها الروح لأنه أحبها فلما تحققت بغيته وعاشر تلك المرأة التي نحتها بإزميله مل منها وسئم وعاد يسأل الألهة أن تعيدها تمثالا. إنه يحب أن يعيش بحلمه بوجدانه وخياله لا بمسامات جلده.كذلك أنا مللت دنيا الناس وحديثهم الفارغ وصخبهم وجلبتهم لأجل مزايدات ومفاخرات وملاسنات وزهو وغطرسة بعيدا عن الجوهر السامي للوجود الإنساني والحقيقة البشرية التي وسمتها يد الله بميسم الكرامة فابتذلها الإنسان ولطخها بأوحال الغريزة وعفن الشهوات وقتامة الحمأ المسنون. ما أكثر الأطباء وما أكثر المحامين وما أكثر السياسيين ورجال المال وما أكثر أساتذة الجامعة وما أكثر حملة الشهادة العليا - إلا في القليل النادر- وما أقل إنسانيتهم ورفعة عقولهم وما أكثر لجاجة أنفسهم الجشعة الطامعة في الربح على حساب معاناة الناس! يفكرون في الحق ولا يفكرون في الواجب ويعملون لأجل الشهرة ولا يعملون لأجل الإتقان وينتظرون من الناس أكثر مما يحق للناس أن ينتظروه منهم . لأجل ذلك أريدك أن تجتهدي أكثر و تعملي أكثر بدافع البحث والتعمق في دنيا العلم واجعلي غايتك خدمة الإنسان قبل كل شيئ فمن خلال تلك الخدمة تخدمين نفسك وضعي شعارك قول الشاعر العربي: إن الشباب إذا سما بطموحه** جعل النجوم مواطئ الأقدام شدي عربتك إلى نجم كما قال إمرسون فخير الحياة حياة العلم وخير الغنى غناه ورفيع الدرجات درجة العلماء فما قصر الله خشيته على ثري ولا على ملك ولا على حسيب نسيب ولا على وسيم أنيق بل على أهل العلم فاسعي أن تكوني منهم. يا لها من دنيا سريعة كأن عقارب الساعة تخادعنا توهمنا أنها تسير بالقسطاس المستقيم وفي ذات الوقت تغبننا السنة كأنها شهر والشهر كأنه أسبوع والأسبوع يوم! ما زلت اذكر يوم ميلاك وقد اختار لك جدك اسم خولة وكيف كنت تدرجين،تعبثين تمرحين. عجبا ثمانية عشرة عاما مرت تباعا سراعا كلمح بالبصر! لا أيتها العقارب إنك تغبنين وتغشين هذا أمر دبر بليل في الليل تسيرين بسرعة الخوف في قلب الجبان فإذا جاء النهار تظاهرت بالنزاهة والدقة والحياد. على كل هذه دنيانا وليست علينا بالجديدة ظاهرها الفرح وجواها الحزن وسطحها الغنى وعمقها الإملاق كل واحد فينا يحمل قدره على ظهره ويمشي على جمر الحاجة وحصباء الصراع من أجل البقاء بيمناه كفنه وبشماله ورقة الإجابة عن امتحان الدنيا - والممتحن يطلب وقتا إضافيا- لا شيئ فيها غير حلاوة الكفاح وزينة الفضيلة وأثر العقل والقلم. دعينا من كل هذا ولأعد إلى نجاحك الكرزي فلونه في لون الشفق الأرجواني وطعمه بطعم الكرز في موسم القطاف وملمسه في نعومة الحرير إنه أجمل من تمثال بجماليون. هنيئا لك النجاح الذي أنت قاطفة جناه ، أنا أتلذذ وأنت تأكلين وهنيئا لكل الناجحين في هذا الوطن الذي لا يصلح شأنه ولا يرمم بنيانه ولا يعالج عواره إلا أهل العلم. طاب لك طبق الكرز وطاب لكل الناجحين.
#إبراهيم_مشارة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الكتابة بلون اللازورد:
-
دز جوكر وأزمة النخبة في الجزائر
-
مبارك جلواح رائد الشعر الرومانسي في الجزائر
-
ياليلة العيد آنستينا
-
الدين في خدمة الاستعمار قصة نشأة مسجد باريس
-
عبق الإباء من قمم جرجرة زيارة لضريح الزعيم حسين آيت احمد
-
جمهورية مونمارتر
-
عام في صحبة الدكتور علي شريعتي
-
حكايات الميترو
-
رسالة إلى أسير فلسطيني مروان البرغوثي مانديلا العرب
-
دالية الحنين،عنقود الوفاء كأس العودة
-
باقة ورد لكل عامل
-
هوامش على متن أدب الرحلة سويسرا بعيون عربية
-
الانتخابات العربية ودمى الماترويشكا
-
ليالي القاهرة
-
محمد أركون من الغربة إلى الاغتراب
-
على خطى سارتر في مقهى دي فلور
-
رحلة البحث عن رأس بوبغلة/ ملامح من قصة مناضل ضد الاستعمار
-
في بيت هوجو
-
في مملكة الجمال اللوفر في الآحاد
المزيد.....
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|