|
لعنة السلطة
ابراهيم ابراش
الحوار المتمدن-العدد: 5575 - 2017 / 7 / 8 - 19:41
المحور:
القضية الفلسطينية
وقعت حركة التحرر الوطني الفلسطيني – أو الثورة الفلسطينية كما كان يُطلق عليها قبل قيام السلطة الوطنية 1994 - في مفارقة غريبة ومنزلق خطير لم تعرفه حركات التحرر عبر التاريخ ،وذلك عندما تحولت حركة التحرر أو الثورة الفلسطينية إلى سلطة وحكومة تحت الاحتلال ،بدأ الأمر مع حركة فتح وفصائل منظمة التحرير ثم امتد لحركة حماس . نتيجة هذا التحول تدَاخُل الصراع مع الاحتلال مع الصراع الفلسطيني الداخلي على السلطة ومنافعها مع انزياح متسارع باتجاه الصراع على السلطة وتراجع الصراع مع الاحتلال ،وآل الأمر اليوم لانشغال النخب السياسية والأحزاب بالصراع على السلطة ومن أجلها أكثر من انشغالها بمهام الجهاد والتحرير ،وبدلا من أن تكون السلطة الوطنية أداة نضالية ومرحلة انتقالية نحو الدولة أصبحت هدفا بحد ذاته ومبررا للقتال من أجلها ،أما قضية التحرير وقيام الدولة فباتت مسألة مؤجلة . كان من الممكن أن يؤدي وجود سلطة وطنية ونقل ثقل الثورة الفلسطينية من الخارج إلى الداخل منطلقا ومنعطفا نضاليا لو توفرت استراتيجية ورؤية وطنية مشتركة لكيفية المزج ما بين العمل السياسي وأشكال المقاومة المتوافقة مع القانون الدولي والشرعية الدولية ،ولو تصرفت قوى المعارضة بعقلانية ،ولو كان أداء السلطة افضل مما كان . لأنه لم يحدث ذلك فقد آلت الأمور لحالة فراق وتعارض ما بين السلطة وما عليها من استحقاقات بمقتضى اتفاقية أوسلو من جانب ،وحركة التحرر الوطني الفلسطينية واستحقاقاتها من جانب آخر . إن صيرورة السلطة من حالة مؤقتة لحالة دائمة وبديلا عن الوطن والدولة ،وأن يصبح ثمن الحفاظ على السلطة –سلطة الضفة وسلطة غزة - إما يُنتزع من حقوقنا السياسية وثوابتنا الوطنية أو بالسكوت على الاحتلال الإسرائيلي والممارسات الاستيطانية والتهويدية ,وأن تؤول السلطة إلى سلطتين فلسطينيتين متصارعتين ومتعاديتين وتعتاشان على المساعدات الخارجية والتسهيلات الإسرائيلية ... فهذا يعني أن السلطة تتحول شيئا فشيئا إلى لعنة على الشعب الفلسطيني وعائق أمام مهمة التحرير وأمام تحقيق المصالحة والوحدة الوطنية ،الأمر الذي يتطلب إن لم يكن إنهاء وجود السلطة بواقعها الحالي ، فعلى الأقل تغيير وظيفتها لتصبح سلطة وطنية واحدة تتصدى للاحتلال بما يسمح به القانون الدولي والشرعية الدولية ،ورافعة وأداة للانتقال نحو الدولة الفلسطينية المستقلة . كانت لعنة السلطة وشهوة الحكم وراء فشل الانتفاضة الثانية ،والانقسام والمواجهات الدموية بين حركتي فتح وحماس ،و تراجع مقاومة الاستيطان والاحتلال ،ومحاصرة الانتفاضة الأخيرة انتفاضة السكاكين والدهس ، ولعنة السلطة وشهوة الحكم اليوم هما ما يعيقان المصالحة الوطنية ويسرعا عملية الانتقال من الانقسام إلى الانفصال . نعم السلطة الفلسطينية أنجزت بعض الأمور وكان من الممكن أن تكون منجزا وطنيا ،ولكنها حتى الآن سلطة حكم ذاتي محدود ووجودها مرتبط بالاتفاقات الموقعة مع إسرائيل ،ونجاحها وطنيا مرتبط بالتقدم بخيار حل الدولتين ،إلا أن السلطة والقيادة الفلسطينية حتى الآن غير قادرتين أو مترددتين في تجاوز هذه الاتفاقات نحو دولنة السلطة ،بل يقول الرئيس أبو مازن نفسه أنه لم يعد من الممكن تطبيق خيار حل الدولتين بسبب الممارسات الإسرائيلية . بقاء السلطة على حالها وبقاء العلاقة بينها وبين إسرائيل محكومة باتفاقات أوسلو ومقيدة بالتنسيق الأمني وبالبروتوكول الاقتصادي ،وبقاء منظمة التحرير وحركة فتح على حالهما دون تجديد المؤسسات والنخب لن يخدم إلا إسرائيل وستكون السلطة ومنظمة التحرير بكل فصائلها وعلى رأسها حركة فتح شاهد