|
تيت غاليري بلندن يحتفي بالفنانة التركية فخر النساء زيد
عدنان حسين أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 5578 - 2017 / 7 / 11 - 11:15
المحور:
الادب والفن
سليلة أربع حضارات تراوح بين التشخيص والتجريد
ليس غريبًا أن ينظّم الـ "تيت غاليري" بلندن معرضًا استعاديًا للفنانة التشكيلية التركية فخر النساء زيد (1901-1991)، فقد عوّدتنا المنابر الثقافية والفنية البريطانية على إيقاعها الكوني العابر للقارات والبلدان والقوميات والأديان، فكل التجارب الإبداعية يمكن أن تجد طريقها إلى الصالات المُبهرة إذا ما توفرت على اشتراطاتها الفنية التي تؤهلها لأن تُعلّق على جدران هذا الصرح الثقافي الذي يغذّي ذائقة محبّي الفنون البصرية كالرسم، والنحت، والتصوير، والسيراميك، والفيديو آرت والأعمال التركيبية وما إلى ذلك. يضم المعرض أكثر من سبعين عملاً فنيًا يجمع بين الرسم والأعمال النحتية، إضافة إلى بعض التخطيطات والرسوم الأولية، وكتالوغات المعارض السابقة. وهذا العدد هو أقل بكثير من بقية المعارض الاستعادية التي تضم غالبًا أعمالاً فنية يتراوح عددها بين 150 إلى 200 عمل فني، ويبدو أن اللجنة المُنظمة لهذا المعرض لم تستطع الحصول إلاّ على هذا العدد المتاح من الأعمال الفنية التي استعارت بعضها من متاحف ومؤسسات فنية سبق لها أن اقتنت أعمال الفنانة التركية المعروفة فخر النساء زيد. لابد من الإشادة بالتنظيم الدقيق لهذا المعرض، وكل المعارض الأخرى التي تُقام في غاليريهات الـ "تيت" الأربعة الموزعة بين لندن وليفربول وبورثميَر بيتش حيث تُنظَّم الصالات على وفق التسلسل الزمني للأعمال الفنية من جهة، وعلى ثيماتها أو الموضوعات المهيمنة من جهة أخرى. قبل أن ننغمس في تحليل بعض الأعمال والمراحل الفنية التي مرّت بها الفنانة فخر النساء لابد من الإشارة إلى أنها بدأت الرسم في زمن مبكر جدًا، فقد أنجزت في عام 1915 أول بورتريه شخصي لجدتها وهو معروض في الصالة الثانية ويكشف عن موهبتها التشخيصية الواضحة وهي لم تجتز عامها الرابع عشر. وجدير ذكره بأنها أول امرأة تركية تدرس الرسم في أكاديمية الفنون الجميلة للنساء بإستانبول عام 1919، ومردّ ذلك أنها كانت تنتمي إلى عائلة إرستقراطية متفتحة فعمّها جواد باشا كان الصدر الأعظم في الإمبراطورية العثمانية لأكثر من دورة. كما أنّ زوجها الأول، الروائي التركي عزت مليح ديفريم، قد أتاح لها في زيارتها الأولى إلى اليونان أن تتعرف على تقاليد الفن الأوروبي، بينما وفرّ لها زوجها الثاني الأمير زيد بن الحسين فرص العيش في العديد من العواصم العربية والأوروبية التي وسعّت من إلمامها بمدارس الفن التشكلي، وتقنياته، وتياراته الحديثة . تعتبر الصالة الأولى في هذا المعرض بمثابة التذكير بأبرز المدن والمحطات الرئيسة في حياة فخر النساء مثل نيويورك، لندن، باريس، برلين، بغداد، إستانبول، وعمّان التي استقرت فيها نهائيًا عام 1976 وأسست معهد فخر النساء للفنون الجميلة لتكرّس سنواتها الأخيرة في تدريس النساء لمادة الفن التشكيلي، هذا الهاجس الإبداعي الذي شغلها طوال ثمانية عقود متتالية. يصف بعض النقاد تجربة فخر النساء الإبداعية بأنها "فنانة تشخيصية Figurative انتقلت إلى التجريد في أربعينات وخمسينات القرن الماضي ثم عادت إلى التشخيص ثانية"، لكن المدقِق في هذه التجربة الغنية والعميقة في آن سيكتشف حجم التأثيرات الشرقية والأوروبية في منجزها الفني، وتنوّع الثيمات التي عالجتها بحساسيّة فنية مُرهَفة، واجتراح بصمة خاصة بمنجزها الفني، وخاصة الأعمال التجريدية الضخمة التي يصل عرض الواحدة إلى أكثر من خمسة أمتار! تحتوي الصالة الثانية على سبع لوحات تشخيصية متنوعة الثيمات مثل "الحمّام التركي"، "ثلاث طرق للعيش"، و "بورتريه" بات مشهورًا للفنانة نفسها وهي تحدِّق بنظراتها الجانبية إلى المتلقين. قد تبدو هذه الموضوعات مألوفة لكنها لا تخلو من بعض الإبهام والعمق الرمزي الذي يُذكِّرنا بأعمال الفنانَين يان بروخل وبيتر بروخل الأكبر. تحتضن الصالة الثالثة ست لوحات أبرزها "ببغاء مجرّد" أنجزته عام 1948أو العام الذي يليه ويبدو فيه الببغاء مرئيًا بشكل جزئي لكن الفنانة هشّمت صورته إلى أجزاء متناثرة ووزّعتها على شكل شظايا ملونة، حددتها باللون الأسود الذي يذكِّرنا بالنوافذ الزجاجية الملونة. ثمة لوحة أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها تحمل عنوان "معركة ضد التجريد" التي أنجزتها عام 1947 وفيها تصوِّر الفنانة بفرشاة عنيفة وجوه وقبضات مشدودة بانفعال تصارع الفضاء التجريدي الذي يضيّق عليها الخِناق حتى وإن اختبأ وراء أشكال موزائيكية مشرقة. ما يلفت النظر أن الملكة الأم (إليزابيث باوز ليون) قد حضرت افتتاح معرضها الشخصي في سانت جورج بلندن عام 1948 ونصحت الفنانة بأن تزور أسكتلندا لتفيد من سحر الطبيعة وجمالها الخلاب. ثمة لوحات أخر تثير الانتباه في هذه الصالة مثل "نساء بدويات" 1950 التي رسمتها ببغداد بأسلوب سُريالي. ولوحة "أليس في بلاد العجائب" 1952 التي اشتركت بها في معرض يحمل الاسم ذاته بباريس وهو من أبرز معارض المجموعة السُريالية في الخمسينات. يمكن القول بأن الصالة الرابعة التي تضم سبع لوحات هي عُصارة المعرض وخلاصته من الناحية الفنية، فثمة لوحات كبيرة الحجم منفذة بأسلوب تجريدي خالص لا يحفل بالتشخيص مطلقًا، فالسطح التصويري على سعته يكتظ بأشكال مُبهرة تتناغم فيها باقة كبيرة من الألوان كالأزرق والأحمر والأصفر والأخضر والأرجواني والأبيض. تقول فخر النساء عن منحاها التجريدي:"لم أنوِ أن أصبح رسّامة تجريدية. كنت إنسانة تقليدية في الأشكال والقيم لكن السفر بالطائرة قلب العالم رأسًا على عقب حيث أصبحت المدينة كلها طوع يدي، وبات العالم مرئيًا من فوق". ونتيجة لهذه الرحلة الجوية التي قامت بها فخر النساء عام 1938 تغيّر مفهومها للفن وباتت ترسم بعين الطائر المُحلِّق في علّوٍ شاهق كما في لوحتها المعروفة "ساحة الشمس" 1954 التي شبّهت تكويناتها بالبركان الذي يقذق حِممه وصخوره إلى كل الجهات لحظة إندلاعه. من اللوحات الضخمة التي احتفت بها هذه الصالة هي لوحة "أخطبوط تريتون" 1953 التي تُظهر تأثرها بالموزائيك الإسلامي وهي للمناسبة ملاحظة بولند أجويد التي انتبه إليها مبكرًا وكتب عنها بإسهاب قبل أن يصبح رئيسًا للوزراء في الجمهورية التركية! تكشف نصف لوحات الصالة الخامسة عن تعلّق الفنانة بالطبيعة وقد رسمت الكهوف البحرية وأعطتها أسماء لاتينية، كما رسمت المدن في لحظات الفرح والبهجة وهي تحتفل بالألعاب النارية مثل لندن وبرايتون وسواهما من المدن البريطانية والأوروبية التي وطأتها وأحبّت فضاءاتها البيئية والعمرانية. حينما استقرت فخر النساء في عمّان بعد وفاة زوجها زيد بن الحسين عادت إلى المنحى التشخيصي من جديد وبدأت برسم البورتريهات لبعض أفراد العائلة ولأصدقائها المقرّبين. وقد ضمّت الصالة السادسة والأخيرة ستة بورتريهات وهي "سهى شومان"، "خالد شومان"، "رينيه باروت"، "روز لاروك غراناف"، "شارل إستين" لكن البورتريه الشخصي للفنانة نفسها هو الأكثر هيمنة على لوحات وأعمال هذه الصالة تحديدًا وقد أسمته "امرأة ما من الماضي" 1980، وقالت عن هذا البورتريه الآسر الجمال: "أنا سليلة أربع حضارات، في بورتريهي الشخصي. . فاليد فارسية، والثوب بيزنطي، والوجه كريتي، والعيون شرقية، لكنني لم أكن واعية لذلك حينما كنت أرسم". ثمة أعمال نحتية تحتل جانبًا من هذه الصالة وهي عبارة عن عظام دجاج لوّنتها الفنانة وصبّتها في قوالب راتينجية تُذكِّرنا أيضًا بالرسم على النوافذ الزجاجية الملوّنة.
#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أديب كمال الدين . . . الشاعرُ المُتعبِّد في صومعة الحرف ومحر
...
-
ديفيد هوكني في معرضة الاستعادي الثاني في غاليري Tate Britain
...
-
السنة المفقودة. . . سيرة ذاتية مُصوَّرة
-
بيضاء كالثلج. . البحث عن آصرة الأخوّة المُفتَرضة
-
عاشقات سعد علي يمرحنَ في فردوسهِ المُتخيَّل
-
انتظار السَمَرْمَرْ: رواية متماسكة وليست محْكيات مشتّتة
-
-بطنها المأوى- لدُنى غالي. . . نموذخ صادم لأدب المنفى والسجو
...
-
سلامًا للغربة . . وداعًا للوطن: المبدعون يصنعون شخصية الأمة
-
شخصيات جاكومَتي الخيطية ترحل من الوجود إلى العدم
-
إشكالية الإقحام و الفبركة في رواية بهار
-
فيلم الكَنّاوي: ساجر النار: أصداء التاريخ وسؤال الحرية المطل
...
-
تواشج الأشكال والمضامين في رواية -العدد صفر- لأُمبرتو إيكو
-
قُصاصة ورق . . نص سردي يعرّي قسوة السلطة السورية
-
لمَسات ورّاق فرنسي الهوى: توحش اللغة الإنكَليزية ودموية ثقاف
...
-
الفنان التعبيري ستار كاووش ينهل ثيماته من كتاب الحُب
-
التفكير بالعين: مقاربة نقدية تفتقر للإجابات الشافية
-
ديفيد هوكني: الفنان الذي خلّد الطبيعة والأصدقاء
-
رسائل أنسي الحاج إلى غادة السمّان
-
مقدمات وإشارات تعريفية بآثار إبداعية ومعرفية
-
عذراء سنجار: وطن مخطوف وطائفة مُستباحة
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|