الملكية و معضلة السكن في المجتمع المعاصر

فؤاد محمد

الحوار المتمدن-العدد: 5591 - 2017 / 7 / 25 - 19:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

الملكية و معضلة السكن في المجتمع المعاصر

يعاني سكان جزيرة الوراق الواقعة بين محافظتي القاهرة و الجيزة في شمال النيل من حذر و خوف شديدين، بعد أن أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأن اراضي الجزيزة ملكا للدولة...! ليست جزيرة الوراق وحدها التي تعرضت لهذا نوع من التهديدات من قبل المؤسسة القمعية للسلطات المصرية المتعاقبة منذ أيام مبارك، بل أن عشرات الجزر (وتقدر جزر النيل ذات المواقع السياحية والاستثمارية ب 118 جزيرة)، قد واجهت هذه الحملات القسرية بالترحيل و هدم المساكن..!
قبل اسبوعين تقريبا، قامت قوات الأمن والجيش باقتحام جزيرة الوراق وشن حملة من أجل أغلاقها، وهدم مساكن المواطنين، وقد تصدى سكان الجزيرة من المدنيين الفقراء، نساءاً و رجالاً، للقوات المهاجمة وأجبروها على التراجع و( إنهاء الحملة) التي كان من نتيجتها قتيلا واحدا على الاقل وعشرات الجرحى من المدنيين، واصابة عدد من رجال الشرطة. وكعادته برر النظام الحاكم، اسوءة بالانظمة و الحكومات البرجوازية الاخرى في العراق، المغرب، الاردن، لبنان وكردستان العراق) حملاته هذه ضد السكان المنكبوبين والطبقات الفقيرة بذريعة عدم امتلاكهم الوثائق الرسمية التي تثبت ملكيتهم او الاجازات القانونية المطلوبة للسكن.
وفي كردستان العراق الجديد كان "بكر علي" رمز هذه المقاومة و التحدي في وجه السلطات البرجوازية الكردية ضد سياسية هدم مساكن و اكواخ المشردين ...
من المؤكد إن سياسة الخصخصة التي تنتهجها الحكومة المصرية منذ عقود شملت خصخصة معظم السواحل المصرية على البحر الابيض المتوسط و البحر الاحمر وتجد في هذه الجزر مراكزا استثمارية مغرية). لقد شرد مئات الالاف من العمال والفئات الاجتماعية الكادحة مع اسرهم جراء هذه السياسية سيئة الصيت والمعادية لتطلعات الإنسان المعاصر، حيث تشير التقديرات الاحصائية إلى أن نسبة المواطنين الذين يرزخون تحت خط الفقر في مصرتبلغ اكثر من 27.8%. وأن حصة 10% الأكثر دخلا من اجمالي الدخل في مصرتصل الى 55.4%، وهي نسبة أعلى من دول الاوربية و امريكا إذا ما قورنت بها. وعلى حد تعبير المصرين فأن الحيتان الذين لا يشكلكون اكثرمن 1% من السكان يملكون أكثر من نصف ثروة وممتلكات المجتمع المصري.
إن املاك وعقارات الطغمة العسكرية الحاكمة والتي تمثل احدى الفئات الراسمالية في مصر و الرئيس السيسي بالذات كبيرة وهائلة جدا، فهي تملك مئات الملايين من رؤوس الأموال، ومئات العقارات في خان الخليلي و الجيزة و غيرها...
إن مسألة السكن والأرض من أهم المعاضل التي تواجه المجتمع الراسمالي والأنظمة البرجوازية التي تبقيها دون معالجة او حل ملائم و مناسب!
في إسرائيل، تحولت مسألة الارض والسكن، إلى رمز للتميز والقهر والاضطهاد. عشرات المستوطنات التي تبنى سنويا. وفي ذات الوقت تهدم مئات المنازل والمساكن العائدة للفلسطينين في أبشع ممارسة للتطهير وتهجير السكان في العصر الراهن.
ان تأمين سكن مناسب و ملائم تتوفر فيها الشروط الصحية و الخدمات الاجتماعية اصبح من الضرورات الاساسية اللازمة للإنسان في عالم اليوم. وإن افتقاد مساكن واحياء العمال و ذوي الدخول الواطئة لأبسط الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية، بات شيئا مألوفا في ظل النظام الاجتماعي اللاإنساني القائم.
زلزال يضرب جزر المكسيك، وهزة أرضية أودت بحيات العشرات من سكان تركيا، أعاصير تجتاح سواحل المحيط الهندي...غيرها من انباء نسمعها يوميا من شبكات الاخبار ومحطات التلفزة.. هذه "الكورارث" نجدها حتى في الدول المتقدمة. ففي لندن ادى احتراق عمارة كرنفيل Grenfell Tower التي يسكنها اكثر من اربعمائة عائلة فقيرة وعمالية الى تشريد مئات العوائل من ذوي الدخل المنخفض!
أيا كانت الاسباب، سياسة الخصخصة التي تنتهجها السيدة ماي Theresa Mayزعيمة حزب المحافظين او استخدم مواد رخيصة في البناء ( بفرق 2£) فقط للمتر الواحد والتي لا تناسب المعايير الهندسية في الابنية الحديثة، مهما كان السبب، فانه ادي الى موت وفقدان المئات في واحدة من اكثر الكوارث الإنسانية التي عصفت بلندن.
ماذا عن الملكة: ان ثمن قصر بكنكهام، قصرملكة بريطانيا، وحده، يقدر بأكثر من 1.4 مليار دولار ويحتوي على 750 غرفة، نعم 750 غرفة فقط!!!!
هل بات من الصعب حل مسالة السكن في المجتمع الراهن؟
من المؤكد ان قوانين الطبيعة يمكن فهمها و دراستها بشكل علمي و دقيق و بالتالي حصرها والتقليل من اضرارها وتحييد مساوئها وأخيراً استخدامها لصالح البشرية، اذا ما خصصت المبالغ و الامكانيات المادية و التقنية لمجالات العلوم و البحوث و الابداع ..
بعد كل هذه التطورات المذهلة للعلوم والتقنيات و التكنلوجيا الحديثة و المتطورة نجد الحكومات والانظمة البرجوازية الفاسدة تتذرع بالكوارث الطبيعية من فيضانات وزلازل و براكين وحرائق الغابات التي تتسبب في حرق وهدم المساكن و الاكواخ سنويا على الصعيد العالمي.
ان المستوى المتطور للعلوم و التكنولوجيا الذي وصل اليه المجتمع البشري يجعل من مسألة استخدام و استثمارالاراضي اليابسة للمجتمع البشري اسهل من أي وقت مضى وعلى نطاق واسع وبما يمكن من تأمين المساكن والأحياء السكنية المناسبة والملائمة لمعيشة الإنسان صحيا وخدميا، وبشكل راق ومتحضر..
ان التشكيلة الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات الراهنة والتنافر الطبقي الحاد وشكل الملكية الخاصة لوسائل الانتاج و التوزيع، وتنصل الدولة عن مسئولياتها الاساسية ازاء حياة السكان، هي العوائق الاساسية و الرئسية التي تحول دون تامين مساكن آمنة وملائمة للسكان.

#فؤاد_محمد (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات