|
عندما ينقشع الغبار...(2/3)
كمال عبد الله
الحوار المتمدن-العدد: 5581 - 2017 / 7 / 14 - 09:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما ينقشع الغبار....(2/3)
أنا لا أقدّم تأريخا لأحداث 14 جانفي، ولكنني أحاول رصد المفاعيل التي قد تدفع باتجاه القول بأنّ ما حدث قد كان فعلا ثورة قد تمّ إجهاضها أم هل كان مجرد احتجاجات ساهمت عوامل دولية و إقليمية و محليّة في تغذيتها باتجاه هذا الاعتقاد...سأقول بداية بأن الوضع العام في تونس لم يكن بالوضع المستقرّ منذ وصول زين العابدين بن علي إلى السلطة وحتّى قبل ذلك...فقد عملت القوى الاقتصادية المحلية على خلق حالة اقتصادية هشة لا تؤسس لبناء أي اكتفاء ذاتي من أي نوع...وقد اكتشفنا في الأيام الأولى لسفر بن علي إلى السعودية حجم المغالطات الإعلامية التي كانت تغذي فكرة السيادة الوطنية واكتشفنا الكذب الذي يختفي وراء نسب النمو التي تفوق النمو في دول صناعية من مثل الصين...
تعرضت في الجزء الأول من ورقتي إلى تقدير أن الدور الذي لعبه اليسار لم يكن بالدور التأطيري على المستوى السياسي...وهذه حقيقة...فالحزبان اليساريان الوحيدان و اللذان كانا يملآن الساحة السياسية كتشكيلان راديكاليان إلى حد ما هما "الوطنيين الديموقراطيين الموحد" و " حزب العمال الشيوعي التونسي" قبل أن يتخلى عن كلمة " الشيوعي" في مؤتمر جويلية 2012...لم تكن لهما الخبرة التأطيرية التي تسمح لهما باستثمار اللحظة الانفعالية التي أنتجها واقع 14 جانفي...وسيحصل تداخل سياسي ملفت للإنتباه على هذا المستوى...و يتمثل هذا التداخل في قدرة هذه الأحزاب على التواجد المؤثر جدا على مستوى الاتحادات الجهوية و التي كانت عنصر تأطير فعلي لما حصل بعد 14 جانفي بأيام...تلخيصا للفكرة أقول بأن أحزاب اليسار ،و أساسا "الموحد" و حزب العمال"، قد نجحا في تأطير الحراك الشعبي على مستوى هياكل الاتحاد الوسطى خاصة وعجزت عن تكوين رؤية تدفع بالحراك الاحتجاجي إلى مستوى الحراك الثوري...وهذه نقطة هامة جدا على مستوى البحث في أسباب انتكاس ما يمكن أن نسميه بـــ " جنين الثورة"...ولهذه الفكرة ما يبررها...فمشكلة اليسار في تونس تتلخص في ما قاله الفرزدق للحسين بن علي ( قلوبهم معك و سيوفهم عليك)...حيث تميل نسبة كبيرة من الشعب إلى اليسار وجدانيا و لكن الحواجز الثقافية تمنع بينه و بين جماهير الناس...ولو حاولنا أخذ بعض المسافة ثم قمنا بنقد بعيد عن الدوغمائية و الشوفينية السياسية الضيقة فسنقول التالي.... * نجح اليسار في الحضور الشعبي خلال الاحتجاجات( من 17//12/2010 إلى ما بعد سفر بن علي) * نجح اليسار في استقطاب الجماهير إلى الشارع... * نجح اليسار في توحيد الشعارات المطروحة... * نجح اليسار في تحويل الجدران و الأماكن العامة إلى جرائد وملصقات ثورية... * نجح اليسار في خلق تباين واضح بين الحركات الفاشية و الحركات التقدمية... * وفشل في تحويل كل هذا إلى مطلب سياسي ثوري ( الوصول إلى السلطة قبل انقضاض الفاشست عليها)
هذه ملامح عامة و ليست تأريخا...ولكي تكون الصورة دقيقة، فسيكون علينا البحث في سؤال تاريخي هام جدا...من هم أصدقاء الثورة...ومن هم أعداؤها...؟...لن يكون الجواب يسيرا و لكننا سنحاول رسم خارطة للعائلات السياسية فربما قد تساعدنا قليلا في تحديد الأصدقاء و الأعداء... - العائلة اليسارية ( ماركسيون لينينيون...تروتسكيون...ماويون...بعض الأحزاب القومية......) - العائلة الليبيرالية ( أصحاب النفوذ المالي و أحزاب الديكور السياسي) - العائلة الدينية ( كل الأحزاب الدينية أو التي تعتبر مرجعيتها دينية) - العائلة اللائكية ( الأحزاب التقدّمية بشكل عام ) - نظام بن علي ( الجهاز الإداري و البيروقراطي و الذي لم يسقط بسفر بن علي) ولو قمنا بسحب السؤال على هذه الكيانات السياسية فسيكون صديقا الثورة هما ( العائلة اليسارية/ العائلة اللائكية)...أما من بقي من القائمة فليسوا سوى تيارات لا ترى في الثورة سوى حجر عثرة أمام امتيازاتها و أمام ما يمكن أن تشكله الثورة عليهم من خطر قد يصل إلى حد الإعلان عن محاكم ثورية قد تقوم بإعدام كل أعداء الثورة....لا يبدو المشهد السياسي إلى حدّ هذه الأسطر خيفا لأننا قد فصلناه منهجيا عن مجموعة أخرى من الحقائق...و تقديما للمشهد برمته الآن فسنقول بأن " التنظيم العالمي للإخوان المسلمين" لم يغب لحظة عن استقراء واستنطاق الساحة السياسية بتونس...هذا ليس باستنتاج...هذا إقرار بحقيقة....و عطفا على ما ذكرت أقول بأن حركة النهضة التي لم تكن غائبة عما يحصل، لم تكن بالشارع أيضا...فأين كانت...؟...سوف نجد الجواب في استنطاق نتائج انتخابات المجلس التأسيسي الأول أكتوبر 2011... * حركة النهضة 36.97 بالمائة من المقاعد * المؤتمر من أجل الجمهورية 08.70 بالمائة من المقاعد * العريضة الشعبية 06.92 بالمائة من المقاعد * التكتّل 07.04 بالمائة من المقاعد * حزب العمال التونسي 01.50 بالمائة من المقاعد * الوطنيون الديموقراطيون 00.80 بالمائة من المقاعد
وسيكون السؤال التاريخي و الوجيه...أين ذهب أنصار اليسار و كيف حصلت " النهضة" الفاشية و العريضة الشعبية التي خرج رئيسها من أرحام النهضة و المؤتمر الذي لا تاريخ سياسي له وكذلك التكتل على هذه الأرقام في حين لم يحصل الحزبان اليساريان الأقوياء شعبيا ( الموحد وحزب العمّال) إلا على ما مجموعه 2.30 من مجموع الأصوات...لن يكون الجواب سهلا و بسيطا...أعترف بذلك...ولو حصلت وقفة تقييمية نقدية وموضوعية لاستطعنا التقدم خطوة إلى الأمام....لم تر الأحزاب اليسارية التي ذكرنا ضرورة لفتح الجراح و اكتفت بإرسال بعض أعضاء مكاتبها السياسية لامتصاص الدّهشة...( حضرت شخصيا بعض هذه الجلسات التي كانت شبيهة بجلسات الصعق الكهربائي...ولوعدنا إلى ما قلناه سابقا فسنجد أن أصدقاء الثورة قد حصلوا على 2.30 بالمائة في ما حصل أعداء الثورة على 52.71 وقد قمت باستثناء العريضة الشعبية بالرغم من أنني أصنفها كعدو من ألد أعداء الثورة....
نمر إلى بعض الأعداد التي أنتجتها انتخابات أول انتخابات تشريعية بعد انجاز دستور 2014 ...سنسجل تغييرا في الخارطة السياسية مع ظهور حزب نداء تونس كتشكل هجين جمع تجمعيين و ليبيراليين وكثير من الشخصيات التي كانت ضد الثورة أصلا...وبنظرة عابرة سنرى النتائج التالية: * حزب نداء تونس 39.10 بالمائة (منفردا) * حركة النهضة 31.70 بالمائة ( منفردة) *الاتحاد الوطني الحر 07.30 بالمائة (مفردا) * الجبهة الشعبية 06.90 بالمائة ( 12 حزبا) * آفاق تونس 03.70 بالمائة منفردا) * المؤتمر من أجل الجمهورية 01.80 بالمائة ( منفردا) - ملاحظة : لو قمنا باحتساب عدد الأصوات التي حصلت عليها الجبهة الشعبية كائتلاف سياسي ضم بين ظهرانيه 12 عشر حزبا يفترض أن تكون يسارية فسنجد أن الجبهة قد تقهقرت بنسبة ( 17.68 بالمائة مقارنة بما حصل عليه كل حزب منفردا في انتخابات المجلس التأسيسي...سيكون هذا دافعا لإعادة النظر في الكثير من التقييمات العاطفية و التي لا علاقة لها بالعمل السياسي خاصة بعد اتضحت الخارطة التي كانت غامضة نوعا ما بالعام 2011...
سنعود لنسأل من جديد...أين اختفت المجاميع التي كانت تؤطر الحراك الشعبي والتي كانت محسوبة على اليسار...؟...لقد قلنا سابق بأن الجواب معقد و مركب في نفس الوقت وقد اجتمعت عدة عوامل منها ما هو ذاتي ومنها ما هو موضوعي لتنتج هذه الحالة السكيزوفرينية...و سوف أحاول في ورقتي القادمة تفكيك هذا الكل المعقد لفهم أو لمحاولة فهم الأسباب الحقيقية الكامنة وراء هذا الفشل الكرونيكي لليسار في تونس...
كمال عبد الله...تونس...
#كمال_عبد_الله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عندما ينقشع الغبار...(3/1)
-
اليسار العربي...( الأزمة المزمنة )
-
استراتيجية الوباء...الإسلام السياسي (3)
-
استراتيجية الوباء...الإسلام السياسي (2)
-
استراتيجية الوباء...الاسلام السياسي
المزيد.....
-
تركي آل الشيخ وآخرون يتفاعلون مع لقطة بين محمد بن سلمان وأحم
...
-
قصة العالم النووي كلاوس فوكس.. -لا تتحدثوا معي عن المال مرة
...
-
من قطر إلى السعودية.. لغة التفاصيل في دبلوماسية الشرع
-
خبير يعلق على اعتراف زيلينسكي الذي صدم الغرب
-
ترامب: الوكالة الأمريكية للتنمية تديرها مجموعة من المجانين
-
إعلام: تركيا قد تنشئ قاعدتين عسكريتين وتنشر مقاتلات -إف 16-
...
-
-الأورومتوسطي-: الحالة الصحية التي يخرج بها المعتقلون من سجو
...
-
ترامب يكشف عن موعد اتصاله مع ترودو ويؤكد: سيدفعون الرسوم الج
...
-
برتراند بيسيموا زعيم حركة -إم 23- في الكونغو الديمقراطية
-
تداعيات فصل ضباط أتراك بعد حادثة أداء قسم الولاء لأتاتورك
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|