زور على ضياع الضفة بالكامل ودفع قطاع غزة نحو خيارات غير وطنية . لم يتوقف الأمر عند فصائل منظمة التحرير بل أصابت لعنة السلطة حركات المقاومة المسلحة أو الجهادية وخصوصا حركة حماس والتي كانت ترفض فكرة وجود سلطة وكانت أعمالها العسكرية سببا في إضعاف السلطة الوطنية . عدم اعتراف حركة حماس بإسرائيل والقول بأنها سلطة مقاومة ،وإن كان يعطيها ميزة عن سلطة منظمة التحرير الفلسطينية ،إلا أن ما وصلت إليه الأمور في قطاع غزة من هدنة مُحكَمة مع إسرائيل وحالة فقر وبطالة في قطاع غزة وسعي محموم للحفاظ على السلطة في القطاع بأي ثمن حتى ولو كان الثمن وقف المقاومة و التحالف مع أي طرف خارجي ،كل ذلك يضع سلطة حماس في نفس مأزق وإشكالية سلطة منظمة التحرير . فهل آن الأوان لتفكر النخب السياسية بالوحدة الوطنية والمشروع الوطني خارج حسابات السلطة ؟. وفي هذا السياق نُعيد التأكيد على أن السلطة أمر طارئ على الحالة الفلسطينية كحركة تحرر وطني ،والطارئ يجب أن لا يُغيب الأصل ، ومن المفيد التذكير أيضا بأن الشعب الفلسطيني أسس مشروعه الوطني (منظمة التحرير الفلسطينية) في الستينيات ونال احترام العالم في وقت لم تكن هناك سلطة وكان الانقسام والانفصال الجغرافي أشد مما هو الآن . إن الاختلاف والصراع حول السلطة لا يعني نهاية المشروع الوطني لأن المشروع الوطني ليس السلطة وليس النخب السياسية المتصارعة على السلطة . لذا فإن كل تفكير بالمصالحة والوحدة الوطنية من داخل صندوق السلطة وحساباتها وارتباطاتها والتزاماتها الخارجية لن يؤدي إلا لمزيد من الانقسام أو على أفضل تقدير إدارة للانقسام تؤسَس على تقاسم منافع السلطة ،الأمر الذي يتطلب البحث عن مداخل استراتيجية أخرى للوحدة الوطنية غير مدخل السلطة أو إلى جانب مدخل السلطة . [email protected]
#ابراهيم_ابراش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لعبة الأمم مرة أخرى
-
مبادرة الرئيس ،وتفاهمات حماس-دحلان-مصر
-
أية تسوية سياسية الآن ستكون أسوء من تسوية أوسلو
-
رد الاعتبار لفلسطين كقضية تحرر وطني
-
العرب يدينون أنفسهم ويبرئون واشنطن والغرب
-
(الربيع الخليجي) وانقلاب السحر على الساحر
-
حركة حماس أمام أختبار صعب
-
قمة الرياض ومنزلق وصف حماس وإيران بالإرهاب
-
ترامب يحصد ما زرعه أوباما
-
مخاض الانتقال من الانقسام إلى الانفصال
-
حركة حماس ومشروع (غزة أولا)
-
وثيقة حماس : خطوة إيجابية تحتاج لإثبات جدارة وطنية
-
أسرانا أشرافُنا وتاج على رؤوسنا
-
المثقفون والمبدعون لا يتقاعدون
-
ما زال في الإمكان تدارك الأمر
-
الرواتب كاداة لتصفية حالة التحرر الوطني وتكريس الانقسام
-
قرارات قمة عمان تخفي اكثر مما تُفصح
-
مثقفون بدون ثقافة : مثقفو الشتائم والإحباط
-
لقاء ما بعد الصدمة بين ترامب وابو مازن
-
الهروب نحو الحل الإقليمي لن يحل المشكلة
المزيد.....
-
رصد طائرات مسيرة مجهولة تحلق فوق 3 قواعد جوية أمريكية في بري
...
-
جوزيب بوريل يحذر بأن لبنان -بات على شفير الانهيار-
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
لحظة هروب الجنود والمسافرين من محطة قطارات في تل أبيب إثر هج
...
-
لحظة إصابة مبنى في بيتاح تكفا شرق تل أبيب بصاروخ قادم من لبن
...
-
قلق غربي بعد قرار إيران تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة
-
كيف تؤثر القهوة على أمعائك؟
-
أحلام الطفل عزام.. عندما تسرق الحرب الطفولة بين صواريخ اليمن
...
-
شاهد.. أطول وأقصر امرأتين في العالم تجتمعان في لندن بضيافة -
...
-
-عملية شنيعة-.. نتانياهو يعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي في
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|