|
هل يخضع الله للرغبة؟ وهل ذلك يعني أنه ابتكار بشري؟
اسلام عصمت
الحوار المتمدن-العدد: 5581 - 2017 / 7 / 15 - 12:57
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
روى البخاري (6227) ومسلم (2841) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنْ الْمَلائِكَةِ جُلُوسٌ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ فَقَالَ السَّلامُ عَلَيْكُمْ فَقَالُوا السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ فَلَمْ يَزَلْ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الآن".
وروى مسلم (2612) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ ". ويقول ابن خزيمة في كتاب التوحيد : حدثنا محمد بن عيسى ، قال حدثنا سلمة بن الفضل ، قال حدثني محمد بن إسحاق ، عن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة ، عن عبد الله بن أبي سلمة أنّ عبد الله عمر بن الخطاب بعث إلى عبد الله بن العباس يسأله : هل رأى محمد صلى الله عليه (وآله) وسلم ربه ؟ فأجابه : أنْ نعم . فرد عليه عبد الله بن عمر رسوله : أنْ كيف رآه ؟ قال : فأرسل أنه رآه في روضة خضراء دونه فراش من ذهب على كرسي من ذهب يحمله أربعة من الملائكة ، ملك في صورة رجل ، وملك في صورة ثور وملك في صورة نسر ، وملك في صورة أسد . حديث صحيح الرواي : ابن عباس المحدث : ابن خزيمة كتاب التوحيد الصفحة وارقم :2/482 وروى البخاري (7407) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ [بن مسعود]، قَالَ: ذُكِرَ الدَّجَّالُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَخْفَى عَلَيْكُمْ، إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عَيْنِهِ - وَإِنَّ المَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ العَيْنِ اليُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ»
في هذه الأحاديث وغيرها الكثير نرى بوضوح شديد لا يحتمل التأويل تشبيه الله بالبشر حواساً وجسماً، وبعيدا عن كتب الاحاديث كلها نستطيع أن نعرف ماهية الله وصفاته من خلال آيات القرآن التي تذكر أن الله يسمع ويرى ويغضب والى اخره من ذكر الصفات والخصائص الموجودة في البشر، ومهما اختلفت التأويلات سواء كانت تؤيد تجسيم الله وتشبيهه بالبشر او لا تؤيد، فإن الأمر واضح امام من يملك عقلاً ويستطيع أن يفكر بشكل موضوعي ومبسط بلا تحيز لرأي ضد الاخر. ولكن، ربما أشد ما يثير تفكيري في مسألة تشبيه الله بالانسان ليست الحواس وليست اعضاء الجسم ولكن امر اخر مختلف تماما وهي "الغاية".. هذا الأمر الذي حاز على تفكيري لفترة ليست بالقصيرة، فبالرغم من أن فكرة وجود غاية لله، او مايعرف بالغاية من الخلق، هي فكرة بسيطة جدا في ظاهرها إلا أن غرابتها وتعقيدها يكمنا في أن هذه الفكرة، أي الغاية، تنسب إلى الله! ولشرح الأمر بصورة اوضح دعونا نلقي نظرة أولا على مفهوم الغاية، ليس من رؤية دينية فقط او لغوية فقط بل سنتناولها من ثلاثة جوانب، الديني، اللغوي، والفلسفي.
لنبدأ أولا بتعريف كلمة "الغاية" في معجم المعاني الجامع: الغَايَةُ : النهايةُ والآخِر. غايةُ الأَمر : الفائدةُ المقصودة منه. غَايَةُ هَدَفِهِ :- : الفَائِدَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنْه. في المعجم الوسيط: قصد ، هدف :- ما غايتك ؟ - بلغ غايته.
والغاية في الدين من خلق الانسان باختصار هي عبادة الله وعمارة وحكم الأرض وفق منهج وشرع الله ونشر العدل واتباع رسله وانبياءه أما الغاية او "الغائية" في الفلسفة وكما عرفها أرسطو فقال إنها المبدأ الذي تتحرك الأشياء بمقتضاه وكل ما في الطبيعة يخضع لغاية واحدة أسمى. وبصورة أبسط، يمكننا أن نقول أن الغاية في الفلسفة تعني الغرض من وجود الشيء والذي بسببه وجد هذا الشيء او ذاك، إنها الهدف الأسمى والنهائي الذي يكمن وراء وجود الاشياء. .
