أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يعقوب زامل الربيعي - شاشة الالغاز الفظّة!...















المزيد.....

شاشة الالغاز الفظّة!...


يعقوب زامل الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 5578 - 2017 / 7 / 11 - 20:23
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة
.........
حاول، في تلك الظهيرة القاسية الحرارة، أن يضع حداً لملف الحقائق الناشزة لما يعيش فيها من تيهٍ لخيلاءٍ فيه. بتمام طوله، وانبعاث انفاسه، وهو يتشمم جمر الحنق، والساقين التي ذهبت اليسرى لساحة الغرف المنعزلة، واليمنى التي اختفت في سرية الحقائق المزيفة، صارخاً بأعلى ما فيه من قوة الجزع:
ــ "يا للفوضى !".
ليس سوى البرق أسرع منه. يندفع كما حجرٍ من مقلاع، محاولاً أن يفلت من قيوده. يتابع ذروة شاهقة، تتسلق بقفزات ثقيلة، تاركاً شعره ينسدل على كتفيه. يدرك أن هذا السباق لا مثيل له. وليس هناك من هاوية، غير التيه في اجراءات الحيطة والحذر من حشود الكُرات المائية التي توزعت في المكان. لكنه لم ينس أن يتأبط حلم قدره، ورأسه للأمام شاهداً على صوت قلبه يندفع كما الجوهر الناري :
ــ " سأتبع نفسي حتى قاع الآتي ".
" لم أنس أن أشير عليك بالتحول، وأنت يتحول قلبك من زهرة لزهرة. لذا قلت لك ناصحا: " انتضِ.. انتضِ لنفسك مقعداً في سفينة العالم السمراء. أنت في البحر الأعلى من كل خوف.. روحك الجديرة بوليمة العشب ومن أوراق الغار".
في شواء تلك الظهيرة، أنتعل " جزمة " مطاطية، وغطى رأسه ببقية منديل مهترئ، أحتفظ فيه من زمن رفقة المناديل اكتمالاً للياقة المظهر، ودس بجيب بنطاله علبة السجائر، ومسبحة قتل الوقت، مقرراً الوصول لآخر مشوار " اللعبة ".
زوجته قالت له : " لا تفعل، أبنك الصغير عطس تواً " وكذلك، عندما لف جرو الجيران، الأسود والأبيض، ذيله بين فخذيه علامة تحذير من نحس متوقع.
" ما المسموح؟! وحدك من يتحِدْ برباطٍ أكثر حميمية. لكن ليس أن تبادل الاشياء بعاطفية مكشوفة. وحدك من يستطيع أن يفكر من غير أن يقول شيئاً.
في تلك الظهيرة لم تكن تنتظر أحداً، وما كان أحد ينتظر مجيئك. فقط أبخرة من رطوبة عالية الحرارة راحت تتساقط رذاذاً ساخناً لترهق وجهك وكل التعرجات في جسدك. وحدها غابة روحك الوعرة كانت تنسحب فيك لأرض بغيوم سوداء".
ــ ".. قبل أن تغطي السماء، أينما وجدت الأرض معلقة، قبل أن ينبثق النور من الهواء. لم يكن لكل منا شكله الخاص، الحالي، بدأت صورتنا على الوجه الآخر.. مسؤوليتنا مع الزمن والمكان. من ها هنا بدأت حربنا المعلنة والمضمرة. ما نفعله، كان، حين نتماثل الزهور التي تتناسل طبيعياً، والمياه عندما تشكل الأنهار من طمى الطين الوافر والاندفاعات المحمومة، كنا نندفع لمعرفة الحاجة للأنفاس الرطبة، كما للهوس الفاحش تخلصاً من الأنفاس اليابسة، ولرنّة المعاول على الحجر الصلد. من عصر لعصر، ومن مضاهاة لتحول، ومن ضرورة للنضال الحُر الشريف من أجل البقاء، لضرورة البقاء أيضا، كنا نمارس الغش والمكر والخيانة.
ننتج الاعاجيب والحب. نسجد طواعية لإلهة الحرب والخوف والغضب، بنفس الوقت نمجد إلهة الحب والخصب والخطى الشامخة. نلجأ كي نحتمي من الطوفان والنار والتعاسة، نمتهن الضحك والمطاردات والحظوة عند الزبد الأبيض والتماس الحاجة من عند ربات الاعضاء التناسلية دون خوف يوقفنا.
لهذا مددت ذراعي نحو السماء، وأجهدت نفسي لامتلاك جناحين، حتى لا يعيق الرمل وشقوق الصخور سرعة قدميَّ. وفيما كانت الدماء تصبغ جسدي، كان صدري العاري يصطبغ بزهو الأرجوان، أحياناً. كنت أحتقر النبوءات التي تدعوني للنكوص والتراجع. حتى وصلت إلى هنا أخيرا، إلى زمني الحاضر.. زمن الجدران، وغرف الاستجوابات، والجنود والاساطيل، والقصور الملكية، والقوى العظمى. هذا ما حصل لي بعد تجوال محفوف بالحب والخوف، معاً ".
عندها أخذتَ نفساً عميقاً من دخان سيجارتك، وبعد أن طرحتهُ، أخذتَ نفساً آخر. كنتَ تستبدلَ نهارا بآخر، أو بالأحرى تستخدم الكثير من الوسائل، ومع أنك لم ترتكب خطأ ما، وليس لك قساوة الحجر، على أنك، هكذا دائما. هكذا لا تعرف لماذا؟. في كل مرة تحاول أن تُغيّر خططك، لتشعر بأن إشارة ما، قد تكون عابرة، كانت ستملئُك باليقين.
طوال الوقت وأنت أمام شاشتك البيضاء، تبتكر الاعماق لرئتيك. تقف مهدداً الألم والثياب الممزقة، صارخا بوجوه كانت ترافق وجودك في العتمة:
ــ " لماذا هذا العجز المشؤوم، هل يا ترى لأننا كنا بحاجة لأسلحة هجوم أكثر من الحاجة لأسلحة دفاع "؟!
هناك بقيتَ طويلاً في حالةٍ من الذهول، وأنت لا تتجرأ حتى أن تمسح ماء العرق من على وجهك، كأنه مفروض أن تسدد له دَيْن عليك. أو أن تنتظر أن تكون لك، بمحض المصادفة، قوائم خنزير بري لتهرب باتجاه ظلال بيوت قائمة، أو تغرس جسدك عارياً في مرجٍ أخضر. تجرفك المياه الساخنة .
وأنت عاجز أن تطلق العَنان لقدميك، حرّة من جميع القيود. ها أنت وذئبك الجزع تعيّيانِ بحثاً في المسار الطويل المنهك عن أرض لا يكسوها وبرٌّ وحشي، ولا تنقسم لجزرٍ تحت هذا الفيضان الساخن. ولا تفلت منك غير التأوهات. فكرت من غير أن تجزّأ حزنك الشاهق:
ــ ".. وحدي كنت أمام شاشة العالم البيضاء، اشاهد فيلم " وفرة الأعنَّة ". من بين السنابك الصلبة، منحنياً من كثرة الوجع، وأنا أنزلق ببطء بين جموع المنطلقين، صدرا على صدر، مكافحين كما أنهار تسابق المياه لتراب الأرض. تشق أشداقنا أعنَّة الخسارات.
ومن شدة ألمي كنت أصيح: " ما اشقاني من حصان، يقتلني لجام الجهات المقفرّة، ولا أموت في هذه المآتم القاسية "؟!
هكذا رأيتَهم، وأنت في مقعدك المديد، حصانا حصان.. وفرسا فرس، يرتلون انتصارات قلوبهم، ولا يرتوون. يعرّضون عداوات عروقهم للموت. شعراء ومغنون وفنانون. عشاقٌ للضواحي والاحلام ولرقاب النساء المفتونات بالدهشة. للدموع التي تتفجر حناناً. لانتقام جليل ينتزع الحياة من جسد الانتهاكات والفظائع والوسائل الوحشية. أبناء للنور وللقوس المشدود بكل الألوان والكلمات التي ستغذي العالم بالريح العاصفة، حتى يصل الانسان لذروة الصوت الشجاع.
ــ " أيها العالم ، هناك نتوء نصل حديدي لا معقول، مدبب بألف رأس حاد، أقرب من القناعة لذاتي، يقتل خاصرتي "!
لحظة، وأنت تشد على خاصرتك المدماة، توالت من أمامك فيالق فرسان العصور: الأنكيديون والمقاومون في الظلمات الكثيفة. عمال السباخ والممالح، رجال البيريات الشجاعة من الجنود الفقراء الذين خسروا حربهم ولم يخسروا نفوسهم، وابناء الارياف وقرى الصفيح، والتعساء الغارقين بالحداد بلا ولادات شرعية، المجابهين اللهب بالغناء والسيوف. جميعهم كانوا يتحلقون كالفولاذ المتراص أو بالكلمات المتضامنة. يستجيبون للراسخ فيهم.
ــ " ... حقاً كان الفيلم، كما وجبة غذاء شهية. أما اللحظات التي لم أقْضِها معكِ.. اللحظات التي لم تقدمي لي فيها يا زوجة روحي، وجبة الضوء المتجدد، بقيت كما أوتار دون أصابع.
أيتها العذراء التي تحبس دموعها بمشقة، ويعتريها حب لرجل لا أمل اللقاء فيه في وضوح النهار، ولا نموذج له، عليكِ أن تعرفي أني سأبقى أحوّل الحجر من جهة لجهة، والغضب من إثم لإثم، حتى ترتقي أعلى ربوة ويتحرك شعركِ الفاحم في الهواء الناعم".



#يعقوب_زامل_الربيعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الماء يموت عطشاً!..
- النبع القرين...
- هواجس...
- إله المآل !..
- ما يُنضّجُ زغب النساء!..
- لقاء أزمنة...
- زمن استلاب الملامح!..
- لا أعرف ثَمَة من !...
- طيرانٌ من أجل كتفيكِ!..
- خاصرة برسمِ الطعن!..
- ما يحصل، أننا معاً...
- تلقائية الاذرع ..
- قاربكِ الملح!..
- روحك المشابهة !..
- عَطش القطرات!..
- فرس الارض المجنحة...
- الدالة !...
- كدنا نتنفس بعضنا!..
- شامة !..
- لأنبعاث أكثر..


المزيد.....




- الفن في مواجهة التطرف.. صناع المسرح يتعرضون لهجوم من اليمين ...
- عائشة القذافي تخص روسيا بفعالية فنية -تجعل القلوب تنبض بشكل ...
- بوتين يتحدث عن أهمية السينما الهندية
- افتتاح مهرجان الموسيقى الروسية السادس في هنغاريا
- صور| بيت المدى ومعهد غوتا يقيمان جلسة فن المصغرات للفنان طلا ...
- -القلم أقوى من المدافع-.. رسالة ناشرين لبنانيين من معرض كتاب ...
- ما الذي كشف عنه التشريح الأولي لجثة ليام باين؟
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يعقوب زامل الربيعي - شاشة الالغاز الفظّة!...