والآن.. وبعد أن تناولنا مفهوم الغاية من عدة جوانب.. يمكننا أن نسأل سؤالاً محدداً: هل الله له غاية؟ واذا كان له غاية وهدف ورغبة من خلق الانسان، فهل ذلك يعني أن الله تابع؟ كيف يكون الله تابعاً؟ ببساطة أقول: أن يكون لك رغبة وهدف وغاية يعني أنك خاضع، خاضع لحاجة ما فرضت عليك هذه الرغبة مثل أن تكون خاضع للغريزة أو للشهوة أو لحدث ما فرض عليك رغبة معينة، فبالتالي أنت صرت تابعاً لرغبتك، فمثلا .. الانسان حسب مفهوم الغاية تابع للغاية من الخلق أي أن الانسان يمارس حياته بشكل يعتمد على الاهداف والرغبات والطموح انطلاقاً من مبدأ الغاية الأساسي.. وبالتالي فإن ما يحرك الانسان هو الرغبة في بلوغ الغاية فيصبح الانسان تابعاً لرغبته.. كذلك الله تحركه الرغبة او الغاية فيصبح الله تابعاً للرغبة او للغاية ويخضع لهذه الرغبة او تلك الغاية بأن يقوم بعملية الخلق لتحقيق غايته..
يمكننا أن نقول أن مفهوم الغاية هو مفهوم بشري حيث الإنسان يمارس حياته من خلال سلسلة من الأهداف والمقاصد من وراء تلك الأهداف.. إن الغاية توجد نتيجة لحاجة يُراد إدراكها، فكل منا لديه غاية معينة يريد ادراكها كذلك الله حسب ما ذكرنا يمارس ماهيته كخالق ولكنه مثل البشر يخضع لغايات وأهداف أي أنه تابع لغاياته وليس كاملاً .. الاله الكامل لن يحتاج لأن يُعبَد حتى يخلق بشراً يعبدونه، ولن يحتاج لغاية سامية ونهائية من وراء خلق ومخلوقات.. وان احتاج "لتحقيق غاية ما" فذلك يعني أنه ليس كاملاً .. أي أنه بحاجة لتحقيق شيء ما فيضع له وسائل وأهداف وذلك ما يدفعه لخلق عوالم وكائنات.. في النهاية أقول أن الله حسب مفهوم المؤمنين به هو إله خاضع لكل خواص البشر سواء كانت حواس او اعضاء جسمانية أو حتى عقل وأفكار. إن الله حسب تصور المؤمنين لديه غاية وهدف ورغبة وطموح وذلك يعني أنه خاضع وتابع لحاجته التي من أجلها خلق العالم والبشر لكي يحققوها له وذلك يعني أنه ليس كاملاً.. انه إله بشري.
ولأن الانسان لا يستطيع تجاوز وعيه الانساني وبالتالي أفكاره وتصوراته وتوصيفاته الموجودة داخل هذا الوعي فلم يستطع ابتكار اله له صفات متجاوزة صفات الانسان .. فابتكر الهه يسمع ويتكلم ويغضب ويرحم ويرى ويتحرك مثل الانسان تماما بل أن الأمر لم يقف عند هذا الحد بل أن حتى هذا الاله يملك طريقة تفكير ووعي لا تختلف عن طريقة تفكير ووعي البشر حيث تعتمد على غاية وهدف وغرض وايضا فكرة التتابع ( والتي هي فكرة بشرية صرف ) وقد استخدمها الانسان في حجة المسبب الأول. دعوني أطرح فكرة وسأسهب في شرحها في مقالة قادمة. في حالة وجود شيء ميتافيزيقي خارج نطاق العالم البشري ، وبعكس حجة ديكات الساذجة جدا ، سوف لن يصلنا أي شيء او فكرة عن هذا الشيء لأنه سيكون خارج نطاق عالمنا البشري، ومن ثم خارج نطاق وعينا البشري أيضا.
أما عارض أحد هذي الحجة بقوله ليس مفهوم الغاية بالنسبة للانسان هي نفس الغاية بالنسبة للبشر فلا يجوز القياس، اذا هو بنفسه ينفي حجة التصميم الذكي التي تدعم الاله حيث أن هذه الحجة بالكامل تقوم على ادراك وقياس بشري.
#اسلام_عصمت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن البسيكولوجي - دفاعا عن الميتافيزيقا
المزيد.....
-
محادثات أولية للمرحلة الثانية من اتفاق غزة ومبعوث ترامب يتوج
...
-
الاحتلال يصعد عدوانه على الضفة ويهجر آلاف العائلات بجنين وطو
...
-
الجيش الإسرائيلي يوسع عملياته في الضفة الغربية و-يجبر- عائلا
...
-
-ديب سيك- تطبيق صيني يغير معادلة الذكاء الاصطناعي العالمي..
...
-
الأزهر يعلن رفضه القاطع لمخططات تهجير الفلسطينيين
-
إقالة 12 مدعيا شاركوا بمحاكمة ترامب
-
أميركا تواصل ترحيل مهاجرين إلى غواتيمالا وتتجاوز الأزمة مع ك
...
-
سوريا.. ضبط شحنة كبيرة من الحبوب المخدرة على معبر نصيب الحدو
...
-
حرصا على كرامتهم.. كولومبيا تخصص طائرات لإعادة مواطنيها المر
...
-
مجلس الشيوخ يصوت على تعيين